منذ عام 2001، أتت وذهبت فرصٌ لمحادثات سلام. أحيانا، توقفت العملية لأسبابٍ سياسية، مثل تحفظ الولايات المتحدة على التعامل مع طالبان. في أوقاتٍ أخرى،انهارت النقاشات بسبب خلل في التواصل أو افتقاد الاجماع السياسي. لم يكن حتى 2010 أن تبنت الولايات المتحدة تماما محادثات السلام كأفضل طريقة لإنهاء العنف في أفغانستان، وحتى في ذلك الوقت، كان التقدم بطيئا ومترددا.

لكن هذه المرة مختلفة. وضع أشرف عبدالغني، الرئيس الأفغاني الجديد، محادثات السلام على رأس أجندته. تبدو باكستان والصين مستعدتان للمساعدة في بِدء العملية. ولمحت طالبان نفسها إلى أنها قد تكون مستعدة لدعم نهاية للعنف.

يجب أن تستغل الولايات المتحدة تلك الفرصة، بحيث تفعل ما تستطيع لدفع عملية السلام قُدُما. سوف تحتاج واشنطن إلى استخدام مجموعة من الجزر والعُصي بينما تظل ملتزمة بأمن أفغانستان. يجب أن تساعد القوات الأفغانية على التمسك بمواقعها في ساحة المعركة، وتضغط على باكستان لإبقاء طالبان على الطاولة، وتقبل أنه في النهاية بعض التنازلات سوف تكون ضرورية. الأهم أنها سوف تحتاج أن تظل مرنة بشأن الجدول الزمني للانسحاب وملتزمة بدعم أفغانستان حتى عام 2017 وما بعده.

بالطبع، قد لا تسفر محادثات السلام عن سلامٍ دائم. في عام 2007، أشار العالم السياسي جيمس فيرون على هذه الصفحات إلى أن 16 بالمئة فقط من الحروب الأهلية وحركات التمرد تنتهي عبر تسويةٍ سلمية عن طريق التفاوض. لكن حتى إن كانت فرص نجاح المفاوضات ضعيفة فإنها تظل الخيار الأفضل لأفغانستان والولايات المتحدة. سوف يكون الإبقاء على الوضع القائم بمثابة تسليم أفغانستان إلى حرب استنزاف طويلة سوف تدمر البلاد، تقلب الاستقرار الإقليمي، وتنهك ميزانيات الولايات المتحدة وحلفائها.

1

جنودٌ من الجيش الوطني الأفغاني يحملون متفجرات خلال استعداداتٍ لتدمير أسمدة من نترات أمونيوم، والتي تستعمل في صنع القنابل، بالقرب من كابول، أبريل 2010

خطوة للأمام، خطوتان للوراء

في ديسمبر من عام 2001، التقت مجموعة من كبار مسؤولي طالبان بحامد كرزاي، الذي سيصبح الرئيس الأفغاني بعد ذلك بفترةٍ قصيرة، والذي كان مقاتليه المعادين لطالبان يتقدمون نحو قندهار، عاصمة طالبان الجنوبية، في ذلك الوقت. حسب الصحفيين أناند جابول وبيتي دام، كان أعضاء الوفد مستعدين لإلقاء سلاحهم في مقابل الحصانة. لقد أعطوا كرزاي خطابا –يُحتمل أنه كان موقعا من قِبَل القائد الأعلى لطالبان، الملا عمر– يشرح بالتفصيل كيف يمكن أن تتنحى طالبان سلميا. لم تصل الفرصة أبدا إلى أي شيء. رفض المسؤولون الأمريكيون منح حصانةٍ للملا عمر، واندفعت القوات الأمريكية والأفغانية تجاه مدينة قندهار. سواء لهذا السبب أو غيره، فر الملا عمر وأغلب قيادات طالبان ليستمروا في الحرب. غاضبةً من هجمات 11 سبتمبر ومدعومة من انتصاراتها في ساحة المعركة، لم تُشرك الولايات المتحدة طالبان في تسويةٍ لما بعد الغزو.

