محتوى مترجم
المصدر
آيون
التاريخ
2017/02/02
الكاتب
سكوت سولومون
وباختصار، ستستمر عمليات خلط السكان الناتجة عن تحركاتهم حول العالم في تشكيل هيكل جيناتنا، وبالتبعية تطورنا المستقبلي، لأجيال عديدة قادمة.

هكذا ختم «سكوت سولومون» مقاله الذي كتب فيه عن توقعاته لمستقبل البشر من الناحية البيولوجية، إذ يرى بأن العديد من الناس في المستقبل سيتم تصنيفهم باعتبارهم مهجنين من أكثر من عرق. فيسوق في البداية مثالًا عن طالبة جامعية من تكساس في الواحد والعشرين من عمرها، لها بشرة داكنة، تجعل الناس يظنون كونها من سكان المتوسط. إلا أن أصلها أكثر تعقدًا. فأبوها نصف شيروكي (من الهنود الأصليين) ونصف قوقازي، وأمها نصف هندية ونصف أفريقية إسكوتلندية، وتفضل أن يُطلق عليها لفظ «هجينة».

زادت العولمة من معدل الاختلاط بين الأجناس بشكل كبير مما أدى إلي طفرة في عدد الأطفال متعددي العرق

ويشير سكوت إلى أن امتزاج الأجناس أمر ليس بالجديد، إذ أن الاختلافات بين المجموعات البشرية تكوّنت عبر عشرات الآلاف من السنين من خلال عمليات الانتشار والتكيف مع الطبيعة والانتخاب على التوالي، ثم التقت هذه المجموعات مع بعضها البعض وامتزجت مرة أخرى إما من خلال التجارة أو الصراع. ولكن الجديد الآن، فيما يرى سكوت، هو المعدل الذي تتم به هذه العملية. إذ زادت العولمة من معدل الاختلاط بين الأجناس بشكل كبير، مما أدى إلى طفرة في عدد الأطفال متعددي الأعراق.يعرّج سكوت بعدها على قصة الجنس البشري، فيشير إلى كون الأدلة الحفرية تدل على أن الإنسان العاقل قد بدأ في الظهور منذ مئتي ألف عام في شرق أفريقيا، ومنذ خمسين ألف عام بدأ في الانتشار نتيجة تغير الظروف. ويمكن الحصول على أدلة على هذه الهجرات القديمة من خلال فحص الحمض النووي للبشر الأحياء، وكذلك الهياكل العظمية القديمة. إن البشر، كما يقرر سكوت، أنواع غير مستقرة من الكائنات. حيث إن الهجرة العالمية اليوم تزداد بمعدل من 1 إلى 2 بالمائة سنويًا، وأن 244 مليون شخص يعيشون خارج أوطانهم. ولن تظهر الآثار البيولوجية لهذه الحالة الضخمة إلا بعد أجيال. إلا أنه يمكن التنبؤ من خلال دراسات الجينات بالشكل الذي سيكون عليه البشر في المستقبل. يشبّه سكوت الانتخاب الطبيعي بغربال بين كل جيل وآخر، يمر منه المؤهل فقط للبيئة الجديدة. ويؤدي تغير الظروف إلى تغير شكل الغربال، وبالتالي، تتغير الجينات المسموح لها بالمرور. وكلما كان عدد الجينات كبيرًا ويتسم بالتنوع، زادت إمكانية تكيف بعض الجينات ومرورها. لكن لسوء الحظ، الجينوم البشري ليس بهذا التنوع، إذ أنه أقل تنوعًا من أنواع أخرى كالشمبانزي والغوريللا، ويرجع هذا إلى أن الجنس البشري كان صغير العدد إلى وقت قريب، إذ كان عدد البشر منذ مائة سنة فقط أقل من ملياري نسمة، وهو الآن سبعة مليارات ونصف بشري على قيد الحياة، ويزداد بمعدل 130 مليون طفل سنويًا، يحمل كل منهم 60 تحولًا جينيًا جديدًا. وبهذا التنوع تنشأ احتمالية التطور المستقبلي. وتعتمد قدرتنا على التكيف، فيما يرى سكوت، على هذا التنوع الجيني الناشئ عن التحولات الجديدة. إلا أن تجمع الجينات البشرية يتكون من تجمعات صغيرة، يمثل كلٌ منها مجموعة سكانية معينة. وحركة هذه المجموعات حول الأرض تسمح للجينات بالانتقال من تجمع إلى آخر، ولهذا آثار مهمة على عملية التطور. ففي عملية التطور، كما يقرر سكوت، تتكيف المجموعات البشرية مع البيئات المحلية التي تتنتشر فيها، إلا أن الحركة السريعة التي يقوم بها البشر اليوم، وامتزاج الأعراق وإنتاج صفات جديدة تمامًا، تعني أنهم يعيشون في بيئة غير متوافقين معها من الناحية البيولوجية جيدًا.

