الاستراتيجية التي تفتقر إليها أمريكا في العراق
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
للأسف، يكرر تركيز واشنطن على الجيش خطأ الماضي.التركيز على استراتيجية محددة بعدد القوات والأهداف، واتخاذ ما من شأنه أن يحقق “لنا” الفوز. تُخفي العناوين المسألة الحقيقية؛ هل شيعة العراق وأكراده، وعربه السُنة، على استعداد لتقاسم السلطة في عراق موحَّد، حتى لو كانت لا مركزية؟.
إن صعود تنظيم الدولة الإسلامية هو أحدث فصول الصراع الطويل على السلطة السياسية في العراق. ولذلك يجب أن تقترن أي تأكيدات حول ما نـستطيع فعله بجرعة صحية من التواضع. وإن مستقبل العراق -أكثر من أي وقت مضى- في أيدي العراقيين. ومن الغطرسة التي تبعث على الضجر، أن تفكر أمريكا أنها ستقرر مستقبل العراق.
بيد أنه يمكننا استخدام نفوذنا بشكل أكثر فعالية. وهو ما يتطلب الصبر؛ لأنه حين يتحرك النقاش في واشنطن بنفاذ صبر نحو سرعته القصوى؛ يُجمَّد التغيير السياسي في العراق.
كانت هناك مشاكل لا تعد ولا تحصى بشأن انخراط أمريكا في العراق بعد عام 2003، لكن لا شيء أكثر ضررًا من الانقياد نحو تعجيل بناء التوافق العراقي، وصناعة القرار. إن السبب الرئيسي وراء دفع الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي» في منصبه عام 2010؛ ينبع -في واقع الأمر- من نفاذ الصبر.
لقد خلصت واشنطن إلى أن أمر بروز أي رئيس وزراء محتمل سيستغرق وقتًا طويلًا، وبالتالي لن يكون هناك أي فريق تفاوضي عراقي ممكَّن لترتيب مستقبل الوجود العسكري الأمريكي. إننا الآن بحاجة لإعطاء الوقت والمساحة للعراقيين كي يحلو مسائلهم السياسية، حتى لو واجهوا تحديات عسكرية.
هذا لا يعني منحهم شيكًا على بياض. يجب أن تكون قاعدة عامة في السياسة الأمريكية أننا لا نعطي مساعدات عسكرية، ناهيك عن القيام بعمليات عسكرية، دون تأمين اتفاق بشأن الاستراتيجية والهدف. نحن لا نتفق مع كل الموجودين في الائتلاف السياسي الشيعي المهيمن لرئيس الوزراء «حيدر العبادي».
لذلك، فالتحدي الذي يواجهنا هو المساعدة في تأمين التوصل إلى تسوية سياسية، من شأنها أن تعزز المكاسب التي يمكننا أن نساعد في تأمينها عسكريًا. يجب علينا أن لا نغفل عن السياسة العراقية، حتى ونحن نعمل على العمليات العسكرية.
يبدأ هذا بإعطاء حوافز لـ«لعبادي» كي يتعامل مع متشددي الشيعة العراقيين المدعومين من إيران الذين يشكلون جزءًا قويًا من ائتلافه، والذين يعرقلون تقديم تنازلات سياسية للأكراد، والسُنة.
لا يزال «المالكي» مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بهذا الفصيل الشيعي. وإذا جاء في نهاية المطاف في بغداد ذلك اليوم الذي سيمتد فيه القتال بين العراقيين لسنوات عديدة، فلن تكون هذه حربنا. لأنه إذا كان لم يستطع 160 ألف جندي أمريكي السيطرة على العراق قبل عشر سنوات، فإن عددًا أصغر بكثير الآن لن يكون قادرًا على فعل ذلك بالتأكيد.
ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن “الصحوة السنية”، اعتبارًا من عام 2007، لم تكن نتيجة للاندفاعة العسكرية الأمريكية فقط، ولكن أيضًا نتيجة شعور بفرصة سياسية أنشأتها وعود حقيقية بأن العرب السُنة سيدرجون في صلب سياسة بغداد، وفي التوظيف الحكومي، وكذلك في مِنح المشاريع. وإن كسر «المالكي» لتلك الوعود أمام أعيننا هو ما أشعل نار السلفية الجهادية.