في عام 2002، تواصل مبعوثين بارزين من طالبان مع كرزاي مرةً اخرى. ذكر كرزاي تلك الاتصالات للمسؤولين الأمريكيين، فقط ليجد الولايات المتحدة تثني حكومته بشدة عن التفاوض مع طالبان. حتى أنه في نفس ذلك العام، احتجزت القوات الأمريكية وزير خارجية طالبان السابق وكيل أحمد متوكل، عندما وصل إلى كابول لمقابلة الحكومة الأفغانية. بحلول عام 2003، حولت طالبان تركيزها إلى الاستيلاء على الأراضي، وبمجرد أن بدأت هجمات طالبان عام 2006، هوت مجسات السلام إلى القاع.

استمر الأمر على هذا الوضع حتى الشهور الأخير لإدارة بوش حين استعادت محادثات السلام بعض الزخم. احتفظ فصيل معتدل داخل طالبان باهتمامٍ بالمفاوضات، وفي عام 2008، سمح الملا عبدالغني باردار، نائب الملا عمر، لبعض تابعيه بمقابلة مسؤولي الحكومة الأفغانية برعايةٍ سعودية. بدأ الملا باردار أيضا في التواصل مباشرةً مع أعضاء من عائلة كرزاي، والذين تصادف أنهم من قبيلته.

في تلك الأثناء تقريبا، بدأ وفدٌ لطالبان مقابلة كاي ايدي، مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان آنذاك، في دبي. لكن المحادثات توقفت في فبراير 2010، عندما احتجز مسؤولون باكستانيون الملا باردار في كراتشي، الخطوة التي تٌفسر على نطاقٍ واسع على أنها فيتو باكستاني على المفاوضات المباشرة بين كابول وطالبان. كما اعترف مسؤول أمني باكستاني لصحيفة نيويورك تايمز في 2010: “لقد التقطنا باردار … لأن (طالبان) كانت تحاول إبرام اتفاق بدوننا. نحن نحمي طالبان. هم يعتمدون علينا. لن نسمح لهم بإبرام اتفاقٍ مع كرزاي والهنود”.

في ذلك الوقت، كانت فكرة تحقيق سلام عن طريق التفاوض، والتي تم الترويج لها في البداية داخل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من قِبَل ريتشادر هولبروك، مبعوث الرئيس أوباما إلى أفغانستان وباكستان آنذاك، وبارنت روبن، أحد كبار مستشاري هولبروك؛ تكتسب زخما في الولايات المتحدة. في مايو 2010 زار كرزاي واشنطن، ورفع أوباما الحظر على التحدث إلى قيادة طالبان الذي وُضع في عهد بوش. كنتيجةٍ لذلك، عقد كرزاي بعد شهر لويا جيركا، أو المجلس الأعلى، لمناقشة امكانية إجراء مفاوضات سلام. وفي سبتمبر، أُنشئ مجلس السلام الأعلى، والذي سوف يصبح الوجه العلني لجهود السلام الخاصة به، وهو مجلس يتكون من 70 عضوا يقوده الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني ويمتلئ بقادة المجاهدين الأفغان وأعضاء سابقين في طالبان.

في غضون ذلك الوقت، شجع البيت الأبيض الأخضر الابراهيمي، المسؤول الأكبر للأمم المتحدة في كابول سابقا، وتوماس بيكرنج، المساعد السابق لوزير الخارجية للشؤون السياسية، على فحص امكانية إجراء محادثات سلام في أفغانستان. قاد الاثنان مجموعة دولية من الدبلوماسيين سافرت إلى أفغانستان وباكستان وقابلت ممثلين سابقين وحاليين لطالبان، ورفعا تقريرا إلى واشنطن بأن طالبان مهتمة بامكانية عقد محادثات مع الولايات المتحدة.

كانت الكرة تدحرج. في نوفمبر 2010، تقابل دبلوماسيون أمريكيون وممثلون لطالبان لأول مرة، في ألمانيا. في فبراير 2011، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة مستعدة رسميا لبِدء مفاوضات سلام، رغم تحذيرها من أن أي تسوية سوف تتطلب أن تلقي طالبان سلاحها، تقبل الدستور الأفغاني، وتقطع علاقاتها مع القاعدة. بعد بعض التأخير، انطلقت المحادثات بين الولايات المتحدة وممثلي طالبان في أواخر 2011 واستمرت إلى الشهور الأولى من 2012، حين قطعت طالبان الاتصال، رافضةً طلبا من واشنطن بأن تبدأ التفاوض مع كابول.

