هدف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكومته من حزب العدالة والتنمية واضح. إنهم يريدون حل خيوط الشراكة بين حزب العمال الكردستاني التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة. وقد دعمت الولايات المتحدة انتصارات حزب الاتحاد الديمقراطي ضد داعش، وهو ما مكن الحزب من بناء إقليم متجاور من الأراضي في شمال سوريا، يمتد من كوباني إلى الحدود العراقية. ومع مواجهة احتمال انضمام حزب الاتحاد الديمقراطي إلى كانتونه الثالث في هذا الممر لتشكيل منطقة الحكم الذاتي الكردية، وتدعى الرجافا، على الحدود الغربية لتركيا، شن الرئيس التركي هجماته.

حققت حملة أردوغان الأخيرة بالفعل بعض النجاح التكتيكي المباشر، ولا سيما في شكل موافقة واشنطن على خلق تركيا لـ «منطقة خالية من داعش» في شمال غرب سوريا. لكن محاولة حزب العدالة والتنمية للوقيعة بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي قد ثبت أنها خطأ إستراتيجي فادح، وتآكل خطير لموقف تركيا الضعيف أصلًا في سوريا والعراق. والواقع أن مبادرة تركيا المحتملة هي تحويل الجماعة الإسلامية المتمردة، جبهة النصرة، إلى قوة رائدة في شمال غرب سوريا، وتوفير موطيء قدم للرعاة السعوديين والقطريين للنصرة على الحدود التركية.

والأسوأ من ذلك، يمكن لحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني عقد تحالف مع إيران، وهو الكابوس الإستراتيجي الذي تخشى منه أنقرة كثيرًا: كيان كردي بقيادة حزب العمال الكردستاني يمتد في سوريا والعراق من شأنه أن يكون على استعداد للقيام بعطاءات طهران.


الأحجية الكردية

حققت حملة أردوغان الأخيرة بالفعل بعض النجاح التكتيكي المباشر، ولا سيما في شكل موافقة واشنطن على خلق تركيا لـ «منطقة خالية من داعش»

قامت المواءمة الكردية الأمريكية التي أعقبت غزو داعش للعراق في يونيو 2014 بإثارة غيظ أنقرة. في البداية، قللت الولايات المتحدة من شراكتها مع قوات البيشمركة في حكومة إقليم كردستان العراقية.

وهذه المجموعة، مع ذلك، سرعان ما تبين أنها غير قادرة على منع داعش من اجتياح المناطق الكردية المأهولة بالسكان في المناطق المتنازع عليها في العراق. وسرعان ما انضم المقاتلون المخضرمون لحزب العمال الكردستاني إلى المعركة، وشكلوا عنصرًا أساسيًا من الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة لدفع داعش عن العراق (على الرغم من أنه، رسميًا، تعتبر الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وتعمل فقط مع حزب الاتحاد الديمقراطي).

كان لحزب العمال الكردستاني دورًا فعالًا في الاستيلاء على مخمور في أغسطس 2014، وهي واحدة من أولى الانتصارات في تحالف مكافحة داعش. ومخمور هي موطن لأكثر من عشرة آلاف لاجئ كردي فرّوا من تركيا في التسعينيات. وكسر مقاتلو حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي أيضًا حصار داعش لجبل سنجار في شمال غرب العراق قرب الحدود السورية في أغسطس 2014، وأنقذوا آلاف المحاصرين اليزيديين من مسلحي داعش. وهكذا، في غضون بضع خطوات، تراكم للأكراد ممر كبير من الأراضي خارج الحدود الرسمية للحكومة الإقليمية الكردية العراقية.

ولدعم العمليات البرية لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في جبل سنجار، شنت الولايات المتحدة غارات جوية. وبشكل مفزع لتركيا، وسَّعت الولايات المتحدة في وقت لاحق من تعاونها مع الأكراد في سوريا، بمساعدة الجهود الكردية لكسر حصار داعش للكانتون الكردي المستقل، كوباني، بقوة جوية أمريكية. وفي 18 أكتوبر 2014، اجتمع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، مع نائب مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، توني بلينكن، لإضفاء الطابع الرسمي على التعاون، وقد ساوى أردوغان بين حزب الاتحاد الديمقراطي وداعش. وقد صعقت التصريحات أكراد تركيا وفشلت في عرقلة الشراكة بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي.

أصبح انتصار حزب الاتحاد الديمقراطي لاحقًا في يناير على داعش في مدينة كوباني السورية لحظة سياسية حاسمة بالنسبة إلى الأكراد عبر الحدود في تركيا. فاحتضنوا قضية الرجافا باعتبارها قضيتهم، وحول الملايين من الأكراد المحافظين ولائهم من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان لحزب الشعوب الديمقراطي ذي القيادة الكردية. وفقد حزب العدالة والتنمية أغلبيته، وانزلق بعيدًا حلم أردوغان لتغيير الدستور التركي من أجل خلق نظام رئاسي «على النموذج التركي».

ازداد الوضع سوءًا لأردوغان في يونيو عندما هزم حزب الاتحاد الديمقراطي داعش في بلدة تل أبيض السورية، وهي الحلقة الأخيرة في السلسلة بين كوباني والحدود العراقية.

