يأتي رمضان كل عام مصطحبًا معه حنينًا غامضًا لأيام الطفولة، وذكريات الصيام فى الصغر وما ارتبط به من تجمع الأهل حول مائدة الإفطار، ومشاهدة مسلسل الكارتون اليومي الذي اختلف اسمه عبر السنوات المتلاحقة، ولكنه أبداً لم يتأخر عن الظهور خلال شهر رمضان في أي عام.

وما بين شخصيات فوازير «فهمي عبد الحميد» وخدع التركيب الثنائي الأبعاد البسيطة، وبين «بكار» في نسخته الديجيتال ثلاثية الأبعاد، تلاحقت أجيال من المشاهدين اختلفت رؤيتهم وأفكارهم وحتى قدرتهم على التلقي والفرز، كما تعاقبت أجيال من صناع التحريك سواء رسوم أو عرائس أو صلصال. في التقرير التالي نقدم عرضاً تحليليًا لأهم سلاسل الرسوم المتحركة المصرية التي ارتبطت بشهر رمضان.


بشخصيات عربية بدأت الرسوم المتحركة المصرية

كان «لفهمي عبد الحميد» دور كبير في ارتباط الرسوم المتحركة بشهر رمضان، حيث قدمها «فهمي» في بعض مشاهد فوازير رمضان، وتعد الإرهاصات الأولى لظهور الرسوم المتحركة على الشاشة في رمضان، فدمج «فهمي عبد الحميد» بين شخصيات كارتونية طريفة وبين مشاهد الفنانة الاستعراضية «نيللي» في «فوازير الخاطبة» بتقنية تعتبر رائدة في توظيف فنون التحريك لخلق شخصيات لها دور موازٍ لدور بطلة العمل الأصلية، وإخراجها بشكل مبتكر -وقتها- ليحقق متعة الترفيه للمشاهد.

اقرأ أيضًا:لماذا اختفت «فوازير رمضان» بعد «نيللي» و«شيريهان»؟

وقد كان «عبد الحميد» فنانًا مبدعًا لا يتردد في استخدام أي عنصر فني، أو فكرة جديدة تخدم عمله الفني، وتحقق الجذب والتجديد في عين الجمهور. فبعد تعاونه مع «نيللي» لمدة خمس سنوات، ابتكر شخصية «فطوطة» من وحي الشخصيات الكارتونية، والتي قدمها «سمير غانم» لمدة ثلاث سنوات.

بعدها كان على «عبد الحميد» التجديد مرة أخرى، حتى لا يهرب المشاهد مللاً من الفوازير، فاستعاد فكرة مسلسل إذاعي ارتبطت برمضان وهو «ألف ليلة وليلة»، ودمج بين الدراما والفوازير والاستعراض، وصمم شخصيتي شهريار وشهرزاد كارتونيًا ليكونا رواة الأحداث التي تبدأ وتنتهي بهما، واستمرت هذه السلسلة لأربعة مواسم ناجحة متلاحقة كانت كفيلة بلفت انتباه المسئولين عن الإنتاج في التلفزيون المصري بأهمية الرسوم المتحركة وما تمثله من جذب للمشاهد.

الأمر الذي دفع رئيس التلفزيون، الراحلة «سهير الإتريبي»، لتكليف د. «منى أبو النصر»، أستاذ الرسوم المتحركة بكلية الفنون الجميلة، ومؤسسة إستديو «كايروكارتون»، لتقديم حلقات «مغامرات السندباد البحري» والتي مزجت فيها المشاهد LIVE والكارتون، على غرار «ألف ليلة» التي قدمها «فهمي عبد الحميد»، ولكن هذه المرة كان الوضع معكوسًا، فقد أفسحت المساحة الأكبر للكارتون بينما الراوي كانت المذيعة المشهورة «سامية الإتريبي» ومعها مجموعة الأطفال الذين أصبحوا الآن نجومًا مشهورين مثل «شيري عادل»، و«هيثم محمد»، واستمر المسلسل يعرض لأربعة مواسم ناجحة.