كانت تلك فرصة ضائعة حقيقية: الفشل في البدء في عملية سلام في قمة النفوذ الأمريكي، بينما كانت قوات الناتو تستعيد مساحاتٍ واسعة من معاقل طالبان في قندهار، هلمند، والمناطق المجاورة. جميع الأطراف مسؤولة عما حدث.

على الجانب الأفغاني، قام كرزاي بأفضل ما لديه لإعاقة عملية خشى من أنها سوف تهمشه وطلب أن تتحدث طالبان إلى الحكومة مباشرةً. رفضت طالبان التفاوض مع كابول إلا إذا أمنوا إطلاق سراح عددٍ من قادتهم السابقين من منشأة الاعتقال الأمريكية في خليج جوانتانامو بكوبا أولا. تابعت الولايات المتحدة، من جانبها، عرض كلينتون المبدئي بحذر، حيث أعيقت بسبب جدلٍ مطول بين الوكالات وعدم اتخاذ قرار. لم يمكن لوزارة الدفاع موافقة وزارة الخارجية في عددٍ من القضايا المرتبطة بالمفاوضات. فضل الجنرال ديفيد باتريوس، على سبيل المثال، والذي قاد مهمة الناتو الأمنية في أفغانستان من عام 2010 إلى عام 2011، تأجيل محادثات السلام حتى تُحدث زيادة القوات نجاحا عسكريا أكبر. دعم مسؤولون آخرون بالبنتاجون اقتراح أن الولايات المتحدة يجب أن تفرج عن سجناء من جوانتنامو في مقابل بو بيرغدال، وهو رقيبٌ أمريكي كانت طالبان تحتجزه. كان البيت الأبيض بطيئا في صياغة اجماعٍ على طريقٍ للمضي قُدُما، وهكذا ضاعت الفرصة.

استمرت ملحمة “هل سيفعلون، هل لن يفعلوا” حتى عام 2013، عندما أرسلت طالبان إشاراتٍ لواشنطن أنها مستعدة لإعادة فتح محادثات السلام وأيضا مقابلة الحكومة الأفغانية. من خلال وسطاء في قطر، خططت طالبان لفتح مكتب سياسي في الدوحة مخصص للمفاوضات. لكن المبادرة انهارت في اللحظة الأخيرة، بسبب سوء تفاهم. علم قادة طالبان أن المسؤولين الأمريكيين والأفغان رفضوا مخاطبتهم كممثلين لإمارة أفغانستان الإسلامية، وهو الاسم الذي كانت تعتمده حكومتهم السابقة. لكنهم اعتقدوا، جزئيا بناءً على مفاوضات مع المسؤولين القطريين، أن بإمكانهم استخدام الاسم لوصف أنفسهم للعالم الخارجي. عندما تم افتتاحه، أظهر المكتب علما للإمارة الإسلامية ولافتة بالاسم. طلبت الولايات المتحدة، التي أكد لها المسؤولون القطريون أن المكتب لن يصف نفسه كجزءٍ من الإمارة الإسلامية، أن يزيل المسؤولين القطريين العلم واللافتة. ردا على ذلك،أغلقت طالبان المكتب وقطعت جميع الاتصالات مع واشنطن وكابول.

علمَّت التجربة الطرفين أن يكونا أكثر حرصا عند التواصل عبر طرف ثالث. في العام 2014، استطاعت طالبان والولايات المتحدة، من خلال وسطاء قطريين مجددا، ترتيب إطلاق سراح بيرغدال، في مقابل نقل خمس مسؤولين سابقين بطالبان إلى الدوحة، حيث سيبقوا لمدة عام. لم تكن الاتفاقية كاملة: فقد أشعلت جدلا حامي الوطيس في الولايات المتحدة بشأن شرعية معدل تبادل خمسة مقابل واحد وما إذا كان ينبغي إشعار الكونجرس مقدما بالاتفاق. لكنها أثبتت لكل طرف أن الطرف الآخر يستطيع الوفاء بالتزاماته في اتفاقية عند التوصل إليها. لكن لم يقم أي من الطرفين بأي محاولة للبناء على هذا النجاح، وتوقف الزخم من أجل محادثات سلام مرةً أخرى.

