الدلالات الإستراتيجية لصفقات F-35
تشهد أروقة الدفاع والأمن القومي في الولايات المتحدة هذه الأيام زخمًا كبيرًا سببه انتهاء الاختبارات التطويرية لطائرات السيادة الجوية F-35 على نحو مرضٍ. وهذا الزخم ليس مرده إلى التطور الهائل الذي يتمتع به هذا الطراز الفريد من المقاتلات، وإن كان هذا أمر يتوجب الوقوف عنده فعلا، لكن هذا للنقلة الهائلة التي ستحدثها هذه المقاتلات متعددة المهام على هياكل خطط الدفاع والأمن الإستراتيجي في العالم.
وتأتي هذه الطائرات كثمرة من ثمار التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها في إطار ما يعرف بـ “برنامج مقاتلات الغارة المشتركة Joint Strike Fighter Program” الذي تم إنفاق قرابة 1.1 تريليون دولار عليه منذ عشرين عامًا وحتى الآن.
ومر برنامج المقاتلة بكثير من الإخفاقات لا سيما منذ سنتين عندما تحطمت إحدى طائرات الاختبار على أحد المدارج الأمريكية، لكن البرنامج صمد على الرغم من التحديات التي واجهته نظرًا لأهميته لدى الولايات المتحدة – الرافعة الأساسية له.
فمما لا شك فيه أن الولايات المتحدة حققت ولا زالت تحقق أعلى المكاسب من وراء هذا البرنامج، من بينها التأكيد على صدارتها وتفوقها الإستراتيجي عن طريق تعظيم قدراتها على الاستجابة للتحديات الدولية، ومن ناحية أخرى تضخيم الفوارق بينها وبين أكبر منافسيها من أجل تعزيز نظام أحادية القطب الذي تتصدره ويعتبر أحد نجاحاتها. لذا، فإن اجتياز المقاتلات للمعايير العملياتية الصارمة للجيش الأمريكي تمهيدًا لطرحها في الميادين العسكرية يعتبر نجاحًا للبرنامج وللمؤسسات الدفاعية الكبرى التي تتبناه. كل هذه الخلفيات تترجم ذلك الزخم.
ففي الخامس والعشرين من مايو /أيار المنصرم، أجرت قوات البحرية الأمريكية آخر اختباراتها العملياتية على طائرات F-35 على متن المدمرة USS Wasp قبالة سواحل فيرجينيا على المحيط الأطلسي.
وقد جاءت نتائج الاختبارات جميعها مرضية لقوات البحرية الأمريكية حسب تصريحات نائب قائد البحرية لشؤون الطيران جون ديفيز. وبناءً على هذه النجاحات التي تحققت، سيتم تسليم أولى دفعات الطائرات المطورة للجيش الأمريكي بحلول شهر أغسطس من العام القادم حسب تصريحات صحفية لكريس بوجدان مسئول يرنامج F-35 في وزارة الدفاع الأمريكية.
في سياق متصل وبناءً على تلك النجاحات التشغيلية، وحسب تقارير لواشنطون بوست وول ستريت جورنال، يقوم البنتاجون هذا الأسبوع بطرح طلب على الكونجرس يقضي بتخصيص 400 مليار دولار [هو الأضخم في مشروعات التسلح الأمريكي] لبناء 450 طائرة F-35 (blocks A, B & C) يتم تسليمهم في 2018 بواقع 150 طائرة لكل عام، في إطار مشروع طويل المدى حتى عام 2035 لتصنيع 3200 طائرة، منها 2440 طائرة للجيش الأمريكي فقط.
على صعيد موازٍ، قام فرانك كيندال، وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستحواذ والتكنولوجيا (المسئول عن شؤون التسليح ورجل البنتاجون القوي)، وفقًا لموقع إير فورس تايمز، بعقد اجتماع في أسلو بالنرويج الأسبوع الماضي مع الشركاء الدوليين في إطار برنامج مقاتلات الغارة المشتركة وعلى رأسها المملكة المتحدة والنرويج وهولندا وإيطاليا وكذلك إسرائيل (التي تم دمجها في مجموعة الممولين مؤخرًا بعد أن تم استثناؤها منذ أعوام على خلفية بيعها أسلحة دفاع جوي للصين).