شخصيات كارتونية مصرية

في إستديو «كايروكارتون» جلس كاتب السيناريو الشاب «عمرو سمير عاطف» في مرسم مصممي الشخصيات يتجاذب معهم أطراف الحديث، في الوقت الذي كانت فيه المصممة «نيفين الجبلاوي» تجسد أفكارها في بعض الخطوط لتتكون أمامها شخصية طفل مصري نوبي يرتدي صديري أحمر وجلبابًا أبيض، فأثارت الشخصية انتباه «عمرو» ليكتب قصة الفيلم القصير «بكار» والذي كان مدته 18 دقيقة، وفاز في مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة بجائزة الرسوم المتحركة.

بعدها قررت د. «منى» عمل مسلسل من 30 حلقة يكون بطلها الفتى «بكار» ومعزته «رشيدة»، ووفرت له أفضل عناصر فنية، وموله التلفزيون المصري ليبدأ المصريون إفطارهم اليومي على صوت «محمد منير»، في واحدة من أكثر لحظات مسيرته تماسًا مع الناس وهو يعلن لهم أن الفتى «بكار» سيصاحب فطورهم وذلك منذ عام 1998 وحتى 2003، وليتحول الفتى الجنوبي ذو اللهجة المحببة والسلوك المهذب لشخصية أيقونية ورمز من رموز شهر رمضان في الذاكرة الجمعية للمصريين.

وبعد فترة توقف طويلة عاد بكار مرة أخرى في شكل عصري، وتحولت شخصياته ثنائية الأبعاد لشخصيات ثلاثية الأبعاد في مواسم 2015 و2016 ومن إخراج «شريف جمال» ابن د.«منى أبو النصر»، ولكنه لم يحقق نفس النجاح السابق فقد اختلفت معطيات النجاح السابقة، وأهم هذه المعطيات أنه لم يعد هناك هذا «الاتفاق الجمعي» على متابعة عمل محدد لحظة الإفطار، وزيادة المعروض من أعمال سواء للأطفال أو الكبار، كل هذا أدى لتراجع نجاح الأجزاء الأخيرة للمسلسل.


شخصيات أخرى مغرقة في المصرية

«سنوحي» عمل آخر حقق نجاحًا كبيرًا واقترن برمضان في أذهان الصغار، وكما هو واضح من اسم المسلسل أن العمل يدور في العصور المصرية القديمة ولكن بطريقة كوميدية، حيث يعيش «سنوحي» مغامرات فرعونية جديدة بطريقة عصرية، لا تستند على أحداث تاريخية ويعتمد على المفارقات بين الأصدقاء الثلاثة بتصرفاتهم الشقية المماثلة لتصرفات العصر الحالي. وعبرت كلمات أغنية التتر التي قدمها الفنان «تامر حسني» عن هذه الروح العصرية، والمسلسل أنتج للمرة الأولى في رمضان لعام 2006، وعرض على القناة الفضائية المصرية، من إنتاج إستديو «ماتريكس»، وإخراج المخرج «حمدي أحمد».


بين الاستلهام من التراث العربي والواقعية المصرية

جاء كارتون «عصام والمصباح» في منطقة وسطية بين الاستلهام من التراث العربي والواقع المصري، فتدور الأحداث حول عصام شقيق علاء الدين صاحب المصباح المعروف، ولكنه يعيش في مصر في العصر الحديث، ويؤجل عصام كل أحلامه وطموحاته حتى يجد مصباحًا سحريًا مثل شقيقه علاء، ولذلك فهو مهمل وغير مجتهد في دراسته مما يوتر علاقته بأهله وأصدقائه ومدرسيه.

