قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة أشرف

قوم ننسى هالزمان

ونحلم زمن ألطف

ما زالك بلا شيء

ما فيك تخسر شيء

كان بدي غير العالم

مش عارف كيف العالم غيرني

على مدار الأيام الماضية تعاني الدولة المصرية من أنواع عدة من الحرائق، فبعيدًا عن الحرائق السياسية المشتعلة ما بين النظام وقوى المعارضة، وتلك الناشبة ما بين القوى وبعضها البعض، هناك الحرائق التقليدية التي يدفع التسلسل الزمني فيها إلى تعدد احتمالاتها.فحريق هنا وآخر هناك، وما بين شبهة جنائية وقضاء وقدر وإهمال في التجهيزات تأتي الاحتمالات، والشاهد أن النيران ما زالت مشتعلة، والإجراءات والتحقيقات ما زالت سارية سواء في تلك الحوادث أو غيرها.


«قوم نحرق هالمدينة»:

ربما استجاب القدر، أو استجاب السامعون والمحبون، أو تجاهلت الدولة، لتلك الدعوة في إحدى الأغاني التي انتشرت في المنطقة الفترات الماضية، فمن القاهرة مرورًا بالجيزة ثم بني سويف وسوهاج وقنا، وعلى الطرف الآخر القليوبية وطنطا والشرقية والسويس، وقعت العديد من الحرائق ولعل أبرزها:

حريق العتبة:

في صباح يوم الإثنين الماضي نشب حريق يعد الأقوى، حريق القاهرة بشارع الرويعي بالعتبة بداية من اشتغال النيران بفندق الأندلس لتاخذ النيران عشرات المخازن والمحلات، والعمارات، استمرت النيران قرابة عشرين ساعة، وراح ضحيتها ثلاثة أشخاص، وأصيب نحو 100 آخرين، من ناحية أخرى تختلف الأرقام المقدرة لحجم الخسائر المادية ما بين 40 أو 100 مليون جنية مصري،أما عن سبب الحريق فلا شيء يذكر ولا شيء يؤكد.

حريق مصنع الزجاج بالسويس:

في نفس اليوم الذي وقع فيه حريق العتبة وقع حريق آخر في مصنع الشركة العربية للزجاج الدوائي في السويس، جراء حدوث تسرب من فرن رقم واحد أدى إلى اشتعال النيران طبقًا لتصريحات المسئولين، ولكن الجدير بالذكر هنا أن الأجهزة المعنيّة تمكنت من إخماد الحريق قبل امتداده لمصانع أخرى أو وقوع خسائر في الأراوح.

حريق القمح بالشرقية:

في اليوم التالي الثلاثاء الماضي، نشب حريق في مساحة 150 فدانًا لمحصول قمح بالصحالية الجديدة بمحافظة الشرقية، وإن كان الحريق لم ينتج عنه أي إصابة بشرية إلا أنه تسبب في خسارة في المحصول قدرت بقرابة المليون جنيه مصري.الشاهد في هذا الحريق غياب الاهتمام من قبل الدولة بالتنمية الزراعية حيث ذكر أحد المتضررين في تقرير لجريدة المصريون إلى أنه تقدم لشركة الكهرباء بطلب إبعاد التيار الكهربائي عن أرضه ولكن لا حياة لمن تنادي.

حريق الغورية:

ما أن بدأت السماء تصفو شيئًا ما من آثار حريق منطقة العتبة حتى وقع حريق آخر بمنطقة الغورية جراء اشتعال حريق بأحد المحلات، وفي الوقت الذي يتم فيه استدعاء قوات الحماية المدنية كان الحريق امتد لبقية المحلات.مرّ الحريق مرور السلام من ناحية الخسائر البشرية كل ما في الأمر إصابة شخصين! ولكنه تسبب في العديد من الخسائر الاقتصادية، وفي أخبار متداولة عن أن أهالي منطقة الغورية هتفوا «ارحل يا سيسي» كرد فعل على الحريق.إلى جانب تلك النماذج جاء حريق مبني محافظة القاهرة والذي اُدُعي أنه بسبب ماس كهربائي نتيجة عطل في أحد أجهزة التكييف، وكذلك حريق بمصنع كونتر بدمياط الجديدة، تلك النماذج في الحرائق السابقة تشير بصورة ما إلى استهداف الاقتصاد وإشاعة الفوضى، وربما كنوع من أنواع تأليب المواطنين على النظام، وربمًا أيضا وسيلة للتهرب الضريبي.


