«انتفاضة شعبية» ، هكذا وصفت صحيفة «الجريدة» الكويتية نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت قبل ساعات، واعتبرت أن النتيجة هي «ترجمة لغضب الجماهير ورفضها لأداء المجلس السابق». أما صحيفة «القبس» فقد قالت في افتتاحيتها إن «الشعب قد قال كلمته، عبر مشاركة لم تعهدها الانتخابات من قبل»، وأن «المجلس يوحي بمشهد سياسي ساخن في المرحلة المقبلة».

حملت النتائج مفاجآت كبيرة، فالمجلس الذي يبلغ عدد مقاعده 50 مقعدًا، مقسمين على خمس دوائر انتخابية، سيستقبل نحو 30 نائبًا جديدًا، فيما فاز عشرون نائبًا فقط من المجلس القديم؛ أي أن نسبة التغيير فيه قد بلغت 60 %، وقد تراجع تمثيل الكتلة الشيعية فحصلت على ستة مقاعد، في مقابل تسعة مقاعد بالمجلس السابق.

وقد حصل تيار الإخوان المسلمين الذي لم يكن ممثلاً بالمجلس السابق على أربعة مقاعد، فيما خسر التيار السلفي في الدائرتين الثالثة والرابعة، وفقد وجوده فيهما،وشهد البرلمان إعادة وجوه كانت معارضة للحكومة، وحقق المقاطعون والمستقيلون من المجلس السابق نتيجة لافتة، حيث عاد من المقاطعين تسعة نواب من أصل 16 مرشحًا، ونجح ثلاثة من الخمسة المستقيلين من مجلس 2013.


فسيفساء الحركة السياسية في الكويت

تعتبر التجربة النيابية في الكويت تجربة قديمة نسبيًا، وفريدة في ديمقراطيتها النسبية بالمقارنة بغيرها من الدول العربية، إذ انتُخب أول مجلس نيابي في ظل الاحتلال الإنجليزي في 1938 لكنه لم يعمر. وقد تمت صياغة أول دستور بعد الاستقلال من قبل مجلس تأسيسي في عام 1961، وفيما عدا فترات قليلة متقطعة، فقد استمر البرلمان يؤدي دوره، وهو ما أدى إلى جعل الحركة السياسية في الكويت أكثر تنوعًا وحيوية بالنسبة للعالم العربي عمومًا، ومحيطها الإقليمي خصوصًا، رغم أن التجربة لا يمكن اعتبارها مكتملة تمامًا، خاصة في ظل فقر انعكاس نتيجة التواجد البرلماني على التمثيل في السلطة التنفيذية.

http://gty.im/621743886

تمثل الكتلة الشيعية في الكويت أحد أهم المكونات السياسية، وتتراوح التقديرات حول نسبة المكون الشيعي في المجتمع الكويتي بين 15-30 %، وقد انحسر تمثيلهم في هذا المجلس إلى ستة مقاعد بعد أن مُثلوا بستة خلال المجلس السابق. ويجمع «الائتلاف الإسلامي الوطني» الشيعة في البلاد بمختلف تياراتهم، و(يمكن مراجعة كتاب د. فلاح عبد الله المديرس «الحركة الشيعية في الكويت» للتعرف أكثر على تاريخ تطور الحركة الشيعية في اليلاد، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا).

ومن بين التيارات السياسية في البلاد، «الحركة الدستورية» التي تمثل الذراع السياسي للإخوان المسلمين، والتي قرروا إنشاءها بعد عقود من الاعتماد شبه المطلق على العمل الاجتماعي والخيري. وقد مرت العلاقة بين الحركة والسلطة في الكويت بتقلبات عدة، بدءًا من تسامح السلطة إلى التحالف الضمني، ثم مراحل من الخلاف والصدام، وقد قررت الحركة الدستورية مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي جرت في عامي 2012 و 2013، احتجاجًا على تعطيل الحكومة لنظام الاقتراع، قبل أن تلحق بركب الانتخابات الأخيرة، لتحصل فيها على أربعة مقاعد، كما عرفت علاقتها بالجماعة الأم في مصر تفاوتات عدة، بين الاختلاف في المواقف إبان حرب تحرير الكويت، إلى التقارب في فترات ما بعد الربيع العربي.

اقرأ أيضًا:الإخوان في الكويت: عودة إلى السياسة.

أما الحركة السلفية في البلاد، فتعد من أكثر نماذج السلفية الحركية انخراطًا في المشاركة السياسية، وقبولاً بالــديمقراطية البرلمانية، وقد ازدهرت السلفية الكويتية كأحد تمظهرات تنامي المد السلفي عمومًا في أعقاب هزيمة 67 وانحسار المد القومي، وتأسست «جمعية إحياء التراث الإسلامي»، وشهدت تأثرًا السلفية الكويتية بروافد السلفية السعودية، ومن أبرز أعلامها «حاكم المطيري»، ونشير هنا إلى السلفية الكويتية ليست على قلب رجل واحد تجاه العديد من القضايا الداخلية والخارجية.

اقرأ أيضًا:هل يقود سلفيو الكويت السلفية العالمية؟.

أما التيار الليبرالي فيعد «المنبر الديمقراطي» أبرز تجمعاته، ويعتبره المراقبون وجه اليسار الآخر، ويعرف أيضًا بالطليعة، كذلك يوجد «التجمع الشعبي الليبرالي» الذي ظهر عام 1999، كما يمثل «التجمع الدستوري» -الذي تأسس عام 1992- التيار السياسي التاريخي لغرفة تجارة وصناعة الكويت. وعلى الساحة السياسية أيضًا التيار الناصري الذي خبا منذ انتخابات 1992، وأيضًا ما يعرف بتكتلات «المصلحة الواحدة» التي تمثل طبقة التجار.


هل تجلب الانتخابات الأخيرة الاستقرار إلى مجلس الأمة؟

عرفت الحياة النيابية الكويتية منذ العام 2006 اضطرابًا ملحوظًا، فمنذ ذلك الحين تم حل المجلس سبع مرات، إما بقرار من أمير البلاد أو بحكم من المحكمة الدستورية،وتنص المادة 102 من دستور البلاد الصادر عام 1962 على أنه لـ

مجلس الأمة في حال عدم تمكنه من التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أن يرفع الأمر إلى الأمير الذي له أن يعفي مجلس الوزراء أو يحل المجلس، فإذا ما حل المجلس وصوّت المجلس الجديد بالأغلبية على عدم التعاون مع نفس رئيس مجلس الوزراء اعتبر معزولاً وتشكل وزارة جديدة.

وقد صدر المرسوم الأميري بحل المجلس السابق في 16 أكتوبر، جاء فيه أن قرار الحل جاء «نظرًا للظروف الإقليمية الدقيقة، وما استجد منها من تطورات، وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة، من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير؛ الأمر الذي يفرض العودة إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار ممثليه؛ للتعبير عن توجهاته وتطلعاته، والمساهمة في مواجهة تلك التحديات».

وقد جاء الحل الأخير للمجلس بعد خلافات وقعت بين بعض النواب والحكومة، الذين قدموا طلبات إحاطة لبعض الوزراء، كما تصاعدت الاعتراضات على قرار الحكومة برفع الدعم عن النفط، وهو ما أدخل البلاد في متاهة سياسية إلى أن صدر المرسوم السياسي بحل البرلمان.

ويرجو الكويتيون أن يكون المجلس المنتخب حديثًا فاتحة لمرحلة من الاستقرار السياسي للبلاد في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها، خاصة أنه قد جاء بتركيبة مختلفة بشكل كبير عن المجلس السابق.