خلال هذا الاجتماع، عبرت كل من بريطانيا وإيطاليا عن تخطي مقاتلات F-35(block A) لكافة الاختبارات التشغيلية والتطويرية، كما رفعوا طلبات لكيندال للحصول على (Block B) فائقة التطور. كما زاد الطلب على الطائرة ليشمل كلا من سنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا وفي انتظار الرد الدانماركي والكندي لا سيما والدولتان شريكتان مع الولايات المتحدة في برنامج مقاتلات الغارة المشتركة وقامتا بالفعل بالإنفاق على برنامج التطوير الخاص بمقاتلات F-35.
مقاتلات F-35: أقصر الطرق نحو السيادة الجوية
منذ ظهور الولايات المتحدة كقوة دولية وهي تهتم بتحقيق السيادة الجوية Air Supremacy كوسيلة مثلى لتحقيق الهيمنة والسيطرة على العالم. وفي سبيل ذلك أنفقت مئات المليارات على بناء القواعد العسكرية الخارجية وكذلك برامج تطوير الطائرات التي تحقق هذه السيادة.
فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومرورًا بحروب حقبة الحرب الباردة كالحرب الكورية وحرب فيتنام وحرب أكتوبر، كان سلاح الولايات المتحدة الضارب هو الطيران عالي التفوق والمحقق للسيادة. ويمكن القول أن فلسفة الولايات المتحدة في تحقيق السيادة الجوية تم اقتباسها من الفكر العسكري للقوات المسلحة النازية وقواتها الجوية (Luftwaffe) التي أنتجت منذ وقت مبكر مصطلح مقاتلات السيادة الجوية على مقاتلات Horten Ho 229 التي تعتبر النموذج الأولي لقاذفات B-2 Spirit أمريكية الصنع.
ويركز المفهوم التقليدي للسيادة الجوية على مواجهات الجو وقهر طائرات العدو وتحطيمها في الجو أو على الأرض بالإضافة إلى تحطيم مدارج الطيران وتحييدها في النزاع، وما قامت به إسرائيل في نكسة 67 مثالي في هذا الباب.
لكن الولايات المتحدة لم يكن هذا تركيزها الأساسي منذ فترة بعيدة. فلا يزال كثير من الإستراتيجيين العرب يذكرون الدور الحاسم لطائرة الاستطلاع الاستراتيجي SR-71 Blackbird؛ التي كانت سببًا حاسمًا في كشف ثغرة الدفرسوار ومن ثم إعادة تنضيد ميدان المعركة وتقوية موقف إسرائيل الإستراتيجي في المعركة. وكما ركزت الولايات المتحدة منذ فترة مبكرة على استغلال قدراتها التكنولوجية الهائلة في إحداث طفرات بقدراتها الاستطلاعية والسيطرة الإلكترونية على الأجواء، فإنها أولت مزيدًا من الاهتمام لإنتاج مقاتلات متقدمة ومتعددة المهام يمكن الاعتماد عليها في الحروب غير التقليدية التي يصعب فيها التعامل بالطيران العادي.
في إطار هذا المسعى، قامت الولايات المتحدة بإنتاج سلسلة من المقاتلات الفائقة Super Fighter بداية من مقاتلات F-14 Tomcat التي كانت ركيزة أساسية في حرب فيتنام، ثم F-15 Eagle ومرورًا بمقاتلات ماكدونيل دوجلاس F-18 بنسختيها Hornet & Super Hornet وصولاً إلى الطائرة الفائقة F-117 Nighthawk التي اشتركت في عملية عاصفة الصحراء.
كما تعتبر المقاتلة Harrier II (إنتاج أمريكي بريطاني مشترك) التي اضطلعت بدور حاسم في حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين بداية الثمانينات إحدى أهم مفردات التطور في السيطرة الجو-بحرية في العصر الحديث وحتى الآن؛ نظرا لكونها المقاتلة الأولى التي تتمتع بخاصية الهبوط العمودي STOVL.
