نفترض أن ثورات الربيع العربي نجحت في إقامة محاكمات ثورية بعد نجاح الموجة الأولى من الثورات وقررت محاكمة أرباب الأنظمة السابقة بتهم الفساد السياسي والاقتصادي وانتهاك حقوق الإنسان، سيكون أمام القاضي الثوري خياران؛ إما أن يحكم بإعدام وسجن وعزل كل من يمت للنظام القديم ومؤسساته بصلة وهو ما لن يخلو من ظلم للأبرياء بالتأكيد ولكنه سيكون في مصلحة منع قيام ثورة مضادة تحرق الأخضر واليابس وتسفك المزيد من الدماء، وإما أن يتحرى العدالة مع كل حالة فردية وحينها قد لا يظلم أحدًا لكنه بالتأكيد سيمنح الفرصة لعودة هذا النظام السابق.

هذا مثال افتراضي مبني على المعضلة الفلسفية الشهيرة المسماة بمعضلة العرَبة. وليس المطلوب منك الإجابة عليه بصورة فورية إنما الغرض منه تسليط الضوء على كيفية التفكير في قضايا حياتنا ومجتمعاتنا الواقعية. ما هي المسلّمات التي ننطلق منها؟، وهل هي مسلمات صحيحة؟، وعلى ماذا بنيناها؟، وما هي أفكارنا عن الوجود والعدالة والإنسان والأخلاق والمجتمع والدين؟

الفلسفة إذن هي أن تسأل المسلّمات وأن تخلق المفاهيم وتقرر التجانس فيما بينها، لن نخوض في تعريفات الفلسفة فتعريفاتها تتنوع وتختلف بتنوع مناهجها ومدارسها نفسها. قد لا يرغب أحدهم بمساءلة مسلماته ومناهج تفكيره، لكنه سيحتاج الفلسفة في فهم ومساءلة مسلمات وطرق تفكير الآخرين سواءً كانوا أصدقاء أم أعداء، فلا أحد يعيش في العالم وحيدًا.


في البدء كانت الفلسفة

الفلسفة لفظ إغريقي قديم يعني حب الحكمة، عنيت بالأساس بقدرة الإنسان على التفكير خارج أطر الميثولوجيا أو الوحي المنزّل؛ لذا شملت في ذلك الوقت التفكير في كل القضايا، العلمية والميتافيزيقية وقضايا العدالة والمجتمع والفن والسياسة والرياضيات والمنطق. لكن الفلسفة على مر العصور شهدت فترات من الانحسار والتشظي وإعادة التأسيس وانفصال الأفرع المعرفية والعلمية عنها وإعادة تأسيس أفرع جديدة. قبل أن توجد الفلسفة الإغريقية وُجدت الحكمة الشرقية ومذاهب التفكير المختلفة، وحين أعلن الفيلسوف الغربي «مارتن هايدجر» أخيراً موت الميتافيزيقا أو استنفادها لأفقها ما زالت الفلسفة تجد لنفسها آفاقًا أخرى، أو بتعبير «جيل دولوز» الفيلسوف الفرنسي تبنى مسطحات محايثة تنتظم فيها المفاهيم التي نعيش بها في عالمنا.

لكن الفلسفة وإن عنت التفكير بشكل عام إلا أن لديها مجالات أو قضايا مركزية تنبني عليها مناهجها الكبرى، وهي مقسمة إلى سبعة أفرع رئيسية:

الميتافيزيقا/ الأنطولوجيا

هي العلم الذي يدرس الوجود وتمظهراته المختلفة وحدوده، هي نمط من التفكير التأملي الذي يبحث في النسق الذي توجد به الأشياء والموضوعات. ربما علينا أن نلقي نظرة على أهم الأسئلة التي يطرحها هذا الفرع لنفهم مهمته وحدوده:

  • ما الذي يمكن أن نقول عنه أنه موجود؟.
  • ما هو الشيء؟.
  • كيف يمكننا أن نقسم الموجودات؟ وما هي الفئات التي تتوزع فيها الموجودات؟.
  • ما هو معنى أن تكون موجودًا؟.
  • هل الكينونات موجودات وهي الكينونات؟ وهل هناك كينونات جوهرية تسبق وجود الأشياء؟.

هناك الكثير من الأسئلة الأساسية والمتفرعة الأخرى التي يناقشها علم الوجود. الإجابات على هذه الأسئلة هي التي تتأسس عليها المناهج الفلسفية المختلفة؛ أي أن موقفك من الوجود هو الذي يحدد طريقة تفكرك وطريقة تصرفك فيه.

الإبستمولوجيا/نظرية المعرفة

نظرية المعرفة هي أكثر مجالات الفلسفة تشعبًا وتعقيدًا؛ لارتباطها بعلاقة الإنسان بالأشياء والموجودات من حوله. إن كانت الأنطولوجيا هي الأساس الذي تبنى عليه الفلسفة فنظرية المعرفة هي قلبها النابض وتختص بسؤال كيفية تشكل المعرفة الإنسانية، كيف يعرف الإنسان الأشياء من حوله؟، وكيف يكتسب العلوم؟، وكيف يتطور وعيه ومعارفه بالأشياء.

