أقر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيرًا التعديلات الدستورية التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم، الخاصة بنقل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وكان البرلمان التركي قد أقر هذه التعديلات يناير/كانون الثاني الماضي، وأرسلت التعديلات إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإقرارها وإرسالها إلى الاستفتاء الشعبي خلال 60 يومًا من موافقة أردوغان عليها التي تحققت قبل ساعات من نهار الجمعة، العاشر من فبراير/شباط.وكان الحزب الحاكم قد ضمن تمرير مقترح المشروع عبر البرلمان، وذلك بعد أن أعلن حزب الحركة القومية المعارض دعمه للمشروع، ليضمن بذلك الحزب الحاكم الأغلبية اللازمة لتمرير المشروع عبر البرلمان، ومنه إلى الرئيس، في انتظار عرضه على الاستفتاء الشعبي. وكان هذا المشروع قد أثار جدلًا واسعًا في الشارع التركي، وتخوفًا من أن تتغول سلطات أردوغان على بقية أجهزة الدولة، بينما يقول المؤيدون له إنّ تحول البلاد إلى النظام الرئاسي أصبح ضرورة في ظل التطورات السياسية الأخيرة، التي شهدتها البلاد وعلى رأسها الانقلاب الفاشل، الذي كاد يطيح بالتجربة الديمقراطية.فما الذي يحمله هذا المشروع من مزايا وعيوب؟ وما احتمالية أن ينجح الداعمون له في حشد موافقة الشعب تجاهه؟ وهل يمكن أن يشكل حقًا نقطة تحول في مكانة تركيا الإقليمية وإضافة للاستقرار التركي الداخلي؟


هرم القيادة في تركيا: إجراء جراحي

تشتمل التعديلات الدستورية الجديدة في حال إقرارها على تغيير هيكلي في تراتبية السلطة والإدارة داخل الدولة التركية، فبعد أن كان منصب رئيس الجمهورية منصبًا شرفيًا ذا صلاحيات محدودة، سيصبح منصب الرئيس التركي هو الأقوى في الجمهورية. فمع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي، ستتركز السلطات التنفيذية، لا في يد رئيس الوزراء ولا مجلسه، ولكن في يد رئيس الدولة، الذي سيكون منتخبًا انتخابًا مباشرًا من الشعب التركي.سيُلغى إذن منصب رئيس الوزراء ليكون بن علي يلدرم آخر رئيس وزراء تركي، كما ستمنح صلاحية تعيين الوزراء وعزلهم لرئيس الجمهورية. وسيعطي التعديل الدستوري الرئيس صلاحيات أكبر في إعلان حالة الطوارئ في تركيا، التي تعيش في ظل حالة طوارئ منذ نحو ستة أشهر، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز المنقضي.كما سيستحدث منصب نائب الرئيس أو عدد من النواب له لسد الفراغ السياسي في البلاد في حال عجز الرئيس عن أداء مهامه، وذلك في سياق التخوف من تجارب انقلابية أخرى يمكن أن تحدث في المستقبل. كما سيتولى رئيس الدولة كل الصلاحيات التنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له عرض القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي بدون المرور بالبرلمان. وفي حال إقرار هذه التعديلات، فإنه ستجرى الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة عام 2019، وإذا فاز أردوغان بها فسيظل في منصبه حتى عام 2023.كان الانتقال إلى النظام الرئاسي حلم الزعماء الأتراك السابقين، مثل تورغوت أوزال وسليمان ديميريل. وكان أوزال في برنامج تلفزيوني استضافه عام 1993 دعا إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي وتعيين الوزراء من خارج البرلمان. وحين سئل: «ألا يؤدي ذلك إلى التفرد بالحكم؟»، أجاب قائلًا بأن النظام الرئاسي يفصل السلطتين التشريعية والتنفيذية فصلًا كاملًا، وبالتالي يعزز مراقبة البرلمان لأعمال الحكومة. رئيس الجمهورية التركي الأسبق سليمان ديميريل هو الآخر سبق أن دعا إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وقال ديميريل عام 2006، ردًا على سؤال عن الأشياء التي كان يتمنى تحقيقها ولم تتحقق، إنه كان يتمنى أن تنتقل تركيا إلى النظام الرئاسي، وشدد على ضرورة تغيير النظام في البلاد.وكان موضوع النظام الرئاسي أمرا ثابتا في خطابات الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وغالبية النواب والوزراء وقادة الحزب الحاكم وجمهوره أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية، حيث وصفه أردوغان في الانتخابات الماضية بأنه «محطة في طريق تركيا الجديدة، ويجب أن نستثمرها من أجل تغيير الدستور والنظام الرئاسي في البلاد»، ولكن ما شكل حقًا قوةً دافعة تجاه تعديل الدستور، ووحد صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جانب حزب الحركة القومية، هو محاولة الانقلاب التي جرت في 15 من يوليو/تموز العام الماضي.ويرى المؤيدون للتعديل الدستوري أن البلاد تمر بمرحلة استثنائية في تاريخها، فهي بحاجة إلى دستور جديد يواكب الدور الإقليمي والدولي الذي تلعبه تركيا ليصلح مثالب الدستور القائم. ويرى المؤيدون كذلك أن الدستور القائم والموصوف بالبرلماني، يعاني خللًا في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، أي الحكومة والبرلمان، حيث يشكو الثاني من سيطرة الأولى، وعليه فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي سيحل هذا الخلل من جهة، ومن جهة ثانية سيجعل النظام السياسي أكثر استقرارًا.ولعل أهمية هذا الأمر تتضح في ظل الحكومات الائتلافية التي تعاني عادة من عدم الانسجام أو التوافق، وهو ما يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد.وثانيًا فإنه وللمرة الأولى في تاريخ البلاد يصبح الرئيس التركي منتخبًا انتخابًا مباشرًا من قبل الشعب، وليس من داخل البرلمان، ما يعطي الرئيس بُعدًا رمزيًا وتنفيذيًا يتخطى دوره الشرفي المنصوص عليه في الدستور القائم.ثالثًا، تطور الدور الإقليمي للدولة التركية يجب أن يواكبه تطور داخلي في الدستور، يُعطي الرئيس التركي المزيد من الصلاحيات وخاصة في رسم السياسة الخارجية للدولة، وهذا الأمر تحديدًا يرتبط بشخصية أردوغان وتحركاته الداخلية والإقليمية.


