في هذا التقرير، نتناول عددًا من أبرز القضايا ذات الطابع السياسي، والتي خلّفت جدلًا كبيرًا حول دور القضاء خلال هذه المرحلة، ومدى التزامه بوظيفته في تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، بالإضافة إلى استعراض لأبرز الاتهامات التي تم توجيهها في القضايا المختلفة. وفي الجزء الثاني من هذا التقرير؛ سنقدم استعراضًا سريعًا لأبرز الانتهاكات التي شهدتها المحاكمات خلال تلك الفترة!.


القضايا السياسية والأحكام

بعد الـ3 من يوليو/ تموز عام 2013، ظهرت الكثير من القضايا والأحكام التي تتميز بطابعها السياسي، وأصبح هناك اتهامات «شبه نمطية» توجه باستمرار إلى معارضي النظام الحالي في مصر. وبالرغم من أنه من الصعب إعداد قائمة تحتوي كافة الاتهامات التي أصبحت توجه للمعارضين منذ عزل الرئيس «محمد مرسي» بسبب كثرة هذه الاتهامات، إلّا أن القائمة التالية قد احتوت على أبرزها؛ كالتالي:

1. الاتهامات المتعلقة بالإرهاب ودعمه، والانتماء إلى جماعة إرهابية محظورة.

2. التجمهر وخرق قانون التظاهر.

3. الاعتداء على رجال الشرطة والقوات المسلحة.

4. الإضرار بالسلم والأمن العام.

5. الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.

6. الشغب وحيازة أسلحة.

7. التحريض على العنف.

أصبحت هذه القضايا ذات الطابع السياسي، إحدى السمات المميزة للحياة العامة في مصر منذ يوليو/ تموز عام 2013، حتى أصبح لا يكاد يمر يوم على المصريين دون أن تطالعهم صفحات الجرائد، أو شاشات التليفزيون، أو صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بخبر عن حكم جديد يتعلق بسجن معارضين، أو إحالة آخرين إلى القضاء، سواء المدني أو العسكري، أو غيرها من الأحداث التي أصبح القضاء يضطلع فيها بدور البطولة.

وفي الوقت الذي تمت فيه تبرئة ساحة كبار رجال نظام المخلوع «حسني مبارك» وعلى رأسهم «مبارك» ذاته، أصبح القضاء أداة رئيسية في مواجهة -ليس فقط الإخوان المسلمين وأنصارهم-؛ بل وكذلك أنصار ثورة 25 يناير/ كانون الثاني الذين عارضوا نظام الرئيس «عبدالفتاح السيسي».

تجدر الإشارة إلى أنه منذ عزل «محمد مرسي» حتى الـ28 من مايو/ آيار عام 2015؛تمت إحالة نحو 1665 شخص إلى مفتي الجمهورية لأخذ الرأي في إعدامهم، فيما قد تم تثبيت أحكام الإعدام على نحو 530 منهم، وتم تنفيذ الإعدام بالفعل على نحو 7 منهم حتى كتابة هذا التقرير.

ومن أبرز -وليس جميع- هذه القضايا التي تميزت بطابع سياسي واضح، وأثارت الجدل بشكلٍ كبير في مصر؛ هي القضايا التالية:

1. بنات 7 الصُبح

في الـ27 من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، أصدرت محكمة جُنح سيدي جابر بالإسكندرية حكمها على 14 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و22 عامًا؛ بالحبس لكل منهن نحو 11 عامًا، وإيداع 7 قاصرات دور رعاية الأحداث. جاءت الاتهامات متنوعة بين التحريض على العنف، وتعطيل حركة المرور، والبلطجة، وإتلاف الممتلكات وغيرها. وبعد ردود أفعال واسعة منتقدة للحكم، تم تخفيف الحكم في الـ7 من ديسمبر/كانون الأول إلى سنة واحدة مع وقف التنفيذ.

تعود الواقعة إلى يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، حين ألقت قوات الأمن القبض على مجموعة من الفتيات والسيدات خلال مسيرة تأييد للرئيس المعزول «محمد مرسي» في ساعات الصباح الباكر. وتُعَد هذه القضية من أكبر أحداث هذه الفترة بعد فض اعتصامي «رابعة، والنهضة» في الـ14 من أغسطس/ آب، ثم أحداث «رمسيس»، ومسجد الفتح.