الأخلاق

بعد تحديدك لموقفك من الوجود والطريقة التي تعرف بها الوجود من حولك، كيف عليك أن تتصرف في هذا الوجود كذات فاعلة ومسؤولة في هذا الكون؟.

الفلسفة السياسية

انطلاقًا من النظرية الأخلاقية أو بعيدًا عنها تؤسّس الفلسفة السياسية للمفاهيم العامة التي تبنى عليها الممارسات السياسية. هذه المفاهيم التي تتضمن العدالة والحرية والحقوق والقانون والملكية والمجال العام وغيرها من المفاهيم وهي قد تكون بهذا المعنى مرادفة للأيديولوجيا.

فلسفة الجمال

إن كانت الفروع السابقة تناقش القيم الفكرية والأخلاقية تناقش الجماليات القيم الحسّية والأساسات المعيارية لمواضيع مثل الجمال والفن والذائقة والثقافة والطبيعة الإنسانية. تعتبر قضايا هذا الفرع إشكالية بشكل كبير غالبًا ما تقودنا إلى التساؤل عن جدواه بسبب ذاتيتها الشديدة؛ لهذا يغلب على الفرع الفلسفي الانطباعات والمناهج النقدية كما يتناول تاريخ الحركات والمناهج الفنية في المجالات المختلفة ومميزاتها والتفرقة فيما بينها.

المنطق

المنطق هو العلم الذي يضيف المعيارية للفلسفة أي ما يجعلنا نعتقد بصحة طريقة تفكير معينة أو خطئها، هو العلم الذي يجعل للأفكار المجردة قوالب معيارية أو إجرائية قابلة للتمحيص واكتشاف خطئها من صوابها؛ بمعنى آخر فالمنطق هو هو دراسة مناهج الفكر وطرق الاستدلال السليم.

فلسفات العلوم

فلسفات العلوم هي المناهج أو الشروط القبلية التي تجعل التفكير في علم ما وموضوعاته ممكنًا ومعقولاً. ترتبط فلسفات العلوم بالإبستمولوجيا والمنطق ارتباطًا كبيرًا، ولكنها تركز على الفروع العلمية والمعرفية كل على حدة. ليس من المستغرب إذن أن نجد علمًا يدعى فلسفة التاريخ وفلسفة علم الاجتماع أو منهج البحث العلمي أو الفلسفة السياسية؛ لذا فإن الآباء المؤسسين لهذه العلوم كانوا فلاسفة بمعنى ما أو بالأحرى كانوا فلاسفة حقيقيين.


من أين تؤكل الكتف؟

إن لم تكن حاجتك للفلسفة حاجة أكاديمية، فهناك مدخلان للمبتدئ يمكنهما أن يلبيا حاجته من هذا الفرع المعرفي شديد الاتساع:

أن يقودك السؤال

لا تطلب منك الفلسفة الالتزام بأسئلتها ومناهجها، بل تحثّ على طرح تساؤلاتك وإبداع مفاهيمك، ولكنها بالتأكيد ستزودك بالمعرفة والأدوات والمناهج التي تمكنك من الإجابة على السؤال. حسنًا دعنا نفترض سؤالاً مثلا عن ماهية العلاقات التي تربط العلوم الإسلامية ببعضها وارتباطها بالواقع والمجتمع ومدى عقلانية أو صلاحية هذه العلاقات والارتباطات، ستلجأ ربما في هذه الحالة للبحث في نظرية المعرفة ومناهجها و طريقة التفكير فيها، وستستعين بالتأكيد بالمنطق والأنطولوجيا وربما النظرية الأخلاقية كذلك. أما إن كان سؤالك عن نظرية العدالة المثلى التي يحتاجها مجتمعك ربما تلجأ لإسهامات علماء الفلسفة السياسية … إلخ. المحك هنا أن تعرف أين تبحث وإلى أين تتجه للحصول على إجابة لتساؤلاتك.

– في الأنطولوجيا

ربما بإمكانك أن تبدأ بكتاب «الوجود والماهية والجوهر» لبول ريكور

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/18211278

أو «كتاب السؤال عن الشيء» لمارتن هايدجر

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/23978168

– في الإبستمولوجيا

قد يكون كتاب «نظرية المعرفة» لزكي نجيب محمود مدخلاً مناسبًا

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/16138435

أو كتاب «نظرية المعرفة» لفؤاد زكريا

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/16075392

– في الأخلاق

ربما يكون كتاب «في جينالوجيا الأخلاق» لنيتشة اختيارًا غريبًا قليلاً، ولكنه كتاب مفيد للبحث عن ماهية الأخلاق.

