منذ بدايات القرن العشرين وتفجر النفط في تلك الأرض الصحراوية القاحلة، اكتسب الشرق الأوسط أهمية إستراتيجية في السياسة الأمريكية. خاضت أمريكا الحروب تلو الحروب لحماية مصالحها في المنطقة، ودعمت نفوذها عن طريق التحالفات التي أنشأتها، والمساعدات التي قدمتها لمن والاها من الأنظمة والأفراد، والعقوبات والانقلابات التي أسقطت من قال لها لا.

من مراجعات غزو العراق في إدارة بوش إلى تبعات الإطاحة بالقذافي برعاية أوباما، ومن الدبلوماسية الناعمة إلى قوة «الدرونز» الخشنة، ليس من المستغرب أن يكون الشرق الأوسط محورًا في كل مناظرة أو حوار سياسي يدور بين المرشحين الأمريكيين.

وفي هذا المقال سوف نحاول استعراض موقف كل مرشح من الشرق الأوسط ورؤيته في ظل التطورات المستمرة في الساحة الشرق أوسطية.


بنت المؤسسة التقليدية: هيلاري كلينتون

وزيرة الخارجية، ونائبة الكونجرس، والسيدة الأولى، كل هذه المواقع التي تقلبت فيها هيلاري كلينتون جعلت منها المرشح الرئاسي الأكثر خبرة واتساقًا مع رؤية المؤسسة الأمريكية التقليدية تجاه الشرق الأوسط. مستندة في ذلك للرؤية التقليدية للأمن القومي الأمريكي، تُعد هيلاري كلينتون من أقوى الداعمين للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط لحماية المصالح الأمريكية التقليدية، بالإضافة إلى احتفاظها بنظرة تقليدية تجاه الحلفاء والأعداء التاريخيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فخلال خدمتها كوزير للخارجية في إدارة أوباما، لم تبادر كلينتون إلى دعم ثورة 25 يناير ضد نظام حسني مبارك، بخلاف الرئيس أوباما، إلا أنها دعمت وبكل قوة القرار الغربي بفرض حظر للطيران في ليبيا عام 2011 لدعم المعارضة وإزاحة القذافي من السلطة. وعلى إثر ثورات الربيع العربي أدارت كلينتون العديد من برامج التنمية التابعة لوزارة الخارجية والتي تُعنى بمساعدة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط عامة وبلدان الربيع العربي خاصة.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه أوباما تبعات التدخل الأمريكي في ليبيا «أكبر إخفاقاته التي ندم عليها»، لا تزال كلينتون تدافع بشراسة عن موقفها حين ذاك قائلة: «أظن أننا قمنا بعمل عظيم لمساعدة الشعب الليبي بعد رحيل القذافي» ومؤكدة على أن «الشعب الليبي يستحق فرصة الديمقراطية، وأنا كرئيس سوف أسعى دائمًا لإعطائهم هذا». ليس هذا فحسب، إذ ترى كلينتون -التي أيدت غزو العراق فيما مضى أيام جورج بوش الابن- أن التدخل في سوريا قد يكون خيارًا مطروحًا لإسقاط نظام بشار الأسد ووضع حد لأنهار الدماء وموجات النزوح في سوريا. وفي مقابل أوباما الذي يرى ليبيا أكبر إخفاقاته، ترى كلينتون أن سوريا هي أكبر إخفاقات الإدارة الأمريكية: «لم يقف أحد بوجه الأسد من أجل إزالته، لذا أصبح الآن لدينا كارثة أكبر بكثير مما هي في ليبيا»؛ الأمر الذي دفعها لإعلان دعمها -المرة تلو المرة- للمقترح التركي بإقامة منطقة حظر طيران آمنة للمدنيين في شمال سوريا، إلا أن هذا الطرح لاقى رفضًا متكررًا من رئيس «نوبل للسلام»؛ أوباما.

