بعد أن ذكرها الفيلسوف الإغريقي «أفلاطون» في كتاباته قبل قرابة 2500 سنة، غدت قصة مدينة أطلانطس الضائعة في البحار أسطورة مميزة تنقلت بين القصص الشعبي إلى الأدب والسينما وأفلام الأطفال الكرتونية، وفيما تظل قصة تلك الجزيرة مجرد أسطورة، يجادل فريق بحثي دولي في دراسة حديثة بعثورهم على القارة الثامنة في كوكبنا مغمورة تحت سطح المحيط الهادئ بجوار قارة أستراليا.

حملت القارة الجديدة اسم «زيلانديا Zealandia»، ووفقا للدراسة التي نشرت مؤخرا في دورية «الجمعية الجيولوجية الأمريكية»، فإن 94% من مساحتها يقع تحت سطح الماء، وتضم زيلانديا كل من دولة نيوزلندا وإقليم نيو كاليدونيا، اللذين ينتمي إليهما 10 من أصل 11 باحثا شاركوا في الدراسة.

على كل حال لا يعد مصطلح «زيلانديا» حديثا على العلم، فقد ظهر في الأوراق العلمية لأول مرة منذ 22 عاما على يد عالم الجيوفيزياء «بروس لوينداك»، الذي استخدمه لوصف نيوزلندا ونيوكالدونيا وما يحيطهما من القشرة الأرضية المغمورة تحت سطح المياه، لكنه لم يذهب في نهاية بحثه بوصفها قارة مستقلة، بل جزء قاري منفصل عن قارة جندوانا القديمة التي كانت موجودة قبل 200 مليون سنة.

ولا يعتد بشكل عام بتصنيف نيوزلندا ونيوكالدونيا كجزر تابعة لقارة أستراليا، بينما يستخدم لفظ «أستراليجا» بين علماء الجغرافيا تجاوزا للتعبير عن أستراليا وما يحيطها من جزر جنوب غرب المحيط الهادئ، أي أن تلك الجزر كانت دائما محل خلاف.

وقد أثنى لوينداك بدوره على الدراسة الأخيرة، مشيرا إلى أن العلماء الذين شاركوا فيها هم من الأفضل حول العالم، وقد جمعوا أدلة كافية لدعم نظريتهم التي لا أظن أنها قد تتراجع.

ومن ناحيتهم رفض العلماء المشاركون في الدراسة وصف الكشف الجديد بالمفاجئ، حيث كتبوا في الورقة البحثية : «إنها حقيقة ظهرت بشكل تدريجي.. قبل 10 أعوام من الآن لم نكن لنجمع بيانات كافية لكتابة هذه الورقة البحثية».

وتدعم البيانات التي جمعها الباحثون بشكل أساسي أربعة معايير يستخدمها العلماء لوصف القارة وهم على التوالي: الارتفاع النسبي عن القشرة المحيطية أو قاع المحيط، والتنوع الجيولوجي حيث ضرورة احتواء القارة على صخور نارية ورسوبية ومتحولة، وسمك أعلى للقشرة القارية عن القشرة المحيطة، وأخيرا توفر مساحة كبيرة تكفي لوصفها قارة محاطة بحدود واضحة.

وبدوري قمت بعد قراءة الورقة البحثية بالتواصل مع «د. هشام سلام» أستاذ الجيولوجيا وعلم الأحافير بجامعة المنصورة والأستاذ الزائر بجامعة ديوك لسؤاله عن أهمية الدراسة الجديدة.

مفاجأة كبيرة للعامة، فكيف كان صدى الدراسة بين المختصين من علماء الجيولوجيا؟

شخصيا لم أسمع بمصطلح «زيلانديا» من قبل، وأعتقد أن الكثير من المختصين يشاركونني نفس الصدمة.

كيف ينظر الجيولوجي للأرض، وما هو تعريف القارة؟

-تقسم قشرة الأرض إلى أجزاء تعرف بالألواح التكتونية، وتقسم الألواح بدورها إلى محيطية وقارية، يختلف كل منها عن الآخر بصفات معينة تخص التركيب وغيره، تتكون القشرة المحيطية من خلال إبعاد القارات عن بعضها، والقارة هي جزء واسع ممتد من القشرة الأرضية يضم صخورا نارية وأخرى رسوبية.

بالحديث عن الصخور الرسوبية، تشير الدراسة إلى أنه حتى الآن لم يتم العثور على صخور لما قبل الكمبري في القارة الجديدة، فهل يعرقل ذلك تصنيفها كقارة؟

– تحت الكرسي الذي تجلس عليه توجد صخور تعود إلى حقبة ما قبل الكمبري، لكنها بعيدة جدا في أعماق الأرض، توجد تلك الصخور في كل القارات، لكنك قد لا تستطيع الوصول لها، خاصة في زيلانديا فإن المياه ستشكل عائقا أكبر، ستحتاج إلى الكثير من المال وإلى أفراد يمكنهم العمل تحت سطح المياه.

كانت زيلانديا جزءا من القارة القديمة «جوندوانا»، فهل تعتقد أن الحياة البرية دبت يوما ما على أرض القارة المغمورة؟

– نعم بالتأكيد، بل أعتقد أن الديناصورات ربما عاشت هناك يوما ما، وتبقى مهمة الوصول إليها لدراستها مهمة صعبة ومكلفة.

هل تكفي دراسة واحدة لنبدأ في تغيير البيانات المصادر والمناهج الدراسية إلى أن الأرض تحوي 8 قارات؟

– مبدئيا الدراسة نشرت في دورية الجمعية الجيولوجية الأمريكية، التي تتميز بمعامل تأثير يفوق 4 وهو رقم مرتفع جدا بالنسبة للجيولوجيا، كما أنها ضمت جامعات مختلفة وهو ما يزيد من مصداقيتها، إلا أنها لاتزال خطوة أولية، يلزمنا المزيد من الدراسات والعمل الميداني، وسنبدأ في تغيير مصادرنا عندما تصبح الأدلة أكثر قوة، ويستشهد العلماء بمصطلح «زيلانديا» في أوراقهم البحثية بشكل طبيعي.

إذن ما التغيير الذي قد تصنعه تلك الورقة البحثية المثيرة للجدل؟

– كما أشرت من قبل هي خطوة أولية، أتوقع أن الباحثين سيحصلون على تمويل أفضل لإجراء أبحاثهم فيما يخص تلك المنطقة مستقبلا، وهو ما سيساعد بدوره في نفي أو إثبات ما توصل الباحثون له حتى الآن.