وزير الدولة السعودي لشئون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان أعلم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعيين سفير جديد للمملكة وزيادة رحلات شركات الطيران السعودي وعودة السعوديين لتمضية عطلاتهم في لبنان.
الوكالة الوطنية اللبنانية

بهذه الكلمات أكدت المملكة العربية السعودية عزمها على المضي قدمًا في خطواتها الفعلية للانفتاح على لبنان، وإعادته مرة أخرى إلى محيطه العربي، مستفيدة من التطورات الدولية الراهنة لكبح جماح إيران وتقليص نفوذها في بيروت.

جاءت هذه الخطوة كتتويج لسلسلة من المحاولات من جانب البلدين لإعادة العلاقات بينهما إلى طبيعتها، عقب ما يقارب العام من الجفاء، الأمر الذي يطرح عددًا من التساؤلات حول أسباب وداوفع التحول في السياسة السعودية تجاه لبنان؛ وماذا ستقدم لبنان في المقابل؟ وهل ستستطيع المملكة بالفعل تحقيق أهدافها من هذه الخطوات؟ ثم ماذا عن انعكاسات ذلك على الأوضاع في الداخل اللبناني؟

هذا ما نحاول الإجابة عليه في سياق التقرير.


السعودية ولبنان بين التصعيد والتهدئة

تتميز العلاقات السعودية اللبنانية بالقوة، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حيث تبدي الرياض دائمًا اهتمامًا مباشرًا بكل شأن لبناني، فما من أزمة يمر بها هذا البلد، إلاّ وكانت السعودية بجانبها، تضع كل إمكانياتها لمساعدته لإيجاد مخارج لأزماته.

وقد ظهر ذلك عبر استقبالها اللبنانيين وتأمين فرص العمل لهم، وعلى الرغم من الأزمات التي واجهتها لبنان من حروب أهلية وأزمات اقتصادية وتوتر في العلاقات مع بعض دول الجوار، فالعلاقات مع السعودية كانت تسير نحو مزيد من التعاون. ظلت العلاقات هكذا إلى أن نشب التوتر بينهما، نتيجة لما أسمته المملكة بـــ«مواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر الإقليمية والدولية»، لاسيما من حزب الله، وذلك عقب امتناع جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني عن التصويت على قرار إدانة الاعتداءات على السفارة السعودية في طهران، في مطلع عام 2016، على خلفية إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر.

رفضت بيروت كذلك التصويت على قرار اعتبار حزب الله منظمة إرهابية في فبراير/شباط الماضي، ما ترتب عليه قيام المملكة بقطع مساعداتها للحكومة اللبنانية المقدرة بثلاثة مليارات دولار، والمخصصة لتسليح الجيش اللبناني ومساعدة قوى الأمن الداخلي.

وفي هذا الإطار دخلت لبنان على خط المواجهة والتنافس بين الرياض وطهران في ظل مصادرة حزب الله على القرار السياسي به، وإعلان إيران في فبراير/شباط الماضي استعدادها لتقديم المساعدات للبنان في حال استلامها طلبًا رسميًا منه، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته فيما بعد، وعجزت طهران عن أن تكون بديلًا للسعودية أو دول الخليج في تقديم مساعدات للبنان.

اقرأ ايضًا:السعودية من الداخل: حصاد سياسات 2016


انتخاب ميشال عون بداية رأب الصدع

الرئيس اللبناني ميشال عون

بدأت الرياض في تغيير سياساتها تجاه بيروت مع ترحيبها بانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث لم يبق أمامها سوى خيارين؛ إما قبوله أو استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان، ثم ما لبثت هذه العلاقات أن تطورت مع قيام عون بجولة خليجية تصدرتها زيارة له إلى الرياض.

أظهرت هذه الزيارة رغبة لبنانية في تفادي التصعيد مع السعودية، بل إلزام حزب الله بإظهار نوايا حسنة فيما يخص عودة السياح والاستثمارات السعودية مرة أخرى، فيما كان العنوان الأبرز في الجولة ما تم الاتفاق عليه من إجراء محادثات حول إعادة العمل بحزمة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وفي هذا السياق من التحسن الإيجابي جاء إعلان المملكة عن قيامها بتعيين سفير جديد لها في لبنان بعد نحو خمسة أشهر من شغور المنصب.

اقرأ أيضًا:نهاية عهد الطائف في لبنان


السفير السعودي والمصالح المتبادلة

يمكن القول إن هذا التطور في العلاقات بين البلدين يرجع إلى عدد من العوامل الداخلية والخارجية والمصالح المتبادلة بين الطرفين، وهي على النحو التالي:

أولًا: رغبة السعودية في انتزاع لبنان من السيطرة الإيرانية وعزله عن أي نزاعات خارجية حفاظًا على أمنه القومي، ومن هنا فقد توقفت هذه العودة اللبنانية على مدى التزام الحكومة باحترام دول مجلس التعاون الخليجي، وعدم سماحها لــحزب الله بالقيام بأعمال عدائية ضدها، واتباع سياسة الحياد والالتزام بالهوية العربية.

