الساسانيون الجدد: الحكم العائلي في إيران ما بعد الثورة
بات هذا التساؤل ملحًّا إذ تكررت أسماء عائلات بعينها في مراكز متقدمة من الحكم في طهران، أبرز هذه العائلات بالطبع كانت عائلة المرشد الأعلى خامنئي تتبعها عائلات أخرى أقل نفوذًا، لكنها بلا مبالغة تتحكم في مصير بلد عانت لسنوات من العزلة الدولية سياسيًّا وإقتصاديًّا والتمس شعبها سبل التقشف في سبيل إيران قوية وصامدة وذات مشروع إقليمي قوي.تناولنا في مقال سابق أسرة السيد خامنئي بشيء من التفصيل، وفي هذه السطور نعرّج على أسرتين من أهم الأسر الحاكمة في إيران.لمعرفة المزيد: الساسانيون الجدد: هل تحكم عائلة المرشد في إيران؟
أسرة لاريجاني
وصفت مجلة التايم الأمريكية عائلة لاريجاني بأنها “النسخة الإيرانية من آل كينيدي في أمريكا”. ويُجمع السياسيون والمتابعون للشأن الداخلي في إيران أن موقع هذه الأسرة من السلطة هو أمر استثنائي فريد.
فقط خمسة من الإخوة -لأب واحد وأم واحدة- يجلس اثنان منهم على رأس السلطتين القضائية والتشريعية، بينما يتقلّد الثلاثة الآخرون مناصب رفيعة بالدولة. وثبتت أقدامهم في حكومات إيران المتعاقبة باختلافها، ما يشير لتميزهم بقدر كبير من البراغماتية وموافقة التغيرات الحادثة في النظام السياسي.
تنحدر أسرة لاريجاني من شمالي إيران، من إحدى البلدان المتاخمة لبحر قزوين، والأشقاء الخمسة يرجع نسبهم للمرجع الديني الراحل آية الله ميرزا هاشمي أمولي. كما ترتبط الأسرة برابط الدم أو الزواج مع أكثر من 24 من آيات الله و12 جنرالًا بالحرس الثوري ما أضاف لها الكثير من النفوذ.
وتشير تقارير أجنبية أيضًا أن العائلة لها صداقات حميمية مع مسئولين في لندن وواشنطن تعود لعشرينيات القرن الماضي، عندما كانت بريطانيا تحكم العراق. واستمرت هذه العلاقات حتى وقت صياغة هذه السطور.
علي لاريجاني
أبرز أعضاء الأسرة. وُلد في النجف عام 1958م. حصل على درجة الماجستير والدكتوراة في الفلسفة الغربية.
أبرز المناصب التي تقلدها لاريجاني:
- ترأس هيئة الإذاعة والتلفزيون بين عامي 1997 و 2004 بعد ترشيحه من المرشد الأعلى للثورة (خامنئي). شهدت هذه الفترة بجهاز الإعلام الإيراني تغيرات كبيرة وازداد عدد القنوات الرسمية من ثلاثة إلى سبعة، وكان تلفزيون الدولة الرسمي أثناء ولايته أحادي الطرح، يهاجم الإصلاحيين ويتهمهم ليل نهار بالضلوع في أعمال قتلٍ وتخريب، وبشأن الانتهاكات المالية فقد أقدم البرلمان الإيراني في دورته السادسة -والتي غلب عليها الإصلاحيون- على فتح تحقيقات بشأن فساد مالي وإداري داخل الهيئة، الأمر الذي قوبل بالكثير من المضايقات والمعوقات، ولم يخرج تقرير البرلمان بشأن هذه التحقيقات قبل سنة من بدايتها متحدثًا فقط عن تمكنه من الكشف على 5 حسابات مصرفية -من أصل 200 حساب مصرفي للهيئة-، كشفوا خلالها عن مخالفات مالية تقدر بمليارات الدولارات!.
- تقلد في عام 2005 منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، حتى قدم استقالته في أكتوبر 2007.
- يجلس الآن على رأس السلطة التشريعية -البرلمان- في إيران ومن المقرر أن يبقى في منصبه لحين إجراء الانتخابات النيابية في 26 فبراير 2016.
فتح لاريجاني تحقيقًا موسعًا بشأن الانتهاكات التي طالت المحتجين عقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009، وجرى بالفعل استجواب الرئيس أحمدي نجاد وهو في سدة الحكم في سابقة هي الأولى من نوعها في إيران بعد الثورة، وقعت الحادثة تحديدًا في فبراير 2013 قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية. فيما بدا الأمر أشبه بتصفية حساب بين الرجلين، لا سيما ونجاد كان على وشك قضاء مدته الرئاسية الثانية.
وبحسب تقرير لـ رويترز، فإن أحمدي فاجأ الحاضرين في المجلس بتسجيل صوتي لفاضل لاريجاني -شقيق علي- وهو يساوم سعيد مرتضوي، المقرب من الرئيس الإيراني، على رشوة مالية مقابل حصول الثاني على دعم سياسي من الأسرة. الأمر الذي قابله علي لاريجاني بالاستنكار كونه عملًا لا أخلاقي، كذلك نفى أي صلة عمل تربطه بإخوته.
