وليم شيبرد: خرافة التقدّم في كتابات سيد قطب (1-3)
قوبِلَت فكرة التقدُّم، أو كما أفضِّل تسميتها: «خرافة» التقدُّم؛ بترحيب وجدلٍ في العالم الغربي، وذلك بوصفها مكونًا رئيسيًا فيما نُطلِقُ عليه «حداثة». كذلك مثَّلت هذه الخرافة، خارج العالم الغربي؛ أحد أكثر الأسلحة فعالية في الترسانة الأيديولوجية التي اتخذتها الكولونيالية والإمبريالية الغربية ظهيرًا. وهذه المقالة تستعرِضُ في إيجاز كيف استُقبِلَت هذه الخُرافة في العالم الإسلامي، ومن ثم، وبتفصيلٍ أكبرٍ؛ كيف تم قبولها بادئ ذي بدء، مرورًا بإجراء بعض التعديلات عليها لتكييفها، وصولًا إلى نبذها تمامًا على يد رجل صار أحد اﻵباء الفكريين للصحوة الإسلامية الحالية؛ ألا وهو المفكِّر والحركي سيد قُطب.
يوصَف دور سيد قُطب في إلهام الصحوة الإسلامية للجيل الأخير بأنه أكبر حتى من دور آية الله الخميني.[1] هذا الإلهام الذي سرى من خلال كتاباته العديدة، إضافة إلى المثال الذي جسَّدهُ شهيدًا، إذ أعدِم بواسطة الحكومة المصرية عام 1966م لادعائها ضلوعه في مؤامرة «إسلاموية» لقلب نظام الحكم.[2]وربما كان أكثر أفكاره ذيوعًا هو ما ذهب إليه، وبسطه في كتاباته الأخيرة؛ من أن كل المجتمعات التي تدَّعي الإسلام في زمانه كانت في حقيقة الأمر قد هجرت هذا الدين لتَلِغ في حمأة الجاهلية. وقد كانت هذه الدعوى وثيقة الصلة بمعلَمٍ تأسيسي آخر بدا أشد حضورًا في كتاباته الأخيرة، وهي عنايته بتطهير تصورات المسلمين من تأثيرات النفوذ الثقافي الغربي، والذي كان يعتبره السبب الرئيس في ارتدادهم إلى حالة الجاهلية.
وقد جحد قُطب «خرافة» التقدُّم الغربية بوصفها عُنصرًا من عناصر رفضه للنفوذ الغربي. إلا أنه بلغ مرحلة الجحد هذه تدريجيًا. وفي هذه المقالة سنحاول تتبُّع المسار الذي تحرَّك سيِّد عبره مُنتقلًا من القبول المشروط لهذه الخرافة، مرورًا بمحاولته استيعابها وتبنيها، وانتهاءً بجحده النهائي لها. وإن كان قطب نفسه لم يعن كثيرًا بهذا الجهد، إذ يبدو هذا الجحد عادةً كما لو أنه حدث على مستوى «البدهيات» الفكرية؛ ولا تناول هذا الجانب من فكره باحثون آخرون بأي قدرٍ من التفصيل حسب علمي. إلا أن جحده هذه الخرافة يظل مؤشرًا على مدى جدية الجهد الذي بذله ليُحرِّر نفسه من الافتراضات الغربية المسبَقة، ومؤشرًا على درجة نجاحه في تحقيق ذلك التحرُّر.
خرافة التقدُّم في الغرب والشرق
بشكل عام، تشتمل خرافة التقدُّم على اعتقادٍ بأن التاريخ يتبع مسارًا مُتصلًا من التغيير المؤدي لتحسُّن الأحوال الإنسانية. وفي صورته الأكمل والأكثر بروزًا، فإن هذا لا يعني فقط تقدُّمًا ماديًا (فيزيقيًا) بل تقدُّمًا في الأوضاع الأخلاقية والاجتماعية والروحية. وقد ظهرت هذه الخرافة في أوروبا إبّان القرن الثامن عشر، وصارت واحدة من الأسس الفكرية والروحية للاجتماع الغربي الحديث. وقد سُميت بـ«الدين الحديث» أو «البديل الحديث للدين».[3] وعادةً ما تُخلَط هذه الخرافة برؤية عضوية لصعود واضمحلال الحضارات، مؤدية لظهور صورة عن التاريخ تتابع فيها الحضارات الواحِدة تلو الأخرى، تبلُغ كل منها ذروة في التطور تفوق سابقتها. ويقتضي هذا المنظور، بطبيعة الحال؛ أن تصير الحضارة الغربية الحديثة (أو بعض تمثُّلاتها على وجه التحديد) تجسيدًا للمرحلة الأخيرة من مسيرة التقدُّم.
