مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست العشرين في 17 آذار/مارس 2013، تبدو الساحة الانتخابية في إسرائيل مفتوحة على كل الاحتمالات، سيما في ظل تباين استطلاعات الرأي -وسوابق انتخابية، تجعلها مصدرا غير موثوق لاستقراء الواقع الانتخابي- لكن الأكيد أن الانتخابات هي استفتاء على شخص نتنياهو أكثر من أي شئ آخر.


تشكُّل الائتلاف الحكومي السابق

شكلت خيارات الناخبين في انتخابات الكنيست التاسع واقعا جديدا في خريطة التحالفات السياسية. تمكن تحالف الليكود-إسرائيل بيتنا (يمين علماني) من حصد 31 مقعدا فأُسنِدت مهمة تشكيل الحكومة إلى نتنياهو الذي تمكن من ضم أحزاب (للمزيد: تعرف على الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة هنا)

– البيت اليهودي (12 مقعدا – يمين قومي) وتولي زعيمه نفتالي بينت وزارة الاقتصاد.

– حزب الحركة «هتنوعاه» (6 مقاعد – وسط) وأسندت إلى ليفني حقيبة العدل.

– حزب ييش عتيد (19 مقعدا – وسط) وتولى زعيمه يائير ليبيد وزارة المالية.

وأمام تصلب حزبي ييش عتيد والبيت اليهودي فيما يتعلق بمسألة تجنيد المتدينين، اضطر نتنياهو إلى استبعاد اليمين الديني الحريدي (شاس و يهودوت هتوراه) من الحكومة. كما بقيت أحزاب اليسار (العمل وميرتس) والأحزاب العربية في موقع المعارضة.


ائتلاف ولد ميتا.. عوامل انهيار الائتلاف الحكومي وحل الكنيست

خلال الفترة ما بين انتخاب الكنيست في يناير/كانون الثاني 2013، واتفاق الكتل المُشكلة للائتلاف علي حله واللجوء إلى انتخابات مبكرة في ديسمبر/كانون الأول 2014. تمكن الكنيست من تمرير بعض التشريعات المثيرة للجدل بينما فشل في تمرير تشريعات أخري. فصدر قانون الحكم الذي رفع نسبة الحسم «النسبة اللازمة للقوائم الانتخابية لدخول الكنيست إلي 3.25%». وهو ما اعتُبر موجها ضد الأحزاب العربية التي وجدت نفسها أمام خيار الاتحاد في قائمة واحدة أو الاندثار. كذلك قانون الخدمة العسكرية «قانون تجنيد الحريديم».

اليهود الحريديم «الأرثوذوكس» هم مجموعة من اليهود الأصوليين المتمسكين حرفيا بتعاليم التوراة ويمثلهم داخل الوسط السياسي حزبا شاس (للحريديم الشرقيين) وحزب التوراة اليهودية «هتوراه» (للحريديم الغربيين). كان الحريديون يرفضون قيام دولة إسرائيل انطلاقا من أسباب دينية، غير أن بن جوريون تمكن من احتوائهم عبر تطمينات بأن الدولة الجديدة لن تكون إلا حارسا للتعاليم اليهودية وأحكام التوراة. وعبر امتيازات منحها لهم بن جوريون (ضمن امتيازات مالية لمعاهدهم الدينية وإعفاء طلابها من أداء الخدمة العسكرية) وتعززت بعد وصول اليمين إلي السلطة عام 1977، ظلت أحزاب الحريديم تميل تقليديا إلى التحالف مع حكومات يقودها الليكود لضمان استمرار الدعم الحكومي. غير أن انتخابات العام 2013 التي جعلت من حزب ييش عتيد –العدو اللدود للحريديم– ثاني أكبر أحزاب الكنيست والذي رفض رفضا قاطعا انضمام الأحزاب الدينية إلي الائتلاف وأجبر نتنياهو علي استبعادهم من الحكومة، أخضعت نتنياهو لابتزاز شركائه في الائتلاف فوافق الكنيست على مشروع قانون التجنيد الذي قدمه وقضى برفع الامتيازات عن طلاب المعاهد الدينية إلى درجة تجريم من لا يؤدي الخدمة العسكرية منهم تجريما جنائيا.

مشكلة ميزانية الدولة لعام 2015 كانت محطة مهمة من المحطات التي هددت الائتلاف. فقد رفض يائير ليبيد وزير المالية مطالب نتنياهو برفع الضرائب لتغطية نفقات الجيش خلال حرب غزة ونفقات إضافية أصر عليها وزير الدفاع. وقدم ميزانيته للحكومة بعجز وصل 3.5 % مفضلا اللجوء إلى الاقتراض بدلا من سد العجز عن طريق رفع الضرائب. وهدد بالانسحاب من الحكومة وإسقاط الائتلاف إذا ما أصر نتنياهو على رفع الضرائب.

