علينا أن نجد طريقة لجمع استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة مع استراتيجية الأمن القومي لروسيا
مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق بإدارة ترامب

قدم مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي مايكل فلين استقالته من إدارة الرئيس، مساء الاثنين الماضي، وذلك بعد تسريبات استخباراتية كشفت عن نقاشات جرت بينه وبين السفير الروسي في واشنطن، تتعلق بالعقوبات الأمريكية على روسيا. الاستقالة التي جاءت بعد أقل من 4 أسابيع لدونالد ترامب في البيت الأبيض، هي أكبر حدث فوضوي في تاريخ تشكيل الإدارات الأمريكية.

ليست هذه الضربة الأولى للإدارة الأمريكية الجديدة، فبعد أسبوع واحد من إيقاف المحاكم الأمريكية قرار الرئيس بمنع دخول مواطني 7 دول مسلمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ها هي الإدارة الأكثر جدلًا في التاريخ الأمريكي تتلقى ضربة سياسية جديدة لا يعلم بعد مدى تأثيرها.

مايكل فلين، وهو الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع، هو الآن الرجل الأكثر إثارة للجدل في إدارة الرئيس ترامب، يتبنى فلين مواقف استراتيجية تخالف الخط المعتاد للسياسة الخارجية الأمريكية.يؤمن فلين بضرورة التعاون مع روسيا في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وكان فلين دائم الظهور في حفلات ينظمها الكرملين الروسي، وضيفًا دائمًا كمحلل استراتيجي على قناة روسيا اليوم.

أما الأمر الأكثر غرابة في تاريخ فلين فهو أنه وإلى الآن لا يزال يخضع للتحقيق في قضية متعلقة بتلقيه مبالغ مالية مقابل الظهور في قناة روسيا اليوم. ويؤمن فلين بضرورة توحيد الجهود الروسية الأمريكية حيث قال في لقاء له: «علينا أن نجد طريقة لجمع استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة مع استراتيجية الأمن القومي لروسيا على الرغم من كل التحديات التي تواجهنا»، «لدى روسيا استراتيجية الأمن القومي الخاصة بها، وعلينا أن نحترم ذلك». كما يمثل فلين تيارًا واسعًا داخل إدارة ترامب يؤمن بشكل عميق بنظرية صدام الحضارات ويتبنى موقفًا استراتيجيًا معاديًا للإسلام في حد ذاته كدين وكأيديولوجية!

اقرأ أيضًا:ما يخبرنا به مستشارو ترامب عن سياسته الخارجية المقبلة

للرجل إذن تاريخ مثير للشبهات وخاصة فيما يتعلق بعلاقاته مع الكرملين، وهذا التاريخ يلقي بظلال الشك أيضًا ليس على موقف ترامب فقط من الكرملين ولكن على الإدارة الأمريكية بأكملها، خاصة ونحن نعلم أن الرئيس الأمريكي يطلع على ملف أمني سري يخص المسئولين الذين من المفترض أن يتم تعيينهم داخل إدارته، فكيف تجاهل دونالد ترامب هذه التقارير؟


رحلة فلين: الصعود إلى الهاوية

http://gty.im/615530474

لم يدم عمر مايكل فلين داخل الإدارة الأمريكية كثيرًا، بدأت القضية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي حين أجرى فلين اتصالات مع السفير الروسي في واشنطن، نفى فلين أن تكون الاتصالات قد تضمنت نقاشًا حول أمور تخص السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن لسوء حظه فإن المعتاد أن يقوم جهاز التحقيقات الفيدرالي بمراقبة اتصالات المسئولين الروسيين الموجودين داخل الولايات المتحدة، وكان أن جرى اعتراض اتصال فلين والتحقيق في أمره.

