الدبابة: آلة الحرب المبهرة
ولما كانت القوات البرية هي التي تحسم أى حرب لتميز المنتصر من المهزوم، وهي التي تحقق السيطرة على الأرض؛ لزم ذلك وجود وتطوير الدبابات على مستوى العالم. فمن منا لا يعرف هذة الآلة الرائعة والمميتة في نفس الوقت.
ولكن هل تسألت يوما ما هي الأسس العلمية التي تبنى عليها هذه الآلات وكيف نشأت وتطورت؟ لعلنا في السطور القادمة نجيب عن هذه التساؤلات بشيء من التفصيل.
نشأة الدبابات واكتسابها مكانتها في الحروب الحديثة
يمكن تعريف الدبابة بأنها عربة قتال ثقيلة التدريع ومجنزرة. فتميز كل نقطة من نقاط هذا التعريف ( الدرع والحركة والتسليح) تجعل من الدبابة أداة قتل وسيطرة ميدانية نموذجية.
في بداية القرن الماضي اخترع المهندس البريطاني ديفيد روبرتس الجنازير لحل مشكلة انغماس عجلات جرارات الحرث في الطين مما يعوق عملها. الأمر الذي أدى إلى توزيع ثقل الجرارات على كامل مساحة الجنزير فسهل حركتها في الحقول الموحلة. ولقد كانت هذه الميزة سببا في التفكير في استغلالها في آلة حربية.
في الحرب العالمية الأولى واجهت القوات البريطانية مشكلة الخنادق؛ حيث كان من المستحيل على الجنود المرابطين في الخنادق في خطوط المواجهة الأمامية عبورها وقطع الأسلاك الشائكة واحتلال خنادق العدو دون التعرض لنيران مدافعه الرشاشة، لذلك كانت هناك الحاجة لوجود مركبة مدرعة تحمي جنود المشاة وتكون قادرة على اختراق خطوط العدو واحتلالها.
وبذلك ظهرت الدبابة البريطانية Mark 1 عام 1916. وعلى الرغم من تحقيق هذه الدبابات أهدافها إلا أنها كانت ذات تصميم بدائي وبطيئة الحركة جدا؛ مما عرضها في كثير من الأحيان إلى الاستهداف أو العطب. ولزيادة السرعة كان هناك عاملان مهمان في التحديث، هما الجنزير ونظم تعليق العجلات الحاملة له.
كان الجنزير في بادئ الأمر عبارة عن سير من الحديد، كما يظهر جليا في صورة Mark 1، ولا يمتلك إلا عجلات نقل الحركة في مؤخرة الدبابة وبكرة في الأمام، مما أدى إلى تمزقه السريع على الطرق غير الممهدة منسحقا تحت ثقل الدبابة والطاقم الحاملة له.
فتم تطوير الجنزير بإضافة فواصل من المطاط لامتصاص الصدمات وتقليل الضوضاء المنبعثة منه في حالة الحركة، كما تطورت نظم تعليقه من مجرد جنزير يمر بكامل جانب الدبابة إلى وجود عجلات داخل مسار الجنزير منفصلة التعليق مما يؤدى إلى سلاسة الحركة ومقاومة الدبابة للتعرجات الشديدة في أرض المعركة مما يتيح راحة أكبر للطاقم وحماية للجنازير من العطب.
التهديف في الدبابات
تمتلك الدبابات سلاحا أساسيا وهو المدفع. بجانب بعض الأسلحة الفرعية كالرشاشات وقنابل الدخان إلخ. ولكي تؤدي الدبابة الدور المنوط بها وهو إصابة أهدافها بدقة وسرعة عالية، حيث يمكن أن يكلف عدم الدقة أوالبطئ الطاقم حياته، لزم وجود طرق تصويب متطورة مدمجة داخل الدبابات الحديثة .
لإصابة هدف ما في مرمى نيران الدبابة تخبرنا قوانين علم رياضيات المقذوفات أنه يتعين علينا معرفة المدى بين الرامى والهدف (المسافة الفاصلة بينهما) والتي بناءً عليها يتم توجيه المدفع لإصابة هذا الهدف.
ففي البداية كانت الدبابات تستخدم طريقة التجربة والخطأ وفيها يطلق المدفع النار ثم يكون هناك مراقب يحدد مدى الإصابة أو بُعد القذيفة عن الهدف ومن ثم تصحيح مداها. ولكنها كانت طريقة مكلفة في الوقت وعدد القذائف اللازمة لإصابة كل هدف. وبتطور طرق التهديف استخدم علم حساب المثلثات لحساب مدى الإطلاق.
ولكن أحدث الاختراعات في هذا الصدد هو محدد المدى الليزري والذي يستخدم الليزر في تحديد المسافات حيث يقوم الجهاز بإرسال أشعة ليزر إلى الهدف ثم حساب زمن الارتداد من الهدف.
وبتطبيق علاقة رياضية بسيطة تنص على أن المسافة تساوي السرعة مضروبة في الزمن المستغرق حتى عودة الشعاع المرتد، والسرعة المستخدمة في القياس هنا هي سرعة الضوء والتي تساوى 108*3 في الثانية الواحدة.
