كيف نحلل أي حادث إرهابي ؟

إذا ما أردت تفسير حادث إرهابي فعليك بمجموعة من الخطوات التي يجب اتباعها للوصول إلى الجاني أو تضييق دائرة البحث، وأبرز تلك الخطوات:

أولاً: جمع معلومات حول التفجير: من حيث قوة التفجير، طريقته، التوقيت، المستهدف منه، وذلك كأولى الخطوات للتعرف على القائم به.

ثانيًا: جمع معلومات حول التمركز الأمني: حيث تقوم بدراسة بالنظر إلى التواجد الأمني بالمنطقة محل التفجير، ففي حال ما تكون أحد الأماكن الهامة منشأة مثلاً، جامع كبير، كنيسة كبيرة، توقع وجود استعدادات أمنية كبيرة خاصة في حال وجود المناسبات، وهذه النقطة من شأنها المساعدة في التعرف على حجم استعدادات القائم بالتفجير.

ثالثًا: حجم المكاسب الذي تحقق من التفجير:بمعنى ما مدى الترويج الإعلامي للحادث، وذلك من شأنه التعرف أكثر على إمكانيات القائم بالتفجير من حيث الخطط وطريقة التفكير.

بعد تلك الخطوات مباشرة عليك بمقارنة أسلوب التفجير بأساليب الجماعات الموجودة في الدولة محل وقوع الحادث والتعرف على أيهما أقرب للقيام بتفجير مثل هذا، ليس من أجل الوصول إلى الجاني فقط وإنما من أجل تحديد ما إذا كان التفجير سيتبعه تفجير آخر مماثل أم لا.

ربما تواجهك في ذلك إشكالية شح المعلومات أو كما تعرف بالإنجليزية «under information»، خاصة وأن هناك العديد من الجماعات الصغيرة التي تظهر يومًا تلو الآخر في الدول العربية والإسلامية. ولكن ما يعالج تلك المشكلة هو العقل السياسي لتلك الجماعات الصغيرة والذي يعبّر عن حالة من المراهقة والغباء بحيث حالما تقوم بعملية ما فإنها تتجه على الفور نحو إعلان تبنيها لتلك العملية كنوع من أنواع جذب الانتباه، من خلال منصات مختلفة أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن الدول عادة ما تتجاهل مثل هذه المجموعات.

حال عدم وجود أي معلومات تفيد نية أو تخطيط جماعة من الجماعات الصغيرة في القيام بذلك، فإن الأمر لديك يكون منحصرًا ما بين «ذئاب منفردة» أو جماعة كبرى، والمحدد في ذلك طبيعة التفجير وأهدافه.

نأتي الآن لحادثة الكنيسة البطرسية: ولكن قبل البدء في تشريح وشرح الحادث تجدر الإشارة إلى اعتذارنا لأهالي أسر الشهداء، خاصة وأن البعض يصور لهم أن إثارتنا للموضوع من وقت لآخر ومحاولة الوقوف على ملابساته أمر يزيد من حزنهم، ولكنا راجين -والله أعلى وأعلم- من ذلك منع حدوث حوادث مشابهة في الفترات القادمة.


تشريح الحادث: أين؟ ومتى؟ ومن؟ ولماذا؟

اختار منفذ/منفذة الحادث توقيت أداء الصلوات داخل الكنيسة للقيام بجريمته/جريمتها. وطبقًا للمعاينة فإن التفجير تم في الجانب الذي تجلس به السيدات. من ناحية قوة التفجير وطريقته، فإننا غالبًا ما نؤكد تلك الرواية المشيرة إلى أن التفجير تم بواسطة حزام ناسف؛ نظرًا لطبيعة الانفجار إلى جانب ذلك، وخاصة مع وجود «رمان بلي» في جثامين البعض والمشهود أن الأحزمة الناسفة لا تحتوى على تلك المواد فإن هذا يعنى وجود قنبلة أيضًا.

من ناحية التواجد الأمني، فنحن نتحدث عن منشأة في السياق الأمني والطبيعة الأمنية فمن المفترض أن تكون خاضعة لإجراءات تفتيش وحماية كبيرة من قبل قوات الأمن، خاصة وأن التوقيت الذي وقع فيه الحادث توقيت صلاة.

من ناحية حجم المكاسب فإن أكثر العمليات قيمة في عرف الجماعات الإرهابية هي تلك العمليات التي تحظى بتغطية إعلامية كبرى، وليس أكبر من أن تقوم بتفجير كنيسة في دولة تعاني من “إرهاصات طائفية” لتحصل على شو إعلامي كبير لك.

