هذا العام يكون قد مر تسعة أعوام منذ أن فاز البرتغالي «رونالدو» بجائزة البالون دور لأول مرة، لم يلبث أن لحق به «ميسي» بالعام التالي، لتبقى الجائزة الفردية الأعلى بتقييم لاعبي كرة القدم أسيرة لأقدام الثنائي منذ ذلك الحين، ويبدو أنها ستسمر لبضع سنوات قادمة!.

لكن هل فكرت مرة أن كل هذا القدر من الإثارة الناتجة عن المنافسة بين الثنائي، وكل المتعة التي تنسجها قدم البرغوث اليسري، وكل الأهداف ذات العدد الخرافي التي يسجلها الدون بالموسم ستتوقف ذات يوم باعتزالهما؟

لا أريد أن أفسد عليك يومك لأذكرك أن ما تبقى من مواسم للثنائي على أرض الملعب أقل من ذي قبل، ولكن ربما لأدعوك أن تقضي ما تبقى من الوقت محاولًا الاستمتاع بمن تفضل أكثر من التركيز مع هفوات الآخر لتفوز بمعارك المقارنات التي لا تنتهي، لسبب بسيط: الاختيارات الجماهيرية لم تعد تخضع فقط للمنطق والموضوعية بل امتزج ذلك بكثير من العاطفة التي ترسخت بوجدان الجمهور عبر السنوات، هذا العامل لا يتغير بسهولة أمام كل دلائل الدنيا!.

كرة القدم بلا «ميسي، ورونالدو»، هذه الحقيقة القاسية لأغلب جماهير كرة القدم، تدفعنا للتساؤل عن هوية هؤلاء اللاعبين الذين سيتسيدون عالم الكرة الجديد بعدهما، لتنكسر ثنائية «ميسي، رونالدو» فقط فيما يخص ترشيحات البالون دور ولكنها ستبقى خالدة بتاريخ اللعبة لا يزاحمها أي ثنائية مضت.


الخطوط العريضة

هناك بعض الخطوط العريضة التي ينبغي الأخذ بها عند الحديث عن هذا العالم الجديد؛ أولها التأكيد على أن مستويات الثنائي الأهم أعلى من كل الأسماء المتاحة الآن، قد تتغيّر تلك الحقيقة لاحقًا مع ظهور طفرات استثنائية جديدة تمامًا كما ظهر «ميسي، ورونالدو»، لكن الموجود حاليًا لا يحمل نفس تأثير وفاعلية الثنائي.

الأمر الثاني أن هذا العالم الجديد يخضع بشكل كبير للتوقع، لا يوجد معادلات خطية يمكنها تقديم إجابة نهائية عن هوية أفضل لاعب بالعالم بعد «ميسي، رونالدو»، وذلك لأن الفروقات الفنية بين كل المرشحين المتبقيين ستصبح أقل من ذي قبل، المتغيرات هي الأُخري ستكون أكثر تعقيدًا بالمستقبل، يكفي الإشارة أن حتى إحصائيات اللاعبين غير مستقرة بل متقلبة من موسم لآخر، اليقين الذي بناه مستوى الثنائي سيكون صعب المنال لاحقًا؛ صناعة 5 فرص للتهديف بالمباراة الواحدة أو تسجيل هاتريك بمرمي «أوبلاك» قبل هدفين بمرمي «بوفون» قد لا يحدث مطلقًا بالمستقبل القريب.

https://www.youtube.com/watch?v=3ra4IuwuwjY

النقطة الأخرى التي لا يجوز إغفالها، والتي ساهمت بشكل ما بتربع الثنائي على عرش اللعبة، هي اكتساح برشلونة وريال مدريد القارة الأوربية خلال السنوات الماضية، فمنذ 2006 فاز العملاقان بـ 7 كؤوس أوربية تاركين 5 ألقاب فقط لأندية إنجلترا، إيطاليا، ألمانيا مجتمعين!.

