وسط احتفالية أسطورية بتكلفة هائلة بلغت 30 مليون دولار، تحملتها شركات مصرية وأجنبية، وتحت شعار “من أم الدنيا لكل الدنيا” افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي تفريعة قناة السويس الجديدة في السادس من أغسطس الجاري. وخلال الافتتاح اعتمد السيسي انطلاق العمل في مشروع تنمية منطقة قناة السويس والمسمى بـ “الحُلم المصري العظيم”، مُعلناً أن مشروع التنمية يستهدف إنشاء منطقة اقتصادية عالمية تشمل عدد من الموانئ والمدن الجديدة والمراكز اللوجستية.

ووفقاً لرؤية الحكومة، ستُسهم المنطقة الاقتصادية المُخطط إنشاءها في تحقيق زيادة في معدلات التبادل التجاري بين مصر ودول العالم، التي تراجعت بصورة كبيرة منذ ثورة يناير؛ حيث تراجعت صادرات مصر لدول العالم من 27,3 مليار دولار في عام 2010 إلى 24,5 مليار دولار خلال العام 2014. وفي المقابل ارتفعت حجم الواردات من الخارج من 52,9 مليار دولار في عام 2010 إلى 65,5 مليار دولار في العام الماضي.

ويوضح المخطط العام لمشروع التنمية أن الأسس التي بنيت عليها فكرة المشروع، هي احتياج مصر الشديد لمشروعات اقتصادية قومية عملاقة لدعم الاقتصاد المصرى، تفيد الأجيال الحالية والمقبلة، مع استغلال الإمكانيات الحالية في موانئ المشروع والمناطق الصناعية في تنميتها واستغلال الظهير الجغرافي لها في إنشاء مناطق صناعية ولوجستية تعتمد على استغلال البضاعة المارة في قناة السويس في إنشاء تلك الكيانات، فضلًا عن توفير فرص عمل للشباب من أبناء مصر من جميع المحافظات في جميع التخصصات.

أهمية مشروع تنمية منطقة قناة السويس

بدايةً، ووفقا لقراءات عربية وأجنبية كثيرة، يُعتبر مشروع تنمية منطقة قناة السويس المُسمى بمشروع “الحُلم المصري العظيم” بمثابة قاطرة نمو وبناء جديدة للاقتصاد المصري. فذلك المشروع قائم بهدف “كلي” يضمن تحويل مصر إلى مركز اقتصادي ولوجستي وصناعي وتجاري عالمي من شأنه أن يؤثر في حركة التجارة العالمية من خلال خلق كيانات صناعية ولوجستية جديدة باستغلال عبقرية الموقع الجغرافي لمصر بمنطقة قناة السويس.

أما عن الأهداف الجزئية للمشروع، فتشمل استغلال الموارد والطاقات والكيانات الحالية في الاقتصاد المصري، تشجيع رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية وجذب أكبر قدر من الاستثمارات للمشاركة في المشروع، والذي يؤدي بدوره إلى تعزيز الحركة الاستثمارية في الاقتصاد المصري، وزيادة الدخل القومي المصري، وبخاصة من العملة الصعبة نتيجة الزيادة المتوقعة لدخل قناة السويس من زيادة معدلات مرور السفن بالمجرى الملاحي بعد تعزيز حجم التجارة العالمية المارة من القناة.

ويوضح المخطط العام للمشروع، أن هناك توجهًا حكوميًا نحو المشروعات ذات العائد السريع والتي يمكن أن توفر حلولًا عاجلة لمشاكل هيكلية يُعاني منها المجتمع المصري، على سبيل المثال مشكلة الأمن الغذائي والبطالة المتزايدة، وهنا جاء تفكير الحكومة في المشروع القومي للاستزراع السمكي، بشرق القناة ليمتد من جنوب التفريعة حتى خليج السويس، وذلك من أجل توفير منتجات غذائية آمنة تسد حاجة المجتمع بالإضافة إلى توفير فُرص عمل لقطاع كبير من الشباب بمنطقة القناة، فضلا عن إمكانية إقامة صناعات متطورة ومنتجات ذات جودة عالية تصلح للتصدير.