وبالتناغم مع هذا؛ أشارت بعض المصادر السياسية بالمملكة أن الهبة السعودية المجمدة ستفعّل على مراحل مرتبطة بانسجام الموقف السياسي اللبناني من ملفات المنطقة، وخصوصًا علاقتها بإيران.

ثانيًا:توظيف المملكة للتطورات الدولية بما يصب في خدمة مصالحها في إطار تنافسها مع إيران، حيث تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، والتوتر القائم بينه وبين طهران، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة تطورًا إيجابيًا على خلفية تفهمه للمواقف الخليجية واتفاقه مع الرؤية السياسية لمعظم دول المنطقة، التي تعبث طهران بأمنها القومي، وعزمه على مواجهة النفوذ الإيراني.

ثالثًا: لم يتوقف الأمر عند مجرد رغبة سعودية في التقارب، بل كانت هناك في المقابل رغبة من قبل لبنان فى إعادة العلاقات إلى مسارها السابق، نتيجة حاجاتها إلى دعم المملكة سياسيًا واقتصاديًا.

وعلى الجانب السياسي توجد هواجس لدى لبنان من الانعكاسات السلبية للأزمة السورية نتيجة زيادة عدد النازحين السوريين، أما اقتصاديًا، فالخلافات مع الرياض أدت لزيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية، وخسرت السياحة اللبنانية شريحة كبيرة من السائحين السعوديين والخليجيين بشكل عام.

فقد بلغ الإنفاق السياحي العام في لبنان حوالي سبعة مليارات دولار، لكن مع تمنع الخليجيين عن زيارته تراجع الإنفاق إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار، وذلك على الرغم مما تمثله السياحة من مصدر أساسي للدخل القومي اللبناني يصل إلى 25%.

يضاف إلى ذلك فشل الرهان على إيران كبديل عن السعودية، فبينما أكدت طهران مرات عديدة أنها على استعداد لتقديم هبة عسكرية إلى الجيش اللبناني، فإنها لم تقدم على أي خطوة في هذا المجال، الأمر الذي يحتم العودة إلى الدعم السعودي.


ماذا عن المستقبل: هل من حصار للنفوذ الإيراني؟

العلاقات مع دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، عادت الى طبيعتها، وسيشهد اللبنانيون عودة متزايدة لأبناء دول الخليج إلى لبنان كما كان الوضع عليه في السابق

وباستشراف مستقبل العلاقات السعودية اللبنانية، فمن المتوقع أن تشهد هذه العلاقات مزيدًا من الانفتاح، خاصةً مع تصميم الرياض على عدم التخلي عن لبنان، وإمكانية مهادنة إيران لها في هذا الاتجاه، لرغبتها في عدم زيادة وتيرة الصراع معها في ظل التوتر المتواصل بينها وبين الإدارة الأمريكية، والمخاوف من أن يؤدي التصعيد في لبنان إلى زيادة التقارب والتحالف بين الرياض وواشنطن ضدها.

إلى جانب هذا فهناك انشغال من جانب إيران بالأوضاع في الحرب السورية مع زيادة التقارب بين روسيا وتركيا ما يزيد مخاوفها من أن يقضي هذا إلى تراجع نفوذها ومكاسبها بسوريا بعد ارتفاع فاتورة تكاليفها، سواء من حيث الإنفاق العسكري أو من حيث عدد قتلاها في هذه الحرب.

نتيجة لذلك، تحرص إيران على عدم تكرار التجربة واستنزافها ماليًا في لبنان، خاصة مع إمكانية أن يؤدي التقارب بين السعودية والولايات المتحدة إلى الضغط عليها في مناطق الصراع الأخرى وعلى رأسها اليمن، والتي بدأ ترامب بالفعل في محاولة محاصرة النفوذ الإيراني بها عبر تصعيد الإجراءات ضد الحوثيين، وإرسال مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية في الساحل اليمني، لمنع تهريب شحنات الأسلحة الإيرانية إليهم.

هذا مع ما أشار إليه العديد من التقارير الأمريكية من أنه يدرس اتخاذ خطوات أكثر صرامة لتطويق النفوذ الإيراني بالمنطقة، الأمر الذي أكدته تصريحات مستشاره – السابق – للأمن القومي مايكل فلين، والتي اتهم فيها المجتمع الدولي بأنه «كان متسامحًا جدًا مع السلوك الإيراني السيئ في الشرق الأوسط».

بالإضافة إلى ذلك فإن العقوبات الأمريكية على حزب الله، ستزيد من الضغط عليه مع تراجع دوره الإقليمي، كما أن التصعيد الجاري بين واشنطن وطهران سيتداعى عليه، مما يفرض احترام مصالح لبنان العربية عامة والخليجية خاصة.

وعليه، من المتوقع أن يتجه نحو التخفيف من حدة سياساته وتصريحاته إزاء السعودية، وقد ظهر هذا عبر تصريح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في احتفال ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، بأن «تعاون دول الخليج مع إيران قوة للخليج وأمنه»، ومن هنا فإن معظم هذه المؤشرات ستصب بالنهاية في صالح مزيد من التقارب السعودي اللبناني.