نقص من الأموال والأنفس والثمرات، هذا هو شعار 2016 الذى رفعته مصر في وجه معارضي النظام، تسلب بعضَهم أمواله وتصادرها، وتسلب بعضَهم حريتهم فتسجنهم، وتسلب آخرين أرواحَهم فتقتلهم، لا ليس المعارضين الخطرين فقط من جماعة الإخوان المسلمين الموصوفة بالإرهابية من طرف الحكومة وجهاز داخليتها، ولكن أيضا من النشطاء والصحفيين والحقوقيين وأصحاب المبادرات المجتمعية، الجميع طالته يد الدولة.

هنا ترصد «إضاءات» أبرز 6 ملفات قضت على ما تبقى من رماد حقوق الإنسان في مصر، ملفات سيئة السمعة سجل فيها النظام المصري في 2016 أسوأ الإنجازات التي ربما لا تزول آثارها في القريب.


1. الحجز على الأموال والمنع من السفر

القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميًا بـ «قضية التمويل الأجنبي» على الرغم من انتهاءها نظريًا في 1 مارس/ آذار 2011 بمغادرة المتهمين الأساسيين في القضية مطار القاهرة الدولي بعد رفع أسمائهم من قوائم المنع من السفر وتسديد غرامة 32 مليون جنيه مصري، إلا أنه وبعد أربعة أعوام من غلق القضية تم فتحها مرة أخرى وتوجيه اتهامات لمنظمات وأشخاص لم يكونوا مدرجين في القضية.

كان آخر القرارت الخاصة بقضية التمويل الأجنبي إلقاء القبض على المحامية «عزة سليمان» رئيسة مجلس أمناء مؤسسة «قضايا المرأة المصرية» إلا أنه تم إخلاء سبيلها على ذمة القضية بعد تسديد كفالة قدرها 20 ألف جنيه مصري؛ كما أنه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 تم التحفظ على أموال سليمان وتجميد حسابتها المصرفية إلى جانب منعها من السفر.

شملت القضية بعد إعادة فتحها إجراءات مشابهة مع عدد من مديري المؤسسات الحقوقية، ففي يوم السبت 17 سبتمبر/ أيلول 2016 تم التحفظ على الأموال السائلة والمنقولية لكلٍ من الصحفي «حسام بهجت» والمحامي «جمال عيد»، كما قررت التحفظ على أموال ثلاثة مراكز حقوقية ومديريها وهي مراكز «الحق في التعليم»، «هشام مبارك»، و«القاهرة لدرسات حقوق الإنسان».

لم يشمل التضيق على المؤسسات الحقوقية إدرجها في قضية التمويل الأجنبي أو مصادرة أموالها وأموال مديرها بل شمل العديد من قرارات المنع من السفر، وعلى رأس الممنوعين من السفر الناشطة «مزن حسن» المديرة التنفيذية لمركز نظرة للدرسات النسوية؛ والتي علمت بقرار منعها من السفر داخل مطار القاهرة قبل سفرها لبيروت بساعات، ومديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف «عايدة سيف الدولة»(4).

هذا إلى جانب من تم التحفظ على أموالهم على ذمة قضية التمويل الأجنبي، إلا أنه يظل عدد الصادر بحقهم قرارات المنع من السفر غير معلومة حيث أن لجنة التحقيق لا تبلغ المعنيين بقرارها وإنما يتفاجؤون به عند استعداهم للسفر وفي اللحظات الأخيرة.


2. قانون الجمعيات الأهلية الجديد: لا مجال للعمل المدني بمصر

القانون سيدمر المجتمع المدني في البلاد لأجيال وسيحوله إلى ألعوبة في يد الحكومة

ماينا كياي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات

في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 أعلن مجلس النواب المصري موافقته بشكل نهائي على قانون الجمعيات الأهلية الجديد والذي اقترحه النائب «عبد الهادي القصبي»،وقال رئيس مجلس النواب «على عبد العال»: «استجبنا لكثير من المطالبات التي طالب بها أصحاب الجمعيات الأهلية، وأستطيع أن أقول وبقلب مطمئن إن هذا القانون لبّى حاجات مؤسسات المجتمع المدني والحفاظ على الأمن المصري».

على الرغم من تصريح عبد العال بأن القانون استجاب لكثير من طلبات أصحاب الجمعيات الأهلية إلا أن الكثير من العاملين بالمجتمع المدني والمنظمات الدولية أظهروا اعتراضهم على نص القانون؛ ففي تقريرها انتقدت «منظمة العفو الدولية» القانون من حيث سرعة الموافقة عليه خلال جلستين فقط ودون الاستماع لأصحاب الشأن من الجمعيات والتي يبلغ عددها ما يقرب من 47 ألف جمعية.