آليات تمويل مشروع التنمية

يضم مشرع “تنمية منطقة قناة السويس” نحو 42 مشروعا منها 6 مشروعات ذات أولوية للحكومة تشمل مشروع تطوير طرق “القاهرة – السويس -الإسماعيلية – بورسعيد” إلى طرق حرة ، و”إنشاء نفق الإسماعيلية”، و”إنشاء نفق جنوب بورسعيد”، و”تطوير ميناء نويبع كمنطقة حرة”، و”تطوير مطار شرم الشيخ”، و”إنشاء مأخذ مياه جديد على ترعة الإسماعيلية”. وتلك المشروعات كثيفة الاحتياج لرأس المال، لذا يقع على عاتق الحكومة الترويج بشكل جيد لتلك المشروعات من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل بأقل قدر ممكن من الفوائد المترتبة على ذلك التمويل.

وتتنوع مصادر تمويل المشروع المتوقعة، بين الاكتتاب الشعبي، كما حدث في تمويل مشروع التفريعة، والتمويل الحكومي ومساهمات البنوك الوطنية والأجنبية والمستثمرين ورجال الأعمال الوطنيين والدول الصديقة والشقيقة والمستثمرين الأجانب.

وبطبيعة الحال تتنوع مصادر التمويل طبقا لنوعية المشروع في حد ذاته، فالحكومة على سبيل المثال يجب أن تقتصر اهتماماتها بالعمل على إنهاء أعمال البنية التحتية والمرافق والكباري والأنفاق، على أن تقوم الحكومة بالاعتماد على القطاع الخاص المحلي والأجنبي في تمويل المشروعات ذات العوائد المالية المرتفعة.

أما المشروعات الصغيرة والمتوسطة مثل تلك العاملة في مجالات صيانة وإصلاح السفن، وكذلك صناعة مراكب الصيد وصيانتها، إضافة إلى مشروعات الاستزراع السمكي، وكذلك مشروعات التعبئة والتغليف، وأيضا مشروعات التخزين والإمداد، ومشروعات سيارات النقل بأنواعها، يُمكن أن يتم تمويلها من قبل الصناديق التنموية كالصندوق الاجتماعي للتنمية.

وقطاعات اللوجيستيات والنقل عادةً ما تكون محل تنافس من قبل القطاع الخاص، سواء الأجنبي أو المحلي. وتلك المشروعات تتطلب أيضا وفرة في النقد الأجنبي، وهو ما يتوافر لدى الجهاز المصرفي، كما أنها تدر أرباحًا عالية؛ الأمر الذي يجعل البنوك على اختلاف أنواعها وأنشطتها تسعى للاستثمار في مشروع التنمية.

ومن المستبعد هنا أن تلجأ الحكومة مرة أخرى لآلية الاكتتاب الشعبي، وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية. فمن ناحية لن تستطع الحكومة تحمل تكاليف العوائد المتزايدة على شهادات الاستثمار الشعبية. وعلى الجانب الآخر عادةً ما يُفرغ الشعب المصري عاطفته مرة واحدة وبشكل مُكثف، لذا من المستبعد أن يلتف الشعب المصري مُجددا حول جمع المليارات من أجل تمويل المشروعات القومية.

ماذا عن أهمية مشروع تفريعة قناة السويس؟

يعد افتتاح مشروع تفريعة قناة السويس، التي تسمح بازدواج الطريق الملاحي لمسافة 37 كم من طول القناة الإجمالي الذي يعادل 195 كم، بمثابة خطوة ضمن خطوات كثيرة أكثر أهمية، من أجل المساهمة في تنشيط حركة التجارة العالمية المارة من خلال قناة السويس، من خلال زيادة عدد السفن المارة بالقناة ولكن على المدى البعيد، وذلك لأن المتوقع رفع القدرة الاستيعابية للقناة من 49 سفينة حاليا إلى 97 سفينة بحلول 2023. وذلك أعلى بقليل من المعدل الذي كان متوقع الوصول إليه حتى في حالة عدم إنجاز مشروع التفريعة في الوقت الراهن.