وقد يسَّرَت خرافة التقدُّم بلا شك التحولات الجوهرية التي شهدها القرنان الأخيران، بما أنه من المرجَّح أن تقبل الجماهير ذلك التغيير وتُدشِّنه، إذا استشعروا ثقة في أنه سيُحسِّنُ أحوالهم أو أحوال المقرِّبين منهم. وقد تعرَّضت خرافة التقدُّم للتشكيك والتمحيص إبّان القرن العشرين بفعل حربين عالميتين، والتهديد بهولوكوست نووي، ومؤخرًا بسبب كارثة إيكولوجية (بيئية)؛ حتى صار لمزها رائجًا في دوائر مُعيّنة تجحدها صراحة. إلا أني أؤمن بأنها قد شُذِّبَت فحسب ولم تُجتث، على الأقل على المستوى الجماهيري.[4]وفي حين لم يعُد الغربيون يعتقدون بحتمية التطور أو بأنه مسارٌ خطي بسيط أحادي الجهة؛ فإنهم ما زالوا يقبلون به جذريًا، بل ويتعاملون مع يقينًا بوصفه مُسلَّمةً بدهية.[5]
هذه الخرافة هي واحدة من عدَّة أفكار غربية تمدَّدت إلى العالم الإسلامي، كما شاعت في مجتمعات أخرى غير غربية. وبغير شك، فقد يسَّرت هذه الخرافة وسوَّغت التغيُّرات التي نسمها عادةً بـ«التطور» أو «التحديث»، لكنها ساهمت كذلك في إجازة وتبرير الهيمنة الغربية على الشعوب «المتخلِّفة»، وقد أدى قبول النُخب المحلية بهذه الخرافة إلى قبولهم التسلُّط والوصاية الغربيين إلى حين. وبمرور الوقت، وعندما حان وقت رفضهم للوصاية الغربية الصريحة؛ فقد فعلوا ذلك أيضًا باسم «التقدُّم» مُهجَّنًا بأيديولوجيات مُستقاة من الغرب مثل القومية والاشتراكية. وهذا يُعيننا على فهم أسباب كون قادة البُلدان حديثة الاستقلال، بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ كانوا عادةً أشد شبقًا إلى التغريب الثقافي وأحرص عليه من أسلافهم من الحُكام الكولونياليين. وما زال «التقدُّم» هو مبرر قبول كثير من عناصر الثقافة الغربية في العالم الإسلامي، وسائر أنحاء المعمورة؛ إذ كان انسحاب الحكم السياسي الغربي المباشر مصحوبًا في العادة باختراقات الثقافة الغربية المستمِرة والمتسارِعة للمجتمعات غير الغربية.
إلا أن القبول بخرافة التقدُّم لم يكن بالأمر الميسور على المسلمين، إذ اعترضته إشكاليات عقدية جوهرية. فالإسلام يدَّعي لنفسه أساسًا هو ختم سلسال البعثات النبوية التي بدأت مع آدم، مرورًا بأشخاص مثل موسى وعيسى؛ وانتهاءً بمحمد (صلوات الله وسلامه عليهم). ووفقًا لهذا الاعتقاد؛ فلن يُنسَخ مبعث محمد بنبي ولا رسول حتى آخر الزمان. وهو خير البشر، وصحابته هم خير المسلمين، والمجتمع المسلم الذي تأسس على رسالته يتعيَّن أن يكون خير المجتمعات. وما من شكٍ في أن المجتمع المسلم قد حقَّق بعد محمد (صلى الله عليه وسلم) تقدُّمًا في العلوم الطبيعية والتقنية، لكن تحقيق تقدُّم أخلاقي وروحي جوهري يتجاوَز الأسوة التي جسَّدها النبي وجيله بدا أمرًا لا مجال له. وتقليديًا، صُوِّر تاريخ المسلمين منذ محمد بوصفه اضمحلالًا طويل الأمد، أو في أحسن الأحوال بوصفه سلسلة متتالية من دركات الاضمحلال وذُرى الإصلاح، بغير وجهة كُلية.[6]وحدوث تقدُّم أخلاقي بارِز في المجتمع القائم أمر بعيد البُعد كله عن التوقُّعات الإسلامية التقليدية، ومن ثم تُزيح العقيدة الإسلامية أية فرضية لحدوث تقدُّم في الأفكار الأخلاقية والروحية الأساسية بعد البعثة المحمدية. وادعاء خرافة التقدُّم الغربية وقوع كليهما، بل والأنكى وقوعهما خارج نطاق الأمة المسلمة؛ هو تحدٍ عميق يطوي احتمالات مُدمِّرة للرؤية الكونية الإسلامية والصورة الذهنية الذاتية للمسلمين.
