تعرف على الحرب التي قدمت للعالم المايسترو لوكا مودريتش
عادةً ما تُؤثر النشأة في الشخصية فإذا وُلدت في مناطق ذات طبيعة صخرية ستصبح حاد الطباع على الأغلب لأنك لست لوكا مودريتش!
لوكا مودريتش، بعد أشهر قليلة من انتقاله إلى توتنهام الإنجليزي.
كان في عُمر السادسة فقط عندما بدأت حرب الاستقلال الكرواتية ولم يكن يعي مدى الخطورة التي كان يعيشها هو وأبناء جلدته، لم يكن سوى طفل يُريد لعب الكُرة في حديقة الفندق الذي عاش فيه لاجئًا هو وأسرته في مدينة « زادار ».
طفولة تحت القصف وتربية كلاجئ بعيدًا عن بلدته لم تجعل منه شخصًا غليظًا أو عنيفًا، ولكن كما يروي المحيطون به كان لا يُبالي ولا يُريد سوى ركل الكُرة.
الأب الروحي
توميسلاف بازيتش، أحد مُدربي لوكا في نادي زادار.
يُعتبر بازيتش الأب الثاني للوكا والذي شجّعه على استكمال مسيرته التي كان ينوي أن يُنهيها بنفسه قبل أن تبدأ عندما رفض ناديه المُفضل «هايدوك سبليت» الانضمام له بحجة ضعف بنيانه الجسدي ولكن بازيتش قرر إثناءه عن موقفه وبالفعل انضم لوكا للغريم التقليدي دينامو زغرب لذلك لن نجد غرابة في اتصال لوكا بنفسه ببازيتش اليوم الذي تلا توقيعه لريال مدريد.
لم يقتنع مسئولو نادي العاصمة بإمكانيات المُراهق ذي الخمسة عشر عامًا وتمت إعارته لعدة أندية حتى أيقنوا أنهم يمتلكون جوهرة وبالفعل أعادوه للنادي وبعقد يمتد لـ10 سنوات. موهبة لوكا التي يعلمها الجميع الآن وأسلوب لعبه الفريد أجبرت الجميع على الاهتمام به وبالفعل انتقل لتوتنهام الإنجليزي ليجذب أنظار كُبرى أندية العالم بعدها بأشهر قليلة.
الحرب مصيره
وكأن لوكا قد وُلد والحرب مربوطة بخصلات شعره الذي طالما تطاير يمينًا ويسارًا كحال اللاعبين الذين يوقعهم حظهم السيئ في مواجهة الكرواتي. بدايتها كان لعبه كمتوسط ميدان وهي المنطقة التي ينعتها الجميع بمنطقة العمليات وأحيانًا أُخرى معركة وسط الملعب، وثانيها، بعد سنوات رائعة مع النادي اللندني ساعده فيها على التأهل لدوري الأبطال لأول مرة منذ خمسين عامًا فأقبل الغريم اللندني نادي تشيلسي على التعاقد مع الكرواتي والذي بدوره رحب بالانتقال في خطوة وصفها بالأعلى بعد ذلك، ولكن داني ليفي تمسك باللاعب رغم الاتفاق الشفهي بين الرجلين عند التعاقد بأن النادي سيُفكر في أي عرض من نادٍ كبير.
ورغم تقديم تشيلسي في آخر يوم بسوق الانتقالات لضعف العرض تقريبًا إلا أن ليفي لم يُحرك ساكنًا والنتيجة أن مودريتش قرر خوض معركته الأولى وامتنع عن لعب مُباراة ناديه أمام مانشستر يونايتد الإنجليزي ليُعقّب ريدناب بأن تفكير مودريتش لم يكُن في المكان الصحيح.
خسر لوكا تلك المعركة ولكنه كان ينوي الانقضاض على ليفي في أقرب فرصة، وأتت الفرصة على طبق من ذهب على يد فلورينتينو بيريز وجوزيه مورينيو ورغم رفض ليفي في البداية إلا أن مودريتش امتنع عن السفر إلى مُعسكر الإعداد مع زملائه ليكون ليفي أمام موقف لا يُحسد عليه، نادٍ بحجم ريال مدريد يطلب لاعبك المُتمرد الذي طلب الخروج سابقًا، فإما أن تخسر اللاعب والمال أو تخسر اللاعب فقط فاختار ليفي ألا يخسر كُل شيء وانتقل لوكا إلى العاصمة الإسبانية في صيف 2012.
رغم الجدل المُثار دائمًا حول فترة مورينيو في ريال مدريد إلا أن واحدًا من الاتفاقات القليلة التي يجتمع عليها كُل مشجعي ريال مدريد حول مورينيو بأن أحد أفضل إنجازاته إلى ريال مدريد هي قدوم الكرواتي لوسط ملعب سانتياجو برنابيو.
لم يكن ذلك الرأي السائد حين تم التعاقد حتى أنه حصل على لقب الصفقة الأسوأ في الليجا مُتفوقًا على لاعبين مثل أليكس سونج! بالفعل لم يكن لوكا بالمستوى لأنه لم يخض فترة الإعداد مع ناديه كما أن ريال مدريد في هذا الموسم كان مضطربًا للمشاكل التي لا حصر لها بين مورينيو والإدارة واللاعبين، البيئة لم تكُن مُناسبة للنجاح وبالتالي كان عليه الحرب مُجددًا.