«كان بدى غير العالم مش عارف كيف العالم غيرني»:

حرائق عدة كان لها دوافع سياسية في الدولة المصرية في الفترات السابقة خاصة فترة ثورة يناير وما بعدها مرورًا بأحداث يونيو ولعل أبرزها، حريق الحزب الوطني الذي نشب يوم الثامن والعشرين من يناير من العام 2011 واستمرت النيران مشتعلة به على مدار يومين دون وجود أي تدخل من قبل الأطراف المعينة أو المواطنين آنذاك، حريق المجمع العلمي في نهاية نفس العام 2011 وتحديدا شهر ديمسبر نشب حريق جراء أحداث التظاهر، الأمر الذي ترتب عليه حريق آلاف الكتب والوثائق والمخطوطات، حريق قاعة المؤتمرات حيثنشب حريق بها في شهر مارس مارس من العام 2015 ترتب عليه تخريب القاعة وإصابة ما يزيد عن 15 شخصًا.الأيام الماضية أيضًا كان هناك العديد من الحرائق التي قامت بها «جبهة المقاومة الشعبية» في مناطق متفرقة طبقا لتبنيهم على صفحتهم الرسمية، منها حريق قطار بالمنيا «قام شباب حركة المقاومة الشعبية باستهداف قطار محمل بالسولار بمركز سملوط بالمنيا بعدد من عبوات المولتوف وتأتي العملية في إطار تجفيف منابع الانقلاب التي تتبناها الحركة بعد عمليات الحصار الاقتصادي»، وحريق آخر في بمحطة وقود بحلوان تبنته الحركة أيضا «قام شباب حركة المقاومة الشعبية بتفجير بنزينة بشارع منصور بحلوان ضمن عمليات الحصار الاقتصادي التي تتبناها المقاومة»الحرائق تلك والتنديد بها أمر مهم يمكن استغلاله من قبل المعارضة والنظام، فمن ناحية يراها الموالون أمرًا مدبرًا من قوى الشر ضد الدولة ونجاحاتها، والمعارضة تراها فشلًا من قبل الدولة وربما تورطًا من الدولة فيه خاصة حريق مديرية الإسكان.

والخطاب الرسمي للدولة يستبعد عنصر التعمد والإرهاب عن تلك الحوادث ولعل ذلك جاء في تصريح السفير حسام قاويش،المتحدث باسم مجلس الوزراء « النيابة العامة تحقق في كل حادث حريق على حدة، وحتى الآن لا توجد أي إشارة من النيابة العامة لوجود شبهة تعمد في هذه الحرائق».


«ونعمر واحدة أشرف»:

لكي نعمر الأفضل، فلا بد من إدراك ثلاثة أمور، الأول: مسببات الحرائق، والثاني: الآثار المرتبة عليها، والثالث: وضع خطط وسياسيات بديلة لحل الإشكاليات الماضية، وكما أشرنا أن مسببات الحرائق تنحصر ما بين القضاء والقدر والتهرب الضريبي والإرهاب وضعف إجراءات السلامة.فكل هذه الاحتمالات يترتب عليها بصورة أساسية عبارة واحدة أن للدولة الذنب الأكبر فيما يحدث، وربما يتطور الأمر لحدوث حالة من الفوضى، تترتب في حالتين: حالما تتجاهل الدولة تسلسل الحرائق، وحالما تحاول الحل وإدارة الأزمة بطريقة خاطئة.

