في تطور جديد يكشف عن نزوع أهم فصائل المعارضة السورية إلى سقوطها الأخير، كما يرى البعض، وتحولها من كيان سياسي قادر على قيادة ثورة السوريين إلى جماعة مشتتة تسعى لانتزاع مكاسب ضيقة، لا تغير على أرض الواقع شيئًا، وهو ما تمثل في هجوم شنته بعض فصائل المعارضة على العاصمة تحت عنوان معركة «يا عباد الله اثبتوا» في محاولة لتقديم عرض عسكري، لن يخدم السوريين في شيء، أو إذا جاز التعبير لن يضيف إلى سلة الثوار نقاط حقيقية.


كيف تحولت المعارضة لحرب عصابات؟

تنطبق حرب العصابات على الحرب المحدودة وغير النظامية، التي تستعمل مجموعات مقاتلة فيها ما يتوافر لها من إمكانيات اجتماعية وجغرافية ضد قوة عسكرية تتفوق عليها، ويعرف عنها أيضًا طابعها الفجائي لاستنزاف العدو، كما تلجأ إلى تخريب المنشآت والبنيات التحتية الحيوية.

وفي محاولة من بعض الفصائل لدخول مجازفة جديدة لن تفضي إلى تقدم مهم ولكن مزيدًا من الدماء، شنت يوم 19 مارس/ آذار الجاري هجومًا على الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق، أعلنت فيه قتل ما يقارب 100 عنصر من قوات النظام والمليشيات الموالية له، في محاولة منها لتخفيف الضغط على الغوطة الشرقية، وواصلت سيطرتها حتى الآن على منطقة كراجات العباسيين بالعاصمة، لكنها ما تزال تقاوم.

وكان الهدف المعلن من الهجوم تحرير المنطقة الواصلة بين حي جوبر والقلمون، والتي تسيطر عليها قوات النظام لتخفيف الضغط الذي تتعرض له أحياء دمشق الشرقية، وشنت الهجوم عن طريق السيارات المفخخة تبعها إطلاق القذائف، والتي ادعى النظام أنها طالت المدنيين المتواجدين في مناطق النظام.

وقد بدأ الهجوم باستهداف الخطوط الأمامية لقوات الحرس الجمهوري التي تتولى جبهة جوبر، تلى ذلك هجوم على مختلف القطاعات لا سيما قطاع الكهرباء وكراجات العباسيين، ويعد حي جوبر خط المواجهة الرئيسي بين النظام والمعارضة باعتباره أقرب نقطة إلى وسط دمشق تتمركز فيها المعارضة المسلحة.

وتتبع هذه الفصائل الجيش السوري الحر وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام وجبهة تحرير الشام، وأعلنت أنها تمكنت من السيطرة على بعض الأبنية، لكن الاشتباكات ما زالت مستمرة وسط استمرار قصف طائرات النظام لمناطق المعارضة في الغوطة الشرقية وغيرها، وهو – ربما – ما سيجعلها تخسر أكثر في معركة غير متوازنة.


خرق الهدنة: تهور أم دفاع عن النفس؟

جاء هذا الهجوم وسط هدنة سارية منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، والاتفاق على بدء مفاوضات السلام، وانضم إليها 7 من أهم فصائل المعارضة، على رأسهم أحرار الشام والتي تضم 80 فصيلاً، ولديها آليات ثقيلة، بما في ذلك دبابات «تي-55» و«تي-72»، ومدافع.

وكشف الناطق الرسمي باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان، والذي يشغل أيضًا منصب المستشار الإعلامي لوفد الهيئة العليا للمفاوضات أن الهجوم على دمشق هو «معركة وجود» بالنسبة لفصائل المعارضة، للانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم، بعد استمرار ضغوط النظام على المعارضة في أحياء تشرين والقابون وبرزة، والغوطة الشرقية، مؤكدًا وجود مراحل أخرى لاستمرار المعركة.