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/23587313

أو كتاب «فلسفة الأخلاق» لتوفيق الطويل

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/17558786

– في الفلسفة السياسية

قد يكون كتاب «مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية» لأندرو هيوود

صفحة الكتاب على جود ريدز:https://www.goodreads.com/book/show/17695558– في المنطق

«المنطق الصوري والرياضي»:https://www.goodreads.com/book/show/22376640

كتاب «بسيط المنطق الحديث» لويلارد كويني:https://www.goodreads.com/book/show/18872697– وفي فلسفة العلم

قد يكون كتاب كتاب أليكس روزنبرج «فلسفة العلم مقدمة معاصرة» مدخلاً جيدًا:

https://www.goodreads.com/book/show/21453392

أن تبحث عن أفق جديد للأفكار

قد يكون مجال تخصصك وهواياتك الرئيسي هو التاريخ أو علم الاجتماع أو العلوم الشرعية أو حتى الفيزياء وتحتاج إلى أفق جديد يوسع مداركك ويساعدك على التقدم المعرفي وتهذيب طرق تفكيرك، حينها ربما تبحث عن مداخل وكتب تعطيك فكرة عامة عن الفلسفة وتاريخها ومدارسها وأهم الأفكار التي تناولتها.

قد يكون أمامك في هذه الحالات ثلاث مقاربات:

– مداخل عامة مبسطة للفلسفة

وأقترح عليك إن كنت من هواة القراءات الأدبية أن تبدأ برواية «عالم صوفي» لـ جوستيان غاردر:https://www.goodreads.com/book/show/3263868

وكتاب «قصة الفلسفة» لويل ديورانت:https://www.goodreads.com/book/show/6353739– تاريخ الفلسفة مرتبًا حسب الترتيب التاريخي لأعلام الفلاسفة

أنصحك بقراءة سلسلة «تاريخ الفلسفة» لفريدريك كوبلستون التي يترجمها المركز القومي للترجمة بإشراف الدكتور عبد الفتاح إمام، وإن كانت السلسلة لم تنته ترجمتها بعد إلا أن ما ترجم منها يستحق القراءة لبساطته وغزارته الفكرية.

لا يجب أن يفوتك كذلك كتاب «حكمة الغرب» لـ برتراند راسل الذي يتناول الظروف الاجتماعية والسياسية التي تطورت فيها المذاهب الفلسفية المختلفة من اليونان القديمة حتى العصر الحديث.

– الفلسفة بحسب القضايا الفلسفية

ربما تعد سلسلة الدكتور زكريا إبراهيم «مشكلات الفلسفة» من السلاسل المهمة والبسيطة التي أرخت للفلسفة بحسب القضايا الفلسفية وليس الترتيب التاريخي للمذاهب الفلسفية

– المعاجم والموسوعات الفلسفية

إن كنت تمر مرورًا عابرًا على مفهوم فلسفي أو تبحث عن معنى مصطلح ما سواء كنت تقرأ في الفلسفة أو العلوم المرتبطة بها بالتأكيد ستفيدك «موسوعة الفلسفة» لـ عبد الرحمن بدوي وكذلك «المعجم الفلسفي» لجميل صليبا.

موسوعة الفلسفة:https://www.goodreads.com/book/show/7376891

المعجم الفلسفي:https://www.goodreads.com/book/show/12433137

لا يفوتنا أن نذكر أيضًا أهم «كلاسيكيات الكتب الفلسفية» التي ربما تود قراءتها بعيدًا عن سلاسل المقدمات والتأريخ للفلسفة:

  • كتاب الجمهورية لأفلاطون.
  • كتاب علم الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو.
  • كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي.
  • كتاب تهافت التهافت لابن رشد.
  • تأملات في الفلسفة الأولى لرينيه ديكارت.
  • رسالة في الطبيعة البشرية.
  • الليفياثان لتوماس هوبز.
  • كتاب الأمير لنيقولو ميكيافللي.
  • نقد العقل المحض لإيمانويل كانط
  • العقد الإجتماعي لجان جاك روسو.
  • العالم كإرادة وتمثل لشوبنهاور.
  • المنطق وفلسفة الطبيعة ل جورج هيجل.
  • هكذا تكلم زرادشت نيتشه.
  • الكينونة والزمان لـ هيدغر.
  • منطق البحث العلمي لكارل بوبر.

الوسائط المتعددة والمصادر الشبكية

إليك أولاً بعض قنوات اليوتيوب التي تعرض محتوى فلسفيًا جميلاً ومبسطًا، ولكن للتنبيه فإن بعضها باللغة الإنجليزية وهي لغة ضرورية إن كنت تريد إكمال مشوارك على طريق الفيلسوف:

لا يفوتنا كذلك بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم محتوى فلسفيًا مميزًا:

الموساعات الفلسفية

موسوعة جامعة ستنافورد للفلسفة وهي من أكثر المصادر الشبكية غزارة في المادة المتاحة وإفادة في المحتوى: https://plato.stanford.edu/

موسوعة الإنترنت الفلسفية: http://www.iep.utm.edu/

موسوعة روتليدج للفلسفة: https://www.rep.routledge.com/