فرصة ذهبية

بعد فترة من الصمت اللاسلكي، برزت فجأة فرصة لمحادثات سلام في فبراير من العام الجاري – وهذه المرة، فإن احتمالات النجاح قد تكون أفضل. في ذلك الشهر، ذهب الجنرال رحيل شريف إلى كابول وأخبر الرئيس الأفغاني المنتخب حديثا أن طالبان سوف تكون مستعدة لبِدء لقاءات رسمية مع المسؤولين الأفغان بِدءا من الشهر المقبل وأن طالبان تم إخبارها من قِبَل المسؤولين الباكستانيين أنه لم يعد من المقبول الاستمرار في الحرب. رغم أن شهورا مرت بينما كان يقوم متشددو ومعتدلو طالبان بتقرير ما الذي يجب فعله، ففي أوائل مايو التقى أعضاءٌ بارزين من طالبان علنا وبشكلٍ غير رسمي مع أعضاء من مجلس السلام الأعلى الأفغاني في قطر. شدد ممثلي طالبان خلال اللقاء على اهتمامهم بعقد محادثات سلام وإعادة فتح مكتبهم في الدوحة.

تجعل عدة عوامل تلك الفرصة تحديدا واعدة أكثر من الفرص التي سبقتها. العامل الأول هو القيادة الجديدة في كابول. كان لكرزاي علاقة متوترة مع الولايات المتحدة، حيث كان يسبق واشنطن بحوالي عشر سنوات في السعي إلى التواصل مع طالبان، لكن بحلول الوقت الذي اقترب فيه المسؤولون الأمريكيون من رؤيته، لم يعد هو يثق بهم. مقتنعا بأن الولايات المتحدة تحاول عقد اتفاقٍ منفصل مع طالبان سوف يقسم أفغانستان، سعى كرزاي إلى احتكار أي محادثاتٍ مع الحركة. بدأ كرزاي في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت تحاول عمدا إفساد المفاوضات في محاولةٍ لإطالة الحرب والإبقاء على الوجود الأمريكي في المنطقة. حاولت حكوماتٍ أخرى، مثل فرنسا واليابان، رعاية حوارٍ أفغاني داخلي، لكن كرزاي اعترض على تلك الاجتماعات، والتي شعر أنها قلصت حكومته إلى مجرد فصيلٍ أفغانيٍ آخر.

يعد عبدالغني، والذي خلف كرزاي كرئيسٍ لأفغانستان في أواخر عام 2014، بأن يكون قائدا من نوعٍ مختلف. أقام هو وعبدالله عبدالله، الرئيس التنفيذي لأفغانستان، حملتهما على دعمهما لتحقيق سلامٍ عن طريق التفاوض ويبدون، على عكس كرزاي، مستعدين لتقديم تنازلات والعمل مع حكوماتٍ أخرى للوصول إلى الهدف المنشود. خلال رحلةٍ إلى بكين في أكتوبر الماضي، شجع عبدالغني الحكومات الأخرى على على دعم عملية المصالحة في بلاده، مشيدا ضمنيا برغبة بكين في المساعدة في إطلاق محادثات سلام. استكمل عبدالغني ليناقش عملية السلام مع ممثلين عن الصين وباكستان والولايات المتحدة.

التطور الواعد الثاني هو موقف باكستان الإيجابي تجاه المفاوضات. منذ عام 2002، وفرت باكستان مأوىً لطالبان، ومكانا للراحة وإعادة التجمع والاختباء. اعترف برويز مشرف، والذي كان رئيسا لباكستان ما بين عامي 2001 و2008، بأن حكومته ساعدت طالبان عمدا لتأمين مصالح بلاده في أفغانستان ومواجهة النفوذ الهندي في المنطقة. تعهد قادة باكستان السياسيون والعسكريون في الأعوام الأخيرة بإنهاء تلك الممارسة، لكن القليل تغير. ورغم أن باكستان لعبت أحيانا دورا إيجابيا في عملية المصالحة –حيث أفرجت عن الملا باردار، على سبيل المثال– إلا أنها لم تجلب ابدا قادة طالبان الرئيسيين إلى طاولة المفاوضات.