حاول أن تبحث عن ذلك اللاعب القادر على قيادة فريقه للفوز بـثلاثة ألقاب تشامبيونزليج بينما يقوم في وقت فراغه بالصعود لثلاثة نهائيات دولية مع الأرجنتين أو ربما رفع البطولة الأولى بتاريخ البرتغال لتتأكد أن الثنائي جمع من الموهبة والجدية والنهم الكروي الذي لا ينضب ما يكفي ويزيد عن كل البقية، أضف لذلك كله ثقل الأسماء التي أحاطت بـميسي ورونالدو سواء داخل الملعب أو تلك التي تولت تدريبهما؛ هل تتذكر الآن لقطة «أليكسيس سانشيز» الشهيرة وهو يضحك على مقاعد بدلاء «أرسنال»؟.


هامش البالون دور

في مقال لـ«رايان بايلي» محرر شبكة «بليتشرريبورت» بأواخر 2013 حاول فيه الإجابة عن معايير الفوز بالبالون دور، اكتفى بذكر التالي: «الأداء الجيد على أرضية الملعب، والنواحي الأخلاقية داخل وخارج الملعب».

بالرغم من الاختصار الذي ذهب له «رايان»، ربما لأن الأمور كانت كعادتها محسومة، لكنك لم تكن تحتاج لمقاله لتدرك أهمية فوز اللاعب مع فريقه ببطولة الشامبيونزليج، بالإضافة للتألق الدولي لا سيما إضافة بطولة لمنتخبه.

يدعي«رايان» أن المصوتين ﻻ يشاهدون ما يكفي من المباريات للتصويت، وأن الأمر بات يعتمد علي التسويق والدعايا وعلاقات الصداقة بين اللاعبين

لكن «رايان» أعطى صورة لا بأس بها عن مناخ وآلية التصويت للكرة الذهبية، يُسمح بالتصويت لصحفيين متخصصين من مختلف الدول بالإضافة لمدربين وكباتن منتخبات 209 دولة، لاحقًا عندما انفصلت «فرانس فوتبول» بالجائزة عن الفيفا، منحت نصيب الأسد بالتصويت للصحفيين!.

يدعي «رايان» أن عددًا لا بأس به من المصوتين لا يشاهدون ما يكفي من مباريات للتصويت، وأن الأمر بات يعتمد على التسويق والدعايا، الأكثر من ذلك أن الترشيح يخضع في المرتبة الأولى لعلاقات الصداقة والزمالة بين اللاعبين، ويدلل على ذلك بتصريح «ميسي» عند تصويته عام 2012 لـ«أجويرو، تشافي، إنيستا» ليخرج بعد ذلك الأرجنتيني ويقول: «من الغباء عدم اعتبار كرستيانو من أفضل اللاعبين، لكني اعتقدت أن عليّ التصويت لهذا الثلاثي فحسب».

يلمح الكاتب لأمر خطير آخر؛ وهو مصلحة الفيفا في بقاء الصراع محتدمًا بين «ميسي، ورنالدو» لأجل مزيد من الدعايا، مما جاء على حساب آخرين. يرتكز ادعاؤه هذه المرة على مثالين: الأول خسارة «فرانك ريبيري» بعد أدائه المذهل عام 2013 أمام «رونالدو» بعد أن تم تأجيل حفل التصويت بلا داعي يذكر ليتألق البرتغالي بمباراة منتخبه أمام السويد ويقتنص الجائزة، أما المثال الثاني هو خسارة «شنايدر» جائزة 2010 أمام «ميسي» رغم فوزه بالتشامبيونزليج والصعود لنهائي المونديال!.

لكل ذلك فإن «رايان» سيُعجب بتعديلات «فرانس فوتبول» الجديدة بمنح أدوار أكبر للصحفيين ومد القائمة لتشمل 30 لاعبًا بدلًا من 23، كما إلغاء إعلان المرشحين الثلاثة بوقت مبكر، على الأقل أبدي «جياني ريفيرا» الفائز بالجائزة عام 63 إعجابه بالتعديلات في تصريحاته لـ«صن» الإنجليزية قائلًا إن كثيرًا من اللاعبين المصوتين لا يشاهدون ما يكفي من مباريات.