لكنه مع نهاية التسعينات، قامت الولايات المتحدة بتمويل برامج دفاعية لإنتاج مقاتلات أكثرتطورًا من الهورنت التي كانت تمثل القوة الضاربة للولايات المتحدة في حروبها الخارجية (لا سيما حرب الخليج وحرب البلقان). تم إنتاج أولى مقاتلات الجيل الخامس ألا وهي طائرة السيادة الجوية متعددة المهام F-22 Raptor.
وتعتبر هذه الطائرة، حسب محللين، أفضل ما تم التوصل إليه في العتاد الجوي، لكن مشكلتين هيكليتين حالتا دون تعميمها وإنتاجها بوفرة: الأولى ارتفاع تكلفتها فالطائرة الواحدة يناهز سعرها مائتي مليون دولار، وتحتاج الولايات المتحدة من أجل تعزيز سيادتها الجوية إلى ألف طائرة من هذا الطراز على الأقل وهو أمر لم يقع في أولوية الإدارة الأمريكية ذلك الوقت، لا سيما مع احتدام معارك الجيش الأمريكي فيما يسمى بالحرب على الإرهاب. أما المشكلة الثانية فهي صعوبة توظيفها في كافة المهام البحرية والجوية والبرية.
لكن نفس الشركة المصنعة لطائرة Raptor (شركة لوكهيد مارتن) قامت بطرح نموذج أرخص من الرابتور ويتمتع بتقنيات تعدد المهام وفائقة التقدم وهي ما عرفت فيما بعد بمقاتلة F-35 Lightning II.
بعد دراسة النموذج، تم الاستقرار على خوض غمار برنامج التطوير ليكون المتكأ الأساسي للولايات المتحدة في بسط سيطرتها وسيادتها على أجواء العالم. فقام البنتاجون بتدشين ما يسمى ببرنامج مقاتلات الغارة المشتركة لتمويل برنامج تطوير F-35.
وتعتبر مقاتلات F-35 من أكثر أنظمة التسلح تعقيدًا وتطورًا في العصر الحديث حيث يطلق عليها “الحاسوب الطائر”. وتتميز المقاتلة بخوذة القيادة الفريدة التي حصلت على 35 براءة اختراع بمفردها. كما تتميز الطائرة على عكس سابقاتها بطرح ثلاث نسخ: النسخة الأولى هي (Block A) وتتمتع بالإقلاع والهبوط الاعتيادي CTOL والثانية (Block B) وتتمتع بميزة الإقلاع والهبوط العمودي و/أو القصير STOVL “مناسبة لأغراض القوات البحرية” والثالثة (Block C) العاملة بنظام CATOBAR والخاصة بحاملات الطائرات.
وقد تم إنتاج 38 طائرة من النسخة (أ) لأغراض الاختبار داخل الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وإيطاليا و5 طائرات من النسخة (ب) لاختبارها من قبل البحرية الأمريكية. وقد تم إنهاء كافة الاختبارات التطويرية الخاصة بالنموذجين وستقوم الشركة المصنعة للطائرة (لوكهيد مارتن) بتوريد الدفعة الأولى من بلوك (أ) و(ب) خلال أغسطس من العام القادم.
التوظيف الإستراتيجي لمقاتلات F-35
لقد أسلفنا الحديث عن الحاجة الاستراتيجية الماسة للتوسع في طائرات السيادة الجوية متعددة المهام من قبل الولايات المتحدة، لكن توجد كذلك حاجة تكتيكية أكثر إلحاحًا ألا وهي الحقيقة القائلة بأن مقاتلات الجيل الرابع تمثل ثلاثة أرباع قوى القتال الجوي الأمريكي ومعظمها يعود للثمانينات من القرن الماضي. وعلى الرغم من كفاءتها التشغيلية، إلا أنها تظل خاصرة رخوة في حالة أي إستراتيجية استجابة متقدمة للقوات في أي صراع عسكري محتمل في المستقبل القريب (لا سيما حدوث مواجهات في الباسيفيك مع الصين أو في بحر العرب مع إيران).