وفي وجه هذا التحدي، سنجد ثلاثة ضروب من الاختيارات: جحد الخرافة، أو قبولها، أو إعادة تكييفها لتبنيها. ويتجسَّد موقف الجحد في تعليق آية الله الخميني على هبوط الأمريكان على سطح القمر: «دعهم يتكبَّدون عناء الرحلة إلى المريخ أو حتى إلى ما وراء المجرَّة؛ فسيظلون محرومين من السعادة الحقيقية، ومن الفضيلة الأخلاقية، ومن الترقي الروحي… إن الأخلاقيات والشرائع التي تلزم لهذا العالم في حوزتنا بالفعل».[7] فها هُنا يتم الاعتراف بالتقدُّم التقني الغربي، مع الحط من قيمته إلى حدٍ ما؛ والإنكار الواضح لأي تقدُّم أخلاقي أو روحي.
وعلى النقيض من ذلك، فجمهرة السياسيين والإصلاحيين الذين سعوا لترويج الطرائق الغربية قد قبلوا بهذه الخرافة بشكلٍ عام. إذ تبنوا موقفًا «علمانيًا» في العادة، موقفًا يميل إلى تضييق نطاق الشأن الديني المحض (فهم غالبًا ما يحصرون الإسلام في كونه ميراثًا ثقافيًا) ويقسمون الحياة إلى مجالات «دينية» وأخرى «غير دينية»، تمامًا كما شهدوا الغرب يفعل. ويشار إلى «التقدُّم» أساسًا بوصفه وجهة المجالات «غير الدينية»، والتي تشمل اﻵن أكثر صور الأخلاقيات الاجتماعية والسياسية.[8]ويُنكر التقدُّم فحسب في العناصر الأكثر جوهرية من رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، مع ميلٍ لمماهاتها مع العناصر المشابهة في الروحانية المسيحية/الغربية. ومن ثم، وعلى هذه الصورة؛ يتعاطى العلمانيون المسلمون مع خرافة التقدُّم بوصفها مُسلَّمة كما هي بين الغربيين تقريبًا، وذلك بدعوى لا تمحيص فيها نسبيًا ومفادها أن ما يُريدون فعله يتماشى مع «الحداثة» أو «الحضارة الحديثة»؛[9] وهما بلا شك اثنان من أكثر الرموز اللفظية قوة في صلتهما بخرافة التقدُّم. إن حُججًا مثل «يتعيَّن علينا فعل هذا لنواكِب الزمان» تُعرَض كما لو كانت مسلمات بدهية يقبلها كل الأشخاص ذوي الفهم السليم. مثلها مثل ألفاظ «التطور» و«التنمية»،[10] وبالمثل الإشارة المعتادة لخرافة التقدُّم، حتى حين لا يُصرَّح بها كُليًا؛ كما هي الحال في الغرب.
إلا أننا إذا جاوزنا النُخبة المتغرِّبة، فإن خطوات فصل الدين عن سائر مجالات الحياة قد لقيت قبولًا ضئيلًا نسبيًا، بما أن الإسلام ظل دومًا وثيق الصلة بباقي مناحي الحياة. وثم أطروحة بديلة، تتصل عمومًا بالأيديولوجيات الحداثية والإصلاحية الإسلامية؛ وهي قبول خرافة التقدُّم ولكن بعد أسلمتها. وفي هذه الرؤية، ثم احتجاج صريح بأن الإسلام هو خير أساسٍ للتقدُّم. وإذا كانت التعاليم الأخلاقية والروحية للنبي غير قابلة للنسخ، فقد يحدُث التقدُّم الاجتماعي والأخلاقي في الدرجة التي يقبَلُ بها الخلق بهذه التعاليم الأساسية وفي الطرائق التي يُنفذونها بها. وتُطرَح العظمة الثقافية للمسلمين في الماضي بوصفها دليلًا على هذا، وتُحصَر عوامل الانحطاط التالي جُزئيًا في العوامل الخارجية أو القدرية، مثل الغزو المغولي في القرن الثالث عشر؛ وجزئيًا في إخفاق المسلمين في الالتزام بتعاليم دينهم. ومن ثم، فلا شيء من هذا المنظور يحول بين المسلمين وعودتهم إلى جذورهم مرة أخرى، ليُنتجوا ثانية المجتمع الذي قُدِّر له أن يحدو العالم.