وفقًا للتسريبات التي نشرت يوم الخميس الماضي، الموافق 9 فبراير/شباط، ناقش فلين مع السفير الروسي قضية العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، ومستقبل العلاقات بين البلدين في عهد إدارة ترامب، كما تحدث فلين عن موقف الإدارة الأمريكية السابقة واصفًا إياها «بالمعادية لروسيا»، وأن العلاقات بين البلدين سوف تتغير في ظل إدارة الرئيس ترامب، كما حث مايكل فلين الكرملين على عدم القيام بإجراءات انتقامية على خلفية طرد الدبلوماسيين الروس، حيث إن كل ما ستقوم به إدارة أوباما يمكن إلغاؤه وفقًا لتعبيره، وهو الأمر الذي يعد خرقًا للقانون الأمريكي، والذي يحظر على المواطنين مناقشة أمور في صلب السياسة الخارجية مع مسئولين أجنبيين ويعتبرها جزءًا مما يوصف بـ«التخابر»، وكانت هذه المكالمة جزءًا من اتصالات عدة جرت بين الرجلين تضمنت النقاش في أمور تخص قتال تنظيم الدولة وأشياء أخرى.

نفى نائب الرئيس الأمريكي، مايك بينس، هذه الادعاءات وقال إن هذه الأمور لم تجر مناقشتها بين الرجلين وإنما تضمنت المحادثات ترتيب إتصال هاتفي بين ترامب وبوتين، كما ساند البيت الأبيض موقف الجنرال الأمريكي متهمًا الصحافة بالقيام بحملة على الإدارة الجديدة.


الاصطفاف الخاطئ للإدارة الأمريكية

في الـ10 من فبراير/شباط الماضي صرح دونالد ترامب وهو على متن الطائرة الرئاسية بأنه لا يعلم بشأن الجدل المثار حول مايكل فلين، وأنه بصدد «البحث في الأمر»، ولم ينتظر مايكل فلين أن تتم إقالته على خلفية اتصالاته مع الروس وادعاءه ما يخالف الحقيقة حول ذلك لاحقًا، مما وضع البيت الأبيض في موقف حرج حيث اتخذت الإدارة الأمريكية موقف المدافع عن فلين بناء على حديثه مع مايك بنس نائب الرئيس ونفيه تلك الاتهامات، وتقدم باستقالته.

قدم مايكل فلين استقالته منذ عدة ساعات مضت، وبصورة مفاجئة وغير متوقعة،وقال فيها: «قمت – بدون قصد – بإطلاع نائب الرئيس وآخرين على معلومات منقوصة بخصوص محادثاتي مع السفير الروسي، وقد اعتذرت بإخلاص للرئيس ونائبه وقد قبلا اعتذاري». حسنًا؛ ليست هنا نهاية القصة، فما يزال السؤال دائرًا. لماذا لم يقم ترامب بإقالة فلين سابقًا على خلفية التقارير المنشورة بحقه والتي حتمًا قام ترامب أو شخص ما في إدارته بالاطلاع عليها؟

وللمزيد من إثارة الجدل فقد صرح مسئول سابق في الإدارة الأمريكية بأن وزارة العدل الأمريكية كانت قد حذرت إدارة ترامب بخصوص مستشار الأمن القومي واتصالاته مع روسيا، وقالت «ذى أسوشيتيد بريس» إن الإدارة الأمريكية قد علمت منذ «أسابيع مضت» بحقيقة الاتصالات بين فلين والسفير الروسي، و نشرت «واشنطن بوست» تقريرًا تقول فيه إن «سالي ييتس» القائم بعمل النائب العام الأمريكي قد قدمت تحذيرًا للإدارة الأمريكية يخص مايكل فلين واصفةً إياه بأنه أصبح عُرضة للابتزاز من الجانب الروسي.

