كثيرة هي التسريبات التي تتناقلها الصحف العبرية ونظيرتها الأمريكية بين الحين والآخر عن علاقات التقارب بين إسرائيل ودول الخليج العربي، حيث التعاون السري بين الجانبين في المجالات الاستخباراتية والسياسية العسكرية وغيرها، ومحاولات لتطبيع العلاقات والتعاون معًا إزاء الجانب الإيراني أو كما يُعتبر «العدو المشترك» – تطبيقًا عمليًا لقاعدة عدو عدوي صديقي – هذا فيما زادت وتيرة هذا الحديث مع قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأولى جولاته الخارجية والتي استهلها بزيارة المملكة العربية السعودية يوم السبت الماضي الـ20 من مايو/آيار الجاري، والتي انطلق منها مباشرة إلى تل أبيب اليوم الاثنين.

في هذا السياق تزايد الحديث عن إمكانية حدوث تطور في ملف العلاقات بين الطرفين الإسرائلي والخليجي خاصة مع ما تردد قبيل الجولة الأمريكية بالمنطقة عن وجود مبادرة خليجية لتحسين العلاقات مع تل أبيب في حال اتخاذها خطوات مهمة تهدف لإعادة التفاوض في عملية السلام ووقف الاستيطان، الأمر الذي يطرح عددا من التساؤلات حول طبيعة العلاقات بين الجانبين ومجالاتها؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتطور؟ والدور الذي يمكن أن يقوم به الرئيس ترامب في هذا الإطار خلال زياراته للمنطقة.


روايات التقارب والتطبيع

نتنياهو، الانتخابات الإسرائيلية، الكنيست الإسرائيلي، حزب الليكود، تسيبي ليفني
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

ولكي نحيط علمًا بمستقبل العلاقات الخليجية الإسرائيلية في ظل إدارة ترامب وإمكانية تحقيق ما سبق الحديث عنه من التطبيع أو التعاون بين الجانبين إزاء الخطر الإيراني، لابد في البداية من التطرق ولو سريعًا إلى مجالات التعاون القائمة بين الجانبين، كما تناولتها الصحف العبرية والأجنبية.

لنبدأ إذن بمجالات التعاون الاستخباراتي، حيث تزداد المؤشرات على نمو مضطرد في العلاقات بين الطرفين، والتي تجسدت في التعاون الإسرائيلي مع الإمارات والمملكة العربية في حماية الأنظمة الداخلية، سواء من قوى المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان أو من الهجمات ومحاولات القرصنة الإلكترونية.

ففي الإمارات على سبيل المثال لا الحصر، تظهر مسألة الشراكة الاستخباراتية، إذ اشترت الأجهزة الأمنية الإماراتية برنامج تجسس جديدًا من إسرائيل، يعرف باسم «عين الصقر» تم استخدامه في فرض الرقابة الصارمة على جميع أشكال الاتصالات في البلاد، وهو الأمر الذي كشفه الناشط الحقوقي الإماراتي «أحمد منصور»، حيث اكتشف اختراق السلطات الإماراتية لبريده الإلكتروني وحسابات خاصة له على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر هذا البرنامج التجسسي.

كما ساعدت إسرائيل في حماية السعودية من هجوم إلكتروني كان الأضخم في تاريخها، حين نجحت برمجية تسمى «شيمعون» في منتصف أغسطس/آب عام 2012 في إلحاق الضرر بنحو 30 ألف جهاز كمبيوتر مملوك لشركة النفط السعودية «أرامكو» إحدى أكبر الشركات العالمية، الأمر الذي تمت مواجهته عبر استعانة المملكة بعدد من الشركات العالمية، من ضمنها شركات إسرائيلية،كما استمرت علاقات التعاون الاستخباراتية والتنسيق بينهما إزاء طهران وبرنامجها النووي في محاولة لإيقاف هذا البرنامج، فيما تطور التعاون بعد الاتفاق النووي، مرتكزًا على تحليل المعلومات الاستخبارية والاعتراض الإلكتروني، لكل ما يتعلق بإيران وميليشياتها بالمنطقة، حسبما أشار موقع «إسرائيل ديفنس».