ومن الجلى أن سرعة هذه الأنظمة ودقتها وتطورها تعتبر حدا فاصلا في حسم الصراعات. ولتوضيح هذه النقطة يمكننا أن نذكر أنه في حرب الخليج الأولى امتلكت الابرامز نظام مسح ورؤية حرارية تسمح لهم بكشف الانبعاث الحراري للأجسام في أرض المعركة، وعلى الرغم من امتلاك الدبابات العراقيه أنظمة الرؤية الليلية؛ إلا أن مدى كشف ورؤية الدبابات الأمريكية كان ثلاثة أضعاف العراقية مما جعلها فريسة سهلة في أيدي الأمريكيين.
الإطلاق من الوضع المتحرك
كانت الدبابات في الحرب العالمية الأولى والثانية لا يمكنها إطلاق مدفعها الرئيسي في أثناء الحركة مما يفقدها الكثير من القدرة على المناورة والهروب إن لزم الأمر. فلو أطلقت الدبابات في الماضي أثناء الحركة لأدى رد الفعل إلى اقتلاع البرج من جسم الدبابة.
ولكن مع تطور الدبابات تم استخدام الجيروسكوبات لإبقاء البرج مستقيما حتى في أثناء الحركة.
الجيروسكوبات هي أدوات ميكانيكية تحتوى على قرص دوار ذي اتجاه دوران حر لا يتأثر بتغيرحركة أو زاوية الجزء الداعم له، مستخدما قانون بقاء العزم الزاوي (حركة جسم يتحرك في دائرة أو حركة قرص دوار).
جيروسكوب
التدريع والقذائف
يعد التدريع والقذائف من أكثر وأسرع قطع الدبابات تطورا حول العالم ولا يتسع المجال في هذا المقال لشرح العلاقة بينها وطرق اعتماد تطوير إحداهما على الآخر. فكلما ظهر نوع جديد من الدروع ظهرت قذائف ومضادات جديدة قادرة على اختراق هذه الدروع.
ولكننا يمكننا هنا شرح الأساسيات التي تقوم عليها هذه العلاقة بين الدرع والقذيفة. ويعد الدرع هو الأساس الأولي للدبابات والعربات المصفحة في الحروب. ويختلف الدرع باختلاف التهديد الذى يقى منه هذا الدرع؛ بدءا من الزجاج المضاد للرصاص وصولا للتدريع الثقيل لدبابات القتال الرئيسية.
لتدعيم وظيفة الدرع فإنه يصنع من مواد ذات كثافة عالية لمقاومة التهديدات من قذائف وألغام وصواريخ موجهة وخلافه، ولكن ذلك يحد من سرعة المركبة وقدرتها على المناورة والاجتياز في المعركة مما كان له أكبر الأثر في الحاجة لتطوير هذه الدروع.
وفي ما يلى نبذة مختصرة عن تطور الدروع منذ اختراع الدبابة إلى الوقت الحالي حيث سنتناولها بالتفصيل في تقرير قادم إن شاء الله.
الدروع السميكة من الفولاذ: عرفت هذه الدروع منذ نشأة الدبابات وامتازت بثقلها المفرط مما أدى إلى ثقل حركة الدبابة.
الدروع المائلة: للتغلب على ثقل الدرع دون التخلي عن الحماية التي يوفرها تم الاستعاضة عن الدروع القائمة بالدرع المائل والذى كان يميل عن الوضع القائم بثلاثين درجة، مما يقلل وزن الفولاذ إلى النصف مع نفس الحماية. كان أول ظهور لهذا الدرع في الدبابة الروسية T34 ولكنه كان يقلص المساحة المتاحة للطاقم من الأمام فكان الحل هو تجنيد طاقم أصغر حجما للدبابات.
الدروع التفاعلية: تعتمد هذه الدروع على وجود عبوات فولاذية تحتوى على مواد متفجرة تنفجر حينما تصاب الدبابة بقذيفة مما يبدد القوة الانفجارية للقذيفة إلى خارج الدرع.
أما بالنسبة للذخائر فإن من أهمها القذائف المنسحقة الرأس، وهي تلك القذائف التي تنسحق بشكل قرص على الدرع المستهدف مما ينتج عنه موجة ارتجاجية والتي تكون سببا في تشظي بعض السطح الداخلي للدرع مما يتنج عنه آثار مميتة للطاقم.
وتعتبر هذه النوعية غير فعالة مع الدروع الحديثة، حيث تستخدم بعض أنواع الخزفيات المدمجة مع الدرع ولكنها لا تزال تحتفظ بتأثيرها مع الحوائط الأسمنتية للحصون.
القذائف شديدة الانفجار: وهي تلك القذائف التي تحتوى على مواد متفجرة شديدة الانفجار كافية لصهر الدرع ومصنعة هندسيا لدفع هذا المصهور إلى داخل الدرع حال انصهارها، وهي من أكثر القذائف استخداما.
القذائف الخارقة للدروع النابذة للقبقاب: تصنع هذه القذائف من مواد ذات كثافة عالية وتطلق بواسطة المدفع الرئيسى للدبابة، وهي عبارة عن سهم محاط بقبقاب أو كعب ينفصل عن السهم بعد الخروج من فوهة المدفع بفعل مقاومة الهواء للقبقاب. ويعتمد هذا النوع من القذائف على كمية تحرك السهم حال وصولة للهدف.
لقد أثبتت الدبابة أنها سيدة الحرب البرية بلا منازع، وأن العلاقة بين الدرع والقذيفة سيشكل الصراع بين المنتصر والمهزوم في الحروب القادمة. ففي حروب المستقبل سيكون النصر دائما لمن يمتلك مقومات هذا النصر من علم وتطور وعقيدة.