الجبهة الإسلامية في سوريا (2): المظلة والأيديولوجية (مترجم)
هذا هو المقال الثاني من سلسلة تتحدث عن الجبهة الإسلامية في سوريا، التي تمثل التحالف الثوري الأكبر المناهض لحكومة بشار الأسد.
أي محاولة لوصف أيديولوجية الجبهة الإسلامية تبدو معقدة، في ظل حقيقة أن البعض من أعضائها يشعرون بالحيرة في تحديدها.
وتعتبر الجبهة بمثابة مظلة للفصائل المكونة لها، أكثر من كونها اتحادا كاملا، حيث ما زال كل فصيل يعمل تحت قيادة مختلفة، ولا توجد ضمانات بشأن القدرة على تنسيق التباين فيما بينها، ووضع الاختلافات تحت السيطرة.
ويأتي ذلك بينما يأمل بعض أعضاء الجبهة في الوصول إلى إتحاد أكثر عمقا واستمرارية.
الفصائل السبعة الأساسية في الجبهة الإسلامية لديها أيديولوجيات تختلف جزئيا، كما أن اجتماعها جميعا في مسار الحرب الأهلية المستمرة يتسم بالعشوائية، بما يعني صعوبة شديدة في قدرة أيديولوجية رسمية للجبهة على التغلغل بين الصفوف، بما يستدعي ضرورة الأخذ في الاعتبار هذا الاختلاف، وإن كان في إطار إسلامي عام.
لكن بحسب قيادي سني بلواء الحق، أحد فصائل الجبهة، فإن معظم المقاتلين داخل المنظمة هم في الواقع مسلمون محافظون يؤمنون أن ذلك يقربهم أكثر من دينهم، في ظل محاولة قيادات الجبهة الإسلامية بذل أفضل ما بوسعهم لعرض واجهة أيديولوجية مشتركة.
دور أحرار الشام
ويقود مكتب الشريعة والمكتب السياسي بالجبهة الإسلامية أعضاء من أحرار الشام، ذلك الفصيل السلفي المعارض المتشدد الذي لعب دورا كبيرا في تشكيل الصورة العامة للجبهة.
ولا يمثل ذلك مفاجأة نظرا للتأكيد الذي تضعه أحرار الشام على فكرة الأيديولوجية خلال مراحل الثورة.
ولكن بالرغم من أن أحرار الشام فصيل سلفي صريح ينأى بنفسه دائما عن التحالفات المدعومة من الغرب والجيش السوري الحر، إلا أن فصائل أخرى داخل الجبهة الإسلامية لا تنتهج ذات النأي.
فصائل انتمت سابقا للجيش السوري الحر
العديد من فصائل الجبهة الإسلامية، بينها صقور الشام في إدلب، ولواء التوحيد في حلب، وجيش الإسلام في دمشق، ولواء الحق في حمص بدأت جميعها تحت قيادة إسلامية، مع استخدام خطاب إسلامي.
البعض من قيادت تلك الفصائل غازل الإخوان المسلمين في مرحلة أو أخرى، بينما التزم بعض آخر بالسلفية، لكن القليل منهم بذل أي جهد للإعلان عن أيديولوجية واضحة المعالم، لا سيما وأنهم أقل عقائدية من أحرار الشام، أو جبهة النصرة على سبيل المثال الموالية للقاعدة.
وعلاوة على ذلك، وصف الصحفيون والنشطاء مقاتلي تلك الفصائل على الأرض بأنهم أعضاء بالجيش السوري الحر، في تناقض مع سلفيتهم الأيديولوجية.
وبالفعل، لم تتردد تلك الجماعات سابقا في إعلان تبعيتها للمجلس العسكري الأعلى، الذي يمثل هيكل القيادة التابع للجيش السوري الحر بقيادة اللواء سليم إدريس.
ويعرف المجلس العسكري الأعلى أيضا باسم هيئة الأركان العامة للجيش السوري الحر، وأسس في ديسمبر 2012 بدعم خليجي، ليمارس دورا قياديا للتيار الرئيسي للقوات الثورية، قبل أن يرتبط لاحقا بسياسيين في المنفى، بتصديق غربي، بما يسمى بالائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارض، ليخدم كجناح مسلح للهيئة السياسية.
ولكن عندما تأسست الجبهة الإسلامية بعدها بنحو عام، زادت كافة فصائل الجبهة المذكورة أعلاه من حدة نقدها للغرب، وقلصت روابطها على الملأ بالكيانات المذكورة، مبررة ذلك بعدم الرغبة في إبرام علاقات مع قادة المنفى المدعومين من الغرب الذين يكونون الائتلاف الوطني، وكذلك المجلس العسكري الأعلى لإدريس.
