المتابع للشأن العام والساحة السياسية يجد كثيرًا من الاصطلاحات التي عادة ما يُسيء البعض فهمها بينما يتعمد البعض الآخر إساءة استخدامها. من هذه الاصطلاحات المتداولة مفهوما «اليمين» و«اليسار»، وقد زادت أهمية إيضاح المفهومين مع الحديث المتصاعد عن صعود يميني في بعض أهم الدول الأوربية مثل فرنسا والنمسا، في الوقت نفسه استطاع اليسار أن يستغل الأزمة المالية اليونانية ليحصل على أغلبية برلمانية سمحت له بتشكيل الحكومة، كما حل حزب بوديموس اليساري الناشئ حديثًا ثالثًا في الانتخابات البرلمانية الإسبانية الأخيرة.


الجذور التاريخية للتسمية

يعتقد البعض بأن الجذور التاريخية لتسمية اليمين واليسار تعود إلى طريقة الجلوس في الجمعية الوطنية الفرنسية أثناء الثورة الفرنسية 1789، حيث كان يجلس مؤيدو الملك على اليمين بينما يجلس مؤيدو الثورة على اليسار، وحينما تم استبدال الجمعية بمجلس تشريعي بدأ يجلس ما أطلق عليهم «المجددون» innovators على اليسار بينما كان يجلس «المدافعون عن الدستور» على اليمين.لم تأخذ مسميات اليمين واليسار طابع أيديولوجي إلا مع بداية القرن العشرين، حيث التعبير عن القناعات والأفكار السياسية في صورة ممنهجة. فنجد أن اليساريين اتخذوا لأنفسهم صفة «الجمهوريين» بجانب كونهم يساريين على الجانب الآخر. بدأ اليمينيون في وصف أنفسهم بـ«محافظين» حتى جاء عام 1914، بدأت الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية الجمهورية والاشتراكيين الراديكاليين في الجلوس على يسار المجلس التشريعي الفرنسي؛ مما ساهم في بلورة المفهوم الحالي لليسار. الجدير بالذكر أن اليمين عادة ما ينتقد هذا التقسيم معتبرًا إياه مهددًا للوحدة والسلم الداخلي في حين يعتنقه اليسار المطالب بالتغيير.يرفع اليمين الشعارات المحافظة والمتبنية للإصلاح التدريجي والحفاظ على الموروثات بأنواعها، كما يتبنى عادة ما يعرف باسم «القانون الطبيعي» والذي يعترف بوجود فروقات شخصية واجتماعية ويجد ذلك حتميًا، إلى جانب اعتناقه الراسخ لأفكار حرية السوق والملكية الفردية وحرية التجارة.على الجانب الآخر يتبنى اليسار مفهومي «العدالة الاجتماعية» و«المساواة» ويعترف عادة بالتقسيم الطبقي، إلا أنه يضع الآليات المختلفة لإلغائه أو تحجيمه، كما يعتبر التغيير الجذري والسريع أحد أهم آليات اليسار.من ناحية أخرى ينقسم اليمين إلى يمين وسط ويمين متطرف، يتميز اليمين الوسط بأنه ليس محافظًا كاملًا بل يتبنى بعض السياسات الاجتماعية ويتمتع بانفتاح محدود وتقبل في حدود معينة للتغير، أما اليمين المتطرف فيتمسك بأفكار ومبادئ اليمين المحافظة بدون تغيير. أيضًا فإن اليسار ينقسم إلى يسار راديكالي ثوري ما زال يؤمن بصراع الطبقات والتغيير الجذري ويسار وسط يتقبل بعض السياسات الليبرالية على رأسها حرية السوق مع دور فعال للدولة في مجال الحماية الاجتماعية.الجدير بالذكر أنه ظهر حديثًا ما يعرف باسم «الطريق الثالث»، و هو فكر أيديولوجي وسطي يعمل على الجمع بين سمات من اليمين واليسار والدمج بينهم، لعل أبرز معتنقيه هو رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي.


تصنيف الأحزاب الأوربية:

هناك عدة تصنيفات مختلفة للأحزاب الأوربية، نذكر منها تصنيف كلوس فون بويم الذي صنف الأحزاب إلى تسعة تصنيفات مختلفة من اليسار إلى اليمين هي: شيوعية، اشتراكية، خضراء، ليبرالية، ديمقراطية مسيحية، محافظة، وأخيرًا يمينية متطرفة. أيدت ذلك التصنيف الدراسات المختلفة التي تبنت معياري الموقف من ملكية وسائل الإنتاج، والموقف من الأوضاع الاجتماعية كمعيارين حاكمين للتصنيف. هناك تصنيفات أخرى مثل تلك التي تقسم الأحزاب إلى أحزاب تركز على الفرد «الليبرالية، الفوضوية»، أحزاب تركز على الجماعة «الشيوعية، الاشتراكية»، أحزاب تركز على التقاليد «المحافظين، الديمقراطية المسيحية». إلا أنه ما زال تقسم اليمين واليسار والوسط هو الأكثر شيوعًا مع إدخال تقسيمات فرعية بداخل اليمين واليسار «يمين وسط، يمين متطرف، يسار وسط، يسار متطرف».