وعلى الرغم من أن العلاقات بين الطرفين لم تأخذ طابعًا رسميًا حتى الآن، إلا أنها تأخذ منحىً متصاعدًا في المجال التجاري والعسكري، حيث أشارت عدد من التقارير إلى أن هناك علاقات تجارية واسعة بين الطرفين تقدر بمئات الملايين من الدولارات، موضحة أن الإمارات تستخدم التكنولوجيا الإسرائيلية لتأمين آبار النفط، وأن كلًا من المملكة وقطر والكويت تعتمد في جزء من تسليحها على شركة «إلبيت» الأمريكية، وهي مجرد فرع لشركة «إلبيت» الإسرائيلية، أكبر شركات إسرائيل الخاصة في مجال تعاقدات أسلحة الدفاع.

كما تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي عرض بيع تكنولوجيا «القبة الحديدية» التي تستخدمها إسرائيل لوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة للسعودية، وأن المملكة ترغب في هذه التكنولوجيا للدفاع عن أراضيها من الصواريخ اليمنية، وترسانة الصواريخ الإيرانية، وفي إطار هذا تعمل إسرائيل أيضًا على مساعدة المملكة في اليمن عبر إحباط تهريب شحنات السلاح الإيرانية إلى «الحوثيين».

كما تم مؤخرًا تكليل التعاون الإسرائيلي الخليجي بإجراء مناورات جوية مشتركة بين تل أبيب وعدد من الجيوش الأجنبية من بينها الإمارات في قاعدة سلاح الجو اليونانية في مارس/آذار الماضي، ولم تكن هذه هي المناورة الأولى إذ سبقتها مناورة عام 2016 في الولايات المتحدة، وشارك فيها طيارون من باكستان والإمارات وإسبانيا، إلى جانب إسرائيل.


ماذا بعد التقارب؟

هكذا واصلت مؤشرات التقارب بين دول التعاون وإسرائيل الظهور واحدة تلو الأخرى، مما أدى إلى عدد من الأطروحات التي تقول باتجاه الجانبين نحو التطبيع أو مزيد من التحسن في العلاقات، خاصة مع ما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في الـ16 من مايو/آيار الجاري- قبل أيام من زيارة ترامب إلى المنطقة – من تقديم الإمارات والسعودية لمبادرة لتحسين العلاقات مع إسرائيل وإقامة علاقات مباشرة معها عبر رفع القيود المفروضة على بعض مجالات التجارة، وإدماجها بشكل أفضل في هيئات التجارة والأعمال الإقليمية، وذلك في مقابل تجميدها جزئيًا البناء في المستوطنات، والسماح بحرية التجارة في قطاع غزة. كما تثار في هذا الإطار الحديث أن أحد أهداف زيارة ترامب للمنطقة هو تكوين تحالف أمريكي إسرائيلي عربي سني للتعاون المشترك، للقضاء على تنظيم الدولة ووضع حد لنفوذ إيران والتوصل إلى سلام إسرائيلي فلسطيني.

وفي ظل هذه التكهنات يوجد الآن تساؤل رئيسي يطرح نفسه، وهو: هل بالفعل يبدو التطبيع المنتظر أمرًا سهلًا يمكن تجاوزه، كما تجاوز العالم صعود ترامب لسدة الحكم، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وغيرها من مفاجآت القرن الحالي؟


تحديات التطبيع والموقف من إيران

ترغب إسرائيل في بيع منظومة القبة الحديدية، التي تحميها من صواريخ عناصر المقاومة الفلسطينية، للمملكة العربية لحمايتها من صواريخ الحوثيين في اليمن
نتنياهو والصفقة النووية الايرانية
نتنياهو والصفقة النووية الايرانية

هنا يمكن التنبؤ بأن ما يتردد عن هذا التحالف – الذي يضم إسرائيل والإمارات والسعودية إلى جانب مصر والأردن والدول العربية التي ترغب في الانضمام إليه – أمر غير وارد على الأقل على مستوى الزيارة وفي المدى القريب، فبنظرة سريعة إلى البيان الختامي الصادر عن القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض أمس، ندرك عدم صحة هذه التكهنات والتسريبات،فلم يشر البيان في أي من بنوده إلى ذلك التحالف، بل تحدث عن ضرورة التعاون في مواجهة الإرهاب والتطرف، ورفض الممارسات الإيرانية المزعزة للاستقرار بالمنطقة، وحينما أشار إلى تحالف (الشرق الأوسط الاستراتيجي) فقد كان هدفه الأساسي هو تحقيق الأمن والسلم في المنطقة والعالم، إذ سيتم استكمال التأسيس وإعلانه بحلول عام 2018، هذا فضلًا عن إمكانية قيام هذا التحالف، والذي تقف تقف أمامه العديد من التحديات الأخرى.