في مدن متنوعة كسنغافورة ازدادت نسبة الزواج بين مختلفي الأعراق من من 7.6% في تسعينيات القرن العشرين إلى 21.5% عام 2015

فعلى سبيل المثال، في حالة المناعة الطبيعية ضد الأمراض المعدية في مكان ما، والتي تنشأ لدى البشر القاطنين فيه، تقوم هذه الهجرات بإلغاء هذه الفوارق الجغرافية كحالة الملاريا مثلًا. وكذلك الأمر نفسه فيما يخص لون البشرة، حيث تتكيف بألوان داكنة في الأماكن ساطعة الشمس، والعكس في الأماكن الأقل سطوعًا.ومن خلال اختلاط المجموعات السكانية الحادث حاليًا، تظهر درجات ألوان متوسطة تتكيف مع الأوضاع المختلفة للحياة. وبالمثل تظهر عن الاختلاط سماتٌ جديدة مختلفة كليًا ناشنة عن توليفات جديدة، فنرى مثلًا أطفالًا ذوي بشرة داكنة ولهم عيون زرقاء كسكان جزر كيب فيردي، المنحدرين من علاقات بين البرتغاليين والأفارقة. هذا الاختلاط حادثٌ الآن في أماكن عديدة من المجتمع. ففي مدن متنوعة كسنغافورة تزداد نسبة الزواج بين مختلفي الأعراق من 7.6% في تسعينيات القرن العشرين إلى 21.5% عام 2015. وفي الولايات المتحدة، تضاعفت النسبة منذ عام 1980. يشير سكوت إلى أن لهذا الاختلاط فائدة، حيث إن بعض السمات النافعة الموجودة في مجموعة سكانية ما من الممكن أن تنتقل إلى مجموعة أخرى. فمثلًا، إذا انتقل أحد سكان جنوب شرق آسيا الذين يحملون مناعة ضد فيروس زيكا إلى أمريكا الجنوبية أو الوسطى، وقام بتأسيس عائلة هناك، قد تنقذ التحولات الجديدة أرواح العديد من البشر، وبنفس الطريقة تأقلم سكان هضبة التبت المرتفعة مع قلة نسبة الأكسجين. وتظهر هذه الفوائد بشكل أكثر بروزًا في عمل مربّي الحيوانات والنباتات. فالقمح الهجين مثلًا يتفوق على العادي عند زراعته في نفس الحقول. إلا أن للأمر أيضًا بعض الجوانب السلبية. ويمثّل سكوت بالاختلافات بين الكلاب المعدّلة جينيًا ونظيراتها الأصلية. حيث تظهر العديد من الاختلالات الجينية المتنوعة. والأمر نفسه يظهر في البشر، والحالة الأكثر بروزًا هي زواج الأقارب. ففي زواج الأقارب تكون احتمالية وجود اختلال جيني أو عيوب خَلقية كالصمم أو أمراض القلب أعلى من غيرهم، إلا أن زواج الأقارب لم يعد منتشرًا على الرغم من ارتفاع نسبته في مناطق معينة كشمال أفريقيا والشرق الأوسط. يختم سكوت حديثه بأن قصة الحياة على الأرض تعلّمنا أن تغير الظروف يؤدي إلى انقراض الأنواع أو تكيفها. وفي الوقت الذي نحياه المتميز بالتغير البيئي الشديد، يجب أن تراجع البشرية اختياراتها وتنظر في مستقبلها. إذ أنه لا يوجد أي كائن يتوقف عن التطور، إلا أنه من الممكن الحد منه من خلال عزل الشعوب بعضها عن بعض. لا يمكن بالطبع أن يتم اتخاذ هذه القرارات من الإنسانية ككل، لكن من الأفراد والحكومات. وما تحياه اليوم أوروبا وأمريكا من ارتفاع في نبرة القومية ورفض الآخر يهدد التبادل الجيني بين البشر ويعرقل قدرتنا على التطور والتكيف. وبدلًا من ذلك، يقول سكوت إنه يمكننا تحجيم الهجرة والعولمة بحيث نستطيع ضبط مسيرة التطور لصالح مستقبل أفضل لنا؛ إذ أن الهجرات ستستمر ولن تتوقف بل سيزداد معدلها.