إعداد: أحمد كشيش – آيات محمد حجازي – مراجعة لغوية: سلمى مرسي


كل رب أسرة هو في الحقيقة حكومة مصغرة، لديه إيرادات محددة (راتب موظف، أرباح مشروع …) ونفقات محددة أيضًا (تغذية، ملبس، مسكن، تعليم …) فإذا زادت نفقاته احتاج أن يزيد من إيراداته، فيمكنه مثلًا أن يبحث عن عمل إضافي. لكن ماذا عن الحكومة؟ كيف تمول الحكومة إنفاقها؟

تقوم الحكومة بتمويل نفقاتها بثلاث طرق رئيسية:

  1. الضرائب.
  2. الديون.
  3. أرباح شركات القطاع العام

وتبقى الضرائب بأنواعها هي أهم مصادر إيرادات الحكومة على الإطلاق، ففي بلد عربي كمصر مثلًا، بلغت نسبة الضرائب )الشكل الأول( من مجموع الإيرادات في الموازنة العامة للسنة المالية 2015/2016 ما يقارب الثلثين (71.68%).

الضرائب في الموازنة المصرية
نسبة الضرائب من إجمالي إيرادات بين 2011 و2015 بالمليون جنيه (المصدر: ألف باء اقتصاد/إضاءات)

ومن هنا تأتي أهمية الضرائب بالنسبة للاقتصاد، فهي تمثل بالنسبة للحكومة أهم مصدر للإيرادات وتمثل للمواطنين عبئًا كبيرًا يثقل كاهلهم. لذا فتحديد نسب الضرائب التي ينبغي جبايتها أمر مهم جدا في حفظ التوازن الاقتصادي لأي بلد. من هنا تأتي أهمية فهم أنواع هذه الضرائب وطريقة تأثيرها على حياة كل فرد منا.

في هذا المقال ستتعرف على تعريف الضرائب، إلى جانب أنواعها وخصائصها وتأثيرها على حياتنا اليومية وعلى الاقتصاد ككل.


تعريف الضريبة

التعريف الأبسط للضريبة هو أنها رسوم إلزامية تفرضها الحكومة على المواطنين بهدف جمع الإيرادات اللازمة لتمويل نفقاتها دون الحصول على منفعة محددة في المقابل. أما عن التعريف القانوني الأكثر تعقيدًا في الظاهر فيمكننا استخدام تعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية:

لتبسيط هذا التعريف ينبغي لنا إيضاح بعض التفاصيل:

  1. الضرائب إلزامية: أي أنه يعاقب من لا يدفعها.
  2. تُدفع الضرائب دون مقابل: بمعنى أن الضرائب التي يدفعها المواطنون يجب ألا تكون بالضرورة متناسبة مع المنافع التي يتلقونها من الحكومة. وبالتالي فالمواطنون الذين يدفعون ضرائب أكثر لا يحق لهم أن يطالبوا بمنافع أكثر من التي يتلقاها باقي دافعي الضرائب.

أنواع الضرائب

قبل التطرق إلى أمثلة عن الضرائب التي نسمع عنها في التلفاز ونقرأ عنها في الجرائد يجب علينا التطرق إلى التقسيم الاقتصادي الأهم والذي يعتمد على طريقة جمع الضريبة.

تنقسم الضرائب في هذا التصنيف حسب طريقة جبايتها إلى ضرائب مباشرة وغير مباشرة. في هذا الجزء من المقال سنقوم بشرح كل صنف اقتصادي للضريبة مع إعطاء أمثلة واقعية على كيفية تطبيقه.

1. الضرائب المباشرة

يتم تعريفها ببساطة على أنها الضرائب التي تُدفع مباشرة من قِبل الأفراد والشركات للحكومة. ويستند هذا النوع من الضرائب إلى مبدأ القدرة على الدفع حيث إن من يملك قدرًا أعلى من الموارد (راتبًا أكبر أو أرباحًا أكثر) يُفرض عليه نسبة أعلى من الضرائب.