وبعبارة أخرى، كانت الرجافا نصف كاملة. تواجه تركيا الآن احتمالًا لا يطاق يتمثل في أن الاتحاد الديمقراطي سيبني الجزء الأخير من الرجافا بدعم جوي أمريكي لطرد داعش من الأراضي الغربية لنهر الفرات.

وقد أدى الهجوم الانتحاري لداعش في 20 يوليو على هدف كردي على الأراضي التركية، وعمليات الإعدام السريعة التي قام بها حزب العمال الكردستاني لاثنين من ضباط الشرطة الأتراك الذين اتهموا من فِبل المجموعة بالتواطؤ مع داعش، إلى تقديم الذريعة لحكومة حزب العدالة والتنمية لإطلاق حملات ضد داعش وحزب العمال الكردستاني.

في الأسبوع الماضي، أوقفت تركيا التقدم الغربي لحزب الاتحاد الديمقراطي. وقد وضعت الهجمات الإرهابية اللاحقة لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا ضغطًا على علاقة عمل حزب الاتحاد الديمقراطي مع الولايات المتحدة. وقد ضمن قرار أنقرة بفتح قاعدة انجرليك الجوية للطائرات الأمريكية المقاتلة أيضًا شراء واشنطن لمبادرة تركيا.

تقع القاعدة على بعد حوالي 116 ميلًا من حلب، بحيث يمكن للمقاتلات ترك انجرليك والوصول إلى منطقة النزاع في سوريا في ما يقرب من 12 دقيقة. وهو ما يساعد الولايات المتحدة في أن تدعم بشكل أكثر فعالية القوات المناهضة لداعش على أرض الواقع. وفي مقابل فتح القاعدة، حصلت أنقرة على دعم واشنطن لإنشاء «منطقة خالية من داعش» على امتداد 62 ميلًا من الحدود التركية السورية التي تمتد على نحو 25 ميلًا إلى عمق الأراضي السورية. وستؤمن الولايات المتحدة والقوات الجوية التركية المنطقة من الجو. وستعمل القوى المعتدلة المناهضة للأسد على تأمين الأرض.

وإن هذا الذي يسمى بالمنطقة الآمنة هو بالضبط الأراضي التي يحتاج إليها حزب الاتحاد الديمقراطي لربط المناطق الكردية حول كوباني بالأراضي الكردية في الغرب. وبعبارة أخرى، يبدو أن المنطقة الآمنة التركية موجهة لمنع توحيد حزب الاتحاد الديمقراطي للرجافا أكثر من تحييد النشاط الجهادي. وبدا ذلك كله، لا توجد قوى معتدلة قادرة على السيطرة على هذه المنطقة غير حزب الاتحاد الديمقراطي. فالقوة القتالية الفعالة الوحيدة في المنطقة هي النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والميليشيات السلفية المرتبطة التي شكلت ائتلافًا يسمَّى بأنصار الشريعة.

تعد خطة تركيا الواضحة لتثبيت مجموعة من الميليشيات الإسلامية وغير الإسلامية المتناحرة في شمال غرب سوريا وصفة للمزيد من عدم الاستقرار. بدون إدارة القوات البرية التركية للصراع الداخلي، فإن مبادرة أنقرة من المرجح فقط تحول منطقة تسيطر عليها داعش إلى أخرى تسيطر عليها النصرة، بما يفيد تنافس قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية. وفي الحالتين، إن تشجيع النصرة من المحتمل أن يؤدي إلى عدم قدرة تركيا على السيطرة عليها. وما هو أسوأ من ذلك بالنسبة إلى أنقرة أن ذلك سيدفع حزب العمال الكردستاني إلى التحالف مع إيران.


العلاقة مع إيران

كان لحزب العمال الكردستاني دورًا فعالًا في الاستيلاء على مخمور في أغسطس 2014، وهي واحدة من أولى الانتصارات في تحالف مكافحة داعش

تحالف حزب العمال الكردستاني مع إيران ليس شيئًا غير مسبوق أو بلا منطق سياسي. قبل أن يبدأ كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة في العمل معًا، كان زعيم حزب العمال الكردستاني، جميل بايك، قد أعرب علنًا عن تفضيله لطهران. كان اعتقاده أن دعم إيران للحكومة الشيعية في بغداد والحكومة العلوية في دمشق أكثر توافقًا مع أهداف حزب العمال الكردستاني الخاصة من العمل مع الحكومة التركية التي كانت تحرض داعش والقاعدة ضد القوات الكردية في شمال سوريا. وفي ذلك الوقت، تمتع موقف بايك بدعم كبير بين قوات حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي التي تقاتل على الأرض.

قبل أن يبدأ كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة في العمل معًا، كان زعيم حزب العمال الكردستاني، جميل بايك، قد أعرب عن تفضيله لطهران

وفي شرق كردستان العراق، كان مقاتلو حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي بمساعدة الاتحاد الوطني المدعوم من طهران وكردستان (الاتحاد الوطني الكردستاني) في معركتهم ضد داعش في محافظة ديالى قرب بلدة خانقين الكردية على الحدود الإيرانية. وفي نهاية المطاف، انضم جنود إيرانيين ومقاتلين من الفرقة 81 المدرعة الإيرانية، التي تتمركز فيها مباشرة عند خانقين، في محاولة لطرد داعش.