فهناك تباين بين أهداف الدول العربية التي يمكن أن تدخل في مثل هذا التحالف وبالتالي ثمة صعوبة في مساهمتهم بشكل إيجابي في مواجهة التحديات المشتركة، فالمملكة على سبيل المثال تعطي أولوية لمواجهة إيران أكثر من القضاء على تنظيم الدولة، بينما تعطي مصر أولوية لمواجهة التنظيم في سيناء.

لا يمكن الحديث عن وحدة عربية عسكرية ما لم تتحدد الأهداف والتطلعات، فلا تزال المملكة تولي اهتمامًا أكبر بتقويض النفوذ الإيراني بينما مصر تفضل محاربة التنظيمات الإسلامية

كما توجد صعوبة في توصل الدول العربية لوحدة عسكرية وسياسية فيما بينهم، فدول الخليج على سبيل المثال مازالت غير قادرة حتى الآن على التعاون بفعالية لمواجهة تحدياتهم الأمنية والمتمثلة في التهديدات الإيرانية وغيرها، ثم ماذا عن القوات المساهمة على أرض الواقع في هذا التحالف في ظل تحفظ مصر وامتناعها عن إرسال قواتها للقيام بعمليات خارج حدودها، وإنشغال القوات السعودية بحربها في اليمن واستنزافها هناك ماديًا وبشريًا.

هذا بالطبع إلى جانب اختلاف أولويات الولايات المتحدة عن أولويات الدول الخليجية فيما يتعلق بطهران، فبالرغم من أن كليهما يطمحان لاحتواء إيران، إلا أن الولايات المتحدة لا ترغب في القضاء على طهران تمامًا حيث يتم استخدامها كورقة ضغط على دول المنطقة.

وهكذا يمكن القول بأنه إذا كانت هذه العوائق وغيرها الكثير تقف أمام محاولات التقارب والتعاون بين دول الخليج وإسرائيل، فلا يمكن الجزم في هذا السياق بإمكانية التطبيع بين الطرفين، فهذا الأمر هو الآخر يواجهه العديد من التحديات والعوائق الصعبة وعلى رأسها تحقيق التقدم وتسوية القضية الفلسطينية وعملية السلام، إذ يلاحظ فيما تم تداوله عن المبادرة الخليجية الأخيرة لتحسين العلاقات مع إسرائيل أنها اشترطت تجميد الاستيطان، ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن يظل الأمر هكذا، علاقات سرية في الخفاء دون الإعلان عنها والتركيز بشكل أساسي على الخطر الإيراني المشترك .

فيما يبقى الآن في إطار الحديث عن القضية الفلسطينية تساؤل أخير، حول ما إذا كان يمكن لترامب أن يحرز تقدمًا في تسوية القضية؟ وذلك في ظل الوعود الأمريكية على مدار التاريخ بحلها دون تحقيق إنجاز حقيقي فيها. وفي ظل عدم التأكيد عليها بشكل كبير في إطار الكلمات خلال القمة الأمريكية الإسلامية، حيث التركيز على مواجهة التهديدات الإيرانية بشكل أساسي!

ماذا عن الموقف الأمريكي والإسرائيلي مما أشار إليه موقع ميدل إيست آي البريطاني – إن صح ذلك – من أنباء عن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيقدم خطة لترامب تتضمن تخلي الفلسطينيين عن 6.5 بالمائة من أراضيهم بالضفة الغربية لإسرائيل باستثناء القدس، أي ما مساحته ثلاثة أضعاف ما كان معروضًا في السابق، حيث كانت النقاشات السابقة بشأن التسوية تدور حول تبادل 1.9 بالمائة فقط من الأراضي، هل يمكن أن يحرز هذا تقدمًا بعملية التسوية؟

لننتظر ما تخبر به الساعات المقبلة.