وعندما يعثر على مصباح سحري ويستخرج منه «الجني» يجده من نوع خاص، يلزم من يجده أن يحقق له طلباته أولاً مما يضطر عصام إلى أن يجتهد لتحقيق طلبات الجني التي يتعرض خلال تنفيذها لمواقف تطور شخصيته حتى يدرك أخيرًا أنه وحده المسئول عن تحقيق أحلامه وليس جني المصباح.

المسلسل طريف وقدم ثلاثة مواسم ناجحة، وقام بالأداء الصوتي لهما الفنانان «أحمد الفيشاوي» في الموسم الأول، والفنان «مصطفى قمر» في الموسمين الثاني والثالث، بينما قام بدور الجني الفنان «محيي إسماعيل» الذي قدم الدور بأداء قدير وطريف، والمسلسل نجح بين الأطفال واستغل نجاحه في حملة إعلانية كبيرة لمستشفى سرطان الأطفال.


أنواع أخرى من التحريك

لم يقتصر التحريك على الرسوم فقط ولكن شمل أيضًا العرائس والصلصال:

سلاسل تحريك العرائس

كان أشهرها مسلسل «بوجي وطمطم» الذي صمم شخصياته فنان العرائس الراحل «محمود رحمي»، والذي قدم المسلسل بدءًا من عام 1983 واستمر لمدة 17 موسمًا حتى وفاة مبتكره الفنان «رحمي». وكان المسلسل من تأليف الأخوين «يسري وشوقي خميس»، وأدى أصوات الشخصيات الفنان «يونس شلبي» والفنانة «هالة فاخر»، واستقر هذا المسلسل في وجدان الطفل المصري بشخصياته الأيقونية المستوحاة من البيئة الشعبية المصرية والتي بلغت من شعبيتها أنها تعتبر الآن من رموز رمضان المبشرة بقدومه، وتطبع صور شخصياته على الفوانيس والمفروشات وزينة رمضان.

بعد توقف «بوجي وطمطم» بخمس سنوات جاء مسلسل العرائس «ظاظا وجرجير» في ستة مواسم ناجحة، ولم يتميز تصميم شخصيات المسلسل بالمحلية بل على العكس كانت تشبه في شكلها العام شخصيات برنامج العرائس الشهير «عالم سمسم»، ولم يخرجها جميعًا مخرج واحد بل انفرد كل جزء بمخرج مختلف ومنهم؛ «ليالي بدر»، و«خالد الخميسي»، و«أحمد مختار».

وجميع الأجزاء من أشعار «أحمد حداد»، وألحان «هيثم الخميسى» وإنتاج «خالد الخميسى»، وتصميم و تنفيذ العرائس «أحمد مدحت»، بينما ابتكار الشخصيات «تامر محسن» و«أحمد مدحت»، وكتب سيناريو الجزء الأول «تامر محسن» و«مريم نعوم»، أما باقى الأجزاء سيناريو «عبد الرحمن الخميسى»، وأخيراً أغنية التتر التى علقت بأذهان الأطفال حتى الأن غناء «سلمى صباحى».

سلاسل تحريك الصلصال

في عام 1998 أطلقت المخرجة «زينب زمزم» مسلسل «قصص الأنبياء» وهو مسلسل ديني يعتمد على تقديم قصة جديدة من قصص الأنبياء في كل حلقة كما وردت تمامًا في القرآن الكريم، من خلال استخدام التحريك بالصلصال في جميع القصص، وقد دعم التلفزيون المصري إنتاج هذا المسلسل حتى يسد فراغ الدراما الدينية التي تراجعت، وحتى يواكب إقبال أطفال الألفية الجديدة على التحريك بالصلصال.

وقد حصلت كاتبته «لينا كيلاني» على الجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، كما نالت د.«زينب زمزم » عدة جوائز في إخراج هذا العمل، وعلى الرغم من هذا الدعم الكبير إلا أن هذا المسلسل كان ضعيفًا فنيًا، ولعل ذلك يعود لضعف خامات الصلصال المستخدم في المسلسل، فضلاً عن ضعف التحريك، وبقي أن نذكر أن جميع حلقات المسلسل تمت مراجعتها بمعرفة إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر.


