تظل فكرة شراء أرض أو الاستثمار العقاري عمومًا تستهوي الكثير من أبناء العالم العربي، ربما لارتباط جذور ومكونات الشخصية العربية عبر التاريخ بالهوية والأرض والوطن، وربما أيضًا لمنافعها الكثيرة وقوة العائد منها.

ومع التغيرات الأخيرة في الأسواق بفعل الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية العالمية، برز العقار بشكل أكبر كملاذ آمن وحصن منيع للمدخرات المادية، إذ أثبت قدرته على الاحتفاظ بقيمته مقارنة بالقنوات الاستثمارية الأخرى.

الأزمة المالية الحالية بالسوق المصري تقف كخير مثال على ذلك، فمع هبوط قيمة العملة المصرية وارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية والخدمات، برزت المنتجات العقارية لتكون منقذًا لمدخرات المصريين من تهاوي القيمة.

سنقوم هنا في هذا الدليل بالتعرف أكثر عن ملامح الاستثمار العقاري في العالم العربي، وأهم الأحداث والمجريات الأخيرة التي طرأت على هذا السوق في الفترة الزمنية الماضية.


مراكز استقطاب الاستثمارات بالعالم العربي

العقار هو الخيار الأقرب للمستثمر العربي بغض النظر عن الأزمات الاقتصادية والتحديات التي حلت على الأسواق المحلية العربية في الآونة الأخيرة بفعل العديد من العوامل منها الاقتصادي ومنها غير الاقتصادي.

في دراسة استطلاعية أعدتها شركة «كلاتونز» العقارية العالمية عام 2016، يخطط حوالي 63% من الأثرياء في منطقة الخليج العربي للاستثمار في عقارات دبي، وأبوظبي، والشارقة.

دراسة أخرى أعدتها شركة «باين آند كومباني» في العام ذاته أشارت إلى احتلال منطقة الشرق الأوسط مركزًا متقدمًا ضمن قائمة أكثر عشر أسواق إنفاقًا على العقار بواقع 8.1 مليار يورو.


دبي: نموذج السوق المثالي

لا يمكن التطرق إلى الاستثمار العقاري في العالم العربي بدون الحديث عن المقصد العقاري الأبرز والأهم في المنطقة وهي إمارة دبي. 91 مليار درهم إجمالي الاستثمارات العقارية التي سجلت في دبي العام الماضي مقارنة بـ72.2 مليار في 2015.

دبي نجحت في غضون عقد، أو أقل، أن تصبح مركزًا لجذب الاستثمارات العقارية العربية والعالمية. بالطبع تطلب الأمر الكثير من العمل والتخطيط الإستراتيجي، لكن المدينة تمتلك مقومات إيجابية مكنتها من احتلال هذه المكانة.

موقع المدينة الإستراتيجي والمشاريع العقارية والبنية التحتية الكبرى التي تتبناها الحكومة في دبي ساهمت إلى حد كبير في تعزيز مكانة الإمارة. علاوة على ذلك، أسست الإمارة إطارًا تشريعيًا قويًا لتنظيم عملية الاستثمار في المدينة وحماية حقوق جميع المتعاملين.

تضرب دبي مثالاً لنجاح السوق العقاري، وما زالت المدينة تمضي إلى المزيد من التوسع العقاري من خلال إنشاء مراكز عمرانية جديدة مثل مدينة دبي الجنوب، واستضافة الأحداث العالمية مثل إكسبو 2020، بالإضافة إلى إطلاق المزيد من مشاريع البنية التحتية الكبرى لتحافظ على مكانتها كأكبر مركز للاستثمار العقاري في العالم العربي.


مصر: تنوع في المعروض

أتاحت مصر في عام 1996 بموجب قانون صادر عن الحكومة تملك الأراضي والعقارات لغير المصريين على أراضيها ليضيف للسوق العقاري المصري المزيد من الزخم ويفتحه على الاستثمارات الأجنبية.

بجانب المميزات المعروفة عن السوق العقاري المصري مثل قوة الطلب والأسعار المناسبة، يقدم عقار مصر ميزة أخرى وهي اتساع حجم المعروض واختلافه من حيث السعر والنوع.

بين شاليهات المدن الساحلية كالغردقة ومرسى مطروح إلى شقق القاهرة الفاخرة، تتنوع القطاعات العقارية في مصر بين تجاري، سكني، وسياحي، كما تختلف بها الشرائح السعرية بحسب الموقع ومستوى الجودة. لذلك، سيجد المستثمر دومًا مجموعة كبيرة ومتنوعة من الخيارات الاستثمارية في مصر ليختار منها ما يناسب إمكانياته وتطلعاته.