ولكن هل تُسهم التفريعة في رفع معدلات التجارة المارة بالقناة؟ هل يعبر القناة مزيد من ناقلات البترول العملاقة؟ فالقناة يمر بها نحو 64٪ من ناقلات البترول، و97% من أسطول سفن الصب و١٠٠٪ من باقي أنواع السفن، أما عن المانع من زيادة عبور ناقلات البترول فليس له علاقة بحجم التجارة أكثر منه لأسباب فنية من حيث عُمق القناة الذي لا يتلاءم مع تلك الناقلات العملاقة. وعن بقية أنواع السفن، فالقناة فعليا تستقبل مُعظمها ومن ثم فالتفريعة لن تُسهم كثيرا في زيادة تلك السفن إلا إذا كان هناك نمو في حركة التجارة.

فالهدف الحقيقي، ورُبما الوحيد حاليا، للتفريعة هو تقليل زمن رحلة العبور في القناة من 20 إلى 11 ساعة، بالإضافة إلى تقليل عدد ساعات انتظار السفن إلى 3 ساعات فقط. في تلك الحالية ستتراجع تكلفة الشحن بين دول شرق إفريقيا، والخليج وأوروبا، وأيضا بين دول شرق آسيا وأوروبا، وذلك من خلال سرعة النقل التي ستوفرها للسفن. فعلى كل زمن إضافي كانت تنتظره السفينة داخل القناة كان يتم دفع رسوم إضافية، ومن ثم ستوفر السفن المارة من القناة تلك الرسوم في حال تم تقليل زمن الانتظار. لكنه لن يُمثل تغيرا يُذكر في حجم التجارة الدولية.

وعلى جانب العوائد، نجد أن إيرادات القناة بلغت خلال العام المالي 2014-2015 نحو 5,3 مليار دولار، بما يمثل نسبة أقل قليلا من 7% من إجمالي موارد النقد الأجنبي. وحسبا يرى بعض الخبراء في هذا المجال يُمكن زيادة إيراد مصر من قناة السويس بعد افتتاح التفريعة إلى 13,5 مليار دولار خلال الـ 8 سنوات القادمة بشكل تدريجي، وذلك وفقًا لدراسات الجدوى. ولكن ذلك يتوقف على نشاط حجم التجارة الدولية المتوقع أن يزيد بنسبة 10% على الأقل، وذلك أيضا سيعتمد على حركة مرور حاويات النفط والغاز المُسال من الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا. مع الأخذ في الاعتبار أن حجم التجارة العالمية والأوروبية بشكل خاص في تراجع منذ عام 2005.

وذكرت صحيفة “الاندبندنت” في تقرير لها عن جدوى تفريعة قناة السويس الجديدة، أن هناك مخاوفًا أمنية حاليا من المرور في قناة السويس حيث ينشط تنظيم “داعش” في شبه جزيرة سيناء، كما هاجم قطعة بحرية مصرية في البحر، مما يشكل خطرا على حركة الملاحة في قناة السويس.

مشروع التنمية ومشروع التفريعة؛ أيهما أهم في الوقت الراهن؟

للتفريعة مميزات قد تحصى لدى البعض ولا تُحصى لدى البعض الآخر، وربما كانت المميزات السياسية وإضافة الشرعية للنظام الحالي بحضور عدد كبير من قادة العالم لحفل الافتتاح “الفخم” أكبر بكثير من المميزات الاقتصادية للمشروع. فاقتصاديا عادة ما نلجأ لحساب تكلفة الفرصة البديلة، وهنا نُقارن بين جدوى التفريعة في الوقت الحالي وجدوى إنشاء مشروع تنموي آخر كمشروع تنمية منطقة قناة السويس، المُزمع البدء فيه في الوقت الراهن، فمشروع التنمية وفقا لما هو مخطط سيشمل العديد من المشروعات الصناعية واللوجستية والخدمية وتطوير وإقامة موانئ.

وكما نعرف، جمعت الحكومة نحو 60 مليار جنيه من الشعب المصري خلال العام الماضي من أجل إنشاء مشروع التفريعة، فماذا لو كانت الحكومة استخدمت هذا المبلغ في مشروع التنمية، الذي يهدف بالأساس إلى خلق كيانات صناعية مصرية من شأنها أن تُضيف الكثير للناتج المحلي الإجمالي للدولة، فضلا عن المساهمة في دعم الاحتياطي النقدي للبلاد.

