البراميل المتفجرة: السلاح الذي قتل الآلاف في سوريا
فى حوار الإعلامي أحمد منصور مع العقيد طيار/ على عبود قائد المروحية التي تم إسقاطها فى إدلب ذكر العقيد السوري بضع نقاط تفصح عن الأسس التكتيكية العامة لعملية القصف بالمروحيات.
منها مثلا أن القصف يعتمد أساسا على المروحيات مي 8 /17 وهي مروحيات نقل ذات موثوقية عالية لها تاريخ كبير فى المنطقة. فالمي 8 تخدم منذ الستينات فى المنطقة فعملت فى مصر وسوريا والعراق والجزائر ثم ليبيا ودول أخري والمتغير الأحدث لها مي 17 يخدم فى هذه الدول منذ الثمانينات تقريبا وأهدت مصر إثنين منها للسلطة الفلسطينية وكان يستخدمها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات فترة طويلة وأعطت بعضها للقوات الجوية التابعة للبرلمان والجنرال خليفة حفتر.
وأستخدمت فى خلال حرب أكتوبر 1973 فى عمليات الإبرار وتم تحميل بعضها ببراميل النابالم لتستخدم فى قصف القوات الإسرائيلية أثناء معارك الثغرة، ولضرب الجسر الذي إستخدموه للعبور نحو الغرب.
وإستخدامها فى عمليات مكافحة التمرد حدث فى اثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان وفى مكافحة القوات الأثيوبية لحركات التحرر الإريترية، لكن كانت تستخدم كوسيلة للنقل والإبرار فتنقل قوات مثلا تقوم بنصب كمائن او قطع طرق تستخدمها الحركات المسلحة عادة.
أما الهجوم والقصف فكان يتم بمروحية هايند الشهيرة مي 24، وكانت الهايند تستعمل حواضن الصواريخ غير الموجة للقصفة إضافة لرشاشها الثقيل رباعي السبطانة ولاعجب أن الأفغان سموها بالشيطان.
بالطبع فإن الهايند يمكنها أن تحمل قنابل زنة 250 كجم على جنيحاتها لكن نادرا ماتم اللجوء لذلك فعمليات القصف بالقنابل سواء عنقودية أو شديدة الإنفجار كانت تتم من خلال الطائرات الهجومية سو 25 فروجفوت.
مع ملاحظة أن النسخة السورية من المروحية مي 14 قديمة، فهي مجهزة فقط بقنابل أعماق وألغام بحرية، وفي الأغلب فسبب اللجوء للمروحيات البحرية هو النقص الحاد فى المروحيات مي 8 /17.
نقطة أخري ذكرها الطيار السوري وهي أهمية عامل الإرتفاع.
فقال تحديدا أنهم يطيرون على إرتفاع 5 كم سواء بمروحيات مي 8 /17 ومروحيات مي 14 مع ملاحظة أن مروحيات مي 14 مصممة لإرتفاعات أقل لكن يبدو انهم لجئوا لتخفيف وزن المروحية بنزع بعض تجهيزاتها.
الإرتفاع سببه هو تفادي الصواريخ الكتفية المضادة للطائرات أو المانباد فالمروحية هدف سهل بطىء لايناور تقريبا فهو مثالي لتلك الصواريخ لكن للأسف تلك الصواريخ لها سقف عمل شبه ثابت فهي فعالة حتي إرتفاع لايزيد عادة عن 3800 متر.
مع ملاحظة أن أفضل مان باد تم رصده فى يد المعارضة السورية المسلحة كان صاروخ SA-24 جرينش الروسي بإرتفاع عمل لايزيد 3500 متر.
صاروخ SA-24 جرينش بيد مقاتلي المعارضةولذلك فالمروحية التي تطير عاليا تملك حصانة ضد تلك الصواريخ مع ملاحظة أن وسائط الدفاع الأخري لدي الحركات المحاربة للنظام السوري والمتمثلة فى مدافع 23 ملم ورشاشات 14.5 رباعية تعمل على إرتفاعات أقل وتبقي مدافع 57 ملم فعالة فى حالة توفر ذخائر حديثة بطابات تقاربية proximity fuze مع رادارات وحواسب لإدارة النيران وأيضا هذه الذخائر المتقدمة وتلك التجهيزات لاتملكها أى حركة مسلحة فى سوريا.
طبعا الإرتفاع العالي يحتاج لكثير من التخفيف فى وزن الحمولة الداخلية فبدلا من حمولة معتادة لمروحيات مي 8 /17 تبلغ أربعة أطنان، تحمل تلك المروحيات طنا واحدا يتمثل عادة فى عدة براميل حمولتها الإجمالية طن.