في هذا الإطار، قام الجيش الأمريكي باستحداث مكتب لإدماج طائرات F-35 داخل أساطيل القوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية. ووفقًا لواشنطون بوست، فقد بدأت قوات البحرية في وضع خطة جديدة لإدارة المعارك الجوية بدلاً من الخطة القديمة المسماة Hornet Standard Game Plan والمنسوبة لطائرات F-18 Hornet التي تعتبر أكثر المقاتلات كفاءة في معارك الولايات المتحدة الأخيرة ويتم استخدامها حاليًا في غارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وتكمل الصحيفة على لسان جيمس أدامز كولونيل البحرية الأمريكية المسؤول عن الخطة الجديدة أن الأمر سيكون شاقًا ولا يمكن مقارنته بالمحاولات التي تمت في 2005 لتعديل الخطة بعد إدماج مقاتلات F-22 Raptor نظرًا لمحدودية عددها في حين أن الأعداد التي سيتم إدماجها من مقاتلات F-35 هو كبير بالفعل.
هذا العدد الكبير من المقاتلات ليس مطلوبًا في حد ذاته حيث أن المقاتلات نفسها لا تعدو كونها وسيلة لتعزيز السيطرة الأمريكية على الجو بأسراب جديدة من المقاتلات الفريدة التي تصعب المنافسة الدولية بين الولايات المتحدة ومنافسيها أكثر وأكثر.
وعلى الرغم من السعي الحثيث من قبل روسيا والصين تحديدًا لإنتاج مقاتلات من الجيل الخامس وعلى الرغم من القدرات العالية التي تتمتع بها مقاتلات سوخوي 50 الروسية (المعروفة كوديا باسم PAK FA) والمقاتلات الصينية الشهيرة Chengdu J-20، إلا أن قدرات هذه الطائرات الطليعية في الصناعة العسكرية الروسية والصينية لا تزال متواضعة جدًا أمام القدرات التكنولوجية العملاقة لمقاتلات F-35 (block A)؛ أما (block B) و(block C) فهما خارج المنافسة فعليًا.
الثقل الإستراتيجي لمبيعات F-35 على خريطة النفوذ الدولي
تمامًا كما أن خرائط النفوذ والسيطرة تدل عليها تحركات الأساطيل، فإن تموضعات طائرات الأجيال المتقدمة هي بالفعل أداة لتشكيل النفوذ والتحكم في منظومة الأمن والسلم الدولي. وعلى اعتبار الاختراق الكبير الذي ستحدثه طائرات F-35 بجميع نسخها في إعادة تعريف السيادة الجوية، فإنه بتقصي مناطق الانتشار المحتملة لتلك المقاتلات يمكننا التعرف على مستقبل النزاعات الدولية والإقليمية القائمة وتأثيرات السيطرة الجوية على مستقبل السلم الدولي.
وكما هو معلوم، فإن تلك المقاتلات لن يتم بيعها إلا للحلفاء “التاريخيين” التي تثق فيهم الولايات المتحدة أو على الأقل من لديهم إنخراط كامل معها في إطار عمليات مشتركة أو علاقات تصنيع وتطوير مشترك طويلة المدى. كما يوجد محدد آخر خاص بعمليات بيع هذه المقاتلات المتقدمة ألا وهو تعزيز توازنات النفوذ الإقليمي في إطار خطة انتشار إستراتيجي دولي للمقاتلات بما يحقق المصلحة الأمريكية في السيطرة والتحكم.
وحيث أن السيطرة الإستراتيجية الأمريكية على العالم تأخذ شكلا من أشكال اللامركزية عن طريق تقسيم العالم لقيادات قتالية (القيادة المركزية – القيادة الأوروبية – قيادة الباسيفيك إلخ…) تتبعها قوات مقاتلة وأسطول خاص بها وهكذا، فإن هذا الهيكل التخطيطي يتم استحضاره في كل الخطط الأمريكية لبسط النفوذ واستعراض القوة لا سيما في التعديلات الهيكلية التي تخص خرائط الانتشار وهياكل الخطط..
