تحذير: إذا لم تكن شاهدت الفيلم فلا تكمل قراءة نظراً لاحتمالية حرق أحداث الفيلم بالمقال

(اقرأ النشرة الداخلية قبل تناول الدواء)، غالبا ما نقرأ هذه العبارة على زجاجات وأقراص الدواء، فيجب أن تعرف دواعي وموانع الشيء الذي ستتناوله، ولكن إذا طبقت هذه القاعدة في الأفلام ستخسر الكثير وخصوصاً لو كانت الأفلام من نوعية الإثارة المعروفة بـ(Mindfuck).. فاحتمال حرق الأحداث وقتها يكون عاليا، الذي قد يفسد لك كل الإثارة الممثلة في الحيرة التي تنتابك وأنت تتابع الأحداث وكمية الاحتمالات التي تضعها لتحل لغز الفيلم.

ولكن لا بأس إذا لجأت للمساعدة بعد الانتهاء من المشاهدة لمعرفة إذا ما كان تخمينك للنهاية كان صحيحاً أم لا وغالبا ما يكون تخمينك صحيحاً وقراءة النشرة لم تفرق معك كثيراً لأنك كنت ذكيا بالدرجة الكافية، ولكن الفيلم الذي نتحدث عنه هذه المرة كسر هذه القاعدة، فإذا قرأت النشرة قبل التناول لن تفهم شيئاً وعندما تتناول الدواء لن يتغير شيئاً ولكن بعد مراجعة النشرة ثانية ستفهم كل شيئا.

فيلم «Enemy» من إنتاج عام 2013، مقتبس من رواية للكاتب العالمي الحاصل على نوبل للأدب جوزيه ساراماغو، ومن إخراج المخرج الكندي دينيس فيلنوف، وبطولة النجم جايك جيلنهال، في ثاني تعاون لهما بعد فيلم «Prisoners» الفيلم نال تقييمات جيدة إلى حد ما إذا ما قورن بـ«Prisoners»، فقد حصل على 6.9 على IMDb و75% على موقع «rotten tomatoes».

تخيل أن هناك نسخة طبق الأصل منك تحيا في مكان آخر، هذه الفكرة كثيراً ما داعبت خيال المؤلفين والكتاب، ولعل أشهر من نفذوا الفكرة هو الأديب المصري أحمد خالد توفيق في سلسلته الشهيرة «ما وراء الطبيعة» في العدد الثاني والثلاثين منها، عندما اتصل البطل بنسخته هاتفياً واتفقوا أن يتناولا العشاء سوياً ولعل هذا المشهد بالذات هو أول ما سيجول بخاطر أي من قرأ القصة وشاهد الفيلم.


قصة الفيلم

آدم بيل مدرس تاريخ وغير متزوج ووحيد ومنطو مع كل الناس حتى حبيبته وينتابه كوابيس مليئة بالعناكب تذكره دائمًا بأخطائه السابقة، رشح له صديقه في العمل ذات يوم أن يشاهد فيلماً ما. تخيل أنك تشاهد أي فيلم، وإذ فجأة تجد نفسك تمثل فيه، نفس الشكل والهيئة والصوت كما لو كنت تنظر في المرآة .. لوهلة تعتقد أنك جننت وأنك تعمل بالتمثيل في اللاوعي بجانب عملك الأساسي.

ولكن عند مراجعة تتر النهاية تكتشف أنه شخص آخر ولكنه نسخة طبق الأصل منك حتى عندما تحصل على رقم هاتفه، وتتصل به من باب الفضول تكلمك زوجته على أساس أنك هو زوجها، نظراً لأن صوتك نفس صوته شبيهك هو أنطوني كلير يعمل بالتمثيل، مهتم بمظهره ومقبل على الحياة ومتزوج، وينتظر مولوداً وزوجته تشك فيه نتيجة لأخطاء له في الماضي.

تكلم شبيهك وتطلب منه اللقاء، يوافق على مضض، فتتقابلان وتفترقان بعد ما أصابتكما الدهشة من التشابه الرهيب.. يعود الممثل إلى زوجته التي تلاحظ تغيره، وتشك بأنه حنين لخطايا ماضيه، ويعود المدرس إلى أمه يسألها إذا ما كان لديه أخ توأم وهو لا يعلم فتسخر أمه منه مدعية أن مهنته في الماضي أصبحت تؤثر عليه، ويعود إلى صديقته التي بدأت تمل من كآبته ووحدته التي لا تفهم سببها.

وتتصارع الأحداث حتى يتهم الممثل الدكتور بأنه خانه مع زوجته مستغلاً الشبه الرهيب بينهما، وأنه يجب أن ينتقم منه في صديقته كما فعل بزوجته، وبعدها يخرجان من حياة بعضهما البعض وكأن شيئاً لم يكن.. يوافق المدرس مضطراً، وعندما يذهب إلى بيت الممثل يعطيه حارس العقار خطابا ما قائلاً إنه سيذكرك بالماضي وبعدها تتعامل معه زوجة الممثل كأنه زوجها تماماً دون أن تلاحظ أي تغيير.