يبدو أن هذا يتغير. مصداقا لكلمات شريف، فمنذ شهر فبراير، يعقد مسؤولون باكستانيون لقاءاتٍ مع قادة طالبان ويشجعون المفاوضات. رغم أن قيادة باكستان منقسمة بشان مدى شدة الضغط الذي يجب ممارسته على طالبان، فإن إسلام أباد يبدو أنها تشعر أن لها مصلحةً أكبر في أفغانستان هادئة عما اعتقدت سابقا. بدون خطة لسلامٍ عن طريق التفاوض، لا يمكن أن تنتهي مغادرة الجنود الأمريكيين جيدا بالنسبة لباكستان. ربما يعطي الانسحاب لطالبان الفرصة للاستيلاء على أراضٍ اكثر، الأمر الذي سيزيد من نفوذ باكستان في أفغانستان. لكن الحكومة الأفغانية سوف تقوم حينذاك وبشكلٍ شبه مؤكد بالتحول إلى الهند للحصول على أموالٍ وسلاح، تاركةً باكستان تحارب حربا طويلة بالوكالة ضد خصمتها، أو الأسوأ، الموافقة على وصايا هندية على شمالي أفغانستان. بالنسبة لباكستان، قد يكون هذا نتيجةً أسوأ من أفغانستان محايدة ملتزمة بالبقاء خارج الصراع الهندية الباكستاني.

محمد نعيم، المتحدث باسم مكتب طالبان أفغانستان، متحدثا خلال افتتاح المكتب السياسي لطالبان أفغانستان في الدوحة، يونيو 2013

ربما يكون لنجاحات طالبان في ساحة المعركة آثارا جانبية أيضا. قد ينمو تهديد المتشددين لباكستان. متجرأين عبر تلك النجاحات، قد تبدأ طالبان الأفغانية ونظيرتها الباكستانية في التعاون أكثر، وقد تنشأ ملاذاتٍ آمنة للإرهابيين الباكستانيين على الجانب الأفغاني من الحدود، وهو تخوفٌ قديم لدى الحكومة الباكستانية. تأكد ذلك الخطر في 16 ديسمبر 2014، عندما هاجمت طالبان الباكستانية مدرسةً تابعةً للجيش في مدينة بيشاور الباكستانية الشمالية، مما أسفر عن مقتل 132 طفل.

إذا كانت باكستان قد بدأت في إدراك أن ما ستجنيه من وجود أفغانستان يقودها عبدالغني أكثر مما ستجنيه من وجود واحدة تقودها طالبان، فإن الحكومة الأفغانية الجديدة يعود لها جزءٌ من الفضل في ذلك. بينما ترك كرزاي العلاقة الأفغانية الباكستانية تتدهور، حتى أنه وقع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الهند عام 2011، فإن عبد الغني قد بذل جهودا لطمأنة إسلام اباد، وصلت إلى التحرك عسكريا ضد طالبان باكستان وإلغاء صفقة أسلحة مع الهند. لكن مازال من المبكر جدا الحكم إذا ما كانت باكستان ستدعم السلام بكامل قوتها أم لا. لا يوافق جميع المسؤولون والضباط الباكستانيون على أن التقارب مع أفغانستان هو أفضل طريقة لتأمين بلادهم ضد الهند.

لعبت الصين أيضا دورا في تحفيز الدعم الباكستاني لمحادثات السلام. بعد زيارة عبدالغني إلى بكين، استضافت الحكومة الصينية وفودا لطالبان وعرضت على باكستان مساعدةً إضافية لتشجيع طالبان على الانضمام إلى عملية السلام. تحمل طلبات الصين ثقلا في باكستان، حيث تتمتع البلدان بعلاقةٍ ثنائيةٍ طويلةٍ ووثيقة. للصين، من جانبها، مصلحةً كبيرة في وجود أفغانستان مستقرة، حيث أنها تريد منع التطرف من الانتقال إلى إقليم شينجيانغ الغربي بها، والذي يحوي أعدادا كبيرة من السكان المسلمين. لدى الصين ايضا استثمارات طاقة وتعدين في أفغانستان، لذا فإنها ستخسر إذا مزقت حربٌ أهلية البلاد. وبشكلٍ أوسع، بينما تنمي الصين مكانتها كقوةٍ عظمى عالمية، فإنها تصبح أكثر استعدادا للعب دورٍ أكبر في تعزيز الاستقرار الإقليمي، خاصةً بينما تتراجع الولايات المتحدة.

