السعادة هي الشعور الحقيقي بأن قوتك تزداد بشكل مُطرد.

هكذا فسر الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه سر الشعور بالسعادة، وهكذا فسّر الكثيرون أيضًا شغف السواد الأعظم من الناس بكرة القدم، ذلك الشغف الذي يصل أحيانًا إلى حد الجنون واقتياد الناس إلى بعض الأفعال غير المسؤولة في بعض الأوقات.

الانفعال أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم لا يفرق بين رجل الدولة و العامل البسيط، بل من الممكن أن تجد رجل الدولة هذا ينفعل مع تلك الكرة والأُخرى بحركات عصبية كالأطفال الصغار، بينما العامل البسيط يستطيع أن يتحكم في انفعالاته الداخلية ولا يعبر عنها إلا في إطار معين محدود بالوقار، ومن هنا تأتي متعة كرة القدم.


الانتماء المفقود

في ظل عالم لا تخلو أي بقعة من بقاعه من الحرب أو الظلم بشكل أو بآخر، سواء كانت تلك الحرب اقتصادية أو عسكرية أو أهلية، ستجد دومًا ذلك العنصر المظلوم الذي بدأ يتولد لديه شعور بفقدان الانتماء لذلك الوطن الذي يسكن فيه، ولكن سرعان ما يبدأ هذا الشعور في التلاشي أثناء مشاهدة مباراة في كرة القدم لفريقه المُفضّل أو منتخب بلاده، ذلك لأن الانسان في حاجة دائمة للشعور بالانتماء و وجود جماعة تحتضن نفس أفكاره وتدافع عنها بل و قد يصل الأمر أحيانًا إلى التضحية بحياتها من أجل ذلك الانتماء حتى لو كان انتماء لكرة القدم!.

جانب من احتجاجات الشعب البرازيلي في ريودي جانيرو أثناء كأس العالم 2014.
جانب من احتجاجات الشعب البرازيلي في ريودي جانيرو أثناء كأس العالم 2014.

و لعل أشهر الأحداث المرتبطة بهذا الصدد هو المظاهرات التي اندلعت في ريودي جانيرو أثناء كأس العالم عام 2014 في البرازيل، فالتباين الواضح في أعداد المتظاهرين قبل و أثناء مباريات المنتخب البرازيلي في البطولة والذي رصدته كاميرات الصحفيين توضح لك أن أغلب المتظاهرين كانوا يتجهون لمشاهدة مباريات منتخبهم ثم يعودون لاستكمال المظاهرات ضد الحكومة مرة أخرى؛ لأنهم يحاولون ان يحافظوا على آخر ما تبقى في صدورهم من انتماء لتلك البلاد.


النمطية القاتلة

نمطية حياة الإنسان و تكرار أحداثه اليومية بشكل عام صعب أن يلاحظه الإنسان بشكل واضح وهو منغمس فيها إلا إذا قرر التوقف ومصارحة نفسه ومشاهدة الصورة الأوسع من الخارج، لكن في كلتا الحالتين سواء قرر ذلك أو لم يقرر سيكون ذلك الشعور بالملل والرغبة المُلحة في التغيير قد تولّد في داخله و سيكون بحاجة من وقتٍ إلى آخر لمعالجة ذلك الشعور أو على الأقل تخفيف آلامه بمُسكن ما، مُسكن يساعده على المغامرة و المخاطرة والانفعال لترقب نتائج غير مضمونة قد تحمل فرحة غامرة أو حزن عميق، و قد رأى الكثير من الناس في كرة القدم ذلك المُسكن الفعال لشعورهم بالنمطية في حياتهم، مُسكن قد يمتد مفعوله مع صاحبه ليوم أو اثنين و أحيانًا يصل إلى شهر كامل إذا كانت البطولة غالية أو الهدف قد أتى بعد الدقيقة الـ 90!.


الدراما التي لا تنتهي

هدف ديفيد تريزيجيه الذهبي في إيطاليا عام 2000، عودة فرنسا أمام إنجلترا بهدفي زيدان في يورو 2004، فوز اليونان باليورو في العام ذاته، العودة التاريخية لليفربول أمام الميلان في نهائي اسطنبول عام 2005، طرد زيدان في نهائي كأس العالم 2006، هدف إنييستا القاتل في تشيلسي في نصف نهائي دوري الأبطال عام 2008 .. غدارة غدارة، هدف سيرجيو راموس في أتلتيكو في الدقيقة 92:48، فوز ليسترسيتي بالدوري الإنجليزي موسم 2015/2016، معجزات لم و لن تتوقف طالما أن الساحرة المستديرة ما زالت تجري بين أقدام اللاعبين، معجزات لا يتحملها الأطفال ولا مرضى القلب ولا كبار السن، معجزات ولدّت يقينًا داخل متابعي كرة القدم أن دائمًا ما لديها الجديد وأن الدراما فيها لا يمكن أن تنتهي لذلك دومًا ستجدهم في انتظار ذلك الجديد بنفس شغف و تركيز المرة الأولى.


