الطريق لخلافة «خامنئي»، من يكون مرشد إيران الجديد؟
يقف الإيرانييون في هذا الشهر على موعد مع التاريخ وهم لم يتجاوزوا بعدُ سكرة الاتفاق النووي وما تبعه وسيتبعه من فرج أعقب الضيق وسعة أعقبت الجدب، فهم على موعد مع انتخابات مجلسي خبراء القيادة و الشورى (البرلمان)، أحدهما منوط باختيار خليفةٍ لخامنئي الذي تجاوز الثمانين وبلغ منه المرض ما بلغ والآخر منوط بخرط القوانين المتممة للإتفاق النووي والتي تبدو إيران في أشد الحاجة لها لتحقيق أكبر استفادةٍ ممكنة في هذا الطريق. إذاً فليس من نافلة الكلام أن نقول أن الإيرانيين نهاية الشهر سيختارون مرشداً جديداً لهم.
روحاني يزور السيد خامنئي في المشفى
الطريق لخلافة خامنئي يبدأ من مجلس الخبراء.
تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن إمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية في غيبة الإمام المهدي تكون بيد الفقيه العادل (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية)، وبنص المادة العاشرة بعد المئة تتحدد إختصاصات الولى الفقيه. وتقع مهمة إختياره على عاتق مجلس الخبراء، المزمع إنتخاب أعضائه في السادس والعشرين من فبراير الحالي. هذه المهمة أوكلها دستور الجمهورية الإسلامية لمجلس الخبراء بنص المادة 107 «تُوكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قِبل الشعب. وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخّصوا فردًا منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلّا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا».
وبينما تبدو إيران اليوم أكثر إستقراراً من حالها وقت رحيل الخميني إلا أن الحديث عن خليفة خامنئي يبدو أمراً شائكاً ومثيراً لروح الصدام القائمة بين الإصلاحيين والمحافظين، هذا الصدام الذي تترسم حدوده في إنتخابات مجلس الخبراء القادم، فكلا الطرفين حريصٌ على إبقاء الولي الفقيه من أنصاره\حزبه. ولهذه الغاية تسعى كل الأطراف المتنافسة في إيران لصنع مرشحين أقوياء جديرين بخلافة خامنئي.
الصراع على مجلس الخبراء
تتجه الأنظار في إيران نهاية هذا الشهر لإنتخابات مجلس الخبراء المزمع إنعقادها في السادس والعشرين من الشهر، ويتألف مجلس الخبراء من 86 من الأعضاء يتم انتخابهم من قبل الشعب الإيراني بالإقتراع المباشر، لمدة 8 سنوات. تُمثَّل كل محافظة بعضو واحد طالما بلغت كثافتها السكانية نصف المليون نسمة. ويزيد عدد ممثليها بزيادة كثافتها السكانية.
لم يكن مجلس الخبراء منذ نشأته محط نزاعٍ بين النظراء السياسيين ولم يكن إختيار رئيسه بالأمر المثير للخلاف حتى عام 2007، إذ ظل آية الله علي مشكيني -إمام وخطيب جُمعة قُم- رئيساً للمجلس لثلاث دورات متتالية -ما يعادل 24 عام- وكان قد تم إنتخابه لأول مرة عام 1983م. وبعد وفاته تولى آية الله هاشمي رفسنجاني رئاسة المجلس حتى عُزل عام 2014 بعد خلافات عميقة بينه وبين آية الله خامنئي، وتولى المنصب خلفاً له آية الله محمد رضا مهدوي حتى تُوفي في أكتوبر 2014. وتولى المنصب بشكل مؤقت آية الله محمود شاهرودي. ومؤخراً تم انتخاب آية الله محمد يزدي بعدما فاز على منافسه رفسنجاني بعدد أصوات 47 صوت في مقابل 24 صوتاً حازها رفسنجاني.