أضِف إلى ذلك أن الكثيرين يعتقدون أن الغرب، بغض النظر عن تقدُّمه المادي؛ هو في مرحلة اضمحلال أخلاقي وروحي، وعادةً ما يستشهدون بكتابٍ غربيين يوافقونهم في الرؤية. وعادةً ما تكون هذه الرؤية وثيقة الصلة بفكرة مُسبقةٍ شديدة الذيوع مفادها مادية الغرب وروحانية الشرق ابتداءً. وعلى عكس المسيحية، التي تُعتبرُ إفراطًا في الروحانية ومن ثم تفشل في توجيه الأنشطة الدنيوية، إضافة لاستثارتها تطرُّفًا ماديًا كرد فعل؛ فإن الإسلام يوازِن الحاجات المادية والروحية بكفاءة، ومن ثم يجعل التقدُّم ممكنًا بغير الحاجة للتضحية بالدين. وهو ما سيتحقَّق بمجرَّد أن يُحسِن المسلمون فهم وممارسة دينهم بصورةٍ صحيحةٍ.
ويقبَل جمهرة الإصلاحيين وكثير من العلمانيين فكرة التقدُّم المستمر تاريخيًا المجسَّدة في متتالية صعود وسقوط الحضارات. وفي هذه الرؤية، فإن الحضارة الإسلامية الكلاسيكية قد قادت مسيرة التقدُّم في العالم قبل أن يتسلَّم الغرب الحديث زمام القيادة، وستعود الحضارة الإسلامية إلى هذه القيادة في القريب؛ فالغرب اﻵن يترنَّح. كل هذه الأفكار، بدرجات وتلفيقات متنوِّعة؛ ظلَّت شديدة الذيوع في العالم الإسلامي لعدَّة أجيال. إذ كانت في حدها الأدنى استجابة مُرضية عاطفيًا للتحدي.[11]
[1] Shahrough Akavi, “Sayyid Qutb” in The Oxford Encyclopedia of the Modern Islamic World, New York and Oxford, Oxford University Press, vol. 3, pp. 403.
[2]عن حياة سيد قطب وكتاباته، راجع، من بين مصادر أخرى:
– Akhavi, ibid., pp. 400-404.
– Ahmed Salah al-Din Mousalli, Radical Islamic Fundamentalism: The Ideological and Political Discourse of Sayyid Qutb, American University of Beirut, 1992.
– Ibrahim M. Abu-Rabi, The Intellectual Origins of Islamic Resurgence in the Modern Arab World, Albany, SUNY Press, 1996, chs, 4-6.
– William E. Shepard (trans, and intro.), Sayyid Qutb and Islamic Activism: A Translation and Critical Analysis of Social Justice in Islam, Leiden, Brill, 1996, pp. ix-xxii.
[3] Sidney Pollard, The Idea of Progress: History and Society, London, Watts, 1968, pp. ix-x, cf. 3-4.
[4]إنه لما يتجاوز غرض هذه المقالة تناول جدل الدارسين الكثيف والمتشابِك في هذه المسألة والأمور ذات الصلة خلال الجيل الأخير. لكن يُمكن لمن شاء التوسُّع؛ الرجوع مثلًا إلى:
– Peter Osborne, The Politics of Time: Modernity and Avant-Garde, London, New York, Verso, 1995.
وبحسب علمي؛ فلم يكُن سيد قُطب واعيًا بأي تطور شهِده الفكر الغربي فيما يخُص «خرافة» التقدُّم بعد خمسينيات القرن العشرين.
[5]لا يُمكنني إنكار كون هذا التقييم قد تأسس على إدراكي الحدسي إلى درجةٍ كبيرة، إذ لم تتسن لي فرصة دراسة الأمر بصورةٍ منهجية، رغم أني جمعت ذخيرة من البيانات والتصريحات من الإعلام والسياسيين …إلخ، سواء هنا في نيوزيلندا حيث أعيش، أو في أنحاءٍ متفرِّقة من المعمورة؛ وهي جميعها تكشِف أن خرافة التقدُّم يتم التعاطي معها بوصفها مُسلمة بدهية. وقد أشار رئيس وزراء نيوزيلندا الحالي (أثناء كتابة هذه الورقة) في مقابلة تلفزيونية تناولت الانتخابات المقبِلة (6 أكتوبر 1996م)؛ أشار إلى مؤيديه بوصفهم من يرنون للمستقبل ووصف معارضيه بأن أبصارهم مُعلَّقة بالماضي. وحتى حيثما يبدو أن خرافة التقدُّم تلقى الجحود، مثلما يتجلى في الادعاء بأن الجيل الحاضِر من الشباب لا يُمكنه توقُّع أن يصير أحسن حالًا من جيل آبائه؛ فإن مثل هذا الادعاء يكتسِب مغزاه وتشتد حُرقته تحديدًا على خلفية التوقُّعات التي أثمرها اعتناق خرافة التقدُّم.