نقطة أخري تكلم عنها الطيار وهي عملية تحديد الأهداف والتصويب، فيظهر من خلال المقطع المصور داخل الطائرة إستخدامهم لجهاز آي باد مع GBS يحتوي الجهاز على برنامج او تطبيق بسيط يقوم بحسابات نقطة الرمي من خلال حساب متغيرات سرعة الطائرة وسرعة الرياح والإرتفاع.
المشكلة الحقيقة أن ال GPS المدني ذو هامش خطأ كبير ربما عشرات الأمتار فى حالة مروحية تتحرك بسرعة (معدل تحديث المعلومات حول الموقع لايتناسب مع سرعة المروحية). فبجمع أخطاء تحديد الموقع إضافة لعيوب فى صناعة البراميل حيث تقوم بطيران مغزلي غير منتظم ثم تنفتح مظلة أو زعانف ليستقر اثناء السقوط فتصبح رأسه لأسفل حيث يوجد فيوز التفجير، نستنج ببساطة أن القصف لن يكون دقيق أبدا والنظام السوري يدرك ذلك بلا شك فهو لم يصنع قنبلة متقنة ولم يستخدم معدات تصويب وتوجيه لائقة وبالتالي فالمهم لديه رمي الكثير والكثير من تلك البراميل بأقل تكلفة ممكنة.
يمكن وصف هذا بأنه نمط غير تقليدي للقصف الإستراتيجي هدفه الوحيد إلحاق خسائر فادحة ومؤلمة فى الحاضنة المدنية للحركات التي تحارب النظام السوري. هو يعاقبهم ببساطة لأنهم قاوموه ولذلك لجأ أحيانا لإستخدام الكلور مع ملاحظة أن الطيار لاشك يعرف أى قنبلة فيها كلور وأى قنبلة خالية منه عكس ما إدعي العقيد على عبود، فغاز الكلور مادة آكالة جدا تحتاج مستوعبات أو تانكات من مواد خاصة غالبا لاتستخدم عادة فى صنع البراميل فبنظرة واحدة سيلاحظ الفارق بين تانك كلور مصنوع من من سبائك خاصة وبين برميل متفجرات تقليدي مصنوع من الحديد الرخيص.
ذكر الطيار عبود أيضا مسألة متي لاحت فكرة القصف فى البراميل وماهو مصدر تلك الفكرة، فأرجعها غالبا إلى إيران. طبعا إستخدام المروحيات فى ضرب حركات التمرد المسلح فكرة قديمة قدم الطيران المروحي نفسه فالفرنسيين إستخدموا المروحيات لقمع الثورة الجزائرية وكانت مسلحة بصواريخ غير موجهة ورشاشات وصواريخ SS-11 الموجهة، لكن إستخدام مروحية كقاذفة قنابل فكرة مستحدثة نسبيا،أول من إستخدمها كان سلاح الجو اللبناني فى معارك نهر البارد.
فى البداية كان سلاح الجو اللبناني يضرب بإستخدام مروحيات الجازيل الفرنسية والتي حصل عليها كمنحة من دولة الإمارات.
مروحية جازيل هجومية محملة عل طائرة نقل AN-124 تم إرسالها على عجل من الإماراتالمروحيات جازيل مزودة ب 4 صواريخ هوت موجهة مضادة للدبابات وكانت مفيدة فى القصف الدقيق ضد مرابض إطلاق النار التي يستخدمها عناصر جماعة فتح الإسلام فى مخيم نهر البارد
مروحية جازيل تقوم بضرب صواريخ أثناء معارك مخيم نهر الباردلكن بعد زيادة خسائر الجيش اللبناني وإستخدام عناصر التنظيم للأنفاق تم التفكير فى فى تسليح مروحيات هيوي UH-1 وهي مروحيات نقل أمريكية الصنع لها تاريخ شهير خصوصا أثناء حرب فيتنام، المروحيات تم تزويدها بقنابل 400 كجم و250 كجم كانت مخصصة لتسليح مقاتلات سلاح الجو اللبناني الهوكر هنتر والميراج 3.
مروحية مزودة بقنبلتين زنة كلا منهما 250 كجمكان يتم عادة تركيب قنبلتين زنة 250 كجم او قنبلة واحدة زنة 400 كجم مع آلية إطلاق كهربية وكانت المروحيات تنخفض لزيادة دقة القصف.
مروحية مزودة بقنبلة 400 كجموساهمت هذه المروحيات فى حسم معارك نهر البارد لكن قام الجيش اللبناني بإخلاء المباني المحيطة بالمربع الأمني الذي تتمركز فيه جماعة فتح الإسلام ثم بدأ فى إستخدامها.
أخيرا، هذا هو السلاح الذي يستخدمه بشار في قتل المئات والالاف من شعبه ليس لأي هدف عسكري سوى إذلال شعبه وقمعه.