لم تعد الثقافة العسكرية حكرًا على العسكريين وإنما اقتحمت المجال على الآذان المدنية أيضًا. فكم من مرة سمعت مصطلح الكاتيوشا أو قذائف الهاون أو طائرات F-16 في نشرة الأخبار؟. ومع اتساع دائرة الحروب في المنطقة والعالم أصبح لزامًا على الجميع الإلمام ببعض هذه المصطلحات ومدلولاتها، وكذلك معرفة كيفية عملها والأسس العلمية المبني عليها هذه الأسلحة و الفروق بينها ولأي منها الغلبة في حال المواجهة. ولكن يجب ملاحظة أن هذا الترجيح من الناحية التكنولوجية البحتة حيث أن الحسم في أرض المعركة لا يحدده فقط التسليح ولكن يحدد بعوامل كثيرة أهمها من بيده هذا السلاح وعقيدته.

لقد أنتج العلم وسائل رفاهية للبشرية نرى آثارها من حولنا؛ ولكنه أيضًا أنتج أسلحة فتك قادرة على تحطيم هذا الكوكب بأسره في أيام معدودة وربما أقل. لقد حوّل العلم ما كان بالأمس خيالًا جامحًا لمؤلف موهوب إلى واقع نرى بوادره على أرض الواقع كالتخفي عن الأعين، والهيكل الخارجي، والروبوتات صغيرة الحجم المصممة للتجسس، والصاعقات الكهربية، والفخاخ الذكية.

يقع في خطأ كبير من يظن أن حربًا بعينها هي آخر الحروب بالنسبة لبلد ما أو قارة ما أو حتى العالم. فالحروب نشاط إنساني متأصل في حياة الشعوب كالزراعة تمامًا وإلا لما احتفظت كل بلاد العالم بجيوشها وانضمت للتكتلات العسكرية هنا وهناك. ولكي تتفادى حربًا يجب أن تستعد لها جيدًا، فباستعدادك الدائم لخوض حرب تتجنب حدوثها فعلًا. ومن هذا المنطلق وجب على الشعوب والجيوش على حد سواء الاستعداد في أي وقت لدخول حرب بإعداد عدة وكوادر وتدريب أفراد وما إلى ذلك مما يقلل الخسائر وقت نشوب المعركة الفعلية.

يتلخص الهدف من أي سلاح في إحداث أكبر ضرر ممكن في صفوف العدو وبأكبر قدر ممكن من الدقة والسرعة مع تحقيق أعلى درجات الأمان في حال التخزين وعدم الاستخدام. ومن هنا كان التطور التكنولوجي الكبير في صناعة الأسلحة والتي يمكننا الزعم بأنه قاطرة العلم في معظم العلوم المدنية. فلو سردنا -على سبيل المثال لا الحصر- تكنولوجيا الاتصالات واكتشاف الفضاء وحتى الشبكة العنكبوتية قد اخترعت في الأساس لخدمة الأغراض العسكرية، أو اكتشفت في أثناء البحث عن تطبيقات عسكرية كأشعة الرادار، لذا أصبح امتلاك وتطوير تلك العلوم من الضرورات الوجودية للمجتمعات الإنسانية.

يعتبر اكتشاف البارود هو نقطة التحول الجوهرية بين استخدام السيوف والنبال والأسلحة الحديثة بغض الطرف عن الأسلحة النووية، حيث مكنت من إطلاق المقذوفات لمسافات طويلة بدون الحاجة للقوة البدنية للمقاتلين مما غير من كل تكتيكات الحروب. ولكن هذا التحول كان على حساب الخسائر البشرية التي أصبحت مفجعة في الحروب الحديثة. فلم تعد الحرب هي التقاء بين جيشين في ساحة المعركة وتنتهي باستيلاء أحدهما على قلاع الآخر وحصونه، وإنما أصبحت حربًا طويلة تنتهي عادة بتهدم مدن كاملة مما يرفع فاتورة الضحايا المدنيين.

إننا نهدف في المقالات القادمة إلى التعريف بإبداع العقل البشري في صناعة الأسلحة وتطويرها، مما جعلها أدوات فتك مرعبة لا تسلم منها البشرية جمعاء. وربما في وقت قصير في المستقبل القريب تصبح هذه الآلات سيدة قرارها في أرض المعركة فيما يشبه أفلام أسعدتنا بخيالها كماتركس وترمنيتور. ومن المطمئن أن هذه الآلات في الوقت الحاضر محددوة بالتوجيه اللاسلكي المتحكم فيه من قبل البشر. ولكن الشيء الأكيد أن إبداع البشر لن يتوقف في أي مجال حتى مجال الموت وإن أدى إلى فناء البشرية.

لا أعلم بأي سلاح ستحارب الحرب العالمية الثالثة ولكني على يقين أن الرابعة ستكون بالعصي والحجارة. ألبرت آينشتاين