وصل الدولار الأمريكي إلى ذروته بهذا العام مسجلا 18.50 جنيهاً للدولار الواحد في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن يهدئ من روعه قليلاً ليتراجع قليلاً منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في ردة فعل- إن صح وصفها- جني أرباح من قبل المضاربين، ويأتي ذلك تزامناً مع اتخاذ الحكومة المصرية لعدد من الإجراءات التي يرى البعض أنها ستكون «القشة التي قسمت ظهر البعير» والتي تسببت في انهيار الدولار على حد قول القائمين على وضع السياسات في مصر.


4 نقاط هامة تجيب على تساؤلاتك بخصوص انهيار الدولار

للوقوف على حقيقة وضع الجنيه المصري، والإجابة على التساؤل الرئيس للشارع المصري في الوقت الحالي؛ ومفاده: «هل حقاً انهار الدولار وعاد الجنيه إلى وضعه الطبيعي؟»؛ لابد من استعراض عددا من النقاط المهمة:

أولاً: ما هو المعنى الحقيقي لانهيار الدولار مقابل الجنيه؟، هل تساوت قيمة الجنيه في السوق الرسمية وغير الرسمية؟، فحتى الأربعاء الموافق 2 نوفمبر كان يتم يتداول على الجنيه في البنوك عند سعر 8.78 جنيهاً للدولار الواحد، مرتفعاً من 7.88 في ديسمبر من العام 2015، وفي المقابل ارتفعت قيمة الدولار في السوق السوداء من 8.54 جنيهاً للدولار إلى متوسط 15-17 جنيهاً للدولار الواحد خلال الفترة ذاتها. وبدلاً من أن يستعيد الجنيه عافيته، اتخذ البنك المركز المصري قراراً بتخفيض قيمة الجنيه إلى 13 جنيهاً للدولار الواحد مع هامش حركة بنسبة 10% ارتفاعاً وانخفاضاً. لذلك في كل الحالات سواء الرسمية أو غير الرسمية يتم تداول الجنيه المصرية عند مستويات منخفضة للغاية مقارنة مع مستواه في الأعوام السابقة.

ثانياً: هل الوصول بسعر الدولار إلى 13 جنيهاً للدولار، يعد إنجازاً يذكر للحكومة الحالية؟، المتابع للأمر جيداً يجد أنه في بداية أكتوبر كان هناك مناداة من قبل المواطن والمستثمر وخبراء الاقتصاد بضرورة السيطرة على الدولار الذي وصلت قيمته لنحو 12 جنيهاً والذي تزايدت تبعاته السلبية على حياة المواطن بدءً من ارتفاع السلع الاستهلاكية سواء كانت ضرورية أو رفاهية، وكذلك صعوبة حصول المستثمر على الدولارات اللازمة لاستكمال أعمال الاستيراد والتصدير. والآن وإن تراجعت الأسعار في السوق السوداء بنحو جنيهان أو ثلاثة جنيهات لتستقر عند 15-16 جنيهاً فهي بكل الأحوال أعلى بكثير من مستويات الأزمة عند المواطن والمستثمر، ومن ثم فأي إنجاز تدعي الحكومة تحقيقه؟.

ثالثاً: بافتراض أن ما حدث- وهو تقليص الجنيه لخسائره المتفاقمة أمام الدولار- بمثابة إنجاز من قبل الحكومة، فهل يستفيد المواطن من هذا الإنجاز؟، بالطبع لا؛ فعند الحاجة للحصول على الدولار بالأسعار التي أعلنت عنها بعض وسائل الإعلام عند مستويات 12-13 جنيهاً للدولار من السوق السوداء، لن يستطيع المشتري الحصول عليها بحجة أن الصرافات خالية من الدولارات، ولكن حقيقة الأمر أن الأسعار المعلن عنها ليست هي ما تعكسه حركة العرض والطلب في السواق غير الرسمية، في ظل انعدام قدرة الأسواق الرسمية على توفير الدولار للمتعاملين.

رابعاً: في ظل الوضع الحالي، هل يستطيع حامل الدولار بيعه عند مستويات الشراء، بالطبع لا أيضاً، فالمضاربون في الأسواق يستغلون وضع الارتباك والتصريحات المتناقضة في الحصول على أكبر قدر ممكن من الدولارات بأقل سعر ممكن لبيعه في أوقات لاحقة سيرتفع بها الدولار، ومن ثم هناك مضاربة مؤقتة على الأسعار المنخفضة للمضاربة في نحو أقل من أسبوعين من الآن على الأسعار المرتفعة.


أسباب غموض حركة الدولار

ولابد من معرفة تسلسل الأسباب التي أدت إلى الحالة الغامضة التي يعاني منها سعر صرف الجنيه في السوق السوداء، وكذلك هل يستمر انخفاض الجنيه لفترة طويلة؟

بدايةً، ومنذ أن تم الموافقة على حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي في أغسطس الماضي، وكثرت الشائعات حول تبني الحكومة لسياسة سعر صرف مرنة وتعويم الجنيه.