القدرية وفشل الأجهزة المعنية

من ناحية القضاء والقدر، فلا دخل لنا بإيقاف القضاء والقدر ولكن ما يخصنا هنا هو التعامل معه ومع النتائج المترتبة عليه وهنا يأتي السؤال الواجب طرح: أين دور الأجهزة المعنية لمراقبة هذه المنشآت والإجراءات التي تتخذها للتصدي للخطر؟ الإجابة باختصار على هذا السؤال جاءت في تصريح للواء قدري أبو حسين خبير الادارة المحلية « أن وسائل الحماية المدنية والأمن الصناعي، حبر علي ورق»، نقطة أخرى تتعلق بذلك الأمر وهي كيف تتم الموافقة وإعطاء الترخيص لمنشآت ومحلات تجارية تعمل في شارع لا تسمح مساحته بدخول سيارات الإطفاء لها؟ الأمر يشير بصورة أساسية إلى عنصرين، العنصر الأول: فساد موظفي الأحياء، والثاني: رغبة الدولة في عدم الوقوع في مشكلة وصدام مع هؤلاء الباعة حالما ترفض الترخيص لهم، هنا نأتي لدور الحماية المدنية ومدى تصديهم لتلك الحرائق.ففي عام 2008 عندما وقع حريق مجلس الشورى تدخلت طائرات الإطفاء للمعاونة في إخماد النيران، فلماذا لم تتدخل في الحرائق الماضية؟ نفس الدائرة المفرغة ندور بها مرة أخرى عندما نريد الإجابة على هذا السؤال، فالإجابة تكون لأن البناءالعشوائي بمناطق تلك الحرائق لا يمسح للطائرات بالمساهمة في الحل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ونقول ها هنا لا طائرات ولا «حنفيات» بالشوارع، ولا إمكانية لدخول سيارات إطفاء، كل ما في يمكن قوله في هذا الجزء جاء على لسان أحد الباعة بمنطقة العتبة عندما سأل عن كيفية إطفاء الحرائق «ربنا يسترها!»ولكي تتصدى الدولة لتلك المشكلة فلا بد من العمل من ناحية رقابية وتنفيذية، بداية من إنشاء «حنفيات» بالأماكن الصعب الدخول لها بعربات الإطفاء والطائرات والتأكيد على ضرورة وضع كافة وسائل التصدي للحرائق بتلك المنشآت، وهنا يأتي دور جهاز الأمن الصناعي في مراقبة ذلك، ولكي لا تدخل الدولة في صدام مع أصحاب تلك المنشآت حال محاولة حل العشوائية وتدارك الفساد في إعطاء التراخيص لتلك المنشآت في مناطق عشوائية فإنه من الأفضل ألا يتم إعطاء ترخيص لمنشآت أخرى جديدة في تلك الأماكن مع محاولة توفير مكان بديل يتناسب مع سياسات الأمن الصناعي والحماية المدنية.

التهرب الضريبي

ما أن يبدأ موسم الصيف تستعد كافة المنشآت لموسم الجرد، الأمر الذي يدفع بعضًا من المخططين للتهرب الضريبي بحرق كافة الملفات التي تتعلق بالأمر، ولعل شبة الحرائق تلك الفترة والأماكن الناشبة بها تلك الحرائق تعطي لهذا الاحتمال درجة كبيرة من الترجيح، وأن ذلك هو السبب وراء ما يحدث.الأمر الذي يشير إلى وجود خلل في الإجراءات الرادعة للمتهربين ضريبيًا، وعليه لا بد من إيجاد طريقة تكافح بها الدولة طريقة التهرب البدائية بحرق الملفات.

العمليات الإرهابية

التسلسل الزمني والمناطق التي يتم استهدافها يرجح شيئًا ما أن تكون بفعل فاعل بهدف الإرهاب، وهذا ربما يظهر في دعوات بعض الجماعات الإرهابية لعمليات ما يسمى بالحصار الاقتصادي لإسقاط النظام، ذلك الأمر يثبت أن أجهزة الدولة الأمنية على الرغم من شدتها والعمل الدائم على تطويرها ونصر النظام لها إلا أنها لا تقوم بأقل واجباتها وتدع الإرهاب يعبث بسهولة بأمن المواطنين.ولكي تتصدى الدولة لذلك فالأمر يطول، بدأً من معرفة مسببات القيام بعملية إرهابية ضد الدولة ومحاولة علاجها، ومسببات تحول المعارض للدولة لمتطرف والتصدي لذلك، مع تشديد الإجراءات الأمنية القانونية وليس العنيفة لتدارك العلاقة ما بين العنف الرسمي وغير الرسمي.الشاهد هنا أن الحرائق ما زالت مستمرة يومًا بعد يوم، وتصريحات الدولة تفيد بأن الأمر طبيعي من ناحية معدلات الحرائق وحجمها وذلك وفقا لتصريح للواء محمد صقر مدير الإدارة العامة للحماية المدنية، مما يفيد شيئا ما أن الدولة لم تعبأ بما يحدث، ولعل هذا ربما يكون وسيلة للإرهابين والطامحين في التهرب الضريبي للقيام بعمليات حرق مشابهة في الفترة القادمة، حيث لا اتهام ولا شبهة اتهام من قبل الدولة.