لهذا الضرائب المباشرة لها عدة مميزات منها:

  1. أنها تمكن من المساهمة في توزيع الثروة بشكل عادل عن طريق أخذ المال من الأغنياء ثم استخدامه من طرف الحكومة في تمويل الخدمات الموجهة للفقراء.
  2. أنها تستفيد مباشرة من ارتفاع الدخل القومي، حيث تمثل موردًا كبيرًا للحكومة في حالة النمو الاقتصادي الكبير.

أما عن عيوب هذا النوع من الضرائب فمن أهمها:

  1. أن هذه الضرائب قد تؤثر بالسلب على إرادة العمل والادخار حيث إن نسب الضرائب المرتفعة على الدخل قد تجعل الأفراد والشركات يعزفون على العمل الإضافي مخافة نسب الضرائب المرتفعة.
  2. أن الأفراد والشركات يكونون على علم بالتزاماتهم الضريبية بدقة (وفي بعض الأنواع من الضرائب المباشرة تكون عليهم مسؤولية تحديد الدخل كالشركات مثلًا) مما قد يدفعهم إلى التهرب الضريبي. فمثلا يمكن لأصحاب الشركات إعلان أرباح أقل من الأرباح الحقيقية وذلك لدفع مبلغ أقل للحكومة.

أما عن بعض الأمثلة عنها فيمكننا ذكر بعضها بإيجاز:

  1. الضريبة على الدخل: هي الضريبة التي تُفرض على الدخل السنوي للأفراد والمؤسسات. حيث يتوجب على كل فاعل اقتصادي تجاوز دخله السنوي حدًّا معينًا أن يدفع نسبة من دخله للحكومة كضريبة. فالراتب الذي تتلقاه من شركة آخر الشهر هو راتب صاف بعد اقتطاع الضرائب والرسوم.
  2. الضريبة على الثروة: وهي ضريبة تُفرض على ثروات (أملاك) الأفراد والشركات فمن تجاوزت أملاكه حدًّا معينًا عليه أن يدفع عليها ضريبة للدولة. أما المثال الأشهر لهذا النوع من الضرائب فهو ضريبة الأملاك العقارية. والتي تُفرض على الأملاك العقارية بشكل سنوي.

2. الضرائب غير المباشرة

وتعرَّف الضرائب غير المباشرة بأنها الضرائب التي لا يدفعها الأفراد والشركات إلى الحكومة بشكل مباشر لكنها تُفرض على إنتاج السلع والخدمات وبيعها. الفرق الأكبر بين الضرائب غير المباشرة ونظيرتها المباشرة يتلخص في الآتي:

  1. أنه يمكن نقل عبئها من شخص إلى آخر. بمعنى أنه إذا افترضنا أنه تم تطبيق ضريبة بنسبة 10% على إنتاج السيارات فيمكن للشركات المنتجة للسيارات أن تقوم ببساطة برفع سعر سياراتها بنسبة قد تصل إلى كامل نسبة الضريبة (10%) وذلك ليحافظ على هامش الربح. وبهذا يكون من يدفع الضريبة حقيقة هو المستهلك وليس المُنتج.
  2. أن من يدفع الضريبة هو المستهلك النهائي. بمعنى أنه إذا تم فرض الضريبة على عجلات السيارات فإن مصنع العجلات سيرفع ثمن العجلات التي يبيعها لمصنع السيارات ليحافظ على هامش الربح، وبنفس المنطق سيرفع منتج السيارات السعر بقدر ارتفاع تكلفتها، وبالتالي يبقى المستهلك النهائي للسيارة هو المتحمل الأكبر لعبء الضريبة.

وللضرائب غير المباشرة مميزات منها:

  1. أنها تكون مُتضمنة لأسعار السلع والخدمات فلا يشعر دافع الضريبة بها.
  2. تقلل فرص التهرب الضريبي إذا تمت إدارتها بشكل سليم.

أما عن العيوب فنذكر:

  1. أن فرض هذه الضرائب مباشرة على السلع يرفع أسعارها ويؤثر سلبًا على المعدل العام للأسعار.
  2. هذه الضرائب تُفرض على السلع والخدمات التي يشترك في استهلاكها الغني والفقير وبالتالي فهي لا تستند إلى مبدأ القدرة على الدفع، مما يجعلها غير عادلة للطبقات الأكثر فقرًا.