فمشروع التنمية تُقدر تكلفته بنحو 8,2 مليار دولار أي بما يعادل 64 مليار جنيه، يوازي تكلفة حفر تفريعة قناة السويس، ولكن يتضمن المشروع إنشاء 6 أنفاق جديدة أسفل قناة السويس، على أن تكون أنفاق الإسماعيلية 3 أنفاق منها نفقان للسيارات، ونفق للسكك الحديدية لربط سيناء بالضفة الغربية للقناة، وأنفاق بورسعيد عبر نفقين للسيارات ونفق للسكك الحديدية، بما يسمح بمرور القطارات في اتجاهين. بل يشمل الحيز الجغرافي للمشروع، ميناء العريش وميناء شرق بورسعيد وميناء غرب بورسعيد ووادي التكنولوجيا بشرق الإسماعيلية، والمنطقة الصناعية بشمال غرب خليج السويس، وميناء الأدبية وميناء السخنة وميناء الطور. ذلك فضلا عن العديد من المشروعات الصناعية والخدمية واللوجستية.

ومن ثم نجد أن مشروع التفريعة ليس سوى تطوير بسيط لممر مائي للسفن، لكن في حالة استكمال مشروع تنمية منطقة قناة السويس فنحن هنا نتحدث عن منطقة اقتصادية شاملة من خدمات بحرية وصناعة وسياحة وتجارة وتكنولوجيا واتصالات وغيرها، وهو ما يساهم في زيادة الدخل القومي والعمالة.

المشروعات الصناعية التي يتضمنها مشروع التنمية

خلافا للمشروعات سريعة العائد الاقتصادي والمادي، يشمل المشروع عددًا من الصناعات التي يُمكنها خلق قيمة مُضافة للاقتصاد المصري؛ أهمها صناعة تجميع السيارات والإلكترونيات وتكرير البترول والبتروكيماويات والمعدنية الخفيفة وخدمات السفن وبناء وإصلاح وصيانة السفن، والصناعات الخشبية وصناعة الأثاث، وصناعة المنسوجات، والصناعات الزجاجية.

فعن مشروع صناعة تجميع السيارات والإلكترونيات، تنوي الحكومة إقامة مدينة صناعية خاصة تقوم بتجميع السيارات والمعدات وجميع السلع الهندسية. لكن قبل البدء في مثل ذلك المشروع لا بد من التعرف على عدد من الأساسيات المُهمة، أهمها مدى قدرة الشركات على المنافسة في الأسواق العربية والإفريقية والعالمية من أجل إقامة مشروعات صناعات هندسية بمختلف أنواعها. فموقع القناة يعتبر فرصة ذهبية لمثل تلك الصناعات، نظرًا لتوفيره سُبل التصدير إلى أنحاء دول العالم.

لكن حتى تكون هناك تنافسية بين الشركات العاملة في المجال، لا بد وأن يكون هناك تكامل بين الشركات الكُبرى المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات والشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال منحها التكنولوجيا اللازمة للتوسع في الصناعات الهندسية داخل مصر، ذلك في وقت تحتاج فيه مصر إلى تعزيز تلك الصناعة التي تمتلك بها خبرات واسعة النطاق.

وعلى صعيد مشروعات أخرى ذات جدوى اقتصادية كبيرة، كصناعة البترول وتكريره، فحقيقةً هي صناعة حيوية لتوفير المواد الخام للبتروكيماويات من أجل إنتاج الألياف الصناعية والمطاط الصناعي والبلاستيك والأسمدة، والمبيدات الحشرية، وغير ذلك من متطلبات التنمية الاقتصادية.

وهنا يجب أولا التنويه على أن مصر ليست دولة مصدرة للطاقة، حيث أدى انخفاض إنتاج النفط والغاز وزيادة الاستهلاك المحلي إلى تحويل مصر من مُصدر إلى مستورد صافٍ للنفط والغاز في عام 2007. وقد ساهم ارتفاع تكلفة دعم الطاقة في مصر إلى ارتفاع عجز الميزانية في البلاد وعدم قدرة الهيئة المصرية العامة للبترول على سداد ديونها للشركات الأجنبية العاملة في مصر، الأمر الذي أدى إلى تأخير المشغلين الأجانب لاستثماراتهم في مشاريع النفط والغاز الطبيعي القائمة والجديدة.

