أعلن «جورج آر مارتن» في أحد التصريحات، بقدرة بعض متابعي رواية «أغنية الجليد والنار» المقتبس منها المسلسل على تكهن النهاية، عن طريق تحليل التلميحات التي وضعها مارتين نفسه في الرواية ليبني عليها الأحداث النهائية.وقد أربك هذا الأمر حساباته على حسب قوله، فهو إما يختار تغيير هذه النهاية، أو يحترم ذكاء المشاهدين ويستمر في النهاية المقررة.وأخيرًا اختار الكاتب الاستمرار في النهاية المقررة، فتغييرها قد يؤدي لنقاط ضعف شديدة في الحبكة، ويخاطر بالتقليل من احترام ذكاء المشاهدين. هذا الاختيار الذي دفع ثمنه هذا الموسم، فمع نهاية الجزء الخامس وانتشار ظاهرة النظريات الخاصة بتوقع أحداث المسلسل في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح تحقق أي نظرية يؤدي لامتعاض البعض ووصف هذا التحقق بالسيء أو الاختيار الأسهل والأوضح لمبدعي العمل، على الرغم من أنه يعد من أفضل المواسم ولولا ظاهرة النظريات التي لم تحدث مع أي مسلسل من قبل، لأصبحت الأحداث الحالية الأكثر مفاجأة وصدمة، ولذلك لم يخطئ صناع العمل بل ازداد مستوى ذكاء وإخلاص مشاهدي المسلسل أو قارئي الرواية، وهذا نادرًا ما يحدث.


تصحيح المسار

الحلقتان الأولى والثانية شهدتا تصحيح مسار للأخطاء التي وقع فيها الموسم الخامس. اعتبر الكثيرون أن الموسم الخامس هو الأضعف بين كل المواسم، حيث تم الاعتماد على اصطناع الأثارة وترك جميع الخطوط مفتوحة بلا نهاية محددة. «سانسا» و«ثيون» اللذين قفزا من أعلى سور القلعة بلا تحديد مصير معين، و«أريا» التي أصيبت بالعمي، وإعادة إحياء «المونتين» في صورة وحش، مصير «روبرت براثيون»، و«دانيريس تارغريان»، موسم كارثي بكل المقاييس مقارنة بالمواسم الأخرى، حاول صناع العمل إنقاذه بحلول أكثر كارثية.

اعتبر الكثيرون الموسم الخامس هو الأضعف بين كل مواسم المسلسل حيث جاءت نهاية الخطوط الدرامية به مفتوحة وغير مرضية.

بدأ هذا الموسم بتدارك هذه الأخطاء من صناع العمل، فتم تأكيد هروب «سانسا» واتجاهها لـ«جدار العملاق»، ورجوع «ثيون» لموطنه، وتأكيد مقتل «روبرت براثيون»، وبداية تعلم «أريا ستارك» فنون القتال، وظهور خط «بران ستارك» من جديدة، وإظهار قدرته على رؤية الماضي، وأهم عيوب الموسم الماضي التي تم تداركها هي عودة «جون سنو» للحياة مرة أخرى.وعلى الرغم من توقع أغلب متابعي المسلسل حدوث هذا، ولكن يحسب لصناع العمل عدم استغلاله في صنع إثارة وهمية في حلقات أكثر، وسيطرة «رامزي بولتون» على الشمال بقتل أبيه. أما الخطوط الدرامية المرتبطة ب«دانيريس تارغريان» و«سيرسي لانيستر» و«هاي سبارو» لم يتم حسمهم في أول حلقتين لكثرة الأحداث المتعلقة بهم.عودة جون سنو لم تكن مجرد تصحيح خطأ فقط، بل هي إعلان واضح لمركزية شخصية جون سنو في بقية أحداث المسلسل حتي نهايته، فرمزية العودة للحياة تشبه المسيح المخلص، الذي سيعود لتخليص البشر من ذنوبهم، يبدو التشابه واضحًا مع جون سنو، خاصة وهو الشخص الوحيد الذي يمتلك شجاعة تخليص الشمال من سيطرة رامزي بولتون.