ستجد شبيهك لا محالة

لاعبو كرة القدم لا يختلفون كثيرًا عن مشجعيهم، فستجد فيهم الملتزم والمشاغب، المتدين والمُنحرف سلوكيًا، المُتزن والمتهور، المنتمي ومن يلعب من أجل المال فقط، فالشاب الملتزم الذي عادة ما يضع كرة القدم في قالب مُحدد لا تخرج عنه سيجد اللاعب الواعي الذي يفهم الرسالة الضمنية في كرة القدم، والمراهق الذي يبحث دائمًا في أرضية الملعب عن قصة شعر جديدة أو حركة صبيانية من أحد اللاعبين سيجد بالوتيللي على سبيل المثال، سيجد أي شاب عادة الصورة التي يتمناها في لاعبه المفضل في المستطيل الأخضر، وهذا يفسر الكثير من علامات الاستفهام حول لاعبين عدة يندهش الناس من وجود معجبين وعشاق لهم خارج المستطيل الأخضر، الإجابة ببساطة أن سلوك اللاعبين مهما اختلف ومهما ازدادت غرابته فإنه سيجد الفئة المشابهة له في الجمهور العريض لكرة القدم، لذلك لا تندهش!.


المدينة الفاضلة

عادة ما يهرب الناس من افتقادهم إلى الأخلاق الحميدة في محيط تعاملاتهم مع الناس وواقع مجتمعهم المقيت إلى المدينة الفاضلة في كرة القدم، فهذا اللاعب يُخرج الكرة من المستطيل الأخضر لإسعاف زميله المصاب، والآخر يحمي لاعب الفريق الخصم سريعًا من ابتلاع لسانه ويقوم بدور الطبيب حتى يصل الفريق الطبي، ولاعب آخر يحمل صديقه ليحميه قبل السقوط على رأسه وحدوث ما لايُحمد عقباه واحتمالية انتهاء مشواره الكروي، كذلك مشاهد مواساة لاعبي الفريق المُنتصر للاعبي الفريق الآخر بعد انتهاء المبارة، وأيضًا مشاهد تكريم أساطير اللعبة من الجماهير عندما يعودوا إلى ملعب فريقهم القديم و غيرها من المشاهد التي تؤكد أن كرة القدم من الممكن أن تكون مصدرًا مُلهمًا لمكارم الأخلاق بين الشعوب بمختلف ثقافاتهم وعاداتهم.

الروائي الإنجليزي تيري براتشت.

https://www.youtube.com/watch?v=tmqMjONi9-Q


لست بحاجة إلى مُعلم لغة

الشيء الأهم في كرة القدم أنها لا تقتصر فقط على كرة القدم.

تخيّل أنك على متن إحدى الطائرات التي ستُقلّك إلى بلد غير معلومة بالنسبة لك، وبمجرد نزولك إلى شوارع تلك البلد عانيت الأمرّين للتواصل مع أهلها الذين يتحدثون بلغة صعبة غريبة غير مفهومة، كذلك حين حاولت التواصل معهم بالاشارات وجدت صعوبة بالغة في التعبير عن مشاعرك أو إثبات وجودك بينهم، ثم وجدت مجموعة من الشباب الذين يلعبون كرة القدم وطلبت منهم اللعب معهم ببعض الإيماءات والتعبيرات الوجهية فوافقوا وشرعت بالفعل في اللعب معهم، ستشعر أنك انخرطت معهم في حياتهم بدون أي معاناة بل إنه أصبح من السهل عليك إثبات نفسك بينهم وتكوين شبكة من العلاقات الإنسانية البسيطة معهم إذا كنت ماهرًا بكرة القدم، سيحملون لك مشاعر من التقدير والتفضيل وسيبدأون في توزيع الابتسامات عليك أثناء المباراة لأنك مُجيد للعبتهم المفضلة.

كل هذا حدث دون التحدث مع أي منهم بلغتهم التي وجدتها صعبة وغريبة بالنسبة لك في البداية، لأنك اعتمدت على لغة أُخرى، لغة ليست بحاجة إلى مُعلّم أو مراكز تعليم لغات أو غيرها، كل ما احتاجه الإنسان لتعلمها فقط هو الشارع.