هذه الاتهامات بالفساد المالي والسياسي تزامنت مع معاناة شعبية طاحنة جراء العقوبات الأوروبية المفروضة على طهران؛ ما شوّهت كثيرًا من صورة العائلة.
صادق لاريجاني
هو الرجل الثاني في العائلة، وُلد في النجف بالعراق، عاد لإيران بعد عام من مولد، وله مهمة كبيرة كُلف بها عقب الثورة مباشرةً وهي مهمة التوجيه الثقافي لعناصر الحرس الثوري ضمن مخططات الثورة لتثبيت وجودها وسط متغيرات إقليمية ودولية قلقة من وجودها. ألّف صادق عدة كتب كان أبرزها “الفلسفة التحليلية” عام1996 و”المعرفة الدينية” عام 1991.
أهم المناصب التي تقلدها صادق:
- انتُخب عضوًا في مجلس الخبراء مرتين بداية من العام 1988.
- كان عضوًا في مجلس صيانة الدستور بين عامي 2001 و 2009.
- يقبع الآن على رأس السلطة القضائية بموجب قرار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بداية من العام 2009. وكان أول ما اتخذه من قرارات عقب توليه المنصب هو وقف البث التليفزيوني للمحاكمات المتعلقة بالاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات وألغى حكمًا بالإعدام بحق سبعة من المحتجين، إلا أنه رضخ لبعض الضغوطات وأقر الحكم على اثنين من بينهم.
يظهر صادق في هذه الصورة مع روحاني الرئيس الإيراني الحالي وسابقه رفسنجاني
محمد جواد لاريجاني
هو الأخ الأكبر من بين الأشقاء الخمس، قطع إقامته في الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراه وعاد إلى إيران مع اندلاع الثورة. ويلقب بالسياسي الخفي أو رجل الظل، وهو أحد المنظرين الفكريين للتيار الديني المتشدد وعموم المحافظين.
ظل عضوًا في البرلمان في الفترة من 1992 ل2000. شغل بعدها منصب مدير مركز الأبحاث وعُيّن مستشارًا لرئيس السلطة القضائية -صادق أخيه- ويشغل حاليًا منصب أمين عام لجنة حقوق الإنسان ضمن دوائر السلطة القضائية التي يرأسها شقيقه.
باقر لاريجاني
ويشغل حاليًا منصب رئيس وحدة أبحاث الغدد الصماء.
فاضل لاريجاني
فاضل لاريجاني
خدم لفترة طويلة كدبلوماسي في الملحقية الثقافية لإيران في كندا. وإليه نسب التسجيل الصوتي الذي عرضه أحمدي نجاد في البرلمان في مواجهة علي لاريجاني، مستشهدًا به على الفساد المالي والسياسي للعائلة.
أسرة رفسنجاني
إحدى أهم الأسر التي شاركت في الثورة وكان لها دور بارز في رسم الخريطة الداخلية لإيران ما بعد الثورة، لكنها باتت بشكل كبير خارج أروقة السلطة وفق تقرير نشره موقع قناة الجزيرة قبل عامين!
رفسنجاني، الرجل الذي يخشاه خامنئي!
وُلد رفسنجاني عام 1934، في جنوب شرقي إيران لأسرة ميسورة من المزارعين، وخلال دراسته العلوم الدينية في مدينة قُم المقدسة -لدى الطائفة الشيعية- التقى بالخميني وسرعان ما أصبح أحد أنصاره المقربين، وانخرط في العمل السياسي منذ 1963 حين كان طالبًا في حوزة قم وتم اعتقاله.
وعقب الإطاحة بنظام الشاه، وطّد رفسنجاني مكانته مع قيام الثورة، وازداد نفوذه تدريجيًا وتولى منصب رئاسة مجلس الشورى -البرلمان- بين عامي 1980 و 1989. ومع نهاية الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988) عينه الخميني قائدًا للقوات المسلحة. وتعززت سلطته أثناء الحرب فأجرى اتصالات غير مباشرة مع الأمريكيين للحصول على أسلحة، عرفت هذه المفاوضات في وقتها بفضيحة «إيران غيت» أو «إيران كونترا» حيث باعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان الأسلحة لإيران سرًا لقاء الإفراج عن رهائن غربيين في لبنان.
وينظر لرفسنجاني على أنه القوة المحركة التي أدت في آخر المطاف إلى قبول الخميني على مضض لقرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب العراقية – الإيرانية.
وتولى رفسنجاني رئاسة الجمهورية لدورتين (1989 – 1997) أعاد خلالها إعمار إيران المنهكة من الحرب، معتمدًا سياسة الانفتاح الاقتصادي على الخارج وسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار، إلا أن تلك السنوات سجلت كذلك انتهاكات لحقوق الإنسان وتضخمًا هائلًا للاقتصاد الإيراني وتزايدًا كبيرًا في ديون طهران. كما طُرحت علامات استفهام حول ثروته ومصادرها واحتمالية ضلوعه في قضايا فساد.
رفسنجاني صنع خامنئي!
