محتوى مترجم
المصدر
foreignpolicy
التاريخ
2016/11/02
الكاتب
Emile Simpson

يُعرّف السير لورانس فريدمان الاستراتيجية بأنها «فن صنع القوة». ومن خلال هذا التعريف يمكننا أن نقرأ واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية هذا العام ألا وهي عودة روسيا إلى الشرق الأوسط.فباستثناء العلاقة القوية التي تربط نظام موسكو بنظام الأسد والتي تعود إلى عام 1970م، لم تلعب موسكو دورًا محوريا في الشرق الأوسط منذ هذه الفترة وتحديدًا بعد أن قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بطرد الخبراء الروس من مصر؟

هذا التساؤل يجيب عليه إيميل سمبسون، الضابط السابق بالجيش البريطاني، خريج جامعة أوكسفورد، في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي مساء الأربعاء الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني..


لماذا تحاول روسيا العودة إلى الشرق الأوسط؟

على المستوى العام يبدو جليًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد تقويض مفهوم القطب الأوحد للنظام العالمي، ورغم تدخلاته العسكرية في جورجيا وأوكرانيا إلا أن هناك بعض الخطوط التي لا يُمكن لبوتين تعديها ومنها إقدامه على الهجوم على دول شرق أوروبا المنضوية تحت مظلة الناتو، لذلك يبدو الشرق الأوسط مسرحًا ملائمًا لبوتين لاستعراض عضلاته وتحدي النفوذ الغربي من دون المخاطرة بإشعال حرب (عالمية) مع الغرب.و كما يعرف أي ديماغوغي فإن الطريقة المثلى لصنع القوة من لا شئ هي بإيجاد خلاف واستغلاله، و في الشرق الأوسط، وجدت روسيا الفرصة سانحة حيث الالتباس الحادث نتيجة نفور الغرب من الإسلاميين من جهة وحاجتهم لتبني نوع من المثل الأخلاقية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان من جهة ثانية، ما خلق نوعًا من التوتر بين الغرب وحلفائه التقليديين في الشرق الأوسط.صنع هذا الالتباس فراغًا سياسيًا ملأته روسيا بالاستثمار في دعم القمع ومحاولة إيقاف الديمقراطية. فروسيا تدعم بصورة لا لبس فيها النظم الاستبدادية في دمشق ومصر وطبرق وتصورها على أنها حائط السد ضد انتشار الأصولية الإسلامية.أولًا؛ في مصر دَعم بوتين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضد جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من الدلائل الواسعة لسياسته القمعية التي ينفذها ضدهم، ومنذ 2013م حاولت روسيا تقديم المساعدات العسكرية للحكومة المصرية مُستغلة التردد الأمريكي في تقديم أسلحة قد تستخدم للقمع الداخلي. وعلى الرغم من استمرار مصر في الحصول على جزء كبير من المساعدات الأجنبية من واشنطن، ولكن هذا التصرف يُعد مثالًا واضحًا على سعي روسيا استغلال أي شقاق سياسي ينشأ بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط .

http://gty.im/453528008

يُمكن أيضًا أن ترى الأمر نفسه في ليبيا وسوريا، ولكن هذه المرة لا تنافس روسيا في مساحة أمريكية.في سوريا ورغم الأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام السوري، لم يستطع الغرب توضيح كيف أن الخلاص من نظام بشار الأسد سوف يمنع الاقتتال الطائفي أو يحسن من وضع البلاد الأمني مع ما سيصاحبه هذا من نمو للجماعات الإسلامية، رغم علمهم بهذا!استغل بوتين هذا الالتباس الحاصل في خيارات السياسة الخارجية للغرب بين رحيل الأسد أو صعود الإسلاميين ليقدم دعمًا غير مسبوق لحليفه الأسد، ويزيد من النفوذ الروسي في المنطقة لتصبح روسيا وإيران هما البلدان الوحيدان القادران على صنع تغيير في السياسة السورية .أما بالنسبة لليبيا فقد استثمرت الولايات المتحدة في حكومة الوحدة بطرابلس المدعومة من الأمم المتحدة والتي تسعى لتوحيد البلاد، ولكن الأزمة هنا أن حكومة طبرق في شرق ليبيا المدعومة من مصر و الإمارات لم توافق على الانضمام إلى حكومة الوحدة في طرابلس!رأت روسيا إذن فرصة قيمة في ليبيا لاستغلال الخلاف القائم بين مصر و الإمارات من ناحية وحليفتهم التقليدية «الولايات المتحدة» من ناحية أخرى، ورغم أن روسيا تدعم إعلاميًا حكومة طرابلس فإنها قدمت التسليح والدعم لخليفة حفتر التابع لحكومة طبرق.أدى الدعم الروسي لحفتر بجانب الدعم المصري و الإماراتي إلى تمكينه من السيطرة على حقول النفط وموانيها في سرت خلال الشهرين الماضيين كما وجه حفتر ضربات قوية ضد مجموعات الجهاديين في بنغازي. كل هذا سوف يؤدي في الغالب إلى قبول الغرب بضرورة وجود حفتر في الشرق وبالتالي تبسط روسيا مزيدًا من السيطرة في ليبيا.وبالذهاب إلى تركيا فالأمر نفسه يمكن أن يقال عن الموقف المفاجئ الذي اتخذه بوتين من الانقلاب العسكري (الفاشل) على حكومة أردوغان ، فمرة أخرى يرى بوتين الفرصة ليسحب تدريجيًا حليف الناتو التقليدي، فبُعيد محاولة الانقلاب العسكري على أردوغان رأت روسيا ترددًا غربيًا في دعم الحكومة المنتخبة في البلاد، فكان أن دعا بوتين الرئيس التركي إلى موسكو كما رفع العقوبات التي تلت إسقاط الطائرة الروسية، وعلى الغرب الآن أن يتعامل مع موقف شديد الارتباك يتقارب فيه حليفهم الوثيق مع عدوهم الأزلي.وعلي الرغم من سعي بوتين لمد نفوذه في الشرق الأوسط فإننا لا يجب أن نبالغ في تقديراتنا لإمكاناته، فلا تزال مواطئ أقدامه في الشرق الأوسط شديدة الهشاشة، فعلى سبيل المثال يمكننا استدعاء البروباجاندا الروسية التي تلت قصفها لفصائل سورية من قاعدة إيرانية في أغسطس/آب الماضي، والذي أدّى لكثير من التوتر في العلاقات الإيرانية-الروسية وتلاه طرد لهذه القوات من القاعدة.كما سعى بوتين لصناعة دور روسي في عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية هذا العام في رغبة منه لتحدي الدور الأمريكي ولكنه لم ينجح في إحراز أي تقدم ملموس.