2. أحداث مركز مطاي

في الـ24 من مارس/ آذار عام 2014، وفي ثاني جلسات القضية، فاجأ القاضي «سعيد يوسف» الجميع بإحالة أوراق 528 شخصًا إلى مفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامهم، بجانب تبرئة ساحة 17 آخرين. وبعد نحو شهر تم تثبيت الإعدام بحق 37 شخص فقط، والحكم على البقية بالمؤبد.

كانت الاتهامات تشمل الاعتداء على منشآت عامة ومركز شرطة مطاي، وقتل نائب مأمور المركز، والشروع في قتل عدد من ضباط الشرطة، والاستيلاء على أسلحة شرطية. أثار الحكم في هذه القضية، ثم بعد ذلك قضية مركز العدوة – سنعود إليها بعد قليل- ردود أفعال عالمية واسعة كان من بينها إعلان أمين عام الأمم المتحدة فزعه من هذه الأحكام، وفي نفس السياق جاءت ردود أفعال معظم الدول والمنظمات الغربية.

غير أن محكمة النقض قد ألغت في الـ24 من يناير/ كانون الثاني عام 2015 الأحكام الصادرة على 152 شخصًا من المتهمين حضوريًا؛ الذين تقدموا بطعون على الأحكام. وقضت النقض كذلك بإعادة المحاكمة أمام دائرة جنايات جديدة غير الدائرة الأولى.

3. أعلى عقوبة في تاريخ القضاء المصري

في الـ26 من أبريل/ نيسان عام 2014، تم الحكم على 11 شخصًا معارضًا في «سمالوط» في مدينة «المنيا» بالسجن بين 57 و88 عامًا في سابقة هي الأولى من نوعها، واحتلت مرتبة الأعلى في تاريخ القضاء المصري، في حين أنه تمت تبرئة ساحة 4 آخرين.

جاءت الأحكام على خلفية اتهامات بالتجمهر، ومقاومة السلطات، والاعتداء على قوات الشرطة، والانضمام لجماعة محظورة، وقطع الطريق، وخرق قانون التظاهر. الجدير بالذكر أن هذه الأحكام قد صدرت عن نفس قاضي القضية السابقة الملقب بـقاضي الإعدامات «سعيد يوسف».

4. محاكمة الأطفال

لم يتم استثناء الأطفال من الصراع السياسي الدائر في مصر، حيث كانوا جزءًا فيه يتم توظيفه من مختلف الأطراف، ومن ثَم لم يكونوا استثناءً من سلسلة المحاكمات التي تلت عزل «محمد مرسي».

واحدة من أبرز محاكمات الأطفال كانت في الـ27 من أبريل/ نيسان عام 2014؛ حين تم الحكم من الجلسة الأولى بمحكمة جنايات الطفل في مدينة بورسعيد على طفلين (16، 17 عامًا)، بثلاث سنوات، وغرامة تُقدّر بـ100 ألف جنية؛ بالإضافة إلى تبرئة 7 آخرين مع تغريم كل منهم 50 ألف جنيه، بعد مشاركتهم في مسيرة مناهضة للنظام خلال شهر مارس/ آذار من نفس السنة.

وبمناسبة الحديث عن الأطفال، تشير العديد من المنظمات الحقوقية -سواء داخل مصر أو خارجها- أن مئات الأطفال -بعض التقديرات تشير إلى الرقم 500 حتى نهاية أبريل/ نيسان 2014-، يوجدون في سجون مصر مع سجناء بالغين، كما أن بعضهم قد أمضى فترات طويلة في السجون دون محاكمات!.

5. قضية أحداث مركز العدوة

أصدرت محكمة جنايات المنيا في الـ28 من أبريل/ نيسان عام 2014 قرارًا بإحالة أوراق 683 شخصًا إلى مفتي الجمهورية، من بينهم مرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد جلستين سريعتين.

