يقف تصميم تمثال «الأوسكار» الجائزة الأكثر شهرة في مجال صناعة السينما حائرًا بين أصل مصري قديم وواقع أمريكي معاصر، إن التشابه الشديد بين تصميم تمثال جائزة الأوسكار وبين تمثال الإله «بتاح» المصري، يثير تساؤلات كثيرة أهمها؛ هل كان هذا التشابه مقصودًا؟ وإذا كان مقصودًا فما هي دلالته؟

لمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات لا بد لنا أن نتعرف أولًا على الإله المصري بتاح فمن هو؟


«بتاح» ذاتي الخلق ورب الأرباب

بتاح هو معبود «منف»، ورب الأرباب الخالق في العقيدة المصرية القديمة، وهو مخترع الحرف والفنون والصناعات، حيث صمم ونحت تماثيل وأجساد الآلهة الأرباب، وكان كاهنه الأعظم يُسمى «سيد أساتذة الصناع»، كما أنه راعي كل الصناعات المصرية؛ فهو راعي الفنانين، عمال المحاجر، المهندسين المعماريين، وهو أحد الآلهة المصرية القديمة التي ارتكز عليها الكهنوت المصري، وهو في العقيدة المصرية خالق العالم بواسطة قلبه الذي يساوي (الفكر)، ولسانه الذي يساوي (الخلق بالنطق)، واعتُبر أحد حماة الملكيّة، والمعبود المشرف على الأعياد التذكاريّة.

وقد أدمج «بتاح» مع المعبود الجنائزي «سوكر»، وكوّن ثالوثًا إلهيًا يتألف من زوجته المعبودة «سخمت»، وابنهما «نفرتتن» اللوتس المعطّر. وتمثال الإله بتاح (الموجود حاليا بالمتحف المصري) يصوره في هيئته التقليدية على شكل المومياء، حيث تخرج يديه من ثنايا ردائه وتقبض على صولجان «الواص» الذي يرمز للرخاء، وقد شكلت رأس الصولجان على هيئة «عنخ» رمز الحياة، وقد طُعمت عينا التمثال ذي الرأس الخالية من الشعر والتي يعلوها قلنسوة ضيقة لا تُظهر من الرأس سوى الأذنين، ويرتدي التمثال ذقنًا مستقيمة، ويرتكز على عمود «الچيت» وهذا العمود يمثل الثبات والاستقرار وهو أحد خصائص الإله بتاح.

إذًا بتاح هنا مانح الحياة، والرخاء والاستقرار، وهي القيم الأساسية اللازمة لازدهار الفنون والحرف والصناعات القائمة عليها، فهل هذه القيم لها علاقة بتصميم تمثال الأوسكار؟


تمثال الأوسكار

وفقا لموقع BBC فإن تمثال الأوسكار صممه الأيرلندي«سيدريك جيبونز» – الرئيس التنفيذي للفنون في مؤسسة “مترو جولدن ماير MGM» – وحوله النحات الأمريكي «جورج ستانلي» إلى تمثال ثلاثي الأبعاد، وكان التصميم الأول للتمثال يبلغ طوله 34.3 سنتيمترا متخفيًا كفارس مصمم على طراز الفن المعروف باسم «آرت ديكو» من القرون الوسطى، ويحمل سيفًا صليبيًا طويلًا، ويقف على بكرة فيلم.

وقد كانت تماثيل الأوسكار الأصلية المصنوعة من البرونز الخالص المطلي بالذهب يصبها ويصيغها ويصقلها مسبك «سي دبليو شموي آند سنز» في بتافيا – إيلينوي. وبحلول منتصف الثلاثينيات استبدل البرونز بمعدن بريتنيوم (قصدير وأنتيمون ونحاس) المطلي بالنحاس وفضة النيكل وطبقة عليا من الذهب الخالص عيار 24.

ومنذ عام 1982 أصبحت تنتجها شركة «آر إس أوينز آند كومباني» في شيكاغو، وحاليا يزن تمثال أوسكار 3.6 كيلو جرام، و يبلغ ارتفاع التمثال 35 سنتيمتراً، وقد بدأت شركة «بوليتش تالكس» في نيويورك في صناعته ليوزع في حفل جوائز الأوسكار لعام 2016.


الأوسكار بين الأصول الفرعونية والغربية

ترجع BBC استلهام «جيبونز» فكرة التصميم إلى نزعته لفن «أرت ديكو» الفرنسي الذي كان مولعًا به، حيث كان هو المصمم الهوليودي الوحيد الذي أتيح له فرصة السفر إلى باريس في عام 1925 لزيارة فرنسا مهد فنون الــ«أرت ديكو»، ومعارض الفنون الزخرفية والصناعات الحديثة.

ويعتبر فن «أرت ديكو» موجة تصميم شعبية راجت بين عامي 1920 و1939، أثرت بالعديد من الفنون كالعمارة، التصميم الداخلي، والفنون البصرية مثل؛ الموضة، والرسم، التصميم الرقمي، السينما، وتصميم المجوهرات، وجمع هذا الطراز بين العديد من الأشكال الفنية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، واستوحت خطوط هذا الطراز من العديد من الطرز البدائية كالخطوط الأفريقية، والفرعونية، والأزتكية.

إذن فن «أرت ديكو» ليس ببعيد عن الفن المصري القديم؛ فخطوطه مستلهمه منه أيضا، وبالنظر لبعض نماذج فنون «أرت ديكو» وأيضا لتمثال الإله المصري«بتاح – سوكر» نجد بالفعل أن «جيبونز» قد صمم تمثاله متأثرًا بمدرسة «أرت ديكو» الفنية، ولكنه استلهم فكرة ووضعية تمثال جائزة الأوسكار كاملة من تمثال الإله “بتاح – سوكر”، حتى أن النتيجة النهائية يكاد يصل فيها التشابه بين التمثالين حد التطابق.

فبينما تمثال أوسكار يحمل سيفًا ويقف مرتكزًا به على أسطوانة عرض الأفلام التي تتكون من 5 دوائر، تمثل كل دائرة الأقسام الرئيسية في فن صناعة السينما، وهي؛ التمثيل والإخراج والإنتاج والكتابة والمؤثرات التقنية، فإن تمثال الإله «بتاح – سوكر» يمسك أيضا عصا بيده ترمز إلى الحياة والقوة والاتزان.


الاسم والمفارقة الأخيرة

كانت الجائزة تحمل اسم جائزة «ميريت» (لاحظ فرعونية الاسم البديل) إلى أن أصبح يعرف بالأوسكار دون أن تكون هناك رواية واحدة توثق أصل الاسم الجديد، إلا أن القصة المتداولة تُرجع التسمية إلى سيدة تُدعى مارجريت هيريك كانت تعمل في مكتبة أكاديمية الفنون الراعية للجائزة، قالت عند مشاهدتها للتمثال إنه يشبه عمها «أوسكار»، لكن الأكاديمية لم تتبن هذا الاسم حتى العام 1939.

فهل هذا كل شيء؟

دعونا نلقي نظرة أخرى على حروف الهجاء اللاتينية لكل من اسمي التمثالين أوسكار وسوكر (Socar – Oscar)، التطابق اللفظي أيضا يثير نفس التساؤل، فهل كل عناصر التشابه هذه بين التمثالين مقصودة، أم أنها مجرد صدفة فنية عابرة للأزمان؟