كثرة الأخطاء تجعلك دائمًا فاقدًا للثقة بنفسك ومتخوفًا من الإقدام على القيام بخطوات جديدة رغم تحضيرك الجيد لها، هذا التردد وانعدام الثقة سببه الخوف من الوقوع في الخطأ مرة أخرى، والنتيجة أنك ما زلت تخسر رغم عملك المستمر، وهذا هو حال فالنسيا بالضبط. أما إشبيلية فهو ذاك الطالب المجد الذي يسعى للوصول إلى القمة وذلك بتلافيه للأخطاء والهفوات التي ارتكبها بنفسه أو اختبرها من أخطاء الآخرين، فهو سريع التعلم ويقيّم الأمور بأفضل شكل ممكن وغالبًا ما يجيد التصرف.

ما بين مشروع استثماري يملك قوة المال وبين مشروع اقتصادي يملك العزيمة وقوة الانتماء، كان الفرق واضحًا في حسن الإدارة والتخطيط بين فالنسيا أحد أبطال الليغا فيما مضى، وبين إشبيلية الطامح للعودة على الساحة المحلية رغم صعوبة المهمة.


المباراة

كلا الفريقين كانا يطمحان للنقاط الثلاث، لكن الدوافع كانت مختلفة؛ إشبيلية لإكمال المسيرة مع قادة الدوري ومحو أثر الهزيمة المريرة أمام يوفنتوس والتي أزعجت سامباولي كثيرًا، وفالنسيا على النقيض تمامًا فبرانديلي يسعى لنفض غبار الخيبات المتراكمة خلال الأشهر المنصرمة ويطمح للهروب من فرق المؤخرة، لكن هدفه الرئيسي تحقيق انتصار يعيد الثقة إلى لاعبيه.

المؤتمر الصحفي

كلا المدربين اتفقا في المؤتمر الصحفي على صعوبة اللقاء، وأكدا أن السبب الأول هو حاجة فالنسيا للنقاط للعودة للمنافسة بشكل حقيقي. سامباولي أشار إلى الحماس الممزوج بالغضب لما حصل أمام يوفنتوس والبقاء في مقدمة الترتيب، وبرانديلي ركز على تحضير فريقه الجيد للمباراة في محاولة منه لزرع الثقة في نفوس لاعبيه للابتعاد عن مراكز الهبوط.

صافرة البداية

كعادة سامباولي ما زال يدخل كل مباراة بخطة وتشكيلة مختلفتين، فالمدرب ما زال في طور التجربة لاختيار التشكيلة الأمثل لإكمال الموسم، إشبيلية جلب مدربًا جديدًا وتعاقد مع أحد عشر لاعبًا أيضًا، لكن هناك أسسًا واضحة داخل الفريق واستقرارًا إداريًا يسهل من مهمة المدرب واللاعبين.

أما برانديلي وعلى الرغم من قلة الخيارات دخل بخطة مغايرة عن المباريات السابقة، فاعتمد على ثلاثة لاعبين في قلب الدفاع للمرة الأولى بتواجد كل من (عبد النور – غاراي – مانغالا). الخطة الجديدة (3-5-2) كانت لإيجاد الحافز بتغيير شيء ما داخل الفريق وبهدف إيجاد الكثافة العددية في الخط الخلفي لمجاراة الزيادة الهجومية لعناصر إشبيلية.

المباراة بشوطها الأول انحصرت في خط المنتصف مع فرص قليلة من الفريقين وأفضلية نسبية لفريق برانديلي، فالنسيا اعتمد على الضغط العالي على دفاع إشبيلية لمنعهم من بناء اللعب من الخلف، فعانى إشبيلية كثيرًا في إخراج الكرة مما أدى إلى ارتكاب بعض الأخطاء في الخلف، لكن لم تستغلها عناصر فالنسيا بشكل جيد بسبب التسرع وغياب الجودة في عناصر الخط الأمامي، وينتهي الشوط الأول بالتعادل السلبي.

الشوط الثاني

بدأ بنفس إيقاع الشوط الأول مع فرص متبادلة لكن بدون سيطرة لفريق على حساب الآخر، حتى أحرز إشبيلية هدفه الأول بطريقة عكسية عندما سجل غاراي هدفًا في مرماه بعد كرة عرضية من فيتولو، هذا الهدف أجبر برانديلي على الهجوم فقام بتغيير التكتيك والعودة لرباعي دفاعي بعد دخول الحدادي مكان أيمن عبد النور.