نتكلم كفنيين؟

لا يحظى غالبًا أي مركز بالملعب بالمحبة والاهتمام الجماهيري كالمهاجم وصانع الألعاب، حتى لو امتلك فريقك أفضل مدافع أو أشرس ارتكاز دفاعي، سيظل لتسجيل الأهداف وصناعة الفرص بريق وسحر خاص تتعلق به الملايين، أمر الاهتمام بهذا الشق من اللعبة لا يختلف بالنسبة للنقد والتحليل وكذلك الإحصاء، البعض قد يسميه ظلمًا لكن ذلك هو الأمر الواقع.

الكرة الذهبية لم تكن أبدًا استثناء، فبمطالعة سريعة للفائزين بالجائزة منذ العام الماضي وحتى عام 90 مثلًا ستجد أن كل من فاز بها إما مهاجمًا أو صانع ألعاب عدا «كنافارو، سامر»، وقد فاز الثنائي المذكور بالجائزة عندما عادلت فاعليته مع فريقه/منتخبه تلك الخاصة بالمهاجم، لذلك فقط قد تمتلك أسماء كـ«سانشيز، نيمار، جريزمان، هازارد» فرصًا بالكرة الذهبية أكثر من «بوجبا، كروس، فيراتي»، هذا بالتأكيد يتغيّر تمامًا بحالة استطاع الثلاثي الأخير مضاعفة فاعليته بحيث بات غيابه تهديدًا لحظوظ فريقه/منتخبه.

هناك عاملان آخران سيلعبان دورًا هامًا؛ الأول هو الدور الذي سيؤديه كل مدير فني مع نجم فريقه، بتعبير آخر: كل المرشحين للظفر بلقب أفضل لاعب بالعالم بعد الثنائي بحاجة لإضافة فنية تحدث فارق حاسم عن باقي المنافسين، بحاجة لخطوة أعلى يصعب الوصول لها بدون توجيهات تدريبية، بل إن «ميسي» نفسه الذي لا يقارن بأي من المرشحين أصلاً احتاج لتدخل فني من «جوارديولا» لتغيير مركزه ومن ثم كان الانفجار الهائل، كذلك «رونالدو»، على مسيرته الخرافية، فإنه حظي بالتطوير تحت قيادة «فيرجسون، مورينهو، أنشيلوتي، زيدان» وتبدل هو الآخر مركزه من الجناح للمهاجم!.

فبالنظر للاعب كـ«سانشيز» على أعتاب الرحيل من أرسنال لنفس السبب الذي دفعه للانضمام من البداية، وهو الفوز بالدوري والشامبيونزليج، على الأرجح سيختار الشيلي اللعب للسيتي لثقته بإضافات مدربه السابق.

سيكون أمام نيمار تحدي كبير هذا الموسم، فبعد أن أصر علي البقاء ببرشلونة سيكون أمامه عمل كبير لإثبات أن بإمكانه خلافة ميسي

الأمر ذاته فيما يخص «هازارد» الذي قدم موسمًا متميزًا مع «كونتي»، سيبحث بالشهور القادمة عن تحقيق تقدم أوروبي للبلوز بجانب الدفاع عن لقب البريمرليج، ثم اختبار دولي هام بالمونديال، موسم سيحدد كثيرًا من مستقبل مسيرة البلجيكي إما بالاستمرار بلندن أو اللحاق بالـ«دون»!.

«جريزمان» كان ينتظر الانضمام لـبوجبا هذا الموسم، لم يمنعه إلا معاقبة الأتليتي بسوق الانتقالات، وبالتالي رأى الفرنسي ضرورة البقاء، لكنه سيرحل لا محالة وغالبًا سيلحق بكتيبة «مورينهو» بعد الإخفاقات بالنهائيات الأوروبية مع «سيميوني».

أما «نيمار» فسيكون أمام تحدي مركب هذا الموسم، فبعد أن أصر على البقاء ببرشلونة الذي يعاني من تخبط إداري وفني، سيكون أمامه عمل كبير لإثبات أنه الورقة التي يمكنها تعويض خلافة «ميسي»، كذلك قدرته على الظهور بالأوقات الصعبة التي يحتاجه فيها البلوجرانا عبر المواسم القادمة، لا داعي أبدًا للتذكير بأنه بات أمل البرازيل الأول.

