الدليل الكامل لدخول عالم الكوميكس العربي
كانت العيون تلمع حينما تراها تفترش الأرض بألوانها الزاهية بين غابات الأبيض والأسود، كانت عالم الخيال الذي نسبح في ملكوته كل أسبوع، ووسيلة التواصل الوحيدة بين أطفال الدولة الواحدة وأحياناً أطفال الوطن العربي بأسره.
كنّا نذهب لجلب الصحف لآبائنا وأجدادنا، وبدلاً من البحث عن الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية، كانت أول ما تبحث عنه أعيننا تلك الأغلفة الملونة.
هام مواليد الثمانينيات والتسعينيات عشقاً بهذا اللون من أدب الأطفال، فتربوا عليه وتأثروا به… بقصصه ومعارفه وألغازه. فمن منّا لم يشفق على المواطن المطحون في فلاش… ومن منّا لم يُعجب بذكاء المُحقق ميكي… ومن منّا لم يغر من العم دهب ومحظوظ (ابن عم بطوط) وتمنى لو استطاع العيش في مدينة البط… من منّا لم يُراكم في مكتبته أعداد مجلة سمير وصندوق الدنيا وعلاء الدين وبلبل وماجد.
تلاشى كل هذا في عالم اليوم، وصار للأطفال اهتمامات أخرى، بعد ما تعلّقوا أكثر بالتلفزيون والأجهزة الإلكترونية، وصارت هذه المجلات شيئاً من التراث أو النوستالجيا، إلى أن ذاع صيت أفلام شركات الإنتاج السينمائي DC وMarvel، المبنية أساساً على قصص مأخوذة من الكوميكس الغربي، فعاد الاهتمام مرة أخرى بعالم الكوميكس في مصر والوطن العربي، لدرجة أنه بدأ الحديث عن إعادة إصدار مجلة «فلاش» مرة أخرى.
الكاريكاتير
يعد الكاريكاتير أبرز شواهد الأدب المصور في العالم العربي؛ فهو أولاً، سابق على ما أتى بعده من صور الكوميكس الأخرى، وراسخ في الثقافة العربية وليس غريباً مثل الكوميكس أو المانجا (اللفظ الذي يطلقه اليابانيون على القصص المصورة) على المتلقي العربي.
ثانياً، يتميز بكونه يعادل القصة القصيرة في الأدب المصور أو ربما نوع فني أصغر وهو الأقصوصة، حيث يتم اختزال قصة اللوحة الكاريكاتورية في فكرة معينة يتم عرضها لأغراض نقدية مُغلَّفة بالسخرية اللاذعة والتهكم الحاد.
أمّا ثالثاً، فيحمل الكاريكاتير دوماً في محتواه خطاباً فلسفياً أو اجتماعياً أو سياسياً، ويعكس حال البلد الذي تنتمي إليه ريشته أو يحاكيها أو يتمرد عليها، بل ويتجاوز بلده بريشته السليطة لتناول أزمات عالمية أو إنسانية.
رابعاً، هو براعة العرب في التعاطي مع هذا الفن، لدرجة جعلت من الكاريكاتورية العربية على قدر الندّية من الكارتونية الأمريكية، وسطع نجم أعلام مثل «ناجي العلي» و«محمود كحيل» و«صلاح جاهين» و«مصطفى حسين» و«حسن حاكم». ومن فرط تأثيره يجذب إليه دوماً أنظار الجهات الحكومية، ويلقى حفاوة كبيرة من المؤسسات الثقافية مثل مؤسسة «طش فش Tosh Fesh» المعنية بدراسة الأدب المصور في العالم العربي. ومن أهم إصداراتها مجلة طش فش، وهي مجلة غنية لم يصدر منها سوى 7 أعداد حتى الآن. وقد أفردت في كل عدد بابين ثابتين، الأول للكوميكس، والثاني للكاريكاتير، اعترافاً منها بثقل الكاريكاتير ومكانته ومساحته التي احتلت نصف المواضيع المطروقة من قبل المجلة في الأدب المصور.