النتيجة كانت سريعة جدًا، حيث تمكن منير الحدادي من التسجيل من أول كرة تصله بعد تمريرة جميلة من كانسيلو ولمسة رائعة من الحدادي لتعود النتيجة إلى ما كانت عليه، لكن إشبيلية استعاد التفوق مرة أخرى بتسديدة باريخا، وتنتهي المباراة بهذه النتيجة رغم أحقية فالنسيا بالنقطة لكن سوء الحظ حالفه في بعض اللقطات.

https://www.youtube.com/watch?v=nPJLY91masY


برانديلي في موقف لا يحسد عليه

بكل تأكيد لا أريد تخيل نفسي مكان برانديلي، يعمل بجد ويحاول إصلاح ما أفسده الجميع من جهاز إداري وكادر فني لكن الوقت ليس في صالحه أبدًا. هو مطالب بفعل كل شيء من لا شيء، فلا يمتلك العناصر اللازمة لإخراج أفضل ما يمكن من الفريق في أي خطة يرسمها، وخاصة على الصعيد الهجومي فلا يوجد في فالنسيا مهاجم صريح أو مهاجم قادر على استغلال الفرص، ويفتقد أيضًا لصانع الألعاب والجناح الأيمن وهذا ما يفوق طاقة أي مدرب يأتي في منتصف الموسم.

على الرغم من الإيجابيات الكثيرة منذ قدوم الإيطالي لكن إصلاح أماكن الخلل ومحاولة البناء من جديد وتحقيق النتائج في آن واحد أمر صعب جدًا، ويبدو أن تشيزاري سيعاني حتى نهاية العام قبل فتح السوق الشتوية.


سامباولي بحاجة ماسة للحديث مع نفسه

التدريب على مستوى المنتخبات مختلف كليًا عن تدريب الأندية، فالضغط أقل وعدد المباريات لا يقارن أبدًا وأيام العمل اليومي تختلف كثيرًا عن التجمعات لعدة أيام في بعض الأشهر. صحيح أنه كان مدربًا لأندية في أميركا الجنوبية قبل توليه تدريب المنتخب التشيلي، لكن هناك فارقًا كبيرًا بين الكرة في أوروبا وبين أي مكان آخر.

عليه أن يفكر أكثر في طريقة لعبه أكثر داخل المباراة في حالات التأخر أو التقدم بالنتيجة، ليس بالضرورة أن تتبع الأسلوب ذاته عندما تتقدم في النتيجة أو تلعب بعدد أقل من اللاعبين، فهذا الجهد البدني مع عدد المباريات الكبير في أوروبا سيصعب الأمور عليك، وأيضًا سامباولي بحاجة لتهدئة نفسه في التفاعل مع بعض الحالات، فهذا التوتر من الممكن أن ينتقل إلى لاعبيه ويعرضهم للطرد كما حصل مع فاسكيز أمام يوفنتوس.


المال ليس كل شيء – كلاكيت أول مرة

ربما يتمنى بعض جماهير فالنسيا بقاء النادي في حالة الضياع السابقة والديون، قبل أن يأتي بيتر ليم ويعطي بعض الأمل ثم ينسف الحلم بالعودة لأندية النخبة بقرارات وتصرفات سيئة جدًا أضرت بالنادي كثيرًا .

الأموال وحدها لا تكفي، مسؤولية تشغيل النادي لا تعتمد بالدرجة الأولى على الأموال، تحتاج بشكل أساسي إلى حسن تصرف إداري ولا يجب أن تدخل العلاقات الشخصية والصداقات ضمن مجال العمل وإلا ستهدم بيدك ما تطمح لبنائه.

القرارات التي اتخذتها الإدارة برئاسة بيتر ليم منذ البداية كانت خاطئة وخاصة في موضوع الانتقالات والتي كانت معظمها عن طريق شركة ليم وصديقه خورخي مينديز، صفقات كثيرة دفع فيها فالنسيا مبالغ طائلة للاعبين لا يملكون الجودة مقارنة بهذه الملايين المدفوعة وعلى رأسها مهاجم الفريق الحالي رودريغو والذي دفع فيه فالنسيا مبلغ 30 مليون يورو.

