نجح المنتخب التونسي الأول في الظفر بثلاث نقاط غالية جدًا في أولى جولات تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2019، والمزمع إقامتها بالكاميرون، وذلك بعد فوزه بهدفٍ نظيفٍ على نظيره المصري في اللقاء الذي أقيم على الملعب الأوليمبي بمدينة رادس في تونس.

المدرب التونسي المخضرم، نبيل معلول، استطاع قراءة اللقاء بشكلٍ جيد جدًا وتمكن من فرض سيطرة تامة على كل مجرياته طوال التسعين دقيقة تقريبًا دون أي خلل يذكر لصالح المنتخب المصري الذي فشل حتى بالظهور بشكلٍ مُرضٍ.


معلول يقرأ جيدًا

بدأ المُضيف بقيادة نبيل معلول اللقاء بتشكيل بثلاثي في خط الوسط هم نجوم اللقاء: محمد أمين بن عمر، الفرجاني ساسي وغيلان الشعلالي بمرافقة هجومية من فخر الدين بن يوسف جهة اليمين ويوسف مساكني في اليسار بحرية أكثر في التحرك ومن ثم رأس حربة وحيد هو طه ياسين الخنيسي، ويحمي هؤلاء جميعًا من خط الدفاع رامي بدوي، صيام بن يوسف، ياسين مرياح، علي معلول ومعز بن شريفية في حراسة المرمى.

اعتمد معلول من بداية اللقاء على تدوير الكرة بشكل دائم وثابت في الجانب الأيسر قليلًا من ملعب المباراة، بمعاونة ثابتة للمساكني ومعلول من ثلاثي خط الوسط، بالأخص: من فرجاني ساسي وغيلان الشعلالي، وهم التركيبة التي نجحت في كسر خطوط الدفاع المصري في كل فرص اللقاء تقريبًا.

في حين اعتمد الأرجنتيني هيكتور كوبر على نفس طريقته المعتادة في الارتكان الدفاعي دون حراك بالنمط التكتيكي المعتاد له 4-2-3-1 كلاسيكية جدًا، علي جبر وحجازي دائمًا في الدفاع ثم أحمد فتحي يمينًا وعبد الشافي يسارًا في حماية الحارس شريف إكرامي، النني وطارق حامد ثنائي ارتكاز يعاونهما – أو مفترض ذلك- عبد الله السعيد من عمق الملعب ومن اليمين واليسار صلاح ورمضان صبحي على الترتيب، تحت مهاجم وهمي وحيد، محمود كهربا.

قبل اللقاء صرح المدير الفني التونسي، نبيل معلول، بأنه يعلم تمامًا الجانب المصري ويفهم نقاط قوته، وصدق قولًا بأفعاله طوال اللقاء. ففي النصف الأول من الحكاية استطاع معلول أن يقضي على أقوى نقاط الهجوم المصري وهو المحترف، محمد صلاح، عن طريق ثبوت الهجمة من الجهة الخاصة به وبالتالي وجود كثافة عديدة كبيرة جدًا في المنطقة التي يفضل صلاح فيها وجود مساحات وبالتالي وأد خطورته هجوميًا مع الاستفادة القصوى من ضعف مشاركته الدفاعية للظهير.

ما ساعد على ترسيخ تلك الميزة لصالح الفريق التونسي هو وجود الظهير الأيمن أحمد فتحي دائمًا داخل منطقة الجزاء جانب قلبي الدفاع، مما جعل هناك مساحة كبيرة ومريحة جدًا للظهير التونسي المتقدم، علي معلول، لاستلام الكرة دون ضغط ثم التفكير بهدوء في كيفية التصرف، فإما إرسال عرضية لقلب الدفاع وإما إعادة تدوير الكرة لإيجاد ثغرات أخرى في قلب الدفاع. استمرار اعتماد النسور على هذه الثغرة أباد تمامًا فرص مصر في النهوض هجوميًا لا سيما في ظل ضعف مستوى رمضان صبحي الجناح الأيسر وغياب واحد من أهم عناصر الخطورة في الفريق، محمود حسن تريزيجيه.


كيف قتل السعيد خط الوسط المصري؟

يقول الإنجليزي «جراهام تايلور» في إحدى محاضرته لدى مجلة «Four Four Two» عن هؤلاء المعتقدين أن حالة اللا استحواذ هي الصورة الأفضل للدفاع: «الجميع يعتقد أن الدفاع هو فقط حينما يمتلك الخصم الكُرة، لكن للأسف الأمر ليس كذلك. الدفاع الأفضل هو كيفية الانتشار والتحرك وقت امتلاكك للكُرة».

المنتخب المصري يقدم صورة سيئة جدًا حين يمتلك الكرة، صورة لا تعبر بالمرة عن فريق ينافس على أي شيء ولو ضئيل طوال المنافسات التي يخوضها. هجوميًا ظهر الجانب المصري بلا صانع لعب حقيقي في المركز 10 المفترض فيه صناعة اللعب على طرفي الملعب وذلك للغياب الكبير والمستوى السيئ الذي أبداه اللاعب عبد الله السعيد طوال أحداث اللقاء، وفي ظل غياب وضعف من الجناح الأيسر رمضان صبحي، والاعتماد على رأس حربة وهمي لا يمكنه القيام بأي دور لرأس الحربة الحقيقي سوى التحرك حين امتلاك الكرة، كان لابد على السعيد الظهور بشكل مغاير تمامًا عما بدا منه.