وقد تم اتباع هذا النمط التخطيطي الخاص بالجيش الأمريكي في عرض خريطة الانتشار الإستراتيجي لمقاتلات F-35 وفقًا للأخبار المؤكدة حول صفقات / طلبات شراء مقاتلات F-35 للأعوام الثلاث المقبلة:
* ملحوظة: تشير الخطط الأولية لمكتب دمج F-35 إلى تركز نصف الطائرات التي سيتم إنتاجها في إطار برنامج الغارة المشتركة (3200 طائرة بحلول 2035) على أراضي الولايات المتحدة. الباقي سيتم توزيعها على القواعد والجيوش الحليفة للولايات المتحدة حول العالم.
القيادة الأوروبية USEUCOM
- بريطانيا: الشريك الأول في برنامج التطوير ووقعت عقدًا مع الولايات المتحدة لاستلام 48 مقاتلة من النسخة (ب).
- هولندا: رفعت طلبًا بعشر طائرات من النسخة (أ) تم استلام طائرتين منهما للاختبار. وقد أنفقت هولندا قرابة ملياري دولار على أعمال التطوير في إطار برنامج Joint Strike Fighter
- النرويج: تم حجز أربع مقاتلات (النسخة أ) مع احتمال طلبها لخمسة وأربعين طائرة في العشرين سنة المقبلة.
- إيطاليا: تم حجز ستة مقاتلات من النسخة (أ) و15 من النسخة (ب) لسلاح البحرية الإيطالية. وتعتبر إيطاليا من الأركان الرئيسية ببرنامج تطوير المقاتلات هذه، وقدمت قرابة نصف مليار دولار على طول العشر سنوات الماضية. كما يقوم الطيارون الإيطاليون بالتدرب على طائرات الاختبار الموجودة بهولندا في إطار برنامج تدريب مشترك.
- تركيا: قدمت تركيا قرابة 200 مليون دولار في إطار برنامج التطوير ويتوقع مراقبون أن يصلها خمس طائرات (بلوك أ) العام القادم.
فيما يخص صفقة الطائرات مع بريطانيا، فإنها تأتي تعزيزًا لأمن شمال الأطلنطي وتقوية للحلف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول القضايا الدولية، لا سيما التوافق حول قضايا الشرق الأوسط وسياسات الناتو الأوروبية؛ كما أن هذه الصفقة تأتي في إطار تطوير بريطانيا لسلاح البحرية بإحلال (block B) من هذه المقاتلات محل مقاتلات Harrier II العمودية التي تعمل في البحرية البريطانية منذ 35 عامًا.
أما فيما يتعلق بنشر مقاتلات F-35 في هولندا والنرويج فإنه يندرج في إطار خطة الاستجابة المتقدمة في شمال أوروبا لا سيما مع تزايد المؤشرات بتقوية التواجد الروسي في بحر البلطيق.
بخصوص تزويد إيطاليا بعدد أكبر من الطائرات، فإن هذا يخدم إستراتيجية الولايات المتحدة في تعزيز أمن البلقان وغرب المتوسط، لا سيما تقوية دفاعات مضيق جبل طارق من داخل المتوسط وتحقيق توازن دفاعي مع الدفاعات شديدة التقدم للمضيق من المحيط الأطلنطي المتمركزة في قاعدة جزر الأزور التي تنتشر بها ثلاثة أسراب من طائرات F-22 Raptor الفائقة. أما فيما يتعلق ببيع طائرات لتركيا، فإنه على الرغم من قلة عدد الطائرات إلا أنها يتوقع أن تقوم بدور مهم في تعزيز حائط الأطلنطي في شرق أوروبا.