هل يشق «العدالة والتنمية» طريقه إلى الشمولية والديكتاتورية؟

كمال قيلتش دار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري

يرى المعارضون لمشروع الانتقال إلى النظام الرئاسي مدخلًا لحكم شمولي دكتاتوري، إذ ترى المعارضة أن الرئيس أردوغان سيستغل هذا الانتقال ليصبح حاكمًا مطلقًا، بما يشكل خطرًا على الديمقراطية والتعددية في البلاد، حيث ترصد المعارضة الخطوات القمعية التي قامت بها حكومة حزب العدالة والتنمية في ضوء محاولة الانقلاب الأخيرة، وبوضع التعديل الدستوري هذا في نفس السياق، تستنتج المعارضة أن الاتجاه نحو النظام الرئاسي لن يعني سوى المزيد من تكريس الحكم القمعي في البلاد والقضاء على القوى المعارضة لأردوغان تحت غطاء الصلاحيات الواسعة التي سيحوذها وحالة الطوارئ المفروضة في البلاد.كما يخشى بعض المعارضين أن يؤدي الانتقال إلى النظام الرئاسي إلى محاولة انقلابية أعنف من السابقة، حيث يمكن أن يتحرك الجيش تحت غطاء حماية الديمقراطية وقيم الجمهورية التركية، والتي يرى أن حكومة العدالة والتنمية وأردوغان تحاول القضاء عليها بهذه التعديلات، حيث يرى محللون أن الجيش التركي لا يزال يمتلك الكثير من أوراق القوة داخل اللعبة السياسية في تركيا، ويمكن أن يوضع تحركه في إطار دستوري لحماية الجمهورية.


الحاجة التركية لدورٍ أكثر فاعلية

هذا تغييرٌ في النظام، ويجب عليهم ألا يحاولوا خداع الشعب، هذه البنية ستعرض تركيا إلى مشاكل أعمق بكثير.

دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء الثلاثاء الماضي، الشعب التركي إلى التصويت بنعم في الاستفتاء القادم، قائلًا إن فشل الاستفتاء يعني تشجيع الميليشيات التي تحاول تقسيم الأمة، وقال: «أنا واثقٌ أن شعبي لن يعطي أبدًا إشارة إيجابية إلى قنديل وإيمرالي، وهؤلاء الذين يريدون إرهاب البلاد» في إشارة إلى جبال قنديل، موطن حزب العمال الكردستاني، وسجن إيمرالي حيث يقبع قائدهم.و كان استطلاع للرأي أجرته شركة ماك التركية للأبحاث حول التوجه الشعبي تجاه تحول البلاد للنظام الرئاسي قد أشار إلى أن 59.77 بالمائة من الشعب التركي سيدلون بأصواتهم لصالح التعديلات الدستورية، وبحسب الشركة فقد شمل الاستطلاع 5 آلاف و 400 مواطن وجهًا لوجه، من 154 منطقة ضمن 53 ولاية تركية. وبيّنت نتائج الاستطلاع أن 40 % من أنصار حزب الحركة القومية المعارض أيدوا التعديلات الدستورية.في النهاية؛ تواجه تركيا الآن عالمًا أكثر حدة واستقطابًا عما كانت تواجهه منذ عشر سنوات مضت، وأصبحت واجباتها الإقليمية والدولية أكثر ثقلًا، فمن الحرب في سوريا وأزمة اللاجئين إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وعدم ثبات وجهة الحلفاء أو الأعداء، تحتاج تركيا قطعًا إلى قيادة أكثر قوة من ذي قبل، خاصةً أن أقدار عالم اليوم تتحرك بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. فهل ينجح أردوغان في حشد الدعم لمعركته التصويتية المقبلة، وهل تقبل الدولة التركية في أبريل/نيسان القادم انتقال ديمقراطي سلس. أم سوف تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن؟