ويتعبر البعض مثل هذه التصريحات ضيق أفق للمعارضة، فروسيا التي استعادت حلب من أجل تأمين دمشق، لن تسمح بدخول المعارضة العاصمة أو تهديدها، ما يجعل الانتصار الحالي آني، غير قابل للاستدامة، وعلى الجانب الآخر، يعتبره آخرون ضربًا موجعًا للنظام أيُّما وجع في ظل تفاخره بانتصارات حققها برفقة الطيران الروسي.

وكانت طائرات روسيا والنظام قد قصفت، الاثنين الماضي حي جوبر ومواقع أخرى سيطرت عليها المعارضة في دمشق، إلى جانب قصف صاروخي بالقنابل العنقودية وأسلحة متطورة، وامتدت الغارات لتشمل مجمل مناطق الغوطة الشرقية مما أدى لسقوط مدنيين بجانب الخسائر المادية.


هجوم فاشل أم جرأة محسوبة؟

ويأتي هذا الهجوم بعد 17 يومًا من فشل واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي استعد لها 5 آلاف مقاتل من هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام وجيش الإسلام لتنفيذ هجوم يوم 2 مارس/آذار الجاري، من محور برزة نحو داخل العاصمة، لكن أفشل لواء عسكري متواجد في برزة الهجوم عبر إبلاغ قوات النظام.

وجاء هذا الهجوم بالتزامن مع مفاوضات جنيف والمقرر استئنافها يوم الخميس المقبل، وهذا سيضعف موقف وفد المعارضة الذي ليس أمامه بديل إلا التفاوض، فليس هناك داعم حقيقي لهم ولاسيما عسكريًا، فالدعم الآن أصبح سياسيًا على موائد التفاوض فقط، بينما تأمل المعارضة من جراء الهجوم المباغت في تقوية موقفها في التفاوض، وتعمل بما تبقى لديها من القوة على زيادة أوراقها، فهي لا تزال قوية، ولا تزال تمتلك القدرة على إرهاق نظام الأسد.


لا بديل عن المفاوضات

وعلى وقع الاشتباكات الدائرة؛أعلن نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، أمس الثلاثاء أن الهدنة لا تزال قائمة رغم محاولات نسفها لأنه لا يوجد بديل عن وقف إطلاق النار والتسوية السياسية.

ويوضح هذا أن روسيا لن تسمح للفصائل بتجاوز مناطقها، بل سيوفر هذا الهجوم مبررًا لقوات النظام ومن أمامها روسيا لمواصلة استهداف جماعات المعارضة وإخراجها إلى شمال سوريا حتى لا تمثل تهديدًا على العاصمة.

ويمكن القول بأن هجوم فصائل المعارضة مغامرة غير محسوبة من أجل محاولة انتزاع مكاسب ضيقة، كما يرى البعض، وأظهرتها بمظهر العصابات والميليشيات التي ليس لها أفق في بناء دولة واستيعاب الجميع وإنما محاولة انتزاع مكاسب آنية، وبالتالي فهي غير مؤهلة لقيادة السوريين، لأنها انجرفت إلى ما يقوم به بشار وبالتالي أصبحا سواء، وعلى الجانب الآخر ثمة من يراها صحوة لفصائل المعارضة، بعد سيل من الضربات الموجعة.

وختامًا؛ يمكن القول بأن هجوم دمشق أظهر أهم فصائل المعارضة المسلحة بمظهر أمراء الحرب الذين يسعون لمصالح ضيقة وليس دفاعًا عن قضايا كبرى، وهي وجهة نظر يتبناها النظام ولها من يدعمها، ويمكن اعتباره كذلك مكسبًا حقيقيًا وورقة جديدة في حرب سياسية تخوضها أفواج المعارضة بالخارج مع ممثلي النظام وداعميهم، وأيًا ما يكن فنحن بحاجة للانتظار، إلام تذهب الأمور على الأرض، هل ستحافظ فصائل المعارضة على الأراض تحت أقدامها أم تذهب ثانيةً لقوات النظام؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.