القيادة المركزية USCENTCOM
إسرائيل: قامت إسرائيل بالتوقيع على إجمالي 28 مقاتلة (أ & ب). وسيتم تسليم 14 طائرة منها في بنهاية 2016. كما تضمن العقد المبدئي فتح نشاط تجميع وتصنيع قطع غيار المقاتلات بإسرائيل. وتشترك إسرائيل في برنامج الغارة المشتركة تحت عنوان “شريك تعاون أمني”.
وترى إسرائيل أنه على الرغم من حروبها غير التقليدية التي تخوضها على جبهتها الجنوبية مع غزة والشمالية المحتملة مع حزب الله، فإن التكنولوجيا ثقيلة التسليح كمقاتلات F-35 لا تزال مطروحة وبقوة في تلك الحروب الصغيرة وفقًا لتصريحات قائد سلاح الجو الإسرائيلي. وهذه الإستراتيجية بالتأكيد توضح أن إسرائيل لا تزال تراهن على إستراتيجياتها النظامية في دحر وهزيمة الإستراتيجيات الميليشاوية “اللاتناظرية” في ظل غياب الجيوش وانتشار الفصائل المسلحة في معظم مناطق المشرق العربي.
ومع ذلك، فإن هناك ثمة دلالات أخرى في تلك الصفقة شديدة الأهمية يأتي على رأسها أن الصفقة الإسرائيلية يتضمن نصفها طائرات من (النسخة ب) التي تتمتع بالإقلاع والهبوط العمودي وهي الأكثر مناسبة لحروب الصحراء؛ مع الأخذ في الاعتبار صفقة أخرى تم إبرامها مع البنتاجون حول شراء طائرات النقل الإستراتيجي V-22 Osprey شديدة التطور وسيتم تسليمها في نفس موعد تسليم F-35 أو قبلها بأشهر.
وفي الأغلب سيتم دمج طائرات F-35 مع V-22 كأسراب مقاتلة للإنزال في العمق حال نشوب صراع جديد في غزة، وقد يتم الاستعانة بها في الحرب ضد داعش وكذلك تحقيق السيطرة الجوية في سوريا ولبنان إذا سقط نظام الأسد. من الناحية النظامية، يرى مراقبون دوليون أن هذه المقاتلات متعددة المهام هي موجهة بالأساس لمواجهة منظومة الدفاع الجوي S-300 الروسية التي يتردد في الأوساط العسكرية استحواذ مصر عليها من الجانب الروسي منذ أشهر، بالإضافة لقدرة هذه الطائرات على الوصول لقلب إيران بدون تموين وقود في وقت قياسي قد لا يتخطى النصف ساعة.
باختصار ستقوم إسرائيل باستغلال هذه المقاتلات في تحقيق السيادة الجوية على الشرق الأوسط بكامله بلا أي منازعة نظرًا لعدم قدرة أي منظومة دفاع جوي على مواجهة هذه المقاتلات عالية التخفي Max. Stealth Fighter في العصر الحالي.
قيادة الباسيفيك USPACOM
- أستراليا: تم رفع طلب شراء 72 مقاتلة (block A). وتعتبر أستراليا من أكبر شركاء تطوير F-35
- اليابان: تم رفع طلب بشراء 5 طائرات مع وجود خطط بشراء 30 طائرة في مدى زمني عشر سنوات لاستبدالها بطائرات F-4 Phantom التي لم تعد قادرة على الإيفاء بمتطلبات السيطرة على شمال الباسيفيك والقطب الشمالي لا سيما أمن خليج بيرينج الفاصل بين ألاسكا وروسيا. وقد تمت الموافقة على إنشاء قاعدة لصيانة مقاتلات F-35 الواقعة ضمن أعمال قيادة الباسيفيك في اليابان.
- سنغافورة: قامت القوات المسلحة السنغافورية بتقديم طلب للحصول على مقاتلات F-35 حسب كريس بوجدان مدير برنامج الطائرة، لكنه لم يحدد عدد الطائرات المطلوبة ولا نسختها.