ماذا تريد طالبان

من بين اللاعبين العديدين، قد تكون طالبان ذاتها هي الأكثر ترددا في التفاوض. يريد فصيلٌ معتدل، يضم أعضاءً من مجلس شورى كويتا (المنظمة المركزية للحركة) وقادة دينيين بارزين، وضع نهايةً لسنوات إراقة الدماء. لكن قادة آخرين لطالبان، مثل نائب الملا عمر الحالي، ملا أخطر محمد منصور، قد تبنوا خطا متشددا. ملاحظين عودة طالبان بعد 2001، يعتقد منصور أن حركته لديها فرصة لنصرٍ تام في حربٍ ممتدة. تشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن ذلك الانقسام الداخلي هو الذي أبطأ قدوم طالبان إلى طاولة التفاوض.

سواء معتدلين أو متشددين، لم يتوقف مقاتلو طالبان عن القتال، وليس من المرجح أن يفعلوا ذلك قبل اختتام أي مفاوضات. في عام 2014، أطلق مجلس شورى كويتا أكبر هجومٍ له منذ أعوام، مجبرا القوات الأفغانية في إقليم هلمند الجنوبي على التراجع، ومهاجما أقاليم قندهار وقندوز ونانجارهار. يقول مصادرنا في طالبان إنهم يتوقعون الاستيلاء على أراضٍ أكثر في هذا العام والعام المقبل، ومن ضمنها عواصم أقاليم. إذا كان النصر التام على أرض المعركة يبدو ممكنا، فإنه من غير المرجح أن يتفاوض قادة طالبان. ربما يكون لباكستان والصين نفوذٍ على طالبان، لكن مجلس شورى كويتا سوف يقاوم بالتأكيد الضغط الأجنبي الذي يراه لا يتوافق مع مصالحه.

إذا قررت طالبان الاشتراك في محادثات سلام، فإن السؤال التالي سوف يكون ما مدى التنازلات التي سوف يقدمونها. حسب بعض الخبراء في الشأن الأفغاني، مثل توماس راتيج، مايكل سيمبل، وثيو فاريل، فإن طالبان قد تكون مستعدة لقبول الشرط الأهم من بين الشروط الأمريكية الثلاثة للسلام، وهو التخلي عن القاعدة. نفى العديد من قادة طالبان اي رغبة في خوض جهادٍ عالمي، وفي عام 2009، أعلن مجلس شورى كويتا أنه إذا تركت القوات الأجنبية أفغانستان، فإن طالبان لن تسعى إلى مهاجمة البلدان الأخرى، أو تسمح للجماعات الإرهابية الأجنبية باستخدام أفغانستان كقاعدةٍ للعمليات. لكن طالبان أوضحت أيضا أنها لن تتخلى رسميا عن القاعدة إلا عندما تحصل على ما تريد من اتفاق سلام.

تتعلق نقطة خلاف أكبر بالدستور الأفغاني. بالنسبة للكثيرين في طالبان، فإن مطلب أن يقبلوه لا يمكن الدفاع عنه، حيث ان فعل ذلك سوف يجبرهم على التنازل عن الشرعية إلى ما يعتبرونه نظاما دمية. سوف ترغب طالبان أيضا في انتخاب حكومة جديدة، يتوقعون الاشتراك فيها. بهذ المعنى فإن اتفاقية سلام لن تعني مجرد وقف إطلاق نار وإنما أيضا تصورا مفاهيميا جديدا للدولة الأفغانية.

سوف يكون مطلب طالبان الكبير الآخر هو سحب كل القوات الأمريكية من أفغانستان. الاحتلال الأجنبي هو سببٌ أساسي لقتال عناصر طالبان. في لقاء مايو في قطر، يقال إن مندوبي طالبان قالوا إنهم سيقبلون وقف إطلاق النار فقط بعد انسحاب جميع القوات الأجنبية. نظرا لبروز تلك القضية، ليس هناك كثيرا من الشك في أن موقف طالبان المبدئي في أي مفاوضات سوف يكون أنه يجب على جميع الجنود الأمريكيين المغادرة.

بالطبع قد يتولى المتشددون داخل طالبان –أو حتى داخل تنظيمات أجنبية، مثل ما تدعى بالدولة الإسلامية، أو داعش– زمام الأمور. إذا اغتال متشددون الملا عمر، على سبيل المثال، فإن المفاوضات سوف تنهار. رغم أن تنظيم الدولة لديه القليل من النفوذ في أفغانستان حاليا، فإن موت قائد مثل الملا عمر قد يسمح للتنظيم بالحصول على موطئ قدم، الانتصار على المتشددين، والاستمرار في حربٍ أكثر عنفا وشراسة.