والنص التالي مثال نماذجي جيد على ما قصدت: «واعتبار أن دائرة تطور البشرية الروحية إنما تسير نحو الارتقاء من غير المحتمل أن يبدو تصورًا واقعيًا لجيل تحرَّر من وهم التقدُّم وأضغاثه. ففي كل مكان تشتعل الحروب، وينتشر الفساد، ويستشري التلوث. فكيف يُمكن لعاقلٍ الافتراض بأن النوع الإنساني يتقدَّم روحيًا؟ إلا أنه برغم كل شيء؛ فإن هذا هو عين ما أومئ إليه. ذلك أن عين إدراكنا للتحرُّر من وهم التقدُّم يصدُر من حقيقة كوننا نتوقَّع المزيد من أنفسنا أكثر مما توقَّع أسلافنا من أنفسهم. إن أنماط السلوك الإنساني التي نستقبحها اليوم ونستبشعها كنا نقبل بها العام الماضي بوصفها أمرًا طبيعيًا». راجع:
– M. Scott Peck, The Road Less Traveled: A New Psychology of Love, Tradition and Spiritual Growth, London, Arrow Books, 1990, pp. 285-6.
[6]وقد احتفظ هذان المسلكان بقداستهما في الرؤية الكونية الإسلامية من خلال حديثين مرفوعين للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). أولهما هو: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». أما الحديث الآخر فهو: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يُجدد لها دينها»؛ لكن «التجديد» هنا يطوي إعادة الأمور إلى نصابها على أقصى تقدير. ولمعالجة مفيدة لهذا الموضوع؛ راجع:
– Abu Bakr Siraj ed-Din, “The Islamic and Christian Conceptions of the March of Time”, Islamic Quarterly (1954), pp. 229-235.
– William Shepard, “The Doctrine of Progress in Some Modern Muslim Writings”, The Bulletin of the Henry Martyn Institute of Islamic Studies 10:4 (1991), pp. 51-64.
[7] Khomeini, Islam and Revolution, Hamid Algar, Berkeley, Mizan Press, 1981, p. 36.
[8]في سياق العالم الإسلامي؛ فإن اصطلاح «العلمانية« لا يعني بالضرورة «معاداة التديُّن»، بل بالأحرى فصل الدين عن بعض جوانب الحياة الاجتماعية. وعن دلالات اصطلاحات «علماني» و«حداثي» و«إسلاموي»؛ راجع:
– William Shepard, “Islam and Ideology: Towards a Typology”, International Journal of Middle Eastern Studies, 19 (1987), pp. 307-36.
[9]تطوي لفظة «العصرية»، والتي يستعملها البعض للدلالة على الحداثة أوبعض تجلياتها؛ دلالة على التقدّم الاقتصادي والعلمي، والتغيير الإيجابي، والنهوض الثقافي. راجع:
– Valerie Hoffman-Ladd, “Polemics on the Modesty and Segregation of Women in Contemporary Egypt”, International Journal of Middle Eastern Studies, 19 (1987).
راجع كذلك مقالنا عن عقيدة التقدُّم، والذي يُمثِّل القاعدة التي استقينا منها مادة هذا القسم من المقال، ولكن بتفصيلٍ أكبر.
[10]وتشملها لفظة «تقدُّم»، والتي ربما كانت أكثر الألفاظ شيوعًا في العربية للتعبير عن هذه الخرافة، وعلى وجه الخصوص في التعبير عن التقدُّم المادي. ومثلها «تطور» و«تنمية» و«رُقي». وإن كان فعل الترقي قد يُشير إلى النمو الأخلاقي والروحي، وذلك بغير إشارة تاريخية–زمنية إلى الروح الكامِنة في خرافة التقدُّم، ومن ثم يبدو مدلولهم أكثر إبهامًا في العادة.
[11] كمثال على هذا النمط من التفكير، راجع مناقشتنا لأحمد أمين في:
– William Shepard, The Faith of a Modern Muslim Intellectual, New Delhi, Indian Institute of Islamic Studies, 1982, pp. 147-58.
وللاطلاع على نقدٍ عنيفٍ لرؤية أحمد أمين؛ راجع:
– Gustave Von Grunebaum, Modern Islam: The Search for Cultural Identity, New York, Vintage, 1964, pp. 366-73.