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كان مشروع قانون يهودية الدولة الذي يقضي باعتبار إسرائيل وطنا قوميا للشعب اليهودي الذي قدمه الليكود والبيت اليهودي، ورفضه حزبا الوسط: «الحركة» و«ييش عتيد» معتبرين أنه سيحول عرب إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية وسيضر بصورة إسرائيل الدولية بشكل كبير.

أضف إلى ذلك قانون «القيمة المضافة» الذي قدمه ليبيد ورفضه نتنياهو حيث يقضي بإلغاء ضرائب القيمة المضافة على شراء المساكن.

الاختلافات المستمرة بين الكتل السياسية داخل الحكومة وخارجها. مع تركيبة الكنيست التي تجعل من الصعب تشكيل ائتلاف آخر أكثر استقرارا، أفضت إلى اقتناع الجميع بأن الانتخابات هي الحل الوحيد لتجاوز حالة الجمود.

أقال نتنياهو كلا من ليفني و بينت، في خطوة استعراضية قبل أن يدعو إلى انتخابات جديدة. وصوت الكنيست على حل نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2014. وبدأت الأحزاب رحلتها الروتينية في البحث عن التحالفات والتربيطات.


إسرائيل بين اليمين وتحالف الـ «يسار-وسط».. سيناريوهات ما بعد الانتخابات

يدخل حزبا العمل والحركة الانتخابات بقائمة واحدة «المعسكر الصهيوني» تسعي لإقصاء الليكود من الحكومة. اتفق الحزبان على أنه حال تمكن القائمة المشتركة من قيادة حكومة ائتلافية، سيتولي زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ رئاستها في أول عامين في حين تتولاها ليفني العامين المتبقيين.

الأحزاب الجديدة كذلك تسعى إلي أن تنال من الكعكة نصيبا. ومن أبرزها حزب موشيه كحلون وزير الاتصالات السابق الذي يحظى بشعبية كبيرة بسبب إنجازاته في قطاع الاتصالات، والذي انشق عن الليكود إثر خلافات معلنة مع نتنياهو، وأعلن خوض الانتخابات بحزب جديد «كولانو» / «كلنا» أكد أنه سيكون بين الوسط واليمين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب سيكون مفاجأة الانتخابات بعدد مقاعد بين 9 – 13. وبالطبع أبقى كحلون الباب مفتوحا أمام التحالف مع أي من أجزاب الوسط أو اليمين في ائتلاف قادم.

كما أن اليمين الديني لم يسلم من الانقسامات. إذ أعلن إيلي يشاي رئيس شاس السابق انفصاله عن الحزب إثر خلافات مع زعيمه الجديد آرييه درعي. وقرر خوض الانتخابات على رأس حزبه الجديد «ياحد – هعام إيتانو» / «الأمة معنا»، ووعد بحصول حزبه الجديد علي 10 مقاعد. يبدو يشاي مسرفا جدا في التفاؤل ولكنه يسعى إلى اجتذاب كتل اليمين الديني نحو حزبه بدلا من شاس.

ورغم أن الكثير من استطلاعات الرأي تظهر تقدما طفيفا للمعسكر الصهيوني على الليكود، إلا أن فرصة نتنياهو في البقاء في رئاسة ائتلاف حكومي تظل قائمة وبقوة. يراهن نتنياهو علي تراجع كبير في شعبية حزب يائير ليبيد سيمكنه من العودة إلى التحالف التقليدي مع الأحزاب الدينية «شاس وياحد والتوراة اليهودية» ليقود حكومة يمينية خالصة ربما ينضم لها موشيه كحلون الذي أبقي الباب مفتوحا أمام الانضمام لأي من المعسكرين المتنافسين. سيكون على نتنياهو أن يضمن لليكود تفوقا داخل معسكر اليمين ذاته وتحديدا علي حزب البيت اليهودي الذي يخشي من انضمامه إلى ائتلاف مع المعسكر على قاعدة «الكل ضد نتنياهو».

تبدو الساحة الانتخابية في إسرائيل مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن الأكيد أن الانتخابات هي استفتاء على شخص نتنياهو أكثر من أي شيء آخر. يقترب نتنياهو من تحقيق حلمه بأن يكون أكثر قادة إسرائيل حضورا في السلطة منذ رحيل بن جوريون، متجها بإسرائيل نحو المزيد من التطرف والدوغمائية ومعاداة كل شيء من أجل لا شيء.