الأمر المثير أيضًا أن حتى المدربين أمامهم تحدٍّ كبير وبحاجة لتحقيق تقدم خلال المواسم القادمة، لقد غاب «جوارديولا، مورينهو» عن نهائيات الشامبيونزليج منذ فترة ولم يقدما الكثير بالموسم الماضي وبالتالي لا نتوقع أن يقفا مكتوفي الأيدي بالشهور التالية، ربما يكون هذا الموسم هو الفرصة الاخيرة لـ«سميوني» لتحقيق البطولة الأعلى للروخيبلانكوس.

أما «كونتي»، الذي لم يحقق نجاحًا أوربيًا مع اليوفي، فلابد أنه يضع الأمر نصب عينيه وإلا ما كان ليدخل مع إدارة البلوز بمناقشات حادة في سبيل تدعيم الفريق بالأسماء التي يريدها.

«فاليفاردي» قد يكون أمام المهمة الصعبة: العودة مجددًا ببرشلونة لمنصات التتويج لجانب الحفاظ على أسلوب لعب الفريق الكتالوني.

صورة لعدد من أشهر مدربي اللعبة حاليًا، من اليمين: مورينهو، دي شامب، جوارديولا، أنشيلوتي، كونتي، فاليفاردي.

العامل الآخر هو الطموح، على بديهية الأمر، فإنه ليس بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، جانب لا يستهان به من عظمة الثنائي «ميسي، ورونالدو» هو قدرتهما على المواصلة لأكثر من 10 مواسم متتالية، لم ينضب طموحهما حتى مع تحقيق أرقام يعرفها تاريخ اللعبة للمرة الأولى.

على كل فإن مؤشرات طموح المرشحين القادمين جيدة، «نيمار» رفض عرضًا خيالًا من باريس للبقاء في الفريق صاحب الجماهيرية والتاريخ والحظوظ الأوفر، كل من «سانشيز، جريزمان» باتا يبحثان بشكل مباشر عن خطوة تمنحهما حظوظًا أوفر.


إذن من الأقرب؟

صورة لعدد من أشهر مدربي اللعبة حاليًا، من اليمين: مورينهو، دي شامب، جوارديولا، أنشيلوتي، كونتي، فاليفاردي.
صورة لعدد من أشهر مدربي اللعبة حاليًا، من اليمين: مورينهو، دي شامب، جوارديولا، أنشيلوتي، كونتي، فاليفاردي.

كما أوضحنا سابقًا، فإن هُوية الفائز القادم بالكرة الذهبية تقع بشكل كبير بمساحة التوقع، لكن عمومًا فإن فرص «نيمار» تبدو أعلى من البقية، فالبرازيلي هو النجم الأول لمنتخبه الذي يعيش حالة انتعاش جيدة، مدربه «تيتي» يمنحه المساحات التي يحبها لاعب برشلونة، أضف لذلك الخبرة التي اكتسبها عبر السنوات القليلة الماضية كالفوز بالليجا، دوري الأبطال، لذلك فإذا إستطاع تقديم موسم جيد مع فريقه والصعود بمنتخبه لمرتبة جيدة بمونديال روسيا سيمثل ذلك ارتفاعًا غير مسبوق بأسهمه.

حظوظ «سانشيز» ليست أقل بكثير من البرازيلي، لكن فارق السن قد يلعب دورًا، فسن الأخير 25 عامًا أقل بثلاث سنوات من الشيلي، كما أن فرص السيليساو بالمونديال قد تكون أعلى من منتخب «سانشيز» الذي كان يطمح بشدة للفوز بكأس القارات.

أما «جريزمان، هازارد» فإن فرصهما تقبع خلف الثنائي المذكور، عائق الفرنسي يتمثل في مدربه «دي شامب» الذي يحتاج لإعادة ترتيب أوراقه وتوظيف كل هذا القدر من النجوم والمواهب الفذة.

أما مشكلة البلجيكي فهي افتقار منتخبه لشخصية البطل، لو استطاع تغيير تلك الحقيقة سيقلب هذا التوقع رأسًا على عقب.