أما عن بعض الأمثلة للضرائب غير المباشرة فنذكر المثالين الأشهر:

  1. ضريبة المبيعات:ضريبة المبيعات يدفعها المستهلك عند شراء بعض أنواع السلع. حيث تتميز هذه الضريبة أنها تُفرَض على بعض السلع فقط وبنسبٍ متفاوتة. فتكون نسبة الضريبة على السيارات مخالفة لنسبة الضريبة على الملابس مثلًا. الخاصية الأبرز لهذه الضريبة أنها لا تُدفع إلا على السلع التي يشتريها أو يصنعها المُنتج بهدف بيعها. لذلك فهي لا تُدفع على السلع الوسيطة التي تُشترى بهدف صناعة سلع أخرى، كإطارات السيارات مثلًا.
  2. ضريبة القيمة المضافة: على عكس سابقتها التي تُدفع من طرف المستهلك النهائي فإن ضريبة القيمة المضافة لا تُدفع مرة واحدة كضريبة المبيعات بل تدفع في كل مراحل الإنتاج. فمثلًا في مثال السيارات التي ذكرناه فمصنع العجلات يبيع العجلات بثمن يضيف إليه نسبة الضريبة، الأمر نفسه يقوم به مصنع السيارات الذي يبيع السيارات إلى الموزع الإقليمي، هذا الأخير يبيع السيارات إلى المعارض المحلية مع احتساب الضريبة. في النهاية يقوم كل معرض سيارات ببيع السيارات مع إضافة مبلغ ضريبة القيمة المضافة إلى فاتورة البيع.

الجدير بالذكر هو أن كل بائع يقوم بتحويل الفرق بين الضريبة التي دفعها للبائع السابق وبين الضريبة التي فرضها على المشتري.


الضرائب والسياسة الاقتصادية

كل القرارات التي تتخذها الحكومة في المجال الاقتصادي يفترض بها أن تهدف إلى تحقيق أهداف مدروسة بدقة ويمكننا تلخيص هذه الأهداف في أربعة محاور:

  1. تحفيز النشاط الاقتصادي عن طريق رفع معدلات النمو الاقتصادي.
  2. إيجاد فرص عمل بتقليل معدل البطالة.
  3. الحفاظ على ثبات الأسعار بالتحكم في معدل التضخم.
  4. تحقيق توازن العلاقات التجارية مع الخارج.

هذه المحاور الأربعة وغيرها تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي للمجتمع وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

وتتخذ الحكومة قراراتها الاقتصادية باستخدام وسائل متعددة من أهمها الضرائب لتحقيق الأهداف التي أشرنا إليها فيما يصطلح عليه بالسياسة الاقتصادية.فالسياسة الاقتصادية ببساطة هي مجموع القرارات التي تتخذها الحكومة مستعينة بعدة وسائل (من أهمها الضرائب) لتحقيق أهدافها الاقتصادية.

يبقى السؤال هنا: كيف يؤثر مقدار الضرائب التي تجمعها الحكومة من المواطنين على الاقتصاد؟

ولنبقي الأمور بسيطة دعونا نقسم السياسات الاقتصادية إلى قسمين حسب تأثيرها في الاقتصاد بشكل عام

1. سياسات توسعية

تهدف الحكومة من خلال السياسات الاقتصادية التوسعية إلى تحفيز النشاط الاقتصادي برفع معدلات الإنتاج والاستهلاك مما يزيد الطلب العام على السلع والخدمات ويرفع مستوى الأسعار (العلاقة بين الطلب والأسعار طردية، كلما زاد الطلب على سلعة ما زاد سعرها).

تقوم الحكومة بسياسة اقتصادية توسعية عن طريق تخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الأفراد والشركات مما يؤدي إلى رفع الطلب العام، كيف ذلك؟

برفع معدلات الاستهلاك عن طريق زيادة الدخل المتاح للمواطنين: حيث إنه بتخفيض الضرائب المباشرة (كضريبة الدخل) سيزيد من المبلغ المتبقي في المرتب وبالتالي يرتفع دخل الأفراد. أما عن الضرائب غير المباشرة، فخفضها سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات مما يجعلها في متناول عدد أكبر من المستهلكين وبالتالي يرتفع الطلب عليها واستهلاكها.