دخلت الثورة الإسلامية منعطفًا دقيقًا بوفاة الإمام الخميني عام 1989، واستلزم الأمر توافقًا بين كبار المراجع الدينية لاختيار خليفة له، فما كان من رفسنجاني إلا أن حسم الأمر لصالح خامنئي، رغم أن الأخير لم يكن قد أصبح بعد مرجعًا دينيًّا مؤهلًا لولاية الفقيه.
يقول د.علي نوري زادة، المحلل السياسي الإيراني ورئيس مركز الدراسات الإيرانية العربية في لندن، لـ«الشرق الأوسط»: إن «رفسنجاني صنع خامنئي»، ويوضح فكرته قائلًا أن: «الجميع يعلم أن خامنئي لم يكن مؤهلًا حينها لأن يصبح قائدًا للثورة بوجود عدد من كبار آيات الله، لكن رفسنجاني ذهب إلى مجلس الخبراء وخاطب الحضور قائلًا: سألت الخميني في أواخر أيامه ماذا نفعل بعد رحيلك؟ فأجابني: لا تخافوا فخامنئي بينكم!، فحصل الأخير على أصوات 54 عضوًا من أصل 80 من أصوات مجلس الخبراء، وهكذا أصبح مرشدًا أعلى».
فائزة رفسنجاني
ابنة الرئيس الأسبق لإيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني وأبرز أفراد أسرته وأكثرهم نفوذًا ووصاية في الداخل الإيراني. وكانت عضوًا سابقًا في البرلمان وتتزعم أيضًا إحدى أكبر الحركات النسائية في إيران، كما ترأست اتحاد الرياضة وامتلكت إحدى الصحف الإخبارية التي تم حظرها فيما بعد.
لم تعترف فائزة بانتخابات 2009 والتي دارت شكوك حول صحتها وخرجت في تظاهرات منددة لفوز أحمدي نجاد بولايته الرئاسية الثانية واعتقلت على إثرها عدة مرات حتى نُفذ بحقها حكم بالسجن في سبتمبر 2012 لستة أشهر.
مهدي رفسنجاني
الابن الرابع لرفسنجاني، وكان قد شارك في الحرب العراقية الإيرانية وأصيب فيها بجراح. وفي عام 1994 أسس شركة هندسية للأجهزة البحرية والإنشاءات تابعة لوزارة النفط. وتولى مهدي إدارة تصدير الغاز في وزارة النفط عام 1999، وبعد تأسيس منظمة تحسين استهلاك الوقود عام 2000 تولى إدارتها.
ساند والده في حملته الدعائية لانتخابات الرئاسة عام 2005، وترأس بعدها مركز أبحاث جامعة أداد الإسلامية، وهو أحد أعضاء مجلس الأمناء.
وفي سبتمبر 2012 اعتقلته السلطات الإيرانية بعد عودته من الخارج قادمًا من بريطانيا، ووجهت له اتهامات بالتجسس ونقل معلومات حساسة إلى أجانب وإرباك النظام الاقتصادي والفساد المالي أثناء توقيع عقود نفطية.
كما تتهمه السلطات مع شقيقته فائزة بالمشاركة في احتجاجات عام 2009 التي اندلعت بعد الإعلان عن فوز نجاد بولايته الرئاسية الثانية. وأفرجت عنه السلطات في ديسمبر/كانون الثاني 2012.
رفسنجاني خارج السلطة!
يعتبر رفسنجاني هو الذي مهد الطريق لظهور خاتمي والإصلاحيين. ففي الانتخابات الرئاسية عام 1997 شارك أكبر ناطق نوري في الانتخابات كتحصيل حاصل، على اعتبار أنه الرئيس المقبل لإيران؛ فكل المؤشرات تدل على أن خامنئي اختاره للمنصب. حتى إن صحيفة (كيهان) المحافظة نشرت خبرًا عنوانه «المرشد يفضل ناطق نوري»، لكن رفسنجاني رفض ذلك ودعا إلى انتخابات نزيهة، وقال في خطبة الجمعة في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات: «لن أسمح بأي تزوير في الانتخابات ومن يفوز بأغلبية الأصوات سيكون رئيسًا للجمهورية»، في تحدٍّ ضمني لرغبة المرشد الأعلى، وهكذا وصل خاتمي إلى سدة الرئاسة بدورتين من 1997-2005.
كانت تلك هي شرارة الصراع بين الرجلين الأقوى في إيران، واللذيْن لطالما اعتبرهما الإيرانيون وجهين لعملة واحدة. وتطور الأمر وتم عزل رفسنجاني في صيف العام ذاته -2009- من منصبه كإمام لصلاة الجمعة في طهران. وفي مارس 2013 تم عزله من منصبه كرئيس لمجلس الخبراء، لكنه بقي في رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويتوقع د.على نوري زاده -على غرار ما حدث لعائلة رفسنجاني من الاعتقال و الإبعاد- أن لعنة الطرد من كنف السلطة ستطال كل من شارك في الثورة لأجل أسرة أو أسرتين هما من يقبع على رأس السلطة في طهران الآن.