إن رئيس الوزراء «العبادي» -وهو ليس مثاليًا- أكثر انحيازًا لرؤية شاملة للسياسة العراقية. وهو أفضل تسليحًا. كيف ينبغي أن ندعم «العبادي» في نزاعه مع المتشددين السياسيين من الشيعة؟ يجب على استراتيجيتنا أن تتجذَّر في مبدأين متضافرين: المشروطية، والمساءلة.
أولًا: إن الولايات المتحدة بحاجة إلى ربط المساعدة المقدَّمة للحكومة العراقية بالتنفيذ المتواصل لبرنامج الإصلاح الشامل، الذي بدأ عندما تولى «العبادي» منصبه، في سبتمبر الماضي. وإذ منع الشيعة والأكراد هذه الخطوات، فلن ينجح أي سلاح نقدمه في وقف عمليات التجنيد من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية، ولن يبطيء من انزلاق العراق نحو حرب طويلة.
تعني المشروطية أنه في حال لم تتحرك الإصلاحات السياسية إلى الأمام، فإننا لن نقدِّم أي زيادة في مساعدتنا. إن إرسال مستشارين عسكريين إضافيين، أو نشر مراقبين جويين متقدمين، قد يساعد قليلًا بشأن الوضع الأمني، لكن الإشارة التي يرسلها إلى الميليشيات الشيعية، ورعاتها السياسيين في طهران، هو أن الأمريكيين غير مهتمين بحل الخلافات السياسية في بغداد، بغض النظر عن ما لدينا من بيانات صحفية تؤكد ذلك.
لذلك، من المنطقي أكثر أن نشرط إيفاد تلك المساعدات الإضافية، أو الأسلحة الثقيلة التي يريدها «العبادي» بالخطوات الملموسة التي تتخذها حكومة بغداد أولًا. وبالمثل، لا ترسل الإشارات بشأن الدعم غير المشروط، من قِبل المسؤولين الأميركيين، للميليشيات الشيعية، الرسالة شديدة اللهجة اللازمة.
ليست المشروطية مثالية، ولكنها تمنعنا من ربط أنفسنا بأجندة طائفية في العراق، كما فعلنا لفترة طويلة جدًا مع «المالكي». كما أنها تعطي العراقيين الذين يرغبون في العمل معنا، النفوذ على لإجراء مناقشاتهم الداخلية. سيجادلون أنهم إذا فشلوا فإن الأمريكان سيغسلون أيديهم من الأمر. ومن ثم لن يكون لدى العراقيين سوى خيار الاعتماد على إيران – إنها خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون سلطة قوية في بغداد.
ثانيًا: ينبغي علينا تعزيز المساءلة. فمثلما نجهز وندرب قوات الأمن العراقية الجديدة، يتعين علينا القيام بشيء لم نفعله من قبل بما فيه الكفاية؛ وهو الإصرار على مساءلة قيادة قوى الأمن الداخلي بشأن حالات الاعتداء، وسوء الإدارة، والطائفية.
فَصل «العبادي» العشرات من كبار الضباط المحتالين وغير الأكفاء. يجب علينا مساعدته. لكن تغيير الثقافة العسكرية ليس أمرًا سهلًا، وسيستغرق وقتًا طويلًا. ستعطي إطاحة الحكومة العراقية بالمسؤولين الفسدة والسيئيين بشكل سافر، العرب السُنة شعورًا بأن التغيير ممكن، كما ستقوض جهود التجنيد التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية.
سيكون من العسير تنفيذ استراتيجية تتجذَّر فيها المشروطية والمساءلة، لكن هذا هو أفضل ما نمتلكه من أجل تمكين أولئك الذين نريدهم أن يحققوا النجاح، في العراق. وربما الأصعب من ذلك كله هو ما تتطلبه هذه الاستراتيجية من درجة صبر افتقرت إليها سياستنا، في العراق، لسنوات عديدة.
وإنها تقتضي الصرامة. إذا لبى العراقيون شروطنا، وتحملوا المسؤولية، فإنه يجب علينا أن نكون مستعدين لمساعدتهم على المدى الطويل. وإذا فشلوا كما فعل «المالكي» قبل، فإنه يجب علينا أن نكون على استعداد للرحيل.
تعلمنا، في السنوات الـ25 الماضية، أنه يجب على سياسة الولايات المتحدة أن تكون أكثر من مجرد حساب للقوات والأهداف. تسهل العمليات العسكرية الأمريكية، تأمين عراق مستقر، ولكنها لا يمكن أن تحل محل الاستراتيجية السياسية الأساسية.