ومع نهاية فبراير الحالي تنعقد إنتخابات المجلس وهي بمثابة إقتراع على خليفة خامنئي الذي بات رحيله وشيكاً بعد أن تجاوز عمره الثمانين وشاعت أخبار كثيرة عن سوء حالته الصحية وأغلب هذه الأخبار أقرب للحقيقة منها إلى المبالغات. ومع إقتراب الموعد المحدد لإختيار أعضاء المجلس تشتعل المنافسة بين جناحي العمل السياسي في إيران المحافظين والإصلاحيين لاسيما وقد بات الإصلاحيون اليوم أكثر صلابة من ذي قبل بعد إتمامهم الإتفاق النووي مع الدول الكبرى في يوليو 2015.
أبرز ما يميز الإنتخابات المرتقبة ما تداولته وكالات الأنباء الإيرانية عن إستبعاد مجلس صيانة الدستور لكثير من الإصلاحيين المدرجين على قوائم المنافسة في الإنتخابات، ما ينذر بأزمة داخلية كالتي اندلعت عام 2009 تشكيكاً في نزاهة العملية الإنتخابية التي أتت بنجاد للولاية الثانية، كان أبز هؤلاء المستبعدين آية الله حسن الخميني حفيد الإمام الراحل والذي يراه البعض صنيعة رفسنجاني لخلافة خامنئي. لكن بالطبع هذه الإستبعادات مازالت قيد النقد والإستئناف من جهة المرشحين.
أبرز المرشحين لخلافة خامنئي
مجتبى خامنئي
مجتبى يظهر خلف والده الإمام
هو ثاني أبناء الإمام وأكثرهم نفوذاً في عالم المال والسياسة ويُنظر إليه على أنه وريث الإمام في ولاية الفقيه، وتشير وثيقة مسربة من ويكيليكس أن السيد خامنئي يقوم بتحضير مجتبى خليفةً له على عرش إيران، ويحظى مجتبى كذلك بعلاقات وطيدة مع رجالات الحرس الثوري في إيران وبحسب ما نشره موقع الجزيرة-نت فإن مجتبى أبعد 15 رجلاً من رجال الحرس الثوري لتصويتهم لرفسنجاني في انتخابات الرئاسة. وتأتي هذه الأخبار في إطار ما يعرف عن مجتبى بتأسيسه لشبكة علاقات قوية داخل إيران ربما تمكنه من خلافة والده الإمام على عرش إيران. لكن ما يُتوقع أن يقطع أحلام مجتبى أنها ستكون المرة الأولى التي يورّث فيها عرش ولاية الفقيه ما سيحط من مكانة ومنزلة الولاية في أعين المحتجين على نظام ولاية الفقيه في إيران لاسيما من فئة الشباب.
لمعرفة المزيد:الساسانيون الجدد:هل تحكم عائلة المرشد في إيران؟
صادق لاريجاني
القابع على رأس السلطة القضائية منذ 2009 وقد اختاره خامنئي لهذا المنصب بعد أن كان عضواً في مجلس صيانة الدستور ل9 أعوام (2001-2009).
ينتمي صادق لفئة المحافظين وينتمي لعائلة ذات ثقل في الحياة السياسية في إيران، وبينما يجلس هو على رأس السلطة القضائية يجلس أخوه الأكبر علِي على رأس السلطة التشريعية وإذا ما كانت الأغلبية للمحافظين في إنتخابات مجلس الخبراء القادمة فسيكون لصادق بالطبع دورٌ بارز. كما أنه أحد أهم المرشحين لمجلس الخبراء عن محافظة مازندران.
نقطة الضعف الوحيدة في طريق صادق إلى مقعد الولي الفقيه في أنه ليس من السادة وهي -بحسب ما نشرته الباحثة في الشأن الإيراني د.فاطمة صمادي- قابلة للتجاوز بتعديلات دستورية تسبق توليه إذا ما اختاره المجلس القادم.
هاشمي رفنسجاني
هو رفيق الخميني وهو الرجل الذي يخشاه خامنئي. صحيح أنه هو الذي أتى بخامنئي إلى حيث هو الآن لكنه مع الوقت صار الشبح الذي يطارده والذي حاول خامنئي مراراً تنحيته.