الباب

بعد عودة جون سنو وتصحيح أخطاء الموسم السابق، بدأت مرحلة التأسيس الدرامي لأحداث الموسم الحالي، ولذلك نستيطع القول أن هذا الموسم بدأت أحداثه الحقيقة من الحلقة الثالثة، حيث تم دمج خطي سانسا ستارك، وجون سنو العائد من الموت، ورامزي بولتون في خط واحد وصراع واحد وهو صراع السيطرة على الشمال.وبذكر الشمال وما وراء الجدار الذي شهد واحدة من أهم أحداث المسلسل في الست مواسم في حلقة «The Door»،لا تكمن أهمية الحلقة فقط في اللحظة الدرامية لشخصية «Hordor»، ولكن بتغير مسار المسلسل وموازين القوي، فـ«بران ستارك» يعلم قدرته وقواه الحقيقية وعدم محدوديتهم برؤية الماضي فقط، بل امتدت لتشمل التحكم في الأشخاص في أزمان مختلفة، هذه القدرة التي قد تجعله الشخص الأقوى في ويستروس.أجاد مخرج الحلقة «جاك بيندر» صنع لحظة درامية صادمة يتصدر فيها الحدث شخصية ظلت طوال تواجدها في هوامش المسلسل، بل جعل موتها مسار حزن وحديث كل عشاق المسلسل، بمجرد انتهاء الحلقة تحولت عبارة «hold the door» لـ«trend» في كل مواقع التواصل الاجتماعي. ليس من المعتاد أن يتصدر المشهد شخصيات ثانوية جدا في «صراع العروش»، وهذا تطور نوعي وناضج في أحداث وشخصيات المسلسل، ولذلك كانت هذه الحلقة نقلة هامة على أصعدة كثيرة سواءً في أحداث المسلسل، أو طبيعة تأثر المشاهدين بشخصيات المسلسل.


«أم التنانين» والمساعد الذكي

الخط الدرامي لـ«دانيريس تارغريان» المعروفة بـ«أم التنانين» هو الأكثر تطويلا في المسلسل، فبرغم امتلاكها القوى الكافية للذهاب إلى «ويستريس» من نهاية الموسم الرابع، ولكن أصر صناع المسلسل على التطويل في هذا الخط.ويرجع ذلك بدرجة كبيرة لرغبة مبدعي المسلسل إقناع المتابعين بحتمية وجود «تيريون لانيستر» بجانب «داني»، فبرغم امتلاكها قوة التنانين، ورغبتها في تحرير العبيد والمظلومين، ولكنها في نفس الوقت تفتقد للمهارة السياسية، وقدرتها على إدراة الأحداث، وهنا يأتي دور المساعد الذكي الهارب «تيريون»، الذي يضيف لها بذكائه وخبرته السياسية. هكذا يريد مبدعو المسلسل إقناعنا طوال الموسمين بأهمية دمج خطي تيريون وداني معًا، ولهذا الدمج شهد المسلسل أحداثًا كثيرة ربما لم تثر حماس المشاهدين، بل وأدت هذه الأحداث لإغفال الجانب الإنساني لشخصية تيريون، فتحولت من الشخصية الأعمق في المسلسل، والأكثر دقة سواء في الكتابة وبناء الشخصية أو تأديتها، إلى شخصية ثانوية باهتة، وهذا أفقد المسلسل قوة درامية وتمثيلية كبيرة كانت توفرها شخصية تيريون. وبعد موسمين آخرين من الأحداث المفتعلة تذهب دانيريس برفقة مساعدها الذكي إلى ويستروس.