تحول الفروق الأيديولوجية البسيطة
الخطاب العام لفصائل الجبهة الإسلامية اعتراه التغير بمرور الوقت، إما نتيجة لتطور أيديولوجي أصيل من القيادات، وزيادة الوازع الديني بين جمهور الأنصار، وخيبة الأمل تجاه الوعود الغربية بتقديم الدعم، أو ضغوط من الحلفاء السلفيين والممولين الخارجيين، أو ربما كافة تلك العوامل مجتمعة.
وعلى سبيل المثال، اعتاد قائد صقور الشام أحمد عيسى الشيخ، الشهير بـ أبو عيسى، الحديث عن إقامة انتخابات ودولة مدنية تمنح كافة الحقوق للأقليات الدينية والعلمانيين، مناديا بضرورة منافسة الإسلاميين في سوق الأفكار المفتوحة، مثل الآخرين.
ولكن بمرور الوقت، بدأ أبو عيسى التحول نحو الجانب السلفي المتشدد من المعارضة. وعندما ووجه بتصريحاته القديمة التي تعزي إلى عام 2011، تراجع عن تلك الآراء راجيا من الله السماح على ” أي أخطاء تفوهنا بها في الماضي، والتي قد نتفوه بها في المستقبل”.
وحاليا، يحاول قيادات الجبهة الإسلامية عرض واجهة موحدة، والتحدث بصوت واحد.
وبعد تأسيس الجبهة في نوفمبر 2013، أصدر أعضاؤها بيانا رسميا مشتركا يؤيد وجهات النظر المتعصبة لأحرار الشام، نابذا مفهومي الدولة المدنية والديمقراطية.
ويمثل ذلك الأيديولوجية التي تتبناها الجبهة الإسلامية حاليا بشكل إجمالي، والبرنامج السياسي المفترض أن تحارب من أجله كافة فصائلها.
البث التجريبي للجبهة الإسلامية السورية
هل ستضحى تلك الإستراتيجية المعتمدة على رسالة عامة منسقة، بالإضافة إلى الاندماج التدريجي لأعضاء الفصائل داخل المنظومة المشتركة مؤثرة في إطار السعي لتوحيد الخط السياسي للجبهة الإسلامية؟
من الوارد حدوث ذلك، لكن التجانس السياسي الناجم عن الخطوات الاضطرارية قد يتفتق في النهاية عن محو تلك المنجزات.
ومع ذلك، فثمة سوابق على نجاح هذه الطريقة، ففي ديسمبر 2012، جمع أحد قيادات ما تسمى حاليا حركة أحرار الشام عشرة فصائل أخرى في تحالف حمل اسم “الجبهة الإسلامية السورية”، وانحل فيما بعد لإفساح المجال للجبهة الإسلامية الحالية، لكن التجربة التي استمرت نحو عام كانت مفيدة.
فقد انطوت سبعة فصائل من إجمالي عشرة تألفت منها الجبهة الإسلامية السورية تحت لواء أحرار الشام، بما يشير إلى إمكانية تحقيق التوحد.
ومن بين الفصائل التي ظلت منفصلة، لواء الحق، وكنائب أنصار الشام، لكنهما انضما مع أحرار الشام داخل الجبهة الإسلامية الجديدة.
وعموما، تبدو تجربة الجبهة الإسلامية السورية مفيدة في مسألة اندماج فصائل الجبهة الإسلامية.
مرة أخرى، نؤكد على أن الجبهة الإسلامية اليوم أكبر نطاقا مما كانت عليه الجبهة الإسلامية السورية.
وفي ديسمبر 2012، ادعى مسؤولو الجبهة الإسلامية السورية أن عدد مقاتليها يبلغ زهاء 25 ألف، مقابل 70 ألف مقاتل تمتلكها الجبهة الإسلامية، وفقا لمسؤوليها، بغض النظر عن مدى مصداقية تلك التقديرات.
وتضم الجبهة الإسلامية العديد من الجماعات القوية على المستوى الفردي، والتي تضم قيادات شهيرة لديهم مصادرهم التمويلية الخاصة، مثل زهران علوش قيادي جيش الإسلام.
ولا يوجد فصيل مركزي مهيمن داخل الجبهة الإسلامية يستطيع الآخرون الالتحام معه، على غرار أحرار الشام في الجبهة الإسلامية السورية.
ملحوظة: تم الإعلان عن اندماج صقور الشام مع أحرار الشام لاحقا
كما أن تخلي بعض القيادات القوية والطموحة لتلك الفصائل عن سلطاتهم تحت شعار الوحدة ليس أمرا هينا.
ولذلك. من الصعب تخيل أن بمقدور الجبهة الإسلامية تكرار تجربة الجبهة الإسلامية السورية.
وبفرض نجاتها من معركتها ضد داعش دون أن يلحق بها الانهيار أو انشقاقات كبيرة، وهو أمر لا يمكن الجزم به، قد تضطر الجبهة الإسلامية إلى البقاء كحركة ذات مظلة هيكلية ضعيفة، وتترك الزمن ليفعل ما ينبغي فعله.