ومن خلال هذه الأرقام يتضح لنا أن صراعات الباسيفيك لا سيما مع الصين لا زالت وستظل تحتل أولوية الانتشار الأمريكي على الأقل في العشر سنوات المقبلة. وقد تم إنشاء قاعدة لمقاتلات F-35 في شمال أستراليا تعد هي الأكبر خارج الولايات المتحدة لتشكل قاعدة مثلث السيطرة على الباسيفيك في مقابل رأس المثلث باليابان (وكوريا الجنوبية التي يتردد تقديمها طلب بالحصول على طائرة F-35)، في حين تعتبر سنغافورة في الغرب وقاعدة جوام في الشرق قلب المثلث ومتنه القوي.
وفقًا لما سبق، فإنه باستكمال المرحلة الأولى من نشر 450 مقاتلة F-35 بحلول 2018، فإن الولايات المتحدة ستكون قد دخلت بالفعل في مرحلة جديدة في قيادة الكوكب حيث يعد هذا المشروع أولى خطواتها. وسيتكلف مشروع نشر مقاتلات الجيل الخامس حوالي 2.5 تريليون دولار حتى نهاية 2035. لكن فرانك كيندال، وكيل وزارة الدفاع لشئون الاستحواذ والتكنولوجيا والمسئول الأول عن شؤون التسليح بالجيش الأمريكي، قد أفصح عن جزء من إستراتيجية البنتاجون طويلة المدة حيال قضية سيادة العتاد الجوي.
ففي شهادة له أمام لجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس نهاية يناير من العام الجاري، قال كيندال أن تعميم مقاتلات الجيل الخامس ليس سوى خطة “مرحلية” لتقديم مقاتلات الجيل السادس التي ينظر إليها على أنها مستقبل الولايات المتحدة للسيطرة طوال المائة عام المقبلة. وتقوم إستراتيجية نشر مقاتلات الجيل السادس، حسب كيندال، على “مبادرة اكتشاف الفضاء”. وأضاف أن هيئة الأبحاث العسكرية الأمريكية المتقدمة DARPA تقوم بالفعل بالعمل على نماذج طيران تناسب هذه الحقبة الجديدة.
من المؤكد أن ميزانية الدفاع الأمريكي للعام القادم 2016 سيكون بها تفاصيل كثيرة حول مسيرة برنامج F-35 وما يتعلق بربطه ببرنامج اكتشاف الفضاء والجداول الزمنية الخاصة بما عداها من برامج السيادة الجوية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.
*محلل الشؤون الدولية والإستراتيجية
روابط الأخبار
- http://www.wsj.com/articles/pentagon-to-urge-congress-to-approve-f-35-fighter-contract-1432932010
- http://nationalinterest.org/blog/the-buzz/russias-lethal-pak-fa-fighter-stealthier-americas-f-22-12972
- http://en.wikipedia.org/wiki/Lockheed_Martin_F-35_Lightning_II
- https://www.f35.com/news/detail/pentagon-wants-large-scale-international-f-35-block-buy
- http://www.washingtonpost.com/news/checkpoint/wp/2015/05/27/after-years-of-setbacks-the-embattled-f-35-fighter-jet-could-soon-be-ready-for-combat/
- http://www.airforcetimes.com/story/military/capitol-hill/2015/05/29/pentagon-f35-block-buy-2018/28143821/
- http://www.defensenews.com/story/defense/international/asia-pacific/2014/12/17/japan-australia-selected-for-pacific-f-35-sustainment-/20548393/
- http://www.defensenews.com/story/defense/international/mideast-africa/2015/02/22/israel-buy-f35-fighters-us/23840089/
- http://www.defensenews.com/story/defense/air-space/strike/2015/05/30/israel-air-force-iaf-gaza-jdam-f35-fighter-precision-pgm/28141849/
- http://www.jpost.com/Israel-News/F-35-designed-to-deal-with-threats-like-S-300-Lockheed-Martin-official-in-Israel-says-398252
- http://www.defensenews.com/story/defense/air-space/strike/2015/02/01/6th-gen-fighter-strategy/22597515/