ورغم أن مصر تُعد من أهم الدول الإفريقية في صناعة تكرير النفط، تراجع حجم المنتجات المُكررة بنحو 28% خلال الفترة من 2009 حتى 2013، مما يعني أن الصناعة تواجه تحديات كبيرة رُبما أهمها التمويل والحاجة إلى عمليات تطوير مستمرة تفتقر إليها الحكومة في ضوء المشاكل التي وقعت مع شركات النفط الأجنبية العاملة في البلاد.

وحتى تستطيع الحكومة تحقيق قيمة مضافة حقيقية تخدم الاقتصاد المصري من خلال تلك الصناعة الإستراتيجية، فهنا لا بد من مراجعة العقود البترولية المُبرمة مع الشركات الأجنبية في مصر. على سبيل المثال العقد المُبرم مع شركة “بريتش بيتروليوم” والذي يقضي بمنح الشركة البريطانية حقوق التنقيب عن النفط والغاز في الأراضي المصرية، بما يخلق سيطرة كاملة للشركة على مجال الطاقة في مصر، حيث تجعل الاتفاقية الأخيرة السيادة الكاملة على حقول النفط والغاز لشركة “بريتش بيتروليوم” وليس الحكومة. فكيف يُمكن لدولة أن تُعزز من مكانتها في صناعة البترول وتكريره وهي ما زالت تُعطي الحقوق كافة للشركات الأجنبية في عمليات الاستكشاف والتنقيب بل والإنتاج، علما بأن الحكومة تستورد النفط من الشركات الأجنبية العاملة في مصر.

فمصر لا زالت حتى الآن تسعى لتأمين احتياجاتها من الطاقة من خلال المعونات والمساعدات أو التسهيلات الائتمانية، وحاليا تتفاوض الحكومة مع 3 دول خليجية للاتفاق مع إحدى هذه الدول لتمويل احتياجات مصر من المواد البترولية لمدة عام بتسهيلات ائتمانية وفترة سماح في الدفع. وذلك في وقت تعاني فيه مصر؛ بعد أن توقفت المنح البترولية الخليجية لمصر تماما منذ يونيو 2015، الأمر الذي أثر سلبيا على مصر بعدما خلق اضطرابات في سوق الوقود المحلى وهنا بدأت تظهر لافتات “عفوا لا يوجد بنزين” مرة أخرى على واجهات محطات البنزين.

وكذلك مصر دولة شأنها شأن بقية الدول العربية، تفتقر لوجود رؤية واضحة عن أهمية البحث العلمي ودوره الفعال في تطوير تلك الصناعة وغيرها من الصناعات الإستراتيجية. بل ما يزيدها ضعفا في هذا المجال هو أن مصر تمتلك احتياطات نفطية ضئيلة جدا بالمقارنة بدول عربية أخرى، ففي وقت تمتلك فيه مصر نحو 4,4 مليار برميل فقط كاحتياطي مثبت من النفط، تمتلك دولة مثل المملكة العربية السعودية احتياطات تُقدر بنحو 265 مليار برميل، والكويت تمتلك نحو 105 مليار برميل.

وهنا يُصبح لزاما على الحكومة تأمين مواردها أولا من البترول ومصادر الطاقة عموما، فمن غير المُجدي أن تقوم مصر باستيراد النفط الخام من أجل تكريره وبيعه كمشتقات بترولية في الأسواق العالمية التي تنافس فيها الكثير من الدول التي لها ميزة تنافسية في هذا المجال، سواء دول الخليج المالكة للنفط، أو الولايات المتحدة الأمريكية والصين صاحبة أكبر مخزونات من النفط على مستوى العالم.

المتطلبات التشريعية والإدارية اللازمة لنجاح مشروع التنمية

انتهت الحكومة من صياغة مشروع قانون المناطق الاقتصادية، الذي يُنظم العمل بمشروع تنمية منطقة قناة السويس، من خلال تعيين مجلس إدارة يضع السياسات العامة للمنطقة وإدارتها لتحقيق الغرض من إنشائها. ومن المقرر أن يُعطي القانون بشكل عام حق التملك والانتفاع والإيجار التمويلي لتنشيط حركة الاستثمار داخل مصر، وسيمتد تطبيقه على موانئ عدة مثل الأدبية ودمياط والإسكندرية وغيرها.