هذا الاعتراف يتجلى في موضع آخر بجائزة «محمود كحيل» -تكريماً للفنان محمود كحيل- والتي تغطي فئاتها: (الكاريكاتير السياسي Editorial Cartoons، والروايات التصويرية Graphic Novels، والشرائط المصورة Comic Strips، والرسوم التصويرية والتعبيرية Graphic Illustrations، ورسوم كتب الأطفال Children’s Book Illustrations).
ويعتبر الكاريكاتير السياسي هو الفئة الأبرز في تلك الجائزة بقيمة عشرة آلاف دولار.
ويظهر الاعتراف بالكاريكاتير في موضع ثالث، وهو أن تقريباً جميع الصحف العربية من جرائد أو مجلات تتناول الكاريكاتير في إصداراتها مفردة له مساحة خاصة يتفاوت حجمها من صحيفة لأخرى.
مجلات الأطفال
مجلات الأطفال المصورة هي المقابل العربي النموذجي للكوميكس الأمريكي، حيث الشريط المصور وتتابع الإطارات في خط سردي واضح. ونعرض هنا أشهر وأهم مجلات الكوميكس العربية الموجهة للأطفال في قائمة مختصرة لتكون دلالة على حضور هذا المظهر من مظاهر الأدب المصور في العالم العربي.
في مصر احتلت مجلة سمير المرتبة الأولى لتظل في الصدارة حتى يومنا هذا، ثم سندباد وعلاء الدين وقطر الندى وبلبل يليهم في الشهرة مجلات الأطفال والأمل وأصدقائي والأطفال المصورة والأولاد وبابا صادق وبابا شارو وبراعم أنطونيوس.
وهناك إصدارات ديزني المترجمة، وعلى رأسها مجلة ميكي بمختلف إصدارتها، ثم مجلة ويني الدبدوب ومجلة أميرات. ومن الإصدارات المترجمة عن الأمريكية هناك مجلة توم وجيري المصرية، ومجلة بانشر المترجمة عن إصدارات مارفل.
وفي السودان اشتهرت مجلة الصبيان. وفي اليمن اشتهرت مجلة أسامة.
وفي الخليج برزت عدة مجلات من دول مختلفة؛ ماجد من الإمارات، وباسم من السعودية، والعربي الصغير من الكويت، وأشبال الشبيبة من عمان، والمزمار من العراق، وجاسم من قطر، ووطني من البحرين.
تلت هذه المجلات عدد من المجلات الخليجية التي نالت نصيباً من الشهرة بعدها، ومنها مجلات فلة والأذكياء وأطفال اليوم الإماراتية. ومجلات أشبال السعودية وأهلاً وسهلاً بالأشبال وباسم والروضة السعودية. ثم هناك مجلات باباي وباغز باني وتوم وجيري من إصدارات يونج فيوتشر المترجمة إلى العربية في السعودية. بعد ذلك نذكر مجلة افتح يا سمسم الكويتية. وأخيراً مجلة ميكي المترجمة عن إصدارات ديزني في عدة دول خليجية.
ومن بلاد الشام اشتهرت مجلة أسامة من سوريا، وأحمد من لبنان، ووسام من الأردن، والأشبال والزهرات من فلسطين، والأمل من ليبيا.
ثم هناك مجلة سبيستون من إصدارات يونج فيوتشر المترجمة إلى العربية في سوريا، ومجلة نيلوفر السورية، ومجلتا أطفال وأيوب الموهوب في لبنان، وأيضًا إصدارات دار المطبوعات المصورة من لبنان، ومجلتا أروى وبراعم عمان في الأردن.
ومن بلاد المغرب اشتهرت مجلة أمقيدش من الجزائر، وقوس قزح من تونس، والأمل من ليبيا، وواز من المغرب.