كما تقدمت(6) 28 منظمة حقوقية وحزبًا سياسيًا بمذكرة قانونية للرئيس السيسي مطالبة إياه بعدم الموافقة على القانون؛ واستندت تلك المنظمات على عدد من الآراء كان أبرزها: عدم دستورية بعض مواد القانون الخاصة بالهيكال التنظيمية للعمل الأهلي، التعارض بين المواد المنظمة لأنشطة الجمعيات والدستور، كما استنكرت المذكرة المجلس الذي نص عليه القانون لإدارة الكثير من عمل المنظمات وأطلقت عليه «المجلس الأمني».

يضع القانون الجديد العديد من القيود على العمل الأهلي في مصر، بداية من القيود على إجراء الأبحاث الميدانية وأبحاث الحالة والتي تعد جزءًا أساسيًا من مكونات العمل الخيري والتنموي، إلا جانب القيود على جمع التبراعات وتلقي التمويلات اللازمة لتنفيذ برامج ومشاريع تلك الجمعيات، إلى جانب تشديد العقوبة في القانون لتصل إلى الحبس بعدما كانت أقصى عقوبة هي الغرامة.


3. الاختفاء القسري يهدد المصريين

منظمة العفو الدولية

شهد عام 2016 استمرارًا في تزايد أعداد المختفين قسريًا في مصر،فرصدت التنسقية المصرية للحقوق والحريات في الستة أشهر الأولى من عام 2016 ما يقرب من 1000 حالة اختفاء قسري مقسمين كالآتي: 232 حالة في يناير/ كانون الثاني، 204 حالة في فبراير/شباط، 184 حالة في مارس/ آذار، 111 حالة في إبريل/ نسيان، 201 حالة في مايو/ آيار، 69 حالة في يونيو/ حزيران. بينما رصد المجلس القومي لحقوق الإنسان 312 حالة اختفاء قسري.

بينما رصدت منظمة هيومان رايتس مونيتور في الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتي أغسطس/ آب 2016 262 حالة اختفاء قسري، كما أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها المعنون بـ «مصر: رسميًا: أنت غير موجود: اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب» والخاص برصد حالات الاختفاء القسري والتي كان أبرزها حالة «آسر محمد» والذي اختفى قسريًا في سن 14 عامًا في 12 يناير /كناون الثاني 2016؛ وظل مختفيًا طوال 34 يومًا تعرض خلالها للعديد من الانتهاكات الجسدية على يد الشرطة المصرية حتى تم العثور عليه بأحد مقار الأمن الوطني.


4. السجون في مصر: الإهمال والتعذيب طريقك للموت

لم يتميز عام 2016 بقمع حركة المجتمع المدني أو بتزايد أعداد المختفين قسريًا بل سجلت أيضًا عامًا من أسوأ الأعوام في سجلات السجون المصرية بداية من الإهمال الطبي والتعذيب البدني وصولًا للتعذيب الجنسي، ففي الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني 2016 ل 7 يونيو/ تموز 2016 وفقًا لتقرير مركز النديم المعنون بـ «كشف حساب: أرشيف القهر في 728 يوم » شهدت مقار الاحتجاز 250 حالة إهمال طبي و 51 حالة وفاة بمقار الاحتجاز، إلى جانب 236 حالة تعذيب و 44 حالة تعذيب جماعي.

يعد سجن العقرب أحد أكثر السجون التي تمارس الإهمال الطبي ضد سجنائها بداية من عدم توفير متطلبات الحياة الأساسية والتي تسمح للسجناء بالحفاظ على نظافتهم الشخصية والتي تؤدي للعديد من الأمراض الجلدية، كما يتدخل القائمون على السجن في العلاج الشخصي للسجناء.

فالكثير من العقاقير الطبية غير موجودة بصيدلية السجن وحين يوفرها أهالي السجناء يقوم القائمون على السجن بمصادرتها، كما ترفض إدارة السجن السماح للسجناء بتلقي العلاج خارج أسوار السجن على الرغم من عدم توافر مستشفى تابعة للعقرب مثل أغلب السجون المصرية.


5. حرية الصحافة في مصر: تعلّم ألا تعارض

لم يكن عام 2016 عامًا جيدًا على تاريخ الصحافة المصرية فلأول مرة منذ إنشاء نقابة الصحفيين المصريين تم الحكم على نقيب الصحفيين «يحيى القلاش» وعضوان من النقابة بالحبس لمدة عامين وكفالة 10 آلاف جنيه لكل واحد منهم، وجاء الحكم على القلاش وزميليه على خلفية اعتصام الصحفيين «عمرو بدر» و«محمود السقا».