برفع معدلات الاستثمار عن طريق زيادة الربح النهائي للشركات: حيث إنه بخفض معدلات الضرائب المباشرة )كضريبة الأرباح( تتم زيادة الربح النهائي للشركات (الربح النهائي = المبيعات -التكلفة-الضريبة) فإذا خُفضت الضرائب التي تدفعها شركتك للدولة فذلك سيزيد من ربحها مما يمكنها من زيادة الإنتاج.

أما عن الضرائب غير المباشرة فانخفاضها سيقلل من جهة من تكلفة المواد الأولية وبالتالي زيادة الأرباح. ومن جهة أخرى فزيادة الطلب على السلع سيؤدي إلى زيادة المبيعات.

2. سياسات انكماشية

يقتصر مصطلح “الضرائب” على أنها المدفوعات الإلزامية دون مقابل التي يدفعها المواطنون إلى الحكومة العامة

في حالة إذا ما ارتفعت الأسعار بشكل كبير تلجأ الحكومة عادة إلى كبح النشاط الاقتصادي باستخدام السياسات الاقتصادية الانكماشية. حيث تقوم تلك السياسات بتخفيض معدلات الإنتاج والاستهلاك مما يخفِض الطلب العام على السلع والخدمات ويخفض مستوى الأسعار (العلاقة بين الطلب والأسعار طردية، كلما انخفض الطلب على سلعة ما انخفض سعرها).

الانكماش عكس التوسع، الأمر نفسه يسير على السياسة الاقتصادية. فالحكومة تقوم بسياسة اقتصادية انكماشية عن طريق رفع الضرائب المباشرة على الأفراد والشركات مما يؤدي إلى خفض الطلب العام. كيف ذلك إذا؟

إذا فهمت ما تقوم به الحكومة في إطار سياستها الاقتصادية التوسعية فالأمر بسيط جدا. الحكومة تقوم بالعكس تمامًا عندما تطبق سياسة اقتصادية انكماشية.

فرفع الضرائب المباشرة على الأفراد سيقلل من دخلهم المتاح مما سيؤدي إلى خفض استهلاكهم. ورفع الضرائب غير المباشرة على السلع سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي انخفاض الطلب عليها والتقليل من استهلاكها.

أما عن رفع الضرائب على الشركات. فزيادة الضرائب المباشرة على الأرباح ستؤدي إلى انخفاض الربح النهائي. وزيادة الضرائب غير المباشرة على السلع سترفع أسعارها وتؤدي بذلك إلى انخفاض الطلب ثم إلى انخفاض المبيعات ثم إلى انخفاض الأرباح النهائي

بهذا نكون قد أنهينا مدخلنا إلى فهم الضرائب، ولم يبق لنا إلا إعطاء بعض الأمثلة التطبيقية على اقتصاد حقيقي. في المقال المقبل سنحلل النظام الضريبي في الاقتصاد المصري لكي نطبق كل المفاهيم الذي قدمناها في هذا المقال، فانتظرونا.

المراجع
  1. Oyewo, Michael. (2013), "Taxation and Tax Policy as government strategy tools for Economics development in Nigeria," Journal of Business and Management, Vol. 13, No.5 (September), PP. 34-40.
  2. N, (1996), "Definition of taxes," OECD.
  3. T, et al, (2014),"Principles of Macroeconomics".
  4. Tax definitions
  5. Economics of taxation
  6. أحمد سليمان شريف (2016)، "العرض والطلب: السعر بين المطرقة والسندان"، ألف باء اقتصاد.
  7. أحمد حسن معالي (2016)،" التضخم: بلاء الغلاء"، ألف باء اقتصاد.
  8. شيماء سليمان (2016)،" البطالة: بوابة الفقر"، ألف باء اقتصاد.
  9. ريطاهي أسامة (2016)، "النمو الاقتصادي: هل اقتصاد دولتك بصحة جيدة؟"، ألف باء اقتصاد.
  10. محمد أنس (2017)، " السياسة الاقتصادية: ما يريد الاقتصاديون تحقيقه"، ألف باء اقتصاد.
  11. أحمد كشيكش (2014)، "ما يجب أن ندرسه: النشاط الاقتصادي"، ألف باء اقتصاد.
  12. وزارة المالية، البيانات الختامية للموازنة العامة للدولة.