جاءت التهم متمثلة في القتل، والشروع في قتل ضباط شرطة، واستعراض القوة، والتلويح بالعنف والترويع وفرض السطوة، والبلطجة، والسرقة بالإكراه، وإتلاف وإطلاق النيران على مباني ومراكز الشرطة، واستخدام المولوتوف، والانضمام للإخوان، وتسهيل هروب متهمين.

تم تثبيت الإعدام في الـ21 من يونيو/ حزيران التالي على 183 شخصًا، بينهم المرشد، والمؤبد على 4 أشخاص، والبراءة لـ 496 شخصًا. ذلك قبل أن تلغي محكمة النقض أحكام الإعدام والسجن على 36 من المتهمين حضوريًا، وإعادة محاكمتهم أمام دائرة جنايات أخرى. وقد طال هذه الأحكام ما طال أحكام قضية مركز مطاي من ردود أفعال غاضبة داخليا وخارجيًا، كما أن القاضي كان نفس الشخص «سعيد يوسف» في كلتا القضيتين.

6. قضية أحداث مجلس الشورى

في الـ11 من يونيو/ حزيران عام 2014،أصدرت جنايات القاهرة حكمًا غيابيًا بالسجن المشدد 15 عامًا على 25 شخصًا، مع تغريم كل منهم 100 ألف جنيه، ومراقبتهم لمدة 5 سنوات. كانت التهم تتعلق بالاعتداء على مفتش مباحث غرب القاهرة المقدم «عماد طاحون»، وتنظيم مظاهرة دون ترخيص، وإثارة الشغب، وقطع الطريق، والتعدي على أفراد الشرطة، وإتلاف الممتلكات العامة.

وقد أوضحت الناشطة «منى سيف» شقيقة الناشط المتهم في القضية «علاء عبد الفتاح»، أن «علاء» وبعض المتهمين كانوا يقفون أمام مقر المحكمة في انتظار تأشير القاضي لهم بالدخول، ولكنهم فوجئوا بإلقاء القبض عليهم.

و بعد الاستئناف، أصدرت جنايات القاهرة في الـ23 من فبراير/ شباط الماضي حكمها بسجن «علاء عبد الفتاح، وأحمد عبد الرحمن» 5 سنوات، وتغريمهما 100 ألف جنيه. حكمت المحكمة على باقي المتهمين بالسجن 3 سنوات، ومراقبتهم لثلاث سنوات أخرى؛ بالإضافة إلى غرامة 100 ألف جنيه.

تعود بداية القضية إلى الوقفة التي نفذها عدد من النشطاء في الـ26 من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، أمام مجلس الشورى الذي كان مقرًا للجنة الخمسين لتعديل دستور 2012 آنذاك، لرفض مواد تسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

وقد فضّت قوات الشرطة هذه الوقفة بالقوة، وألقت القبض على عدد من المشاركين بها، وكانت هذه الواقعة هي الأولى لاختبار قانون التظاهر الذي كان قد أُصدِر حديثاً آنذاك!.

7. قضية قتل متظاهري الاتحادية

في الـ21 من أبريل/ نيسان عام 2015،أصدرت جنايات القاهرة حكمها في القضية المعروفة بـ«قتل متظاهري الاتحادية»، وحكمت على الرئيس المعزول «محمد مرسي» و12 آخرين بالسجن المشدد 20 عامًا، فيما حكمت على اثنين آخرين بالسجن 10 سنوات.

كان هذا الحكم هو الأول الذي يصدر بحق رئيس الجمهورية المعزول قبل أن يُحكم بإعدامه بعد ذلك في قضية اقتحام السجون. وقد تقدم الدفاع بطعن على الأحكام أمام محكمة النقض، ولايزال هذا الطعن منظورًا أمام المحكمة.

وقد شهدت المحاكمة وقائع غريبة؛ منها أن القضية لم تشمل كافة الضحايا الذين وقعوا خلال الواقعة، وتم استبعاد ضحايا الإخوان المسلمين من القضية، كما أن دفاع المتهمين قد تحدثوا عن وجود نحو 100 ورقة مفقودة من ملفات القضية. هذه الأمور تضرب فكرة العدالة وتحقيقها في جذورها.