القمة
كان على لوكا مودريتش الانتباه إلى أن جمهور ريال مدريد ليس صبورًا بما يكفي لتحمل أي لاعب مهما كان ما قدمه للنادي الملكي فما بالكم بلاعب جديد، ومع قدوم الإيطالي كارلو أنشيلوتي أصبح مودريتش هو محور أداء ريال مدريد بوجوده تتم الخطة كما وُضعت وبغيابه يفقد الفريق نصف قوته تقريبًا، بدأ بنثر سحره في أرجاء أوروبا مع ريال مدريد في وسط مكون منه وعلى يساره دي ماريا وخلفهم تشابي ألونسو.
يتساءل الكثيرون حول مكمن قوة لوكا أو سر إبداعه ولماذا يبدو تعويضه أحيانًا مُستحيلًا؟ نعم، السر يكمُن في الحرب أيضًا، فذلك الطفل الذي لم يُبال بالقنابل وصرّح بعدم خوفه من أي شيء بالطبع لن يخشى مُباراة كبرى أو مُنافسًا مهما بلغت قوته، الهدوء الذي رُبط في الطرف الآخر من شعر لوكا كان هو سلاحه في مواجهة كُل تلك الحروب التي واجهها سواء في كرواتيا أو لندن أو مدريد.
ربما لا نجد بُرهانًا على هذا الهدوء مثل تلك الركلة الرُكنية التي أرسلها على رأس راموس ليحمي بها رأس أنشيلوتي ويبعث الأمل من جديد في بطولة غابت عن ريال مدريد وقتها لمُدة 12 عامًا، ضربة رُكنية في الدقيقة 92 وأمام الخصم الأفضل في العالم في التعامل مع الكُرات الثابتة وهو مُتقدم بهدف للاشيء ليقوم لوكا بوضعها بقدمه وإن كانت تبدو بيده ليفض راموس الاشتباك.
السحر لم يكُن مُرتبطا بالهدوء فقط ولكن الموهبة التي حظي بها والتي جعلته أفضل لاعب وسط بأوروبا في 2017 وهو بعمر الـ32 والتي وضعته بتشكيلة الفيفا مرتين مُتتاليتين وغيرها من الجوائز، الموهبة التي لا تُضاهيها أُخرى في العالم ليست فقط مراوغات وقدرة على الخروج من الضغط بكرة سليمة وتمريرات رائعة وما شابه، ولكن التمركز الرائع الذي يقوم به الكرواتي يجعل كُل لاعبي ريال مدريد أفضل فهو دائمًا ملجأ أي لاعب لا يجد زميلا يُمرر له، دائمًا بين خطوط الخصم.
مودريتش أضاف لريال مدريد وللعبة بُعدًا آخر لدرجة أن الكثيرين زعموا أن سبب تغير أسلوب لعب مدريد أما برشلونة في السنوات الأخيرة هو قدوم مودريتش فقط لأنه أصبح بإمكان الريال بناء اللعب والخروج من ضغط وسط برشلونة بدلًا من كُرات ألونسو الطولية لرونالدو ودي ماريا، فقط عليك مُشاهدة استلام لوكا للكرة ووضعه للخصم في ظهره بطريقة تُشعرك أنه يايا توريه رغم أنه ضئيل الحجم.
السحر هو الصفة السائدة
كُل لاعبي الوسط بالعالم يتمتعون بصفة سائدة عن أُخريات مثلًا إنيستا أمهرهم وراكيتيتش قوي البنيان وفيراتي وكروس يمررون بدقة، ولكن لوكا يملك شيئًا من كُل شيء بالإضافة لقدرته الخارقة على جعل من حوله أفضل.
مودريتش هو التجسيد الحاضر لمقولة إبراهيموفيتش عن زيزو بأنه يمتلك سحرا خاصا فبمجرد نزوله الملعب يتحسن جميع زملائه، الأمر الذي يجعل تعويض لوكا مُستحيلًا حاليًا فتارة يُرشح الناس كوفاسيتش لقدرته على المرور بسلاسة بين لاعبي الخصم وتارة إيسكو لتمريراته الساحرة ولكن الحقيقة أنهم لا يقدرون على التواجد مكانه، من ببساطة يمتلك وجه قدم يستطيع التمرير بأي وضع مثل لوكا، وجه قدمه الخارجي فعلًا مُعجزة لا تقل عن مُعجزة نجاته من الحرب وتحوله للاعب عظيم ليس فقط في عيون محبيه بل في عيون جمهور ألد أعدائه.
يمتاز لوكا أيضًا بتسديدات قوية جدًا لا يُدل عليها صغر حجمه ربما أنه يحاول ضرب الصواريخ التي كان يسمعها وهو صغيرًا ولكن بطريقة أكثر سلمية نوعًا ما، دي خيا يعرف ذلك جيدًا، كل هذا جعل إصابة لوكا هو الكابوس الأعظم لدى جماهير ريال مدريد لنُشاهد تصفيقا يُحدث ضجيجًا في أرجاء البرنابيو عند استبدال لوكا في نهاية مُبارة بيتيس في البرنابيو بداية موسم 2015/2016 يسمعه الجميع مدحًا ويسمعه مودريتش قنابلًا تتساقط فوق رأسه في ملعب زادار.