التقى الخميني في مدينة قم وتوطدت علاقتهما وكان أحد أبرز مناصريه وقت قيام الثورة، وازداد نفوذه تدريجياً عقب قيام الثورة وتولى رئاسة مجلس الشورى في الفترة بين 1980-1989 ومع نهاية الحرب العراقية الإيرانية عينه الخميني قائداً للقوات المسلحة، تولى كذلك رئاسة الجمهورية الإيرانية لدورتين رئاسيتين في الفترة بين 1989-1997، وينظر لرفسنجاني على أنه من صنع خامنئي. فمع وفاة الخميني 1989 استلزم اختيار خليفته توافقاً بين كبار المراجع الفقهية في إيران وهو الأمر الذي حسمه رفسنجاني لصالح خامنئي الذي لم يكن بعد مؤهلاً لولاية الفقيه.
حسن الخميني
هو الحفيد الأبرز لمؤسس الجمهورية الإسلامية والابن الأكبر لولده أحمد، الذي دارت شكوكٌ حول وفاته، لاسيما وأنها جاءت بعد انتقاده للمرشد الحالي على خامنئي واتهم حينها أتباعُه المخابرات الإيرانية بتصفيته.
ما يميز حسن عن غيره من المتوقعين لخلافة خامنئي إرثه العائلي، فبالإضافة لكونه حفيد الإمام الراحل مؤسس الجمهورية الإسلامية هو كذلك ابن فاطمة الطبطبائي ابنة آية الله سلطاني، كما يرتبط حسن بصلة قرابة مع عائلة الإمام موسى الصدر وزوجتة حفيدة آية الله العظمى الأصفهاني.
ويتميز حسن بآرائه الإصلاحية كما ظهر برفقة الرؤساء الإصلاحيين خاتمي ورفسنجاني أكثر ما ظهر برفقة المتشدد أحمدي نجاد.
واجه حسن إنتقادات كثيرة لإثنائه عن لعب دورٍ في مستقبل إيران وإقباله على الترشح لمجلس الخبراء القادم، كان أبرز هذه الإنتقادات تحذير خامنئي له بعدم الإساءة لسمعة جده الإمام.
قبل ذلك كانت جماعة أنصار حزب الله الحارسة للقانون قد وجّهت تحذيراً لحسن بإمكانية الإعتداء عليه جسدياً إذا ما توجه لمحافظة كلستان لمناصرة أحد المرشخين المحتملين لمجلس الشورى 2016، وقبل ذلك، تحديداً عام 2010 قام مؤيدو أحمدي نجاد بالهتاف لقطع خطاب حسن في ذكرى الثورة الإيرانية.
يشكل الرجل إذاً رقماً صعباً في المعادلة المنوطة بتهيئة الخليفة المنتظر لخامنئي، فالإمام الشاب صاحب الثلاثة والأربعين خريفاً والمقرب من الإصلاحيين يشكّل صداعاً في رأس رجال خامنئي. وربما يكون المنافس الأول لخامنئي الابن، والذي يتم إعداده لوراثة الولاية. فيما يمكن تسميتها بحرب الجيل الثاني في إيران بين حفيد الإمام المؤسس وابن الإمام الحالي.
ويبذل مهندسو الإنتخابات في كلا الطرفين قصارى جهدهم لصناعة أئمة يصلحون لخلافة خامنئي وتشتد المنافسة فيما بينهم لاسيما والإصلاحيون اليوم أكثر قوة وتأثيراً على الشارع الداخلي الإيراني. لكن في صراع كهذا محفوف باللاعبين السياسيين لا يمكن إغفال دور مؤسسة الحرس الثوري المتوغلة في الحياة السياسية والإقتصادية في إيران، وكذلك مؤسسة المرشد الأعلى ورئاسة الجمهورية لاسيما وأن روحاني مدرجٌ على قوائم المرشحين لعضوية مجلس الخبراء. ومهما يكن رجل كرفسنجاني مستبعد من خلافة خامنئي لصدامه ببعض مؤسسات الدولة فلا يمكن إغفال دور الرجل في صناعة الرجال فالذي صنع خامنئي قادر على صنع خليفة له.