هذا في الوقت الذي تلاحظ فيه صديقة الدكتور تغيرا في شخصيته فتتشاجر معه وهما معاً بالسيارة مما يؤدي بهما إلى حادث مروع يودي بحياتهما، يستيقظ الدكتور صباح اليوم التالي في بيت الممثل وهو ينوي أن يفتح الظرف الذي أعطاه له حارس العقار ليتفاجأ بوجود مفتاح شكله مألوف بالنسبة له، يجعله يشعر بالارتياح قليلاً، وبدأ يتصرف كأنه في منزله حتى أنه قال لزوجة الممثل ألا تنتظره على العشاء لأنه سيتأخر ثم يتفاجأ بها وقد تحولت إلى عنكبوت عملاق مثل الذي يشاهده في كوابيسه باستمرار.. وانتهى الفيلم على دهشة البطل وهو ينظر إلى العنكبوت الضخم وحسب.

«ما هذا الهراء» هذا بالطبع أول ما سيقوله أي من شاهد الفيلم وأولهم أنا.. فأفلام «mindfuck» السالف ذكرها رغم تشابك أحداثها إلا أنها لا تنتهي إلا بعد أن تفهم المشاهدين كل شيء سواء بإشارات إلى فهم الحبكة أو إلى استخدام أسلوب «flash back» على لسان أحد الأبطال.. أما هذا الفيلم فقد انتهى ولم يفهمنا أي شيء.

لم نعرف ما سر الشبه بين الممثل والدكتور؟ ولماذا شك الممثل بأن الدكتور أقام علاقة مع زوجته؟ ولا كيف سيتعامل الدكتور مع زوجة الممثل بعد أن فقدت زوجها وفقد هو صديقته؟ ولا سر المفتاح والعنكبوت الذي شاهده في آخر لقطة؟


الإخراج

دعونا نكمل الحديث عن باقي عناصر العمل قبل أن نحاول فك شفرة الفيلم، إخراج هذا الفيلم يُنسب للمخرج الكندي دينيس فيلنوف الذي لم يضم سجله الإخراجي سوى عشرة أفلام ولكنه استطاع بقوة فرض نفسه في السينما العالمية من خلال فيلمه «Incendies» الذي رُشح لجائزة أوسكار كأفضل فيلم أجنبي لعام 2011 قبل أن ينال عليه عدة جوائز عالمية، وتتميز أعماله بالتوغل في النفس البشرية في إطار من الغموض والإثارة مثلما شاهدنا في الفيلم السالف ذكره «Prisoners» التي نال عليه عدة جوائز عالمية أيضاً.


التمثيل

تعددت جنسيات طاقم الممثلين ما بين فرنسا وكندا وحتى إيطاليا، وصولاً إلى النجم الأمريكي جايك جيلنهال الذي ساعدت موهبته التمثيلة العبقرية على النجاح الباهر في أداء شخصيتين مختلفتين تماماً عن بعضهما البعض كما ساعدت نظراته وحركاته في فك بعض أسئلة الفيلم صعبة الاستيعاب.


الموسيقى التصويرية

موسيقى هذا الفيلم أيضاً من أهم إيجابيات العمل، تُنسب هذه الموسيقى إلى الموسيقار «داني بينسي» وتُعد من أكثر الموسيقات المثيرة والمرعبة التي ربما تكون سمعتها من قبل.


قراءة النشرة

وأخيرا مع محاولة فك شفرة العمل.

مبدئياً لحل الأسئلة السالف ذكرها في آخر قصة الفيلم، يجب أن تبحث على الإجابة بين السطور بين تلك الكلمات المبهمة والتي قالها أبطال العمل الثانويون. فعلى سبيل المثال، عندما ذهب آدم إلى والدته يسألها إذا كان لديه أخ توأم، فأجابته ساخرة بأن عمله السابق أصبح يؤثر عليه، ما هو نوع العمل الذي يجلب لصاحبه الخيال الواسع والهلاوس هذه؟

لماذا تشك زوجة الممثل فيه دائماً وتطن أنه يخونها في الوقت الذي لم نلاحظ عليه أي دلالة تشير إلى أنه فعل ذلك من قبل؟ وهل هذا له علاقة بكوابيس شبيه زوجها وتأنيب ضميره الدائم له على أخطائه؟

عندما ذهب المدرس مضطرًَا إلى بيت شبيهه وأعطاه حارس العقار شئيا ما، لماذا رفض أن يأخد الخطاب أولاً، ولكن عندما قال له حارس العقار، إن الخطاب سيذكره بالماضي أخذه منه؟ كان من الممكن ألا يعير لحارس العقار انتباها، ويكمل طريقه وحسب؟ لماذا أخد شئًا ليس له؟

لماذا أحست حبيبة المدرس بتغيير في حبيبها ولم تفعل ذلك زوجة الممثل؟ رغم أنهما في نفس الموقف؟ لماذا شعر المدرس بارتياح عندما طالع الخطاب ورأى المفتاح الذي بداخله؟ ولماذا رأى زوجة الممثل في النهاية وكأنها عنكبوت؟ هل هذا له علاقة بالعناكب التي كانت تزوره في أحلامه؟

فيلم «Enemy» هو فيلم نادراً ما تشاهد مثله، فهو من أكثر الأفلام المحيرة والغامضة على الإطلاق، ورغم أن غموض وغرابة تفاصيل أحداثه التي من الممكن أن تجعلك تُصاب بالملل والنفور من الفيلم، إلا أنها تدفعك إلى البحث والتنقيب وراء القصة وبين سطور ذلك العمل لمعرفة ما إذا كان استنتاجاتك صحيحة أم لا؟

فهو تجربة سينمائية فريدة حولت فيلما مدته ساعة ونصف، إلى ساعات شيقة من القراءة والبحث للوصول إلى حل اللغز.