بنمو سعري نسبته تتراوح بين 15% و20%، تحقق الدولة الأكبر عربيًا من حيث تعداد السكان عائدًا استثماريًا يقع ضمن الأعلى في منطقة الشرق الأوسط.

إلا أن السوق يواجه العديد من التحديات حاليًا بفعل القرارات الاقتصادية التي تم اعتمادها أخيرًا والأحداث السياسية والأمنية التي تمر بها الدولة سيتم الإشارة إليها لاحقًا بهذا التقرير.


لبنان: ثمرة استثمارات الخليجيين والمغتربين

سويسرا الشرق أو «قطعة السماء» التي تقع في قلب الشرق الأوسط. لبنان أحد أبرز الأسواق العقارية وأكثرها حيوية في منطقة غرب آسيا.

سياسة لبنان الضريبية الجاذبة مقارنة بالدول المحيطة مثل الأردن وقبرص، بالإضافة إلى قوة الطلب على المنتجات العقارية بها جعلها مركزًا هامًا لاستقطاب الاستثمارات العقارية في العالم العربي.

كذلك ساهم مركز لبنان كمقصد سياحي ترفيهي جاذب للكثير من العرب في دعم سوقها وساعد في تسويق المنتجات العقارية المتاحة، كما حرك عجلة البناء والتطوير العمراني لإضفاء صبغة عصرية على بلد الأرز.

عصب السوق العقاري في لبنان يتمثل في استثمارات العرب والخليجيين بالأخص، بالإضافة إلى أموال المغتربين اللبنانين الراغبين بالشراء. الطلب المحلي أيضًا يساهم بشكل إيجابي في نشاط السوق، إلا أن الوحدات المعروضة قد تكون صعبة المنال للكثير من أبناء الوطن؛ نظرًا لارتفاع السعر وضعف العملة المحلية.


أبرز التحديات العقارية

تمر بعض الأسواق العقارية في العالم العربي ببعض التحديات الاقتصادية التي أحدثت تغيرات جادة في المشهد، ومن المنتظر أن تترك أثرًا في حركة الاستثمار العقاري في العالم العربي.

السعودية: أعتاب الهبوط

يعيش القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية فترة من التغيرات التي يتوقع أن تعيد تشكيل واقع السوق العقاري بالمملكة في المستقبل القريب. المفعل الأساسي للفترة الحالية التي يمر بها السوق العقاري السعودي كان انخفاض سعر النفط مع نهاية عام 2014، لكنه لم يكن العامل الوحيد.

أبرز ملامح السوق السعودي قبل تراجع النفط كان ارتفاع أسعار الأراضي، ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بكافة أنواعها، ارتفاع أسعار الإيجار، وضعف الشراكة بين وزارة الإسكان والمطورين العقاريين، بالإضافة إلى محدودية المعروض من وحدات الإسكان الاقتصادي بالمدن المركزية الكبرى.

بعد انخفاض سعر النفط شهد السوق حالة من الجمود وتراجعت الأسعار خصوصًا في المدن الرئيسية بشكل كبير، حيث فضّل الكثير من المستثمرين التريث والانتظار. عزز من هذه الحالة إصدار وتفعيل قانون رسوم الأراضي البيضاء.

قانون الأراضي البيضاء يقضي بفرض رسوم على ملاك الأراضي الخالية التي تقع ضمن حيز المناطق العمرانية الكبرى. يهدف القانون إلى الحد من عملية المضاربة بالأراضي وتنشيط عملية البناء لزيادة المعروض لتشكيل ضغط على أسعار الوحدات السكنية في المملكة.

وأشارت بيانات رسمية إلى تراجع متوسط أسعار العقارات في السعودية بنسبة8.7% خلال عام 2016، وهو ما يعكس تأثير تراجع أسعار النفط وفرض الرسوم وإجراءات التقشف الحكومية على قطاع العقار بالمملكة.

مصر: غياب التخطيط

تتلخص أزمة العقار بمصر في غياب المخطط الإستراتيجي الذي تسير على نهجه عملية البناء والتشييد. وتبرز ملامح هذه الأزمة لتصبح ظاهرة جدًا للعيان في شكل ظاهرة انتشار المساكن العشوائية حول المدن الرئيسية وانتشار حالات التعدي والبناء على الأراضي الزراعية في المناطق الريفية.

تحتاج مصر إلى بناء حوالي 200 ألف وحدة سكنية كل عام لسد حاجة السوق ومجابهة الزيادة المطردة في عدد السكان.

غياب الاهتمام الحكومي عن تطوير المدن الجديدة، واستمرار مسلسل إهمال تنمية الأقاليم أدى إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب، وتفاقم الأزمة وتعقد مشكلة العشوائيات أكثر فأكثر.