بوتين، استراتيجيا محنكًا أم مقامرًا متهورًا؟

http://gty.im/478371155

يدرك بوتين جيدًا أنه للحفاظ على نفوذه في الشرق الأوسط فيجب أن تظل النار مشتعلة، ولكن كيف سيتعامل بوتين مع العقوبات الغربية التي تتزايد على بلاده والتحذيرات التي تُوجه للشركات الغربية من الاستثمار في روسيا؟في الحقيقة يبدو الواقع مختلفًا بشدة، نعم تمكنت روسيا من صنع انتصارات سياسية هذا العام خاصة في تركيا وسوريا ولكن أتى هذا على حساب كلفة اقتصادية كبيرة على الاقتصاد الروسي.غالبًا يعتقد بوتين أن أفعاله في الشرق الأوسط سوف تعطيه النفوذ ليساوم على إزالة العقوبات الغربية ولكن هذا سوف يصير بعيد المنال وخاصةً إذا وصلت هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، حينها سيكون بوتين قد ورط روسيا في حرب باردة مع الغرب دافعًا بلاده في أحضان الصين ما يعطي بكين نفوذًا مُعتبرًا على موسكو


دور الخداع في الاستراتيجية الروسية

من خلال دعمها الغير مسبوق لحكومة الأسد، مستغلةً التردد الغربي، باتت روسيا بجانب إيران البلدان القادران على صنع تغيير في السياسة السورية

تبدو علاقة الرياض مع موسكو شديدة التوتر و الاضطراب إزاء الملف السوري، ولكن في ملف النفط فقد نجح بوتين في الاتفاق مع السعودية ومجموعة أوبك في محاولة لرفع سعر النفط عن طريق تقليل الإنتاج.تعهدت موسكو بالالتزام بهذه الصفقة وتمكنت من إقناع السعودية بها، فمحاولة تقليل الإنتاج بدون اتفاق كبرى الدول المنتجة ومن ضمنهم روسيا سوف يؤدي إلى سيطرة روسية على أسواق النفط إذا لم تقم بتقليل انتاجها هي الأخرى. ولكن في الشهر الماضي صرح رئيس شركة روس نفط أن شركته لن تقوم بتقليل الإنتاج بما يتعارض مع تصريحات بوتين!يبدو إذن أن روسيا تحاول جلب السعودية إلى دائرة المفاوضات وإقناعها بهذه الصفقة بدون نية حقيقية للالتزام بها. يمكن أن ينجح هذا على المدى القصير لكنه على المدى البعيد سيدمر الصفقة ومعها مصداقية بوتين لدى السعودية ومجموعة الأوبك!

في النهاية يمكن قياس نجاح الاستراتيجية الروسية ولكن في إطار عام 2016م، أما على المدى البعيد فسيدرك بوتين مقدار الضرر الذي تسبب به لاقتصاد بلاده في مقابل تحديه الدول الغربية. ولكن على ناحية أخرى يكمن الانعكاس الحقيقي للسياسة الخارجية الروسية على الوضع الداخلي، فالقوة الأكثر أهمية في الاستراتيجية هو القوة النابعة من الداخل، ويبدو أن الصراعات التي يغذيها بوتين في الخارج تساعد على بقائه متماسكا في الكرملين.