تتلقى قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني ومجموعة الاتحاد الوطني الكردستاني الانفصالية، وحزب غوران، دعمًا كبيرًا في المناطق الكردية المتنازع عليها في العراق. وكلاهما يتمتع بعلاقات جيدة مع حزب العمال الكردستاني.

وعلى النقيض من رئيس حكومة إقليم كردستان، مسعود بارزاني، الذي طلب مؤخرًا من حزب العمال الكردستاني الانسحاب من العراق حتى تتوقف تركيا عن قصف أراضي بلاده، أدان الاتحاد الوطني الكردستاني بشدة الغارات الجوية التركية ودعا غوران بارزاني لتبني موقف أكثر صرامة تجاه أنقرة.

وإذا تخلت الولايات المتحدة عن حزب الاتحاد الديمقراطي، فإن حزب العمال الكردستاني سيشكل تحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، وسيخلق منطقة كردية مدعومة من إيران من شأنها أن تمتد من الحدود الايرانية في خانقين عبر مخمور وسنجار في العراق إلى الرجافا حيث يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي.وستكون مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني عليها في مركز هذا الكيان الكردي من خانقين إلى كوباني.

ومن غير الواضح، بالطبع، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخلى عن حزب الاتحاد الديمقراطي. ترى واشنطن بالتأكيد الأكراد كوسيلة لصد داعش، ولكن تركيا عضو حلف شمال الأطلسي الرئيس الذي تعده الولايات المتحدة لموازنة إيران. قد تسمح الولايات المتحدة ضمنيًا لتركيا بالإجهاز على الرجافا، الأمر الذي من شأنه، في الواقع، أن يكون تخليًا فعليًا عن حزب الاتحاد الديمقراطي.

يبدو أن حزب العمال الكردستاني قد دفع بالفعل التابع الإيراني له، حزب الحياة الحرة الكردستاني، للعمل من أجل الانفراج مع الحكومة الإيرانية.

هذا التوجيه، الذي يعكس وقف إطلاق النار الذي استمر لمدة عامين من جانب واحد بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، يبدو مصممًا على إبقاء العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وايران على شروط لائقة. وقد قام العديد من مقاتلي حزب الحياة الحرة الإيراني بالمساعدة في الدفاع عن الرجافا. وفي الأشهر الأخيرة، اتخذت طهران موقفًا أكثر تصالحية تجاه الأقلية الكردية، بما في ذلك زيادة احتمال الحقوق اللغوية المحدودة.

ويوم 26 يوليو، قام الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأول زيارة له إلى كردستان الإيرانية، وأعلن أن طهران ملتزمة بحماية الأكراد في منطقة الشرق الأوسط من داعش وتنظيم القاعدة.

ترى واشنطن بالتأكيد الأكراد كوسيلة لصد داعش، ولكن تركيا عضو حلف شمال الأطلسي الرئيس الذي تعده الولايات المتحدة لموازنة إيران

يغتاظ العديد من القادة السُنة في الشرق الأوسط على نحو أكثر من تصاعد نفوذ إيران الإقليمي؛ وتوفر المواءمة الكردية الإيرانية لطهران تأثيرًا أكثر على نطاق واسع في العراق وسوريا، وتغييرًا جذريًا لرقعة الشطرنج الجيوسياسية في المنطقة.

وسيؤدي وجود كيان كردي، بقيادة حزب العمال الكردستاني لسلطة إيرانية تمتد في سوريا والعراق إلى مشكلة مستعصية أكثر بكثير من الجرافا بالنسبة إلى تركيا. والأسوأ من ذلك، مع مواجهة أنقرة لمشكلة في ممارسة سلطتها على المناطق الكردية جنوب شرق تركيا، فإن المواءمة بين حزب العمال الكردستاني وإيران ستحول طهران إلى قوة مؤثرة في ربع الأراضي التركية.

بعد أن خسر التصويت الكردي في 7 يونيو في الانتخابات البرلمانية في تركيا، يسعى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الآن لاستعادة أغلبيتهم من خلال جذب الناخبين القوميين اليمينيين في ما يمكن أن يكون إعادة للانتخابات البرلمانية في تركيا في نوفمبر 2015. وبالتخلي عن عملية السلام الكردية، فإن مناورة حزب العدالة والتنمية قد تؤدي إلى الصراع الداخلي الذي طال أمد انتظاره. حيث سترتد تركيا لسياسات الحقب الماضية المتشددة المعادية للأكراد والتي من المحتمل أن تضر بمكانة البلاد ومصالحها الاستراتيجية، لأن المشهد الجيوسياسي لمنطقتها قد تغير. إن هجوم أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني هو دعوة لإيران كي تحقق كابوسًا استراتيجيًا لتركيا أسوأ بكثير مما يسعى أردوغان إلى منعه.

*ترجمة فريق موقع راقب

المراجع
  1. Rojava's Witness