لم تكن تلك هي الحادثة الأولى التي تشهدها نقابة الصحفيين في تاريخها عام 2016، ففي 1 مايو/ آيار 2016 اقتحمت قوات الأمن النقابة وألقت القبض على عضوين من النقابة بتهم محاولة قلب نظام الحكم ونشر أخبار كاذبة وذلك عندما نشرا أخبارًا ووثائق تثبت مصرية جزيرتي تيران وصنافير واعتراضهم على اتفقاية ترسم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية.

و رصد مرصد «صحفيون ضد التعذيب» 582 انتهاكًا صحفيًا في الستة أشهر الأولى من عام 2016 مقسمين كالآتي: 195 واقعة منع تغطية صحفية، 74 حالة تعدٍ بالقول والتهديد 73 حالة ضرب وإصابات، 57 حالة احتجاز غير قانوني و51 حالة تقاضٍ بتقديم بلاغات ومحاضر ضد الحصفيين.

بينما شهدت الستة الأشهر الأخيرة من العام ما يقرب من 190 انتهاك بحق الصحفيين مقسمين إلى 106 انتهاك منذ شهر يوليو/ تموز حتى شهر سبتمبر/ أيلول، و 29 انتهاكًا خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول، و 55 انتهاكًا خلال شهر نوفمبر / تشرين الثاني.


6. القتل خارج إطار القانون: الوجه الآخر لتصفية المعارضة في مصر

لقد أصبح الاختفاء القسري أداة رئيسية من أدوات سياسة الدولة في مصر. فمن يجرؤ على رفع صوته يصبح مهددًا في ظل استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف، استجواب وتعذيب كل من يتحدى السلطات.

لم تتوقف أسباب حالات القتل داخل مقار الاحتجاز على الإهمال الطبي أو التعذيب أو أحكام الإعدام الهستيرية، إنما امتدت للقتل خارج إطار القانون، فوفقًا لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب هناك 754 حالة قتل خارج القانون في الفترة من يناير/ كانون الثاني 2016 وحتى يونيو/ تموز 2016، كان من بينهم 202 حالة في شهر مارس / آذار الماضي.

كان أبرز تلك الحالات هي حالة عضو مكتب إرشاد جماعة الأخوان المسلمين «محمد كمال» يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بشقة بمنطقة المعادي بالقاهرة، حيث داهمت قوات الأمن الشقة؛ وقالت في بيان لها أنه تم تبادل إطلاق النار لوكر للعناصر الإرهابية وتم اتهام كمال بأنه ضمن المتورطين في حادثة اغتيال النائب العام السابق المستشار «هشام بركات».

أيضًا ينضم لقائمة حالات القتل خارج إطار القانون حالة مقتل الطالب اللإيطالي «جوليو ريجني» والذي وجدوا جثته ملقاه بنفق حازم حسن طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وأنكرت السلطات المصرية مسئوليتها عن الحادث رغم أن تقرير تشريح جثته يشير لوجود حالة تعذيب ممنهجة أدت لوفاته.

المراجع
  1. صحفيون ضد التعذيب، تقارير رصدية، مرصد صحفيون ضد التعذيب
  2. محمود حسونة، "صحفيون ضد التعذيب": 582 انتهاكا ضد حريات الإعلام بمصر في أول 2016، الوطن، 31 يوليو 2016.
  3. عمرو عويس، الإهمال الطبي يتسبب في وفاة معتقل جديد بسجون مصر، عربي 21، 18 يناير 2016.
  4. مركز النديم، كشف حساب، مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، يونيو 2016.
  5. منظمة العفو الدولية، مصر: اختفاء وتعذيب المئات وسط موجة من القمع الوحشي، 13 يوليو 2016.
  6. مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان، مالآخذ القانونية والدستورية ومواطن الإعتراض على مشروع قانون الجمعيات الأهلية.
  7. Amnesty International, Egypt: Singing new NGO bill would be a death warrant for Egyptians rights groups, 18 November 2016.
  8. رنيم العفيفي، 2016 العام الأشد قتامة على الحقوقيات، ولها وجوه أخري، 5 ديسمبر 2016.
  9. Ruth Michaelson, Arrest of leading Egyptian feminist Azza Soliman, the guardian, 7 December 2016
  10. سما أشرف، قصة قضية «تمويل المنظمات»، البداية، 17 مارس 2016، القاهرة.
  11. باسل باشا، بعد التحفظ على أموالهما عيد مستمرون في طريقنا، البداية، 17 سبتمبر 2016.
  12. القتل خارج القانون بمصر..أداة للانتقام من المعارضة
  13. الطالب الإيطالي المقتول في مصر واجه "عنفا حيوانيا غير إنساني"