الحرب والسلام

2

لقد فُتحت نافذة ضئيلة لتسويةٍ عن طريق التفاوض، وينبغي أن تستغلها الولايات المتحدة بينما تستطيع. رغم أن جميع الأطراف تتفق على أن المحادثات يجب أن تقودها أفغانستان، فإن هناك ثلاث قوى خارجية على الأقل –الصين، باكستان، والولايات المتحدة– سوف تكون مشاركة سواء مباشرةً أم لا. يمكن أن تتخذ الولايات المتحدة، من جانبها، خمس خطواتٍ ملموسة للحفاظ على المفاوضات تمضي إلى الأمام.

أولا، يجب أن تقوم بأفضل ما لديها لمنع انتصاراتٍ عسكرية واسعة النطاق لطالبان. يبدأ السلام في ساحة المعركة: إذا استولت طالبان على المزيد من الأراضي، وخاصةً عواصم الأقاليم، فلن يرى مجلس شورى كويتا سببا للتفاوض، معتقدا بأن هزيمة الحكومة الأفغانية وشيكة. سوف يكون موسم القتال الصيفي بالتحديد حرجا بالنسبة لصنع القرار في طالبان، حيث ستحيط القيادة علما بالنجاحات والاخفاقات في ساحة المعركة لتقرير ما إذا كانت الحرب مربحة أكثر من السلام أم لا. لذا فإن أداءً قويا من قِبَل الجيش الأفغاني قد يوجه ضربة قوية لثقة طالبان، دافعا عملية السلام إلى الأمام.

لتعزيز القدرات العسكرية الأفغانية، ينبغي أن تستمر الولايات المتحدة في توفير دعمٍ مالي ومادي إلى أن يتم التوصل إلى تسوية، وربما إلى ما بعد ذلك. اتخذ أوباما القرار الصحيح في مارس، عندما استجاب لطلبات الأفغان بإبطاء عملية سحب القوات الأمريكية من البلاد، واعدا بالإبقاء على قوةٍ يبلغ قوامها 9,800 جندي حتى نهاية عام 2015. ينبغي أن يكون بنفس القدر من المرونة عندما يتعلق الأمر بعمليات السحب في عامي 2016 و2017. ينبغي أن يستمر أوباما أيضا في منح القوات الأمريكية السلطة للقيام بعمليات خاصة محدودة وضرباتٍ جوية، وكلاهما يمنح الجيش الأفغاني وقوات الشرطة الأفغانية تفوقا استراتيجيا. لا ينبغي استبعاد ضرباتٍ جوية ضد أعضاء مجلس شورى كويتا في أفغانستان وباكستان، وخاصةً حتى يمكن ممارسة المزيد من الضغط خلال المفاوضات، إذا كانت هناك حاجة لذلك.

ثانيا، ينبغي أن تتدخل الولايات المتحدة بقوة خلف الكواليس لمساعدة عبدالغني وعبدالله لتكوين حكومة منضبطة، قادرة على القيام بالعمل التنفيذي الضروري لخوض حرب وإبرام سلام. كانت الحكومة الأفغانية حتى الآن نموذجا للتردد وعدم اتخاذ قرار. استغرق الأمر سبعة أشهر حتى استطاع عبدالغني وعبدالله اختيار مجلس وزرائهما: مثل ذلك الجمود، سواء كان بشأن المناصب الوزارية أو السياسة العسكرية، يشجع مجلس شورى كويتا. سوف تقوض حكومةٌ ضعيفة محادثات السلام. ينبغي أن تضغط الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع بقية المجتمع الدولى، على كلا المعسكرين للعمل معا بفعاليةٍ أكبر.

المنطقة الثالثة التي يمكن أن تساعد فيها الولايات المتحدة تتضمن باكستان. ينبغي أن تفعل واشنطن ما بوسعها لتضمن أن تُبقي إسلام أباد على طالبان على طاولة المفاوضات. لدى الولايات المتحدة الكثير من المصالح في باكستان –من بينها تأمين أسلحة باكستان النووية والعمل مع إسلام أباد للتخلص من القاعدة– التي شتتت انتباهها عن التركيز على إنهاء دعم باكستان لطالبان. لحسن الحظ، فإن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان سوف ينهي تلك المصالح إلى حدٍ كبير: اعتماد الجيش الأمريكي على الموانئ والطرق الباكستانية لدعم وجوده في أفغانستان. ينبغي أن تشرط واشنطن مساعداتها العسكرية والمدنية الضخمة لباكستان على موافقتها على دعم عملية السلام ورفض منح ملاذ آمن لطالبان.

