إن تقويض مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من شأنه أن يقود لانهيار السلطة وعدم الاستقرار في الضفة الغربية، وسيكون عام 2017 غير مستقر على السلطة الفلسطينية، وستعترض الكثير من الجهات على قيادة محمود عباس، وسترغب حماس في تحقيق إنجازات أمامه، وسيؤدي ذلك إلى واقع مليء بالتحديات في الضفة الغربية.

نقلا عن صحيفة هآرتس العبرية: من تسريبات لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية هرتزل هاليفي في منتدى مغلق في جامعة تل أبيب.

في الوقت الذي ينشغل فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمواجهات على جبهات عدة؛ سواء داخل حركة فتح، أو من قبل بعض الدول العربية التي تسعى لعزله، تنشغل إسرائيل بالإعداد لمرحلة ما بعد عباس، وتناقش سيناريوهات ما بعد انهيار السلطة، إذ تعتبر إسرائيل أن الضفة الغربية في حالة انفجار داخلي بطيء، وأن الانفجار الكبير سيكون مع انهيار السلطة الفلسطينية ورحيل محمود عباس.


الجدل حول مفهوم انهيار السلطة

يعتبر «انهيار السلطة الفلسطينية» مصطلحا واسعا تزايد الحديث عنه في الآونة الأخيرة، وقد ازداد الجدل حوله بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

فإسرائيل تشير إلى أن انهيار السلطة مسألة حتمية لا مفر منها، وأن «مسألة بقاء السلطة الفلسطينية مسألة وقت لا أكثر»، وفقًا لما قاله وزير الهجرة الإسرائيلي،زئيف إلكين، في محاضرة أمام منتدى «بار إيلان»، وذلك استنادًا على عدة مؤشرات، منها: ما تعانيه السلطة منذ بضع سنوات من أزمة مالية حادة؛ إذ بلغ العجز المالي للموازنة الفلسطينية لعام 2016 نحو 765 مليون دولار أمريكي. إلى جانب الصراع مع حركة حماس، وفشل التسوية، والصراع الداخلي في حركة فتح. كل هذه عوامل مساعدة لانهيار السلطة.

لكن السلطة الفلسطينية لها رأي آخر، إذ تعتبر نفسها إنجازا للشعب الفلسطيني لا يمكن التخلي عنه، فهي تُشكل الإطار السياسي للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أنها مُعترَف بها كدولة فلسطينية تحت الاحتلال من قبل الأمم المتحدة. وتعتبر السلطة الفلسطينية أن إسرائيل هي التي تروج لانهيارها من أجل استغفال المجتمع الدولي، وذلك بعمل حملات للكذب والتضليل، وهذا بالطبع يكشف عن خبث نوايا إسرائيل.

لكن هناك رأيا آخر يتحدث عن أن انهيار السلطة الفلسطينية بدأ بالفعل منذ أوسلو، وأن السلطة ما هي إلا «وهم» صنعته إسرائيل بالشكل الذي تريده هي، إذ كبلتها بالتبعية الاقتصادية، وفرضت عليها التنسيق الأمني. فالسلطة الفلسطينية بدأت بالانهيار منذ اللحظة التي قبلت فيها ذلك.


سيناريوهات ما بعد الانهيار

تتوقف سيناريوهات ما بعد انهيار السلطة على كيفية وشكل رحيل الرئيس محمود عباس سواء بالاستقالة أو المرض أو الاغتيال. وفيما يلي أهم السيناريوهات التي تُطرح بقوة في الأوساط الإسرائيلية والفلسطينية، والتي قد يصب بعضها في صالح الشعب الفلسطيني والأخرى في صالح إسرائيل.

أولا: سيناريو الانتقال السلمي للسلطة

يُطرح هذا السيناريو على خلفية إعلان الفصائل الفلسطينية ما توصلت إليه في موسكو 17 يناير/كانون الثاني 2017، إذ تم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل تنظيم الانتخابات. لكن هذا السيناريو من المتوقع أن يواجه بالعراقيل والعقبات من جانب إسرائيل، التي تفضل اللعب بالقضية الفلسطينية، وتعزيز الانقسام بين الفصائل. ولكي ينجح هذا السيناريو، سيتطلب الأمر ليس فقط إرادة سياسية من قبل الفصائل الفلسطينية، بل إرداة من الشعب الفلسطيني أجمع والالتفاف حول الفصائل من أجل إنجاح المصالحة، والضغط عليهم من أجل ترجيح سيناريو الانتقال السلمي للسلطة.

ثانيا: سيناريو سيطرة حماس على السلطة

يُطرح هذا السيناريو بقوة في إسرائيل، فبحسب المعلومات المتوفرة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية فإن حماس تواصل تقوية بنيتها التحتية في الضفة الغربية، وأنها تتمتع بشبكة علاقات قوية، إذ لديها مكاتب منتشرة في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولها علاقات بدبلوماسيين غربيين.

قد تتمكن حماس من السيطرة على السلطة في الضفة الغربية، حينها سينتهي التعاون الأمني الفلسطيني مع إسرائيل. وفي هذا الإطار ذكر «إفرايم إنبار» مدير مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية «أنه من مصلحة إسرائيل قمع حماس واعتقال ناشطيها، إذ إنه من المحتمل أن تكون لها اليد العليا»، وأضاف «حماس تعني الإرهاب، وأي خيار آخر هو أقل خطراً على إسرائيل».

ثالثا: سيناريو الحرب الأهلية

قد تفشل المصالحة الوطنية، وتندلع حرب أهلية بين الفصائل في الضفة الغربية، الأمر الذي سيترتب عليه فراغ منصب الرئيس، وهو ما قد يترتب عليه تدخل إسرائيلي جديد بدعوى فض النزاع واستغلال حالة الفوضى وانتهاز فرصة التشرذم داخل فلسطين، ومن ثَمَّ اللجوء إلى زيادة المناطق الخاضعة لسيطرتها وإنشاء نظام مزدوج في الضفة الغربية، أحدهما للمستوطنين الإسرائيليين والآخر للسكان الفلسطينيين. وقد تزرع أحد عملائها في دور رئيس السلطة الفلسطينية حتى يساعدها في تحقيق أغراضها ولا يعترض على ترسيخ وجودها في الضفة الغربية، ويقتصر دوره على إدارة الأمور الحياتية للسكان الفلسطينيين. والأرجح أن تعلن إسرائيل إقامة دولة للفلسطينيين في غزة فقط، بينما ترسخ هي وجودها في الضفة الغربية.

ولا يُستعبد حينها أن تعود الوصاية العربية على الفلسطينيين مرة أخرى، وهو الأمر الذي قد يُحدِث آثارا مدمرة؛ سواء على القضية الفلسطينية بشكل عام، أو تجاه الدول التي ستقبل فرض وصايتها على الفلسطينيين.