والقائمة تحمل أكثر من 100 مجلة عربية موجهة للأطفال وتقدم الكوميكس بين صفحاتها.
أدب الأطفال
أما عن هذا، فبحره واسع في الوطن العربي، وارتباط أدب الأطفال بالأدب المصور وثيق الصلة، لأن الصورة أكثر جاذبية للطفل من الكلمة، إلا أنه غير قادر على الاستغناء عن الكلمة التي تشكل له أصل الحكاية. وأدب الأطفال يمزج بينهما في أبسط صور الكوميكس.
ونعرض في الآتي ثلاثة أسماء من أبرز رواد أدب الأطفال في العالم العربي.
1. أحمد محمود نجيب
هو رائد أدب الأطفال، والمولود في 1928، وهو صاحب أعمال أدبية شهيرة، أبرزها: (مغامرات في أعماق البحار، ومغامرات عقلة الإصبع، وتمثيليات المسلح المدري، ومغامرات الشاطر حسن، وعفريت العلبة). كما أنه من يعد أول من وضع كتاباً عن الأطفال موجهاً للكبار.
2. يعقوب الشاروني
ارتبطتُ شخصياً بأعماله في طفولتي. فهو عَلَم آخر من رواد أدب الأطفال، تجاوزت مسيرته الأدبية نصف قرن، وتجاوزت منجزاته 400 مؤلف روائي وقصصي ومسرحي. وتم تكريمه بحصوله على عدد من أهم جوائز أدب الأطفال على الأصعدة المصرية والعربية والعالمية. وللشاروني ثقله في أدب الأطفال لدرجة تمكنه من نقد الكيلاني في أدبه الموجه للأطفال. وقد تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والمجرية والماليزية.
3. كامل كيلاني
واحد من أشهر أدباء الطفل في مصر والعالم العربي، وربما هو أهم كاتب في تاريخ الأدب العربي الموجه للطفل، حتى لُقب بـ«رائد أدب الطفل» هو الآخر. وُلد عام 1897 وتُوفي عام 1959 بعد أن ترك رصيداً هائلاً من الأعمال القيمة تجاوز الألف عملاً في أدب الطفل منها المؤلف ومنها المترجم. ويمكن القول إن أعماله هي من أسسّت مكتبة الأطفال في مصر، ومنها: (السندباد البحري، ووبنسون كروزو، وحي بن يقظان، ونوادر جحا، ومصباح علاء الدين، وشهرزاد، وألف ليلة، وروائع من قصص الغرب، والملك النجار).
غزو اليابان
تحظى الثقافة اليابانية بحضور قوي على الساحة العالمية منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، حتى صارت تحمل اسم «كوكب اليابان» للإشارة إلى هيمنتها وتفردها.
بدأ الغزو الثقافي لليابان إلى الوطن العربي بانتشار مسلسلات الرسوم المتحركة اليابانية على التلفزيون العربي في فترة السبعينيات والثمانينيات بواسطة القنوات الوطنية الرسمية للدول العربية مثل التلفزيون الأردني والأولى المصرية، ثم انتقلت في التسعينيات إلى طليعة القنوات المتخصصة في الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال مثل قناة art وسبيستون بالتعاون مع مركز الزهرة. ومن أبرز مسلسلات الأنمي التي تم عرضها «مغامرات سندباد» و«غراندايزر» و«الكابتن ماجد».
ومن الشاشة إلى الورق، انتشرت أعمال المانجا اليابانية المترجمة إلى العربية أو الأعمال العربية المقتبسة من الأعمال اليابانية. ومن أبرز الدوريات مجلة سبيستون (2002) من سوريا، والتي اعتمدت على المترجمات العربية للإصدارات اليابانية وتصدر عن مؤسسة يونج فيوتشر التي أخرجت لنا مجلة كابتن ماجد (وهي مختلفة عن مجلة ماجد) والعديد من الإصدارات المختلفة المترجمة عن الأعمال اليابانية والأمريكية. وقد سبقتها بكثير السلسلة الرائعة المُعنونة باسم ما وراء الكون (1979) صاحبة إصدارات مغامرات دايسكي وغراندايزر.