بخلاف التخوفات من إعطاء حق التملك والانتفاع للشركاء الأجانب، والتي نص عليها قانون الاستثمار المصري الجديد أيضا، فهنا كان لا بد من وجود نصوص صريحة توضح وجهة نظر الحكومة حول إمكانية تمتع الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات بميزة تفضيلية في شكل مزايا ضريبية وجمركية ورسوم مخفضة، وذلك وفقا لقدرة تلك الشركات على جلب عدد أكبر من السفن المارة بالقناة؛ أي وفقا لمساهمتها في تنمية حركة التجارة بالقناة.

وهنا لا بد من مراجعة بعض قوانين النقل البحري حتى تتواءم مع السياسات الجديدة الواجب اتباعها مع الشركات متعددة الجنسيات من أجل جذب معدلات مرتفعة من الاستثمار الأجنبي في مشروعات تنمية منطقة قناة السويس. فعلى سبيل المثال ينص البند الثالث من المادة (29) من قانون النقل البحري على وجوب حقوق الامتياز على “الرسوم والضرائب المستحقة للدولة أو لأحد أشخاص القانون العام وكذلك رسوم الحمولة والموانئ والإرشاد والقطر ومصاريف الحراسة والصيانة والخدمات البحرية الأخرى”.

لذا فالأفضل هنا عدم نص القانون على إمكانية تمليك الأجانب، ولكن لا بد من مواءمة كافة قوانين النقل في مصر على أن يكون الهدف في النهاية هو توفير قدر أكبر من الحوافز الاستثمارية التي تعمل على جذب عدد أكبر من الشركات مع توفير بيئة استثمارية مستدامة تجعلها ترغب في استمرارية العمل في مصر من خلال إعادة استثمار أرباحها داخل مشروعات تنموية في مصر دونما تحقيق عائد سريع في سنوات قليلة ثم الهروب إلى خارج مصر.

وإداريا، ما زالت الحكومة تفتقر إلى خلق تلك البيئة التي يُمكنها التعامل مع مشروعات قومية بهذا الحجم، وهنا يُصبح لزاما على الحكومة إنشاء منظومة إدارية جديدة تتناسب مع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد، بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية المتزايدة. وهنا لا بد من الابتعاد عن حكومة العاصمة التي تسيطر سيطرة شبه كاملة على شؤون المحليات من المحافظات والمدن والقرى، على خلق جهاز إداري لا مركزي يشمل مُدن القناة من أجل تسهيل الإجراءات اللازمة لمراحل تأسيس وتشغيل ومتابعة المشروعات المُزمع إقامتها على هامش مشروع التنمية. فضلا عن ضرورة تطوير نظام العمل الإلكتروني لتعزيز حجم التجارة الإلكترونية، المعروفة بالتجارة العابرة للقارات، مستقبلا.

ختاما، حتى تنجح الحكومة فعليا في إنجاز خطوات مُهمة في مشروع التنمية، لا بد من تهيئة التشريعات والقوانين التي تعيق الاستثمار أولا، والالتزام بالاتفاقيات التي يتم إبرامها مع كافة الشركات العاملة بالمشروع سواء المحلية أو الأجنبية، مع الحفاظ على هوية المشروعات المصرية. فمعظم تلك المشروعات تكون استثمارات طويلة الأجل؛ لذلك تحتاج إلى درجة عالية من الوضوح والشفافية في التعاقدات من أجل توفير جانب من الأمان للمستثمر. فمؤسسات التمويل الدولية والإقليمية كثيرا ما أبدت رغبتها منذ مرحلة ما بعد الثورة في الاستثمار داخل الأراضي المصرية، ومن أبرز تلك المؤسسات مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي والبنك الأوروبى للتنمية، ولن يحدث ذلك إلا في حال تبنت الحكومة خطط عمل واضحة وأكثر شفافية وأكثر جذبا للمستثمر الأجنبي.