زد على ذلك مسألة تعويم الجنيه، أو تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الذي رفع أسعار العقارات في مصر وقلل من القوة الشرائية المصرية، الضعيفة في الأساس، وهو ما ينبئ باستمرار الأزمة ما لم تواجه بالحلول العاجلة.

تبذل الحكومة المصرية بعض الجهود للتخفيف من وطأة المشكلة؛ مثل إطلاق مشروع المليون وحدة سكنية في عام 2014 لتوفير وحدات سكنية بسعر مناسب للمواطنين، والعمل على برنامج تطوير المناطق العشوائية، بالإضافة إلى إطلاق مشروع العاصمة الجديدة. لكن يتطلب الأمر حلاً شاملاً بعيدًا عن المسكنات لاجتزاز المشكلة من جذورها.


الكويت: الركود سيد الموقف

ارتفاع أسعار العقارات في الكويت بشكل وصف بالجنوني في الفترة الأخيرة أدى إلى انخفاض حركة البيع والشراء وتراجع النشاط. قد يصل سعر أرض بمساحة 400 متر مربع إلى أكثر من مليون دولار، في الوقت ذاته تراجع إجمالي قيمة مبيعات العقارات بشهر مارس الماضي بنسبة 52 في المئة لتصل إلى 148 مليون دينار فقط.

عملية بناء الوحدات السكنية الاقتصادية التي توفرها الحكومة شهدت تراجعًا أيضًا، حيث يقدر حجم الطلبات الإسكانية المتأخرة على الحكومة بحوالي 120 ألف طلب.

علاوة على ذلك، تشهد الكويت شحًا في حجم المعروض من أراضٍ صالحة للبناء والتشييد وغياب للمخططات السكنية الكبرى، لذا تحتاج الكويت إلى حلول سريعة وجذرية في الملف العقاري لوضع حل نهائي وللحد من تفاقم المشكلة.


أسواق صاعدة

أسواق عقارية أخرى في العالم العربي تشهد أيامًا أفضل وتحقق نموًا ملحوظًا في مستوى النشاط وحجم التداول، مما ينبئ بنجاحها في المستقبل القريب.

البحرين: سوق مستقر رغم التحديات

انفتاح السوق العقاري في البحرين على الاستثمارات الأجنبية مطلع القرن الجديد أعاد تشكيل الواقع العمراني والعقاري في المملكة، كما أعاد صياغة ملامح الحركة العقارية لتتغير إلى الأبد.

أصدرت الحكومة البحرينية في 1999 قانونًا يتيح للأجانب التملك العقاري على أرض البحرين، ولكن في بعض المناطق المحددة من أهمها الجفير والسيف وجزيرة أمواج.

بهذا القانون شهدت البحرين طفرة في حركة التداولات العقارية كانت قمتها في 2014 حين بلغ إجمالي الصفقات العقارية حوالي 1.2 مليار دينار بحريني. صاحب هذه الطفرة نمو في عملية البناء والتشييد لتشهد المملكة إطلاق مشاريع عقارية سكنية وتجارية جديدة بمواصفات عصرية.

وبالرغم من الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي شهدها السوق خلال العامين الماضيين بفعل تراجع أسعار النفط وإحجام المستثمر الخليجي عن الاستثمار بالبحرين، ظل السوق المحلي متماسكًا إلى حد كبير بدعم من مشتريات المواطنين البحرينيين.

لم تشهد عقارات البحرين أي تراجعات حادة في أسعار العقارات سواء السكنية أو التجارية، كما استطاعت الاحتفاظ بمستويات الطلب على العقار بشكل كبير.

المغرب: تغيرات مبشرة

تغيرات جديدة طرأت على اقتصاد المغرب من المتوقع أن يكون لها أثر إيجابي على العقار المغربي، على رأس هذه التغيرات السماح للمصارف الإسلامية بالعمل في البحرين. أصدر البنك المركزي في المغرب إذنًا لخمسة بنوك إسلامية مع بداية هذا العام للعمل في المملكة من بينها بنوك مغربية وسعودية وأخرى خليجية.

من المتوقع أن تحدث هذه البنوك نشاطًا على الصعيد العقاري، حيث ستجذب القروض العقارية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تقدمها هذه البنوك الكثير من المتعاملين.

من بين المتغيرات المبشرة أيضًا تحرير سعر صرف الدرهم المغربي مقابل العملات الأجنبية. تحرير سعر الصرف سيجعل سعر العقارات المغربية أكثر تنافسية خصوصًا للمستثمرين والمشترين الأجانب.

الجدير بالذكر أن أسعار العقارات في المدن الرئيسية بالمغرب شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مع بداية العام الحالي، حيث ارتفعت أسعار عقارات فاس بنسبة 6.1%، 5% في مكناس، 4.2% في أغادير، و3.8% في الدار البيضاء.