من المستفيد إذن؟

إذا ما أردت التدقيق أكثر في الجماعة أو التنظيم المستفيد من القيام بعمليات إرهابية من ذلك النوع في مصر، فلك أن تضع في الحسبان الأطراف من دون تلك التنظيمات التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين عقب المصادمات بينها وبين الدولة؛ لأن تلك المجموعات تركيزها بالأساس ضد الدولة ورموزها، ولكن من الممكن أن تضع جماعة صغرى وهو «حركة المقاومة الشعبية» والتي أشارت من قبل في بيانات لها بأنها ستستهدف الأقباط، ولك أيضًا أن تضع ولايات داعش وإن كان ذلك الأمر يحتاج مزيدًا من التدقيق سنصل له فيما بعد، أو أن تشير إلى أن الحادث حادث فردي قام به شخص أو مجموعة صغيرة غير منظمة.


الروايات الثلاثة

إعلان الدولة

الدولة – في واقعة لم تحدث من قبل- تمكنت من إعلان اسم الجاني عقب مرور 24 ساعة على الحادث على لسان رئيس الدولة، بكون مرتكب الحادث شخصًا يدعى «محمود شفيق محمد مصطفى» وقام بتفجير نفسه عن طريق حزام ناسف، كما عاونه آخرون وتم القبض عليهم.

رواية الدولة المبدئية -ونؤكد على كلمة المبدئية- صحيحة من حيث كون التفجير تم بحزام ناسف، ولكن ما هو سلبي في رواية الدولة هو عدم توضيح كافة المعلومات التي تم الوصول إليها من ناحية سبب التفجير ودوافعه، ولماذا يتجه شخص تم اعتقاله من قبل وهرب لمثل هذا الحادث خاصة وأن معركته بالأساس مع الدولة، ولم يُذكر في صحيفته الجنائية أي شيء يفيد وجود مصادمات بينه وبين قبطي من قبل. من ناحية أخرى الدولة أيضًا أشارت إلى وجود بعض المتورطين مع القائم بالحادث دون توضيح وسيلة التوصل إلى ذلك.

نفي حسم

أصابع الاتهام مبدئيًا ذهبت نحو جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المنبثقة عنها وإن كانت فعليًا غير تابعة للتنظيم، وجاءت على رأس تلك التنظيمات حركة «حسم»، وسرعان ما أخرجت الحركة بيانًا ينفي صلتها بالحادث.

البيان يدل على عمق فكري من جانب التنظيم، خاصة وأن النفي جاء في إطار محاولة ترسيخ القاعدة التي تنص على أن «العنف الرسمي يولد العنف غير الرسمي»؛ بمعنى أن البيان يشير إلى أن المعركة مع النظام، ويظهر «حسم» والجماعات المماثلة لها كجماعات مقاومة لنظام في وجهة نظرهم فاشل وقامع؛ مما يزيد من شعبيتهم وشرعيتهم.

تبني داعش

صدر بيان يزعم أنه صادر عن تنظيم داعش يشير إلى تبنيه للحادث، ولكن مبدئيًا هناك بعض الملاحظات الواجب النظر إليها في البيان:

أولاً:البيان لم يذكر اسم ولاية وذلك غير مشهود في بيانات داعش.

ثانيًا: كون البيان لم يذكر ولاية بعينها فإننا بصدد الحديث عن أن التفجير قادم من الإدارة العليا للتنظيم.

ثالثًا: اختيار البيان لفظ الصليبيين بدلا من النصرانية، أمر أيضًا يدعو للاستغراب، خاصة وأن المتعارف عليه أن التنظيم يستخدم الصليبيين في حديثه عن تحالفات الدول العربية والإسلامية مع غيرهم من الدول الغربية، والتي يرون فيها أنهم يقودون حربًا صليبية ضد الإسلام والمسلمين.

رابعًا: لا يمكن استيعاب أسباب توجه داعش لمثل هذا الحادث، خاصة إذا ما أردنا قياس حجم المكاسب التي يحصل عليها التنظيم جراء هذا التفجير.

خامسًا: لم يلاحظ وجود تغريدات لدراويش داعش على مواقع التواصل تفيد احتفالهم بمثل هذا التفجير كما هو معتاد.

أخيرًا: مع افتراض أن البيان صادر عن تنظيم داعش فإن هذا لا يعني بالضرورة قيامه بالتفجير، خاصة وأن البيان جاء بعد يومين من الحادث بخلاف أسلوب داعش في التبني، مع عدم وجود فيديو توضيحي أو شرح تفصيلي للحادث، مجرد تشابه فقط مع رواية الدولة.


ما الذي كان يفعله «المتهم» على تويتر؟

سرعان ما انتشرت على السوشيال ميديا والمواقع الإخبارية صفحة على تويتر باسم «أبو دجانة الكناني» يشار إلى كونها ممثلة للقائم بالتفجير.