لن توقف استقالة فلين الاعصار القادم، والذي حتمًا سيؤثر على إدارة ترامب، ففلين والذي تحمل سيرته الذاتية تقاربًا مشبوهًا مع روسيا، يجعل من وصوله إلى منصب مستشار الأمن القومي أمرًا شديد الغرابة، حيث جلس فلين إلى جوار بوتين على طاولة عشاء في موسكو عام 2015، وله تاريخ طويل من العلاقات الاستخباراتية مع موسكو، تعود لما قبل ترامب، ويجرى التحقيق معه من قبل الاستخبارات بخصوص تلقيه مبالغ مالية نظير ظهوره في قنوات روسية، وبينما تتراكم الأدلة على مايكل فلين فإنها سوف تورط بالتأكيد مسئولين أمريكيين آخرين في إدارة ترامب وربما دونالد ترامب نفسه.

فحتى قبل أن نعلم بنتيجة التحقيق الذي أجرته أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن التدخل الروسي في الانتخابات، وقبل ظهور الملف الذي يتحدث عن امتلاك روسيا مواد مشينة تُدين دونالد ترامب، قبل هذا كله كانت تصريحات ترامب ومواقفه من روسيا صادمة للغاية. إذ لم يكن دونالد ترامب هو أول رئيس أمريكي يرغب في تحسين العلاقات مع روسيا، ولكنه أول رئيس أمريكي يريد أن يحول دفة السياسة الخارجية الأمريكية لتوافق التوجهات الروسية، وهو أول رئيس أمريكي يعلن إعجابه بالحكم الروسي عن طريق تشوية الموقف الأخلاقي لبلاده.

دونالد ترامب حين سُأل عن وحشية بوتين

لماذا يبدو ترامب إذن شديد العزم على توجيه دفة السياسة الخارجية لبلاده في صالح روسيا، وبينما نحاول جميعًا استيعاب كم التسريبات الإعلامية الخاصة بإدارة ترامب ما يزال السؤال مطروحًا أمامنا، ما الدوافع الحقيقة التي تحرك السياسة الخارجية الأمريكية لدونالد ترامب وهل هناك دوافع أخرى غير ما يراه ترامب «مصلحة أمريكا»؟


هل يقف الأمر عند هذا الحد؟

نحن لدينا الكثير من القتلة، هل تظن أن بلدك بريئة للغاية؟

يأمل البيت الأبيض أن تُغطى أحداث أخرى علي تلك الأسئلة المطروحة وقد تحدثت تقارير إعلامية عدة عن المرشحين لخلافة مايكل فلين، وقالت «فوكس نيوز» إن الاختيار ينحصر بين ثلاثة مرشحين وهم الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، وكان يشغل منصب كبير الموظفين في مجلس الأمن القومي، والذي عين بالفعل فور استقالة فلين قائمًا بأعمال مستشار الأمن القومي وعمل كيلوج ضابطًا مسؤولًا رفيع المستوى في سلطة التحالف المؤقتة في العراق، وهي الهيئة المؤقتة التي كانت تحكم البلاد عقب سقوط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003. والثاني هو «بوب هوارد» وهو جندي سابق في المارينز ولديه علاقات مع وزير الدفاع الأميركي الحالي جيمس ماتيس وعمل هوارد في مجلس الأمن القومي خلال رئاسة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، وتولى قيادة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب. والاسم الثالث المرشح، هو الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، والذي تورط أثناء فترة إدارته لوكالة الاستخبارات المركزية في تسريب معلومات سرية إلى صديقته، وغادر على إثر هذه الفضيحة الخدمة.

في النهاية؛ يبدو أن سنوات ترامب في السلطة ستكون محفوفة بالأزمات، ويمكننا أن نقرأ من كم التسريبات والتقارير السرية المسربة عن إدارته أن هناك جهازًا ما يبحث في حقيقة علاقة ترامب ومساعديه بالروس، وأن تلك الخيوط ستقود يومًا ما إلى الرئيس الأمريكي الجديد. فهل ينجو ترامب من حقل الألغام أم تنتهي أيامه في السلطة قريبًا؟