رابعا، يجب أن تقبل الولايات المتحدة أن تسوية سلمية قابلة للتنفيذ سوف يكون عليها أن تحتوي على دستورٍ أفغاني جديد أو ترتيباتٍ مؤسسية تسمح لطالبان بأن تصبح جزءًا من الحكومة الأفغانية. في الواقع فإن واشنطن ينبغي أن تفترض أن حدوث تسويةً سوف تؤدي إلى لويا جيركا يجتمع فيه ممثلي طالبان، الحكومة الأفغانية، والمجتمع المدني لتعديل الدستور الحالي أو كتابة دستور جديد تماما. في إعادة الهيكلة تلك، سوف تكون بعض الحريات المدنية، وخاصةً حقوق المرأة، مهددة. تحمل طالبان رؤىً محافظة بشأن النساء، إذا أردنا صياغة الأمر بلطف. ولذا فإنه قبل أي وقف إطلاق نار ينبغي أن تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين التزامٍ من قِبَل جميع الأطراف بعدم المساس بالحقوق المدنية المحمية حاليا في دستورٍ جديد.

سوف تأتي الخطوة الخامسة إذا وعندما يتم التوصل إلى تسوية. عند تلك النقطة، ربما تحتاج الولايات المتحدة إلى الإبقاء على قواتٍ على الأرض فقط حتى ينتهي أي نقاش حول الدستور وتحدث أي انتخاباتٍ تالية. لكن حتى عندما تنسحب قواتها، ينبغي أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة بشراكةٍ استراتيجية مع أفغانستان وتستمر في توفير مستوى أساس من المساعدات العسكرية. وإلا فإن توازن القوى قد يتغير لصالح طالبان، الأمر الذي سينهي السلام.

يعتقد معظم الخبراء في الشأن الأفغاني أن الحرب سوف تستمر لسنواتٍ قادمة. هم يتفقون في الأغلب على أن الحكومة الأفغانية سوف تظل في السلطة فقط اذا استمرت المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، والتي بدونها سوف تحكم جماعاتٌ عنيفة متشددة بحرية. توفر عملية السلام مستقبلا بديلا، مستقلا ينبغي أن تسعى إليه الولايات المتحدة بعزمٍ وصبر. النجاح بعيد عن أن يكون مضمونا –في الواقع هو احتمالٌ ضعيف– لكن المحاولة تستحق الجهد.

سوف يكون البديل باهظ الكُلفة. أحد الخيارات هو الاستمرار في الدفع لقوات الأمن الأفغانية، فيما يتراوح بين مليارين و5 مليارات من الدولارات، وترك الحرب تستمر. في ذلك السيناريو، فإن انتصارا تاما للحكومة سوف يكون غير مرجح، حتى إذا تركت إدارة أوباما قواتٍ عسكرية في أفغانستان بعد عام 2016.

خيارٌ آخر هو أن تخرج الولايات المتحدة من أفغانستان، وتقطع التمويل، وتقبل بعودة طالبان إلى كابول التي ستصاحب ذلك. في كلا الحالتين، فإن الولايات المتحدة قد تميل إلى المراهنة على أن المصالح المشتركة بين الحكومة الأفغانية وباكستان والصين في تجنب عدم الاستقرار الإقليمي سوف تجلب السلام في النهاية. سوف يكون هذا مقامرة. بدون الضغوط الأمريكية على جميع الأطراف، قد لا تحدث المفاوضات أبدا، وقد تصبح حربٌ أهلية شاملة أمرا لا يمكن تجنبه. في تلك الحالة، سوف ينمو التطرف: ليس هناك دلائل كثيرة على أن طالبان سوف تنفصل عن القاعدة أو تكون قادرة على منع القاعدة أو الدولة الإسلامية من العمل في أفغانستان من جانبٍ واحد. وإذا كانت العراق تمثل أي درس، فهو أنه حتى الانسحاب الكامل قد لا يمنع الولايات المتحدة من أن يتم سحبها مجددا إلى المستنقع.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب