المرشد الإيراني الأعلى يواجه قراراتٍ صعبة
اتفاق نووي وانفتاح داخلي
اتفاق نووي بدون انفتاح داخلي
لا اتفاق نووي، مع انفتاح داخلي
لا اتفاق أو انفتاح
كل مستقبل له مجموعة فريدة من المخاطر والمكاسب للقائد الأعلى ونظامه. كل مستقبل سوف يشكل أيضا وضع الرئيس الإيراني حسن روحاني داخل النظام السياسي، ودور إيران في المنطقة. سوف نفحص كل مسار لنرى أيا منهم يرجح أن يجده خامنئي واعدا أكثر. لكن أولا، لنُعِد المشهد.
القضية النووية هي، فعليا، القضية الوحيدة في عالم السياسة الإيرانية اليوم. بالطبع، أمة من 80 مليون لديها مشاكل اقتصادية كبيرة، سياساتٍ محافظة مثيرة للجدل، وجوارٍ غارقٍ في الفوضى، لديها تحدياتٍ سياسية عديدة. لكن كل هذا يتوقف على القضية النووية.
رفع العقوبات قد يعيد إحياء الاقتصاد، وتستطيع الحيوية الاقتصادية أن تتخطى العديد من التحديات الاجتماعية. قد يسمح تقليل التوترات مع الغرب بمعالجةٍ أسهل وأقل عدائية لبعض الاضطرابات الإقليمية؛ بينما توترات أكثر حدة سوف تجعل فقط موقف إيران الإقليمي أصعب وتزيد من خطر الحرب.
تضخم التكتيكات السياسية عواقب القضية النووية: للحفاظ على موافقة التيار الرئيسي من المحافظين على المحادثات النووية، لم تقم إدارة روحاني بأي خطواتٍ جرئية نحو مجتمعٍ أكثر انفتاحا.حسب مدونة إيرانبوليتيك، فإن هذا له ثمن بالنسبة لروحاني – حيث لن يصبر مؤيدوه الإصلاحيون الى الأبد. إذا وصلت المحادثات النووية لأي نتيجة حاسمة، فإن روحاني سيكون لديه دافعا أقل للحفاظ على قربه الشديد من التيار الرئيسي من المحافظين. ستكون التسوية السياسية الحالية محل تساؤل. لذا فإن ما سوف يحدث في فيينا خلال هذا الأسبوع سيكون له تأثيرا ضخما على المشهد السياسي الإيرانية – والاختيار في يد خامنئي.
القرار الداخلي أكثر تعقيدا. لدى خامنئي العديد من الروافع التي يستطيع تحريكها لتشكيل السياسة الداخلية، وتتجاوز سلطاته بكثير تلك المنصوص عليها صراحةً في دستور الجمهورية الإسلامية. لذا فإنه من الاختزال القول بأنه يواجه أي قراراتٍ نهائية ينحصر فيها الخيار بين الأبيض والأسود. يستطيع نظامه اتخاذ خطوة صغيرة نحو الانفتاح في مجال – لنقل عبر السماح للنساء بحضور أحداثٍ رياضية – ثم يوازنها بخطوةٍ نحو الانغلاق في مجالٍ آخر – لنقل عبر إغلاق صحيفة. نادرا ما يكون دور خامنئي الشخصي واضحا. عادةً فإن تصورا شاملا هو الطريقة الوحيدة لإدراك سياسة خامئي الاجتماعية حقا.
مع ذكر كل ذلك، فإن بعض خطوات خامنئي الداخلية أهم من الأخرى، وسوف تكون انتخابات 2016 مهمة للغاية. مجلس خبراء القيادة ليس بهيئةٍ نشيطة للغاية، لكنه يختار المرشد الأعلى. يعد خامنئي، البالغ من العمر 75 عاما وتحوم الشكوك حول حالته الصحية، بالفعل أحد أطول حكام العالم حكما؛ بحلول الوقت الذي ينهي فيه الخبراء المنتخبون في 2016 فتراتهم التي تمتد لثمانية أعوام، سوف يكون قد بلغ من العمر 84 عاما. هناك فرص جيدة لاختيارهم خليفة له، وهو اختيار قد يشكل السياسة الإيرانية لعقود. قائدٌ أعلى متشدد قد يعيق الانفتاح؛ آخر معتدل قد يديره. قائدٌ أعلى قوي قد يحافظ على أو يوسع دور المنصب، بينما آخر ضيعف قد يسمح لأجزاءٍ أخرى من النظام بالصعود.
لا يملك مجلس الشورى تلك القوة طويلة الأجل، لكن لديه أهمية أكبر فيما يتعلق بالشؤون اليومية، حيث يمكنه مساعدة أو إعاقة خطط الرئيس، ويمكنه مضايقة او حتى عزل وزراءه. (كونه لم يستخدم أبدا تلك السلطة الأخيرة، المعروفة بالاستجواب، ضد وزيرٍ للخارجية أو الدفاع أو المخابرات أو العدل، يظهر أن سلطات المجلس لها حدود). بصورةٍ عامة، يخدم المجلس كمكانٍ لمناقشات مدهشة الحدة حول سياسة الحكومة. هو لا يملك سلطة غير محدودة بأي شكل – يمكن رفض قراراته من قِبل مجلس صيانة الدستور – لكنه مهم.
بافتراض أن إجراء انتخابات أكثر حرية لمجلس الشورى ومجلس الخبراء سوف تكون مفضلة أكثر لروحاني عن خامنئي والفصائل الأكثر تشددا، فإن شكل الانتخابات سوف يكون اختيارا لخامنئي حول مدى طول لجام روحاني. لا يزال باستطاعة خامنئي تقصيره لاحقا، لكن ذلك سوف يحمل خطر إثارة السخط. انتخابات 2016 مهمة.
في ضوء كل تلك السياقات، لننظر الآن الى المسارات الأربعة التي يمكن أن يختارها خامنئي، وما الذي سيعنيه كل منها لإيران.
اتفاق نووي وانفتاح داخلي
سوف يكون اتفاقا نوويا ناجحا انتصارا ضخما لروحاني، مما يزيد من قوته ونفوذه. إذا بدأ رفع العقوبات بحلول موعد الانتخابات، سوف يكون لدى أصدقائه فرصة جيدة للنجاح. دمج هذين الاثنين سوف يضع روحاني في موضع قوة لم يستطع أغلب سابقيه مجرد الاقتراب منه. تحديه سوف يكون صعبا. سوف يكون للأثر الدولي والاقتصادي لتقليل التوترات مع الغرب تأثيراتٍ غير متوقعة على المجال السياسي الإيراني؛ بعض الذين يتمتعون بقوةٍ هائلة حاليا قد يتم إزاحتهم، مما يخلق حالة سيولة. قد تكون النتيجة النهائية هي تغيير بدون سيطرة.
قد يقود هذا الى حقبةٍ جديدة في السياسية الإيرانية، لكن بقايا النظام السياسي القديم سوف تقف في الطريق. سوف تكون المواجهة الناتجة دامية، وليس من الواضح إذا ما كان الإصلاحيين والمعتدلين سوف ينتصرون. ليس من المرجح أن يسلك خامنئي مسارا قد يخاطر باندفاع إيران خارج سيطرته، وقد كان عادةً حريصا على استيعاب الرموز السياسية القوية، لذا فمن المحتمل ألا يسمح لروحاني بانتصارين عظيمين على التوالي.
اتفاق نووي بدون انفتاح داخلي
نمو اقتصادي بدون إصلاحات سوف يكون التعبير الحيوي هنا. تستطيع استعادة حيوية الاقتصاد تقليل العديد من نفس الضغوط التي تخلق محفزاتٍ نحو انفتاح داخلي، مثل بطالة الشباب..الخ. شهدت سنوات العقوبات العجاف فاعلين اقتصاديين أصدقاء للنظام، خاصةً هؤلاء الذين لهم علاقات بالحرس الثوري، حيث امتصوا الشركات التي تم إضعافها. اقتصاد أكثر ديناميكية ربما لا يعرض النظام للخطر طالما ظل أصدقاؤه مستعدين للاستيلاء على معظم النمو. يظل العامل المؤثر هنا بالنسبة لخامنئي هو أن روحاني سوف يكون أقل احتمالية لتخطيه. ولأن خامنئي لديه الكثير من الأدوات الداخلية، فيمكنه ضبط خطواته بدقة أكبر.
لا اتفاق نووي، مع انفتاح داخلي
فشل المحادثات النووية سوف يسحق روحاني، بل وربما يضع ضغوطا على التيار الرئيسي للمحافظين (والقادة الأعلى) الذين دعموا جهوده. سوف تزداد قوة الفاعلين المتشددين، كما حدث عندما انهار اتفاق نووي كبير دفعه المعتدلون آخر مرة.
لكن يظل انفتاح سياسي سوف يخلق فرصا للفصائل الإصلاحية. النتيجة النهائية سوف تكون قوة أكبر لمتشددي الطيف السياسي الإيراني. سوف يكون هذا أصعب في إدارته على خامنئي، ويحتمل أن يثبت كونه غير مستدام. مع دفع الإصلاحيين نحو محاولةٍ أخرى لاتفاقٍ نووي ودفع المتشددين ضد إصلاحات روحاني الاقتصادية – ومن ثم المخاطرة بانهيارٍ اقتصادي – سوف تقود جميع الطرق مجددا الى طاولة التفاوض.
الجانب الإيجابي الوحيد بالنسبة لخامنئي؟ ربما تخشى أمريكا إفساد نجاحات الإصلاحيين وبالتالي سوف يصبح هناك احتمالا أقل لاستخدام الخيار العسكري ضد البرنامج النووي.
لا اتفاق أو انفتاح
هذا المسار سوف يكون الأقل احتمالية للتسبب بتغيير فوري في بنية النظام، حيث أنه لن تظهر أي قوى سياسية جديدة. لكن ركودا اقتصاديا مستداما وجمهورا محبطا وخطر حرب متزايد سوف يؤدي ببطء الى زيادة الضغط على النظام. إذا لم يقد هذا الى محاولةٍ أخرى لعقد اتفاق نووي أو محاولة انفتاح لاحقة (لنقل مع الانتخابات عام 2017 الرئاسية)، ربما يجد النظام نفسه مضطرا لقمع الجماهير الغاضبة، ليصبح أكثر استبدادية وليتخلى عن بعض صمامات الأمان الخاصة به بشأن السخط.
ربما يجد ايضا احتمالية الحرب أقل إشكالية – الحشد الاجتماعي ضد عدو مشترك قد يبدو سياسةً جيدة للأوقات المظلمة. السماح بمتشددين شعبويين من طراز أحمدي نجاد مرة أخرى إلى داخل النظام السياسي سوف يكون أحد خيارات خامنئي الأخرى المحفوفة بالمخاطر هنا، حيث يستطيعون تنشيط وشراء الجموع الصديقة للنظام.
ربما يبدو المسار الأخير اكثر ما يناسب خطاب خامنئي، حيث يتوجس من الغرب والانفتاح السياسي، ويرى العقوبات كأداةٍ محتملة للإصلاحات الاقتصادية نحو الاكتفاء الذاتي. لكن، وبتعبير خامنئي ذاته، “ماذا كان الهدف من الجلوس على طاولة التفاوض والتشاحن مع الغرب؟ كان الهدف هو رفع العقوبات”. إذا كان خامنئي لا يريد تغيير أي شيء، فلماذا قضى أكثر من عامين في المحادثات؟ لماذا ترك روحاني يفوز بالرئاسة؟ حتى إذا قبلنا بالتصور المتشكك عن المحادثات النووية – أن هدفها هو كسر العقوبات بينما يتم تأجيل البرنامج النووي فقط – فيبدو أنه حتى ذلك سوف يحتاج أن يقوم خامنئي باتفاق. الحفاظ على الوضع القائم اليوم سوف يصبح فقط أصعب، ويبدو أن خامنئي يعلم هذا.
لذا فيبدو أن الخيارات المتطرفة تحمل أكبر المخاطر بالنسبة لعلي خامنئي. من المرجح أكثر أن يسلك مسارا مزيجا – ويرجح أن يكون ذلك اتفاق نووي بدون انفتاح داخلي كبير. لكن افتراضاتنا بهذا الشأن قد تكون غير صحيحة – وهناك مسار يمكن أن يجده المرشد الأعلى الأكثر جاذبية من بين الجميع.
يرجح أن يستغرق رفع العقوبات بعد اتفاقٍ وقتا، وقد يستغرق النمو وقتا أكبر – صناعة إيران النفطية، على سبيل المثال، سوف تحتاج عشرات الملايين من الدولارات للتعافي من وضعها الحالي. سوف يشعل الاتفاق شرارة تفاؤل هائل، لكنك لا يمكنك إطعام أسرتك بالتفاؤل. لن يقبل المالك أن تدفع له تفاؤلا بدلا من الإيجار.
القضايا المالية مهمة، وهنا تعاني حكومة روحاني من مشكلة. كما يشير آرثر ماكميلان لأسوشيتدبرس، فقد تطلبت مجهودات روحاني لإنقاذ الاقتصاد الإيراني إجراءات تقشف. ارتفعت أسعار الوقود والخبز بدرجةٍ كبيرة؛ التضخم أفضل مما كان عليه لكنه ما يزال مرتفعا، حتى بالنسبة للمعايير الإيرانية. جعل الاقتصاد مستقرا هو عادةً مهمة لا يُشكر عليها، وسوف يكون من الصعب أن تلوم الأفقر على التصويت ضد الرجل الذي خفض الدعم. ربما يحصل روحاني على اتفاقه النووي، لكنه لن يحصل على مجلس الشورى حتى إذا كانت الانتخابات مفتوحة (نسبيا).
ربما يكون هذا أفضل سيناريو لخامنئي: تنشيط الاقتصاد وحشد الأجزاء المتعاطفة معه من المجتمع. سيكون روحاني، في تلك الحالة، قد تم تحجيمه لكن دون هزيمته. سوف يكون النظام أكثر استقرارا – وسوف يجلس علي خامنئي بارتياح على القمة.
*ترجمة فريق موقع راقب
إقرأ المزيد
إيران : خلافات المفاوضات النووية التدخل الإيراني في العراق : التاريخ والواقع والمستقبل الدور الإيراني في سوريا: ضرورة استراتيجية محمد جواد ظريف.. الدبلوماسي الذي تربى على طاولة المفاوضات