وتعود أحداث الاتحادية إلى نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012، أثناء فترة رئاسة «محمد مرسي»، عندما حدثت اشتباكات بين أنصاره ومعارضيه على خلفية إصدار «مرسي» إعلانه الدستوري.

8. قضية اقتحام السجون

في الـ16 من مايو/ آيار عام 2015،أصدرت جنايات القاهرة قرارا بإحالة أوراق 107 شخص إلى مفتي الجمهورية؛ أبرزهم الرئيس المعزول «محمد مرسي» وكبار قيادات الإخوان. وقد تم تأييد هذه الأحكام بعد ذلك على «مرسي» وعدد كبير من قيادات الإخوان.

الغريب في الأمر أن القضية قد ضُمِّنت عددًا من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والشهداء باعتبارهم متهمين في القضية، رغم أن العديد منهم قد أُسِر أو استُشهِد قبل ثورة يناير/ كانون الثاني عام 2011 بأعوام!.

كما أن المحكمة أشارت إلى أن المتهمين قد تمكنوا من السيطرة على الشريط الحدودي بطول 60 كم، وهو الأمر الذي نفاه رئيس أركان الجيش المصري أثناء ثورة يناير/ كانون الثاني «سامي عنان»؛ في تسجيل مسرب منسوب إليه قال فيه؛ أن المخابرات الحربية -المسؤول عنها آنذاك رئيس الجمهورية الحالي- لم ترصد أي تسلل عبر الأنفاق في سيناء لأي من عناصر حزب الله أو حماس أو غيرها من العناصر الأجنبية أثناء الثورة.

بالإضافة إلى المكالمة الشهيرة التي قام بها الرئيس المعزول «مرسي» مع قناة الجزيرة في بدايات الثورة، تحدث فيها عن أنه وزملائه لم يهربوا من السجن، وأنهم مستعدون لتسليم أنفسهم لأي جهة. ثم بعد ذلك حديث وزير الداخلية السابق «محمد إبراهيم» -في عهد مرسي ثم بعد عزله- عن أنه لا دليل على وجود «مرسي» بالسجن في تلك الفترة.

بالطبع كل هذا ينسف مصداقية وعدالة الأحكام من أساسها، ويوضح بشكلٍ كبير أن القضية قد لعبت السياسة فيها الدور الأبرز وليس القانون، وهي النتائج التي أشارت إليها العديد من المنظمات الدولية المستقلة مثل «هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية».

وبرغم أن القضايا السابقة تشير بوضوح إلى دور القضاء في الحياة السياسية بعد عزل «مرسي»، إلا أن هذه القضايا تظل جزءًا ضئيلًا من الكل الكبير الذي تراكم خلال فترة قصيرة نسبيًا تقارب العامين فقط. وفي هذا الصدد يمكن التذكير بقضايا من قبيل اعتبار جماعة الإخوان المسلمين و حركة 6 أبريل و حركات الأولتراس و حركة حماس جماعات إرهابية.

كذلك نظر دعوى تنظر في اعتبار كل من قطر وتركيا دولتين راعيتين للإرهاب، في الوقت الذي تم رفض نظر دعوة مشابهة تتعلق بإسرائيل، وكذلك قضية صحفيي الجزيرة، و قضية عرب شركس التي حكم القضاء الإداري بإعادة المرافعة فيها بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام!.

هذا فضلًا عن إبعاد الكثير من القضاة بحجة الاشتغال بالعمل السياسي، في حين أن قضاة آخرين قد اشتغلوا فعلًا بالسياسة، لكنهم لم يواجهوا أي مضايقات لمجرد كونهم مؤيدون لرؤية النظام الحاكم. كما لا يمكن إغفال أن أركان نظام «مبارك» -جميعها تقريبًا- قد تم تبرئة ساحتهم في الوقت الذي تم إصدار أقسى الأحكام على معارضي نظام «عبد الفتاح السيسي»، هذا في حين بقيت فكرة مسائلة أيا من أركان نظام «السيسي» بعيدة عن الواقع والخيال معًا؛ اللهم إلّا إذا أراد النظام نفسه معاقبة بعض منتسبيه!.