كارتون الأعمال الأدبية

استنادًا إلى نصوص سلسلة مغامرات «المغامرون الخمسة» البوليسية التي كتبها الكاتب «محمود سالم»، جاء مسلسل الرسوم المتحركة الذي يحمل نفس الاسم وهي سلسلة ناجحة جدًا بين جيل السبعينيات والثمانينيات، حيث يذكر مؤلفها أنه طبع من عددها العاشر 100 ألف نسخة في شهر واحد وهو نجاح غير مسبوق لكتب النشء.

ولكن هذا النجاح الكبير للنص الأدبي لم يكفل النجاح للمسلسل الكارتوني، ربما لاختلاف الأجيال، فالنص الأدبي نجح بين جيل أباء مشاهدي المسلسل وبالتالى جاء المسلسل متأخرًا عقدين كاملين ومنفصلاً عن واقع مشاهديه فلم يحقق النجاح المرجو منه، ثم ظهر جزء جديد بنفس الأبطال ولكن بقصة جديدة منفصلة عن النص الأدبي بكاتب جديد ومخرج آخرين ولكن أيضًا لم يحقق هذا الجزء أي نجاح يذكر.


رسوم متحركة دينية

بينما كانت التوجهات الفنية لإستديوهات الكارتون تتجه صوب إنتاج أعمال خفيفة لتسلية الطفل مع تقديم رسائل تربوية بسيطة، اتجه إستديو «كارتونيل» لتقديم إنتاج ذي محتوى إسلامي دسم، قدم فيه مؤسس الإستديو د.«مصطفى الفرماوي»، وهو أيضًا مساعد الإخراج لدكتورة «منى أبو النصر» وعنصر هام في الفريق المؤسس لـ«كايروكارتون»، على مدار أربعة مواسم متتالية قدم سلاسل «قصص الحيوان في القرآن» و«قصص الإنسان في القرآن» و«قصص النساء في القرآن» و«عجائب القصص في القرآن»، وقام بالأداء الصوتي الفنان «يحيى الفخراني» والفنانة «ريهام عبد الغفور» ونخبة من الفنانين المصريين؛ مما أضاف ثقلاً فنيًا للعمل، فضلاً عن تميز التحريك والخلفيات في هذه السلاسل مما أدى إلى نجاحها نجاحًا كبيرًا.


الكارتون أيضًا للكبار

في إضافة حقيقية لعالم الرسوم المتحركة كتب الفنان الكوميدي «أحمد أمين» سيناريو عملين من أهم أعمال الكارتون الموجه للكبار وهما «بسنت ودياسطى» و«القبطان عزوز»، وتميز الأخير بتقنيته الفنية المختلفة في التحريك وهي «التحريك بواسطة الصور المقطعة»، وقد استخدمت من قبل في الغرب بواسطة المزج بين الرسوم المتحركة والفيديو، لكنها المرة الأولى عالميًا التي يتم فيها المزج بين الصور الفوتوغرافية والكارتون. وقد أذيع المسلسل في عام 2009، وتم إنتاج ثلاثة أجزاء منه بين عامي 2010 و2011 وهو من إنتاج شركة «أكت برودكشن» المملوكة للفنان «سامح حسين» بطل العمل وإخراج «عبد الله نبيل».

يتبقى عمل أيقوني آخر احتفظت به ذاكرة الجمهور علمًا على رمضان وهو مسلسل «سوبر هنيدي»، والمسلسل تمتع بمشاهد تحريك كارتونية عالية التقنية وأداء صوتي راقٍ من الفنان «محمد هنيدي» الذي يعد الاختيار الأول لشركة «ديزني» عند دبلجة إنتاجها الفني من الكارتون والصوت المصري الكارتونى الأحب الذي ارتبط به الكبار قبل الصغار.