معركة اللقطاء

حتى الآن يمكن أن نقسم أحداث المسلسل لمرحلتين، تسمي الأولى بمرحلة «العائلة»، حيث كان الصراع الدائر بين عائلة لانيستر بقيادة «تايوان لانيستر » وعائلة «ستارك» بقيادة «روب ستارك» الذي يريد الانتقام لمقتل والده، وانتهي هذا الصراع بانتصار لانيستر.أما المرحلة الثانية نستطيع القول أنها انتهت في الحلقة التاسعة من الموسم الحالي وأفضل تسمية لها (معركة اللقطاء)، فبعد انتهاء معركة العائلات، أتى دور لقطاء العائلات الراغبين في إثبات أنفسهم وقدرتهم على الحكم والدفاع عن عائلاتهم وذاتهم.رامزي بولتون» هو الشخص الأعنف في المسلسل، بتفاصيله السادية الجنونية المبدعة، أسوء ما في رامزي هو إبداعه، فهو ليس مجرد فتًى طائش ك«جوفري»، ولكنه شخص مبتكر في ساديته ولا أخلاقي بدرجة كبيرة، لا هدف واضح في الحياة بالنسبة له سوى ذاته، شخص بهذه المواصفات تصعب هزيمته.الحلقة التاسعة من الموسم السادس شهدت المعركة الأشرس في تاريخ المسلسل، أجاد المخرج «مجل سابوشنك» في تنفيذ المعارك بأفكار مبتكرة تناسب شخصية رامزي السادية، ولقطات شديدة الضغط على المشاهد من كثرة واقعيتها كمشهد «الدهس» على جون سنو، ومشاهد بطولية كمشهد مواجهته وحيدًا لفرسان رامزي. عاب المعركة توقع نهايتها بتدخل اللورد باليش لإنقاذ سانسا ومعها جون سنو.


مأساة «سيرسي»

مثلت حلقة «The Door» تطورًا نوعيًا في المسلسل، حيث لم يكن من المعتاد من قبل أن تتصدر المشهد شخصية ثانوية.

لو أخترنا أدق وأعمق شخصية في كتابتها في الموسمين الأخيرين، لتصدرت بكل تأكيد وبدون منافس شخصية «سيرسي لانيستر»، التحول الرومنتيكي في شخصية سيرسي، وتقوقعها في داخل ذاتها كلما أدركت صدق نبوءة العرافة بمقتل أولادها الثلاثة، فبالتدريج تحولت من الشخصية المهوسة بأولادها، إلى شخصية مدركة أنها تعيش مأساة حتمية، تحول مدروس وشديد العمق في الكتابة.أما في الإخراج فمرة أخرى أجاد «مجل سابوشنك» رسم مشهد من أروع مشاهد المسلسل، فلم يكتفِ بالجانب المثير المتعلق بمحاكمة «هاي سبارو» لسيرسي ومارجري فقط، بل أضاف جانب المأساة، فالمشهد صُور بطريقة غامضة ضاغطة على المشاهد أقرب للرومانسية والرومنتاكية، لعبت فيها المقطوعة الموسيقية الرائعة «light of seven» دور البطل الأول. لقد قامت سيرسي بما لم يستطع الملك المجنون فعله، فحرقت المدينة عن بكرة أبيها، وواجهت انتحار أبنها بيقين العالم، وتولت العرش، ليستمر التحول من سيرسي الأم الخائفة، لنسخة أكثر بشاعة من الملك المجنون، وربما تكون هذه إشارة لنهاية سيرسي المتوقعة بقتل «جيمي لانيستر» لها.

يمكننا أن نلاحظ أن أغلب الأحداث تم توقع حدوثها سواء قبل بداية الموسم من خلال النظريات أو أثناء الموسم، بل قام صناع العمل بحرق واحد من أهم أحداث الحلقة الأخيرة في أحد مشاهد الحلقة السادسة من خلال رؤية بران ستارك، وهو ما سبب امتعاض البعض، فالحدث الوحيد المفاجئ تقريبا طوال الموسم هو الخاص بأحداث حلقة «the door»، والخط الخاص بأريا ستارك إلى حد أقل، بقية الأحداث متوقعة، وهذا ما لم يعهده المشاهد مع أحداث المسلسل، ولكن في نفس الوقت لم تكن هناك خيارات أخرى في يد صناع الموسم سوى خيارات ستسبب أخطاء كارثية في التطور الدرامي، ونستطيع التنبؤ أن الموسمين الأخيرين ستكون أغلب أحداثهما متوقعة أيضا، فالأحداث المتوقعة سمة النهاية دائما، فالخطوط الدرامية تقترب من نهايتها، ولم يكن هذا الموسم سوى بداية النهاية.