وأيضًا على صعيد اختيار المدربين، بيتر ليم لم يعين الأشخاص المناسبين لقيادة الفريق وكانت خياراته تعتمد على العلاقات الشخصية (غاري نيفيل) وترشيحات بعض الأصدقاء (خورخي مينديز الذي اختار نونوسانتو) وآخرها الثقة الممنوحة لباكوايستاران بدلاً من إعطائها لمدرب أفضل، وبالتالي قرارات سيئة تلتها نتائج أسوء بكثير، وهناك مقولة لأديب مصري اسمه أنيس منصور يقول فيها «لا أعرف قواعد النجاح، ولكن أهم قاعدة تقودك للفشل هي إرضاء كل الناس»، وهذا ما طبقه بيتر ليم بشكل حرفي الذي لم يجهد نفسه في اختيار ما هو الأنسب للفريق.


المال ليس كل شيء – كلاكيت ثاني مرة – سيناريو آخر

يعود الفضل في نجاحات إشبيلية إلى رجل واحد فقط؛ مونشي، المدير الرياضي للفريق منذ عام 2000 عندما كان النادي في الدرجة الثانية، هذا الرجل أوصل ناديه إلى ثمانية ألقاب من أصل 12 نهائيًا بين محلي وأوروبي بأقل الإمكانيات الممكنة، وليس هذا فقط بل للبدء من جديد في كل موسم بسبب بيع اللاعبين المستمر، هناك عمل دؤوب يتم فيه اختيار حاجات الفريق بدقة متناهية وليس عن طريق العلاقات الشخصية والصداقات.

في مقابلة له مع صحيفة الجارديان الإنكليزية يقول مونشي:

كيفية العمل تعتمد على متابعة من طاقم الكشافة ومن ثم أقوم باختيار القائمة النهائية والتي تحوي أسماء لاعبين مصنفة حسب المراكز؛ قرابة 250 اسمًا مستهدفًا في جميع المراكز. المدرب يريد ظهيرًا أيسر يجري مسافة ١١ كم في المباراة، وبإمكانه الجري لـ 800 م بسرعته القصوى، ويلعب بكلتا القدمين، 10 أسماء من القائمة تنطبق عليهم المواصفات. نأتي بعد ذلك إلى المفاوضات وعليك أن تكون على دراية بالسوق وأن تملك البدائل وأن تكون واقعيًا.

على سبيل المثال، في إنجلترا هناك الكثير من المال لكن بمخاطر أقل، لكننا نجحنا رياضيا في أسبانيا. كنّا نريد كيفن برنس بواتينغ قبل التعاقد مع سيدوكيتا، كيتا لن يذهب نادي إنجليزي ليتابع أو يكتشفه في لنس، لندع إشبيلية يقوم بذلك ثم نقوم بشرائه، كيتا يذهب إلى إشبيلية أولاً ثم يمضي بطريقه (الانتقال)، ذلك جيد لجميع الأطراف.


الخلاصة

إن رحيل اللاعبين ليس صدمة، فقد رحل نيجريدو واعتقد الجميع أنها نهاية العالم لكن أتى بعده باكا ثم رحل وأثبت جاميرو نفسه.

سياسة فاشلة لإدارة فالنسيا أوصلت أحد كبار أسبانيا إلى المنافسة على الهبوط، وأوصلت اللاعبين إلى حالة نفسية يصعب التعافي منها بعد إعطاء مهمة التدريب لهواة ومبتدئين، وتسبب ذلك في خروج الكثير من الأسماء وتأخر نجاح مشروع فالنسيا، لكن بتعيين برانديلي الذي يمتلك شخصية وخبرة كبيرة بدأ التصحيح وتأمل جماهير النادي ألا يكون قرار الإدارة متأخرًا.

على عكس إشبيلية الذي يعرف ما يريد ويعرف مكانته كقوة مالية وليس رياضية مقارنة بالأندية الأوروبية الكبرى، لكنه بنى شخصيته واكتسب ثقافة الفوز عامًا تلو الآخر ليصبح رقمًا صعبًا محليًا وقاريًا، ويبدو أنه حاليًا سيربح رهانه باختيار سامباولي المندفع هجوميًا على عكس ما اعتاد النادي بالاعتماد على التوازن في طريقة لعبه سابقًا، لكن الثقة بالنفس والثقة بعملك لن تخذلك ما دمت مؤمنًا بما تفعل، وهذا هومونشي الذي يقدم كل ما يملك من أجل الفريق وشعاره.