مبدئيا، الموضوع لا يمس بأي حال من الأحوال الاكتئاب المرضي الذي يعرفه الأطباء النفسيون جيدا ويهابونه كالموت ذاته، والذي هو أقسى وأكثر تعقيدا من مجرد الشعور بالضيق ليوم أو يومين.

إنما أتحدث عن تلك الحالة المباغتة التي تنتابنا جميعا من وقت لآخر دون سبب واضح، ونشعر معها وكأن أحدا قد أطفأ النور بداخلنا، أو أن تلك الطاقة الحية التي كانت تحركنا قد تم سحبها دفعة واحدة، تاركة إيانا خائري القوى بدرجة تجعل الكلام أو التنفس حتى عملية صعبة ومرهقة!!

أتحدث عن ذلك الفيروس الضئيل الغامض الذي ما إن تمكن من مناعتنا المعتلة حتى انتشر في الجسم كله مضعفا مقاومتنا أكثر وأكثر، بحيث يصبح عندها الحياة والموت سواء، عن ذلك الزائر غير المرغوب فيه، والذي ما إن يجتاز الباب حتى يفرض علينا إرادته في عقر دارنا ونحن بعد في حالة هشة لا تسمح لنا بطرده!

يظن الكثير من الناس خطأ أن الاكتئاب هو الحزن! لكن الواقع عكس ذلك تماما للأسف. فهو عبارة عن حالة من (اللا شعور) لدرجة أن الشعور بالحزن أو البكاء عندها يعد ترفا بعيد المنال!

كل شيء يصبح باهتا فجأة، ويصبح الشخص غير قادر على التفاعل مع أي حدث بشكل طبيعي كما اعتاد أن يفعل، وكأنه مسجون في قفص من الزجاج العازل للصوت، حتى وإن لم يكن كذلك فهو غير قادر على الصراخ أصلا. والأسوأ من ذلك كله أن تلك الحالة غالبا ما تداهمنا دون سبب حقيقي، بحيث يمكننا علاجه أو تجنبه من البداية.

وبما أننا نعرف الآن ماهية هذا الشعور جيدا، تبقى لنا الآن أن نعرف كيف يمكننا أن نتعامل معه حتى تمر الحالة بسلام تماما، كما يجب أن يتعامل الغريق مع الماء.


– لا تقم بأي حركات هستيرية يائسة للنجاة؛ لأن ذلك سيجعلك تغرق أكثر بكل بساطة، فقط.. قم بالاسترخاء والتمدد على ظهرك والماء نفسه سيتكفل بحملك! كذلك الأمر بما يتعلق بالاكتئاب.

– لا تتظاهر بالمرح وأن كل شيء على ما يرام، لا تخرج لمقابلة المزيد والمزيد من الناس الذين سيجعلونك تشعر بالغربة أكثر مهما كانوا أو كانت المواضيع التي يتناولونها في أحاديثهم. ليس هناك ما يخجل لتحاول إخفاءه لذا لا تبذل جهدا يفوق طاقتك الضئيلة؛ لأن ذلك سيتركك طريح الفراش في نهاية اليوم، فقط.. استرخِ.

– خذ وقتك من الصمت والراحة والعزلة بشرط أن تكون موقنا من داخلك أنها حالة طارئة لن تلبث أن تزول كما جاءت، فذلك أهم جزء من العلاج.

– كن مدركا أنك لست في حالتك الطبيعية لبعض الوقت، بحيث لا ينبغي أن تحمل الأمور أكثر مما تحتمل.

لا تهلع عندما تجد نفسك عاجزا عن الاستمتاع بأمور كانت تطربك من قبل، لا تهلع عندما تجد نفسك فارغا وعاجزا عن البكاء مهما حاولت. لا تشعر بالذنب بأي حال من الأحوال لأنك غير قادر على التفاعل مع الناس كما كنت، ولا تيأس عندما تغمرك اللا مبالاة بظلالها الكئيبة فهي حالة مؤقتة كما قلنا.

– النوم علاج فعال بالمناسبة! قد يستمر الأمر أياما عدة لكن حتما سيأتي ذلك الصباح الذي ستصحو فيه منتعشا وأنت تعلم بداخلك أن السحابة قد انقشعت أخيرا.

اعتبر نفسك مصابا بالبرد (النفسي) -إن كان لنا أن نسميه كذلك- بحيث إن الأمر سيتطلب بعض الوقت والراحة.. في اليوم الأول ستتمنى الموت من فرط التعب، في اليوم الثاني ستغادر الفراش لبعض الوقت، في الثالث ستعود إليك الشهية للحياة بالتدريج، وإن كنت لا تزال بعد في طور النقاهة..أما ما بعد ذلك فيعتمد على مناعتك (النفسية) -في هذه الحالة- ورغبتك الصادقة في الشفاء مع اتباع الوصفة الطبية بالشكل الصحيح.

– هل ذكرنا الطعام بعد؟ .. لا!؟ .. حسنا

الحقيقة أن الأمر هنا يختلف من شخص لآخر، فمن الصعب الجزم بدور الطعام الفعال في العلاج، فبعض الأشخاص -المحظوظون منهم- يساعدهم الطعام في الخروج بشكل أسرع -وألذ طبعا- من هذه الحالة،أما الباقي فيدخل في حالة إضراب لا إرادي عن الطعام، ولكن لا داعي للتشاؤم! فإن كنا غير قادرين على الاستفادة من الطعام في العلاج فعلى الأقل يمكننا الاستعانة به في التشخيص،بحيث يصبح الإقبال المفاجئ على الطعام دليلا مبشرا على بداية التعافي.

– أخيرا، افعل كل ما يشعرك بالراحة.

اقرأ كتابا تحبه، شاهد فيلما ملهما.. تحدث بصدق مع شخص عزيز تثق به.. تنزه في مكان هادئ اعتدت أن تزوره.. أيا كان ما كنت تفعله من قبل ويشعرك بالسعادة فافعله الآن دون تردد، لكن تذكر أنك لست في حالتك الطبيعية ،لذا لا تنتظر نتائج مبهرة، ولا تتوقع أن يشعرك بنفس القدر من السعادة، يكفيك الآن أن تشعر بالراحة، وأنك (في المنزل) – at home- كما يقولون.


في النهاية، وإذا أردنا أن ننظر للنصف الممتلئ من الكوب، علينا أن نعترف بأن الأمر الإيجابي الوحيد بشأن الاكتئاب أننا نخرج منه دائما أقوى وأكثر إشراقا وإقبالا على الحياة! كما أنه يجعلنا دائما أكثر شفافية بما يكفي لرؤية الجمال في أمور بسيطة في الحياة لم تسترعِ انتباهنا الكامل من قبل كمشاهدة شروق الشمس، أو مراقبة صوت وحركة عصفور رقيق على شرفة المنزل، أو استنشاق هواء الفجر البكر النقي.

الحق أن الحياة لو سارت على وتيرة واحدة لكانت مملة حد الموت! فالتباين في حالاتها وألوانها هو ما يجعلها تستحق أن تعاش.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.