الموقف من سوريا ليس إلا تعبير عن رؤية كلينتون التقليدية للمنطقة والحريصة على «ضرورة الوقوف بجوار حلفاء أمريكا التقليديين» بالشرق الأوسط من دول الخليج، التي تلقى آل كلينتون تبرعات من حكوماتها تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، إلى تركيا شريكة الولايات المتحدة في الناتو، وبالطبع إسرائيل التي قدمت كلينتون الخطاب الأكثر دعمًا وانحيازًا لها بين المرشحين للرئاسة الأمريكية في مؤتمر الآيباك الأخير. مؤتمر حرصت فيه كلينتون على استرضاء قيادات اللوبي الصهيوني الساخطة على الاتفاق النووي الذي عقدته الإدارة الأمريكية مع طهران، إذ أكدت فيه نيتها فرض عقوبات حازمة على طهران فور مخالفتها أيّ من شروط الاتفاق، إلا أنها لم تبد نية للتراجع عن الاتفاق الذي عقدته الإدارة الديموقراطية بحد ذاته.


على درب أوباما وأكثر: بيرني ساندرز

يختلف ساندرز كلية عن خط السياسة الأمريكية التقليدية. بإمكاننا القول أن درب ساندرز هو درب أوباما إن مددنا خط الثاني إلى آخره. يدعم ساندرز الاتفاق النووي مع إيران ويرفض سياسة «نشر الديموقراطية» الأمريكية، إذ يعارض التدخل في سوريا كما عارض من قبل التدخل في ليبيا والحرب على العراق، والتي وصفها بأنها أسوأ خطوة سياسية أقدمت عليها الولايات المتحدة في تاريخها. خلال مناظرة بين الديمقراطيين في 14 من إبريل/نيسان المنصرم،قال ساندرز: «تغيير النظم يتبعه تطورات غير محسوبة، ففي العراق مثلا وفي ليبيا تملك داعش الآن موطئ قدم شديد الخطورة». رغم اعترافه بالمذابح التي يقوم بها الأسد تجاه شعبه إلا أنه – كما أوباما – لا يقدم في سبيل رحيل بشار الأسد إلا الأمنيات الطيبة، مركّزًا على أن أولوية المعركة الآن هي داعش. وحتى على هذا الصعيد فساندرز يرى أن الدول الإسلامية هي التي يجب أن تقوم بالدور الأساسي في القضاء على التنظيم المتطرف مقترحًا، بمثالية وردية مثيرة للسخرية، خطة لذلك عن طريق إقامة تحالف إيراني – سعودي للقيام بهذه المهمة. ومثل أوباما، وعلى العكس من كلينتون، فإن بيرني ساندرز لا يدعم منطقة حظر للطيران فوق سوريا.

وفيما يخص موضوع المساعدات الخارجية فلم يصرح ساندرز بالكثير فيما يخص «دعم الديقراطية عن طريق الوسائل الناعمة»، ولكن بشكل عام فقد دعم ساندرز برامج المساعدات الخارجية كسيناتور والتي تضمنت تقديم الدعم للدول الفقيرة. وبخلاف موقف العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكيين إثر أحداث 2013 التي أطاحت بالرئيس المنتخب محمد مرسي عبر انقلاب مثير، صرح ساندرز بأنه لا يجب إيقاف الدعم لمصر حيث قال: «من السهل أن تقول اقطع الدعم غدًا، ولكن ماذا يحدث إذا انحدرت البلاد إلى حرب أهلية؟. من خلال الدعم تملك الولايات المتحدة النفوذ، والسؤال هو كيف نستخدم هذا النفوذ». وعبّر عن إيمانه بضرورة الضغط على حكومة مصر ودول أخرى لأجل دعم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.


تبًا لكل هذه الفوضى: دونالد ترامب

يمتلك ترامب سياسة خارجية محدودة بإطار ضيق لمفهوم الأمن القومي الأمريكي. عارض ترامب وبشدة سياسات نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط،وله تصريح شهير بأن الشرق الأوسط كان سيبدو أكثر استقرارًا مع ديكتاتور كصدام حسين أو معمر القذافي. وقال أيضًا: «انظر إلى ما فعلناه في ليبيا، إنها فوضى، وانظر إلى صدام حسين والعراق وما فعلناه من فوضى هناك». يرفض ترامب «عبث» إهدار الأموال على الشرق الأوسط – بدلًا من ضخها في تنمية الاقتصاد الأمريكي- حيث قال في إحدى المناظرات: «أظن أننا أنفقنا 4 ترليون دولار محاولين الإطاحة ببعض الرؤساء … فقدمنا إساءة كبيرة، ليس إلى الشرق الأوسط وحده، بل إلى الإنسانية كلها، البشر الذين قتلوا والذين هُجروا، من أجل ماذا؟!».