ومع دخول الإنترنت في مطلع القرن الحادي والعشرين، تزايد وتنوع المحتوى البصري الكارتوني الياباني الثابت (المانجا) والمتحرك (الأنمي). وبلغ ذروته بعد الربيع العربي في بدايات العقد الثاني وصولاً إلى العصر الذهبي الثاني لهذه الوسائط ونحن على أبواب العقد الثالث. ويمكن للناظر -حتى وإن لم يكن مهتماً بالأنمي أو المانجا- أن يُحصِي نحو 50 موقعاً بارزاً أو يزيد تعمل على توفير فصول المانجا وحلقات الأنمي المترجمة من خلال القرصنة الرقمية، صاحبة الفضل الأول في إيصال كم هائل من المحتوى البصري إلى القارئ أو المشاهد العربي.
ومن كل هذا تبرز ثلاثة ظواهر مهمة، الأولى، هي القرصنة الرقمية وقد تحدثنا عن تأثيرها. والثانية، هي مجتمع الأوتاكو Otaku، والأوتاكو مصطلح مقتطع عن دلالة مصطلح الجيكس Geeks وليس مقتبسًا عنه، ويدل مصطلح الجيكس على المجتمع المهووس بالمحتوى البصري، أما الأوتاكو فيدل على المجتمع المهووس بالمحتوى البصري الياباني المتمثل في الأنمي والمانجا. والظاهرة الثالثة، هي المتمثلة في تحول العربي من متلق إلى مبدع بادئاً فصلاً جديداً في مسيرة المانجا بالعالم العربي. وهي نقطة سنتناولها في مقال آخر خاص بـالأعمال الأصلية العربية في الأدب المصور.
المترجمات
والمقصود هنا ترجمة الكوميكس الغربي فقط. مرت هذه الظاهرة بمرحلتين؛ المرحلة الأولى، بدأت في الخمسينيات، وكانت بقيادة دار المطبوعات اللبنانية التي بدأت نشاطها عام 1964 واستمرت في ترجمة الكوميكس طوال أكثر من ثلاثة عقود حتى عام 1999. ومن حين لآخر يتم إعادة بعض إصداراتها إلى الحياة بواسطة المؤسسة التي تقود المرحلة الثانية من ترجمة الكوميكس إلى العربية. ومن هذه الإصدارات: (سوبرمان، وباتمان، والبرق، وطرزان، ولولو الصغيرة، وطارق، والعملاق، والمغامرون الأربعة، وباك روجرز).
المرحلة الثانية، كانت بقيادة «عرب كوميكس» التي استلمت الراية، وهي مدونة رقمية (تأسست في 2005) تثري حقل ترجمة الكوميكس من خلال ثلاثة أنشطة من أنشطتها الرئيسية:
1. الأرشفة:
أرشفة القصص والمجلات العربية القديمة (ومنها المترجمة) بواسطة المسح الضوئي لحفظ هذا التراث الذي لم يعد متاحاً ورقياً في أغلب الإصدارات منه. ولتبيان أهمية هذا النشاط نذكر أن إصدارات دار المطبوعات المصورة من الأعمال المؤرشفة على الموقع. وغيرها من المترجمات الأخرى بالغة الأهمية مثل إصدارات تان تان.
2. الترجمة:
وهو النشاط الرئيسي للموقع بالتوزاي مع الأرشفة، ويعني به الموقع مع مراعاة عدد من العناصر المهمة في الترجمة، منها الشمولية والتنوع والحصرية.
3. النشر:
يعمل الموقع على نشر وتوزيع بعض المطبوعات محدودة النسخ مستغلاً الاحتفاليات الكبرى، مثل كايرو كوميكس، وتعاونه مع بعض المؤسسات الأخرى مثل «دار أياً كان للنشر».