وبتحليل ذلك الحساب يمكن ملاحظة التالي:

أولاً:الحساب متوقف عن التغريد منذ سبتمبر 2014، وشملت تلك الفترة فترة ما بعد هروبه من السجن وفقًا للصحيفة الجنائية للشخص المذكور، ولم يلاحظ في تلك الفترة تغريد الحساب بأي شيء يفيد معارضته للنظام المصري القائم أو حديثه عن اعتقال أو تعذيب أو شيء من هذا القبيل أو تهديده للأقباط.

ثانيًا: لا توجد أي حسابات ضمن المتابعين له والمتابع لهم تمد بصلة لأي من المقبوض عليهم والمشتبه في كونهم مدبري الحادث معه.

ثالثًا: جاء بالحساب نحو 40 تغريدة، 17 تغريدة أصلية له، و 23 إعادة تغريدة.

1. التغريدات tweets

فإنها تعبّر في المجمل عن شخص لا يمكن تصنيفه في المطلق بكونه متطرفًا، وإن كان هناك بعض التغريدات لـ أسامة بن لادن ولكنها تعبّر عن بذرة تطرف نظرًا لكون ما ذكر من تغريدات مختلفًا تمامًا عن لغة خطاب المتطرفين حال مقارنته بغيره من المتطرفين. وعلى افتراض صحة أن ذلك الحساب يتبع لشخص متطرف، فيطرح سؤالاً بسيطًا حول سبب سكوت الشخص لمدة ثلاث سنوات عن القيام بأي عملية خاصة وأن العملية الأخيرة في عرف الإرهاب هي ليست علمية كبرى.

2. إعادة التغريد retweet من حسابات أخرى

في الغالب يأتي تركيز الحساب على سوريا، وهذا يفيد بأن صاحب الحساب من الممكن أن يكون في سوريا خاصة وأن هناك العديد من الشباب المصري ذهبوا إلى هناك في تلك الفترة، خاصة وأن روايات أهل الشخص تفيد هروبه خارج البلاد.

من ناحية أخرى، الشخصيات من أبرزها أبو قتادة الفلسطيني «وليد الحاج أحد الناجون من مذبحة قلعة جانجي بأفغانستان»، أحمد خليل خير الله «مساعد رئيس حزب النور السلفي لشئون الثقافية»، فيصل القاسم، أموي مباشر «حساب مهتم بأخبار سوريا خاصة جيش الإسلام».

وجود «أبو قتادة، ووليد الحاج، وحساب أموي مباشر» أمر يمكن استيعابه بسهولة، لكن وجود مساعد رئيس حزب النور وفيصل القاسم موضوع يثير التساؤل، والرد على ذلك ممكن تفسيره عن طريق التغريدات التي قام بعمل إعادة تغريد لها والتي تعبّر في النهاية عن منشورات حول الارتقاء بالذات وتجاهل المشاكل والمحبطات.

رابعًا: يمكن القول إن الحساب المذكور لا يعبّر في المطلق عن شخص متطرف أكثر من كونه شخصًا متعاطفًا مع متطرفين، وحال توجهه فعليًا نحو جماعة متطرفة أو مبايعة حركة بعينها فكان من المنطقي أن تتواجد تغريدات تعبر عن ذلك، وغالبًا ما سيكون الحساب غير مرتبط بالشخص المذكور أو الذي قام بالتفجير.


ملاحظات ختامية

– التفجير في المطلق يعبر عن خلل أمني سواء كان بقنبلة مزروعة أو بحزام ناسف.

– ربما يكون التفجير قد تم على مرحلتين؛ زرع قنبلة ووجود حزام ناسف، خاصة وأن بعض التقارير تفيد أن الجثث تحتوي على رمان بلي، وتجدر الإشارة إلى أن القنابل بدائية الصنع عادة ما يكون محيط تفجيرها قصيرًا إلى جانب ضرورة وجود مواد معدنية بها كرمان البلي والأمواس. الأحزمة الناسفة تكون مكونة من مواد غير معدنية تشتد قوة انفجارها ويزيد محيط تفجيرها.

– احتمالية ألا يكون داعش قد قام بذلك التفجير فعليًا، من منطلق رؤية التنظيمات الإرهابية الكبرى لـ أيهما أولى بقتله: الكافر الأصلي «من هم غير المسلمين» أو الكافر المرتد «المسلمين المخالفين لرؤى وأفكار تلك الجماعات» والتي في غالبية الأدبيات ما تعطي الأولوية للكافر المرتد.

-التأكيد على أن التفجير محلي الصنع -في وجهة نظرنا- وأن القائم بالعملية هو تنظيم محلي غير تابع بالمرة لأي جماعة خارجية أو تنظيم دولي، وإن كان متشابهًا معهم في بعض الأفكار.