كما صرح بأن على أمريكا «التخلص من داعش أولًا قبل أن تفكر في الأسد». هذا غير موقفه الرافض لدخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك يدعم ترامب فكرة إنشاء منطقة حظر طيران فوق الأراضي السورية يقيم فيها الهاربين من قصف الأسد وإرهاب داعش.

أما فيما يخص الوضع في ليبيا، ففي الـ28 من فبراير 2011 نشر ترامب فيديو يدعو فيه للتدخل الأمريكي في ليبيا بصورة سريعة ودقيقة من أجل الإطاحة بالقذافي وإنقاذ أرواح الليبيين، إلا أن ترامب عاد وغير موقفه إثر ذلك حيث صرح لاحقًا بأن أمريكا كانت أفضل حالًا مع القذافي. وعلى صعيد القضية الفلسطينية يرى ترامب أن على الولايات المتحدة القيام بدور «الوسيط» لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد صرح ترامب سابقًا بأنه إذا وصل إلى الرئاسة فإنه سوف يعلق الصفقة النووية وسوف يقول لإيران مُقدمًا: «لن تحصلوا على 150 مليار دولار خاصتكم». فوفقًا لتعبيره سوف تصبح إيران أمة أكثر خطورة إذا حصلت على هذه الأموال. وبالنسبة للشراكة الخليجية الأمريكية فقد صرح ترامب بأنه ليس مُحبًا للسعودية وأن أمريكا قد أهدرت الكثير في محاولة دعم هذه الدولة، حيث قال: «كما تعرفون فالسبب الرئيسي لدعمنا للسعودية هو حاجتنا إلى النفط، والآن لا نحتاجه كثيرًا». في المقابل، وبعد تصريحات ترامب المعادية للإسلام، أعلن رجال أعمال من دول مختلفة من الخليج وخاصة الإمارات أنهم سوف يسحبون استثماراتهم في أمريكا إذا ما فاز ترامب بالرئاسة.


مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط

مما سبق يمكننا أن نقرأ الحالة التي ستكون عليها السياسة الخارجية الأمريكية بعد أوباما، يركز المرشحون بالدرجة الأولى على هزيمة داعش ومن ثم تأتي بقية الأولويات من تقييم للتدخل في ليبيا ومن نقاش حول مصير نظام الأسد في سوريا. من الملاحظ أن المرشحين الأوفر حظًا؛ كلينتون وترامب، يدعمان إنشاء منطقة حظر طيران فوق سوريا لحماية اللاجئين من طيران الأسد، بينما تقف كلينتون وحيدة لتدافع عن التدخل في ليبيا بوجه لكمات ترامب وساندرز اللذين يران فيه نموذجًا لفشل سياستها.

تبدو إذن هيلاري كلينتون أكثر ميلًا للسياسة الكلاسيكية تجاه الشرق الأوسط من ناحية استمرار دعم الخليج والتدخل من أجل دعم الديمقراطية في دول الربيع العربي، أما ترامب فيعتنق سياسة خارجية انعزالية تشمل إعادة تعريف لمحددات الأمن القومي الأمريكي بصورة أضيق كثيرًا عما جرت عليه العادة. أما بيرني ساندرز الديمقراطي فيبدو أقرب لترامب بسياسته الخارجية، وما يفصله عنه هو ميله لاستعمال القوة الناعمة والدبلوماسية في دعم الديموقراطية وتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.

المراجع
  1. بروكنجز: ماذا تعني الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 بالنسبة للشرق الأوسط
  2. The Presidential Candidates on Democracy Promotion in the Middle East