لقد نشر مركز بروكنجز الدوحة قبل عامين ورقة بحثية بعنوان «ما وراء الطائفية الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط» ولخص أن أقطاب هذه الحرب إيران والسعودية.

في تلك الفترة كانت الحرب في سوريا على أشدها، وهي بداية التدخل المُعلن من قبل إيران في سوريا.

يرى الكاتب في هذه الورقة أن الحرب التي تجري في سوريا ليست طائفية، وإنما حرب صراع نفوذ بين السعودية وإيران على بقية الدول الإسلامية المُترهلة بالحروب الداخلية، وتحولت بدورها إلى ساحة صراع بين السعودية وإيران.

وأما الغطاء الطائفي هو مجرد وقود لهذه الحرب أُستخدم من قِبل الطرفين لتجنيد مقاتلين. أشار الكاتب إلى نقطة مهمة جداً وهي فشل السعودية في الذهاب بعيدًا في هذه المعركة، وكانت هذه الأسباب وفق رؤية الكاتب وقوف السعودية بقيادة الملك الراحل عبدالله في وجه التغيير الذي حصل في مصر ودعم الجيش المصري للإطاحة بمرسي، وأيضاً تصنيف جماعة الإخوان المُسلمين كمنظمة إرهابية.

أعتقد أن هذه العوامل هي التي أطالت عُمر الصراع في سوريا بحكم أن السعودية لن تدعم الإخوان المُسلمين بوصفهم منظمة إرهابية، وكانت هي القوة الأبرز في حينها، بل كانت عماد الثورة المسلحة قبل التشظي الذي أصابها. وهذا ما جعل إيران تقرأ المشهد جيداً واستثمار فرصة غياب السعودية، وزجت بكل ميليشياتها العقدية التي جندتها لأجل مشروعها في الحرب السورية.

لكن تراجع دور السعودية في الصراع السوري بفقدانها لمجموعات مسلحة موثوقة، وبديلة للإخوان المُسلمين لكي تدعمها جعل دور كل من تركيا وقطر يبرز بقوة في المشهد السوري من خلال احتضان جماعة الإخوان المُسلمين، وتوفير السلاح للجماعات المسلحة التي تأتمر للإخوان وغيرهم.

في هذه اللحظة تحول المشروع الطائفي الذي كان يصوره الإعلام بين السعودية وإيران إلى إيران من جهة، وتركيا وقطر من جهةٍ أخرى في الأرض السورية.

صراع صامت دون المواجهة المباشرة بين البلدين ودون أن ينعكس أيضاً على الإعلام المؤيد لإيران، ولا الآخر المناصرة للمشروع التركي القطري.

في تلك الفترة ثمة قطيعة حصلت بين السعودية ومجموعة من دول الخليج وقطر، وسحب السُّفراء من قطر، مما جعل الأخيرة ترمي بكل ثقلها في سوريا بمساعدة تركيا.

بعد رحيل الملك عبدالله واستلام الملك سلمان مقاليد الحُكم، لقد ذاب جبل الجليد الذي كان يفصل بين المملكة وقطر، مما جعل قطر تدفع لتطبيع العلاقات بين تركيا والسعودية. وهذه الفترة التي عادة بها السعودية إلى المشهد السوري، لكن من دون نفوذ حقيقي على الأرض، ومن ثم رعايتها لاجتماع الرياض الذي جمع المعارضة السورية وأخرج جسمًا سياسيًا للتفاوض . لقد أمسك هذا الجسم الأخير السعودية جزءًا من قواعد اللعبة مع الافتقاد للميدان إلا عن طريق الحلفاء الجدد تركيا وقطر.

إن عودة السعودية إلى المشهد السوري مع تحالف تركي قطري يُؤرق إيران جداً هذه الفترة مما جعل السياسيين الإيرانيين يجلسون على صفيح ساخن من الأحداث المتلاحقة.

وتزيد سخونة الأحداث الجولة الخليجية التي قام بها أردوغان ابتداءً من البحرين وهذه فيها رسالة مبطنة لإيران، ثم السعودية لتنسيق الجهود وأخيراً قطر الحليف الاستراتيجي لتركيا. هذه الزيارات التي قام بها أردوغان جعلت إشفاق إيران واضحًا على مستقبلها في سوريا، خصوصاً أن تركيا تتمتع بعلاقات جيدة هذه الأيام مع روسيا الحليف الميداني لإيران في سوريا. هذا ما دفع روحاني للقيام بجولة في ذات المنطقة الخليجية بداية من الكويت ثم عُمان.

وهذا ما يجعل الصراع البارد بين تركيا وحلفائها الخليجيين من جهة وإيران من جهةٍ أخرى يشتد.

إن الزيارات التركية والإيرانية للخليج ستنعكس على الصراع السوري لا محالة. هُنالك رؤيتان لقراءتها :-

الأولى إيجابية – وهذه تكون بدفع الأطراف من قبل الجهتين التركية والإيرانية إلى مؤتمر أستانا للخروج برؤية مشتركة والتحضير بها لاجتماع جنيف.

أما الثانية سلبية – وتكون بتصلب الرؤيتين تجاه الحل السياسي والتوجه إلى ميدان المعركة داخل سوريا بتزويد كل طرف لحليفه بالسلاح.

يبدو أن الاحتمال الأخير هو الأقرب خصوصاً بعد التعمق التركي داخل سوريا وصولاً إلى مدينة الباب، ودخول البيت الأبيض رئيس جديد له رؤية مختلفة عن سلفه للحل في سوريا بعد طرحه مشروع المنطقة الآمنة التي كانت تنادي بها تركيا.

لكن يبقى الصراع التركي الإيراني على أشدِّه كل منهم مستعين بحلفائه حتى تتبلور رؤية جدية للحل في سوريا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.