لكن الجوانب الهجومية لم تكن الخطأ الوحيد لعبد الله اليوم، بل الجانب الدفاعي كذلك. النمط التكتيكي الذي يعتمد عليه هيكتور كوبر يتطلب من عبد الله التواجد بشكل دائم في الحالة الدفاعية بجانب ثنائي الارتكاز لضمان التغطية على ظهيري الجنب من كل لاعب ارتكاز، إغفال هذا الدور من قبل عبد الله يعني مساحات كبيرة جدًا لصالح الخصم يتم استغلالها في التمرير وبناء اللعب بمنتهى الأريحية بل وإيجاد ثغرات في العمق أو في طرفي الملعب حسبما يفضل الخصم حامل الكرة.

المشاركة الدفاعية من قبل محمد النني اليوم لم تكن بالمثلى في ناحية الظهير وذلك للخوف الدائم من ترك مساحة في العمق يتم استغلالها من قبل بن عمر وساسي وشعلالي، بالتالي كان يحاول دائمًا أن يتواجد في قلب الملعب، لكن ذلك كان يسهل مهمة الأطراف التونسية التي كانت تجد دائمًا أحمد فتحي وحيدًا دون معاونة ومع تأخره الذي سبق شرحه، كانت الجبهة اليمنى للمنتخب المصري مباحة جدًا وهي الجبهة التي سُجل منها هدف اللقاء الوحيد.


لكل فعل رد فعل

يُحسب جدًا لصالح المدير الفني التونسي أنه لم يتأثر بطول مدة التعادل السلبي التي سيطرت على اللقاء طوال شوط وبضع الدقائق، ولم يحاول تغيير فلسفته أو استراتيجيته في الملعب، وذلك إيمانًا منه بأنه على الدرب السليم وبأنه يستغل أفضل ثغرة ممكنة في ظل التكتل الدفاعي الموجود من المنتخب المصري.

لكن بعد خطف هدف التقدم لصالح النسور التونسية، كان من الطبيعي جدًا وجود اندفاع ولو نسبي في المنتخب المصري، بالتالي كان هناك ضرورة لاستفزاز ذلك التقدم في الجانب المصري لإيجاد مساحات أكبر في مناطقه الدفاعية، هنا فقط قرر التونسي نبيل معلول تأخير مناطق بناء اللعب في وسط ملعبه لما قبل دائرة المنتصف وتحويل الخطة إلى 4-3-1-2 بوجود الخنيسي ومن خلفه جهة اليمين بتقدم قليل، فخر الدين بن يوسف، وتواجد ليوسف مساكني في عمق الملعب ليكوَّن في وسط الملعب مع ثلاثي الوسط شكل «Diamond» يسمح بإحكام سيطرة أكبر على خط المنتصف في ظل غياب تام لبناء اللعب في وسط الملعب المصري.

كذلك ترك هذا الشكل مساحة لتقدم علي معلول بحرية أكثر بعد كسر الكثافة العددية في الجبهة اليمنى واستفزاز فتحي للخروج من تمركزه الدفاعي داخل المنطقة بعد وجود مساحة وهمية تخول له التقدم أكثر فأكثر بالتالي مساحة أكبر لبناء اللعب، وكذلك ضمن تواجد المساكني في منطقة خالية تمامًا من أي ضغط تمكن فيها من قتل اللعب تمامًا في كل مرة كانت تصله الكرة مع ضمان عزل عبد الشافي عن أي دور في الزيادة الهجومية خوفًا من استغلال بن يوسف للمساحة التي سيتركها.

في المقابل نجد أن كوبر ظل طوال التسعين دقيقة يمثل ويعبر عن الطرف العاجز قليل الحيلة، لا حل بديل ولا حل أساسي ولا أي شكل يعبر عن رغبة هجومية ولو ضئيلة. تأخير التغييرات للدقيقة 70 في حالة واضحة جدًا من عدم الثقة في البدلاء الذين اختارهم بنفسه، وكذلك توظيف خطأ تمامًا لهم عند إشراكهم كتواجد مصطفى فتحي في الجبهة اليسرى فقط لعدم المساس بصلاح على الطرف الآخر، وكذلك وجود عمرو جمال خارج منطقة الجزاء المفترض أنه أشركه لغياب اللاعبين عنها تمامًا. وكأن هيكتور كوبر اكتشف فجأة غياب كل الحلول الهجومية من دكة البدلاء أو حتى من أرض الملعب، تفاجأ بأن العناصر التي تم اختيارها لا تمثل له أي حل بديل في حال تم إغلاق ميزة صلاح على المنتخب المصري.

كوبر إجمالًا خرج بنتيجة واحدة من هذا اللقاء، أن خسارة المنتخب المصري أمام النظير الكاميروني في الجابون في نهائي الكان لعام 2017 كان لصالح السمعة المصرية ليس أكثر. لكن على هذه النتيجة على الأرجنتيني إعادة الكثير من الحسابات سواء في الشكل والنمط الخاص بفريقه أو في الاختيارات ذاتها والتي تعاني من جمود شديد جدًا جدًا. وعلى الصعيد الآخر، يبدو أن نبيل معلول يُحسن استغلال عناصره جدًا والتي لا تمثل قوة ضاربة في حد ذاتها لكنها إجمالًا تظهر منتخبًا قادرًا على الظفر ببطاقة التأهل للأمم الأفريقية المقبلة بل وربما المونديال الروسي المنتظر.