أهم أحزاب اليمين في أوروبا:

حزب المحافظين البريطاني: وهو الحزب الحاكم والمسيطر في بريطانيا حيث فاز بـ 330 من 560 مقعدًا في انتخابات مجلس العموم البريطاني لعام 2015. يعتبر الحزب يمين وسط، ويرأسه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. تعد مارجريت تاتشر أحد أشهر زعماء الحزب والتي قادته لينال أغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات أعوام 1979، 1983، 1987.حزب الجبهة الوطنية الفرنسي: هو من الأحزاب الصاعدة بسرعة ويتميز خطابه برفض الهجرة والتشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي. يعتبر الجبهة الوطنية من أحزاب اليمين المتطرف، تترأسة مارين لو بان والتي اشتهرت بتصريحاتها النارية المعارضة للمهاجرين والمسلمين، وقد حقق الحزب انتصارًا مشهودًا بالانتخابات المحلية الفرنسية الأخيرة حيث ربح في 12 مدينة، كما يحوز الحزب 24 مقعدًا من أصل 74 مقعدًا فرنسيًا بالبرلمان الأوروبي.حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني: تأسس عام 1945، هو الحزب الحاكم بألمانيا، حزب يميني وسطي يقوده حاليًا فولكر كودر بينما تعتبر المستشارة الألمانية القديرة أنجيلا ميركل أحد أبرز أعلامه، يقود الحزب ألمانيا منذ عام 2005 ويحوز 29 مقعدًا من أصل 69 مقعدًا ألمانيًّا بالبرلمان الأوروبي. يعتمد خطابه السياسي على أنه حزب لكل الألمان دون النظر للنوع أو الديانة.حزب الحرية «النمسا»: تأسس عام 1956، هو من أحزاب اليمين المتطرف التي استغلت تدفق المهاجرين والعمليات الإرهابية لحصد مكاسب انتخابية. فجّر مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية النمساوية حيث حصل على 36% من إجمالي الأصوات متفوقا على الحزبين الكبيرين؛ الشعب، والديمقراطي الاجتماعي، إلا أنه خسر في الجولة الثانية بفارق ضئيل لصالح المرشح المستقل المدعوم من حزب الخضر؛ ألكسندر فان دير فاليين.

أهم أحزاب اليسار:

بدأ مفهوما اليمين واليسار في اتخاذ طابع أيديولوجي بداية القرن العشرين، حيث التعبير أطلق على اليساريين صفة الجمهوريين وعلى اليمينيين المحافظين.

التحالف اليساري الراديكالي «سيريزا» اليونان: تأسس عام 2004 من مجموعة أحزاب وحركات يسارية، يتزعمه رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيباس. تمكن الائتلاف من أن يحصد أغلبية المقاعد «36.3 %»، جاء ذلك في ظل الأزمة المالية اليونانية؛ وكتعبير لرفض اليونانيين لإجراءات التقشف شديدة الصرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل مساعدتها في إدارة أزمة ديونها.حزب بوديموس «إسبانيا»: تأسس هذا الحزب حديثًا عام 2014 على خلفية حركات احتجاجية ضد الفساد وعدم المساواة، تمكن الحزب من دخول البرلمان الأوروبي بخمسة مقاعد من أصل 54 مقعدًا إسبانيًّا، كما حصد 21% من إجمالي أصوات آخر انتخابات تشريعية ليصبح ثالث أكبر حزب بالبرلمان الإسباني. تتركز سياسات الحزب على مكافحة التهرب الضريبي والعمل على تحجيم اتفاقية لشبونة ووضع قيود على اتفاقيات حرية التجارة.حزب العمال «بريطانيا»: هو حزب يسار وسط تأسس عام 1900 ليكون قناة سياسية للتعبير عن رغبات الاتحادات العمالية الإنجليزية. حصد الحزب 3.5% في آخر انتخابات برلمانية، وقد تبنى منذ نهاية الثمانينيات فكرة «حرية السوق» مما جعل البعض يصفه بأنه أقرب إلى «الطريق الثالث» منه إلى اليسار.