وتعويم العملة هو السماح لسعر صرف العملة بأن يتحرك بحرية بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده بشكل مباشر سواء من خلال عمليات السوق المفتوح أو من خلال طرح عطاءات دولارية كما شاهدنا الفترة الماضي. وإنما يتم تحركه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

ومنذ أغسطس الماضي، والحكومة تماطل في الإعلان عن حقيقة اتخاذ قرار فعلي بتعويم قيمة الجنيه أو تخفيض السعر إلى المستوى العادل عند مستوى 11-12 جنيهاً للدولار- كما حدده خبراء المال في وقت سابق- وهذا العامل بالخصوص، في ظل تراجع حجم الدولارات الواردة إلى خزانة الدولة نتيجة تراجع حركة السياحة وتحويلات العاملين من الخارج وكذلك تراجع دخل قناة السويس في ظل تباطؤ حركة التجارة العالمية، أدى إلى تضخم قيمة الدولار في السوق السوداء ليرتفع من 12 جنيهاً إلى 18.50 جنيهاً للدولار خلال شهر أكتوبر.

وفي أكثر من عطاء أخير للبنك المركزي المصري، كان آخرهم يوم الثلاثاء الماضي الموافق 31 أكتوبر الماضي، قام البنك المركزي بتثبيت سعر الجنيه دون تغيير في عطاء بيع الدولار، عند 8.78 جنيه للدولار الواحد، في مماطلة لاتخاذ قرار بتخفيض سعر صرف الجنيه في هذا العطاء. وكان لذلك بعض الأثر في ارتباك الأسواق، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الجنيه بعض الشئ في السوق السوداء.

ومن ناحية أخرى، أثارت القرارات التي أصدرها المجلس الأعلى للاستثمار- ومنها الموافقة على الإعفاء من الضريبة على الأرباح لمشروعات استصلاح الأراضي الزراعية التي تنتج محاصيل رئيسية يتم استيرادها من الخارج أو المحاصيل التي يتم تصديرها للخارج- حالة من الترقب لإصدار قرارات مماثلة في القطاع المصرفي، قد تصعب من عملية تداول الدولار والترشيد من الاستيراد، إضافة إلى تردد أنباء عن اتجاه المركزي لإلزام البنوك بعدم قبول النقد الأجنبي مجهول المصدر.

كذلك اتخذت الغرف التجارية قرارات بوقف الاستيراد للسلع غير الأساسية، واعتبر البعض أن ذلك سبب رئيس في انخفاض سعر الدولار، في ظل عدم إقبال المستوردين عليه.


اليوان كبديل للدولار: هل ينجح؟

مؤخراً، ظهرت أصوات تنادي بإحلال اليوان الصيني محل الدولار في التعاملات التجارية العالمية- خاصةً بعد دخول اليوان سلة العملات المرجعية لدى صندوق النقد الدولي- بل وطالب البعض بربط الجنيه المصري باليوان الصيني.

ويأتي ذلك بعد أن أعلنت مصادر في البنك المركزي منح الضين 20 مليار يوان لمصر قرض طويل الأجل، وذلك لحل أزمة الدولار ومشاركة الصين في عدة مشروعات اقتصادية داخل مصر، ويعتبر هذا هو قيمة التمويل الثنائي اللازم لحصول مصر على الشريحة الأولى بقيمة 2.5 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات.

وكان للتصريحات السابقة بعض الأثر الآخر في ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار في السوق السوداء، ولكن هل إحلال اليوان محل الدولار كعملة رئيسية للبنوك المصرية سيكون حل ذو أثر طويل لحل أزمة سعر الصرف في مصر؟، بقراءة أرقام التبادل التجاري بين مصر والصين نجد أن الإجابة ستكون لصالح استمرار أزمة سعر الصرف حتى في حال إحلال اليوان محل الدولار؛ ذلك بسبب ارتفاع العجز التجاري بين مصر والصين، حيث تستورد مصر من الصين بنحو 10 مليار دولار في حين لا تصدر مصر للصين سوى بـ 463 مليون دولار فقط.

ومن شأن ارتفاع حجم الاستيراد من الصين وتراجع حجم الصادرات أن يؤدي إلى مشكلة جديدة في توفير اليوان من أجل الاستيراد ومن ثم خلق سوق سوداء جديدة لتوفير اليوان للتجار، ومن جهة أخرى نجد أن استيراد معظم السلع الأساسية كالسكر والقمح والأدوية يأتي من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتلك الدول تتعامل بالدولار بدلاً من اليوان، ومن ثم ستستمر أزمة الدولار.


السيناريو المتوقع لحركة الدولار

المحصلة النهائية من النقاط والأسباب التي تم استعراضها هي استمرار أزمة الدولار في مصر، والسيناريو المرجح هو أن يستقر سعر الدولار في السوق السوداء لفترة قصيرة- تمتد لأقل من أسبوعين- عند مستوى 13.5-15 جنيهاً للدولار؛ وهو مستوى المقصود به إثارة الخوف لدى كانزي الدولار للاتجاه للبيع خشية انهيار الدولار بأكثر من ذلك، علماً بأن كبار مالكي العملة الخضراء يعلمون جيداً هذا السيناريو لذلك لن يلجأوا إلى البيع بل سيتم استغلال الفرصة والسعي للحصول على كميات إضافية من الدولارات بهذه الأسعار.

ومع إقبال المستوردين والمستثمرين للحصول على كميات إضافية من الدولارات عند تلك الأسعار- في ظل غياب مصادر رسمية لتوفير الدولار اللازم لعملياتهم التجارية والاستثمارية- يبدأ الدولار في الصعود مرة أخرى، ومع بدأ البنوك صرف الدولار عند الأسعار الجديدة بعد التعويم، من المتوقع أن تنفذ الدولارات مرة أخرى من الأسواق في حال استمرت يد الحكومة مرفوعة عن توفير مصادر جديدة للعملة الأجنبية، وهنا يبدأ الدولار رحلة صعود جديدة تتجاوز حاجز الـ 20 جنيهاً للدولار قبل نهاية العام 2016.