جودي ديمبسي

4 يناير 2016 – موقع منظمة كارنيجي أوروبا

عندما أدار حزب يمين الوسط البولندي، {المنبر المدني}، الحكومة بين عامي 2007 و2015، لم يرتكب أخطاءً جسيمة، ويعود لذلك السبب اكتسابه لسمعةٍ جيدةٍ بين العديد من شركائه في الاتحاد الأوروبي.

حاول الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية السابقين – الذين لم يُعَدّوا جزءًا من المشهد السياسي البولندي – أن يفعلوا شيئًا هامًا لدولة تخطّت عهدها الشيوعي، وأسقطت على نحوٍ سلميّ حكم الحزب الواحد عام 1989، حيث أرادوا تأسيس سياسةٍ خارجية يمكنها امتطاء ركب الشرق والغرب، ووجدوا ضالّتهم في سياسةٍ خارجية تهدف إلى تعزيز التماسك الأمني والدفاعي للاتحاد الأوروبي، وفي ذات الوقت، تجعل الاتحاد الأوروبي يعترف بأهمية تحقيق التقارب مع أوروبا الشرقية.

أدركت النخبة السياسية لحزب المنبر المدني أنه بينما تضاءلت المصالح الأمريكية في أوروبا، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى بدء التفكير بشكلٍ جادّ بشأن دفاعه وأمنه، كذلك روّج الحزب بقوة لسياسة أوروبية تختصّ بأمن الطاقة، واتحادٍ للطاقة منبثقٍ عن الاتحاد الأوروبي.

يتمثل السؤال الرئيسي الذي يواجه بولندا الآن في إذا كان حزب {القانون والعدالة} القومي المحافظ، الذي عاد إلى السلطة في أكتوبر 2015، سوف يتخلى عن تلك السياسات أم لا. إن فعل، سيكون هناك رابح أكبر وخاسر أكبر. ستكون بولندا هي الخاسر الأكبر، إلا في حال تمكن الحزب من تحقيق تقاربٍ بين وجهات نظره القوية ذات التوجهات القومية، الوطنية، والكاثوليكية، وتلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي المرتكزة على الانفتاح والتسامح.

ستكون روسيا الرابح الأكبر إن تخلى الحزب عن تقارب بولندا مع الاتحاد الأوروبي؛ فقوة ووحدة الاتحاد الأوروبي لا تصب في مصلحة روسيا، فيما يتعلق بقدرة الاتحاد على فرض العقوبات على روسيا لاستحواذها على القرم في مارس 2014 واجتياحها لمنطقة الدونباس بشرقي أوكرانيا، فقد أحدثت الوحدة الأوروبية اهتزازًا بلغ صداه الكرملين الروسي.

تحرك حزب القانون والعدالة، الذي يتبنى موقفًا مناهضًا بقوة لروسيا، وغير المعجب بشدة بألمانيا، بقوةٍ مذهلة ليستبدل المعيّنين من قبل حزب المنبر المدني. استهدف في إطار ذلك مؤسسة القضاء ومديري القنوات التليفزيونية العامة ببولندا، كما أن هناك خططًا لإجراء تعديلاتٍ تعليميةٍ كبيرة عبر التشديد على النزعة الوطنية البولندية.

تؤثر تلك التغييرات على الاتحاد الأوروبي، الذي تتمتع فيه بولندا بنفوذٍ قوي. فبصفة بولندا، سادس أكبر عضوٍ في الاتحاد، يستطيع الحزب تعزيز معسكر المشككين داخل الاتحاد، الآخذ بالفعل في الاتساع. يضاف ذلك إلى عوامل خلخلة استقرار الاتحاد في عام 2016، بينما ينتظر الاستفتاء البريطاني حول الاستمرار أم مغادرة الاتحاد، والانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، ويواجه الاستقرار المتزعزع إلى درجةٍ غير مسبوقةٍ في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة لدور بولندا في تجمّع فيسجراد فور، الذي يتشكل أيضًا من عضويات المجر، جمهورية تشيك، وسلوفاكيا، لن يفيد كون بولندا أكثر انغلاقًا محاولاتها لتعزيز مصالح التجمع في بروكسل، في الوقت الذي يعتبر فيه الاتحاد الأوروبي على نحوٍ متزايدٍ غير مجهزٍ للتعامل مع تعقيدات العولمة، مع تبلور أزمة اللاجئين بالقارة.

على أي حال، يواجه التجمع خطر أن يصبح مجموعةً رباعيةً من متشابهي الفكر الذين يتشككون في الاتحاد الأوروبي، ويتشككون بشأن الاقتصادات، المجتمعات، والحدود المفتوحة، والحاجة الإنسانية الأساسية لتوفير الأمن للاجئين الهاربين من الحروب والاضطهاد. يواجه التجمع خطر الانغلاق على ذاته، فهل هذه هي أوروبا التي تريدها تلك الدول بالفعل بعد أن جاهدت بقوة للانضمام لاتحادها؟.

قد تؤدي سياسات الحزب أيضًا إلى إبطال النجاحات السياسية الرئيسية التي أحرزها حزب المنبر المدني، أحدها كان فتح الحدود بين بولندا والمُنعَزَل الروسي، كالينينجراد. ما كانت وارسو لتحرز ذلك النجاح دون ألمانيا – أو روسيا، بالتأكيد. فقد باشر المنبر المدنيّ إستراتيجيةً شجاعة انطوت على تبني سياسةٍ جديدةٍ تجاه روسيا مستندةً بشكلٍ ما على المصالحة بين فرنسا وألمانيا، التي حدثت بعد عام 1945. هل سيتخلى حزب القانون والعدالة عن ذلك؟

تمثل إنجازٌ آخر للمنبر المدني في الازدهار الرائع للعلاقات بين وارسو وبرلين رغم الخلافات حول سياسات الطاقة وحول الحد الأدنى للأجور بألمانيا. وخوفًا من المنافسة، قدّمت برلين في يناير 2015 حدًّا أدنى للأجور، وطبّقته حتى على سائقي الشاحنات البولنديين المارّين عبر الأراضي الألمانية.

بدأ المنبر المدني أيضًا عملية تحديث الجيش البولندي. وأثناء أزمة روسيا وأوكرانيا، لعبت بولندا دورًا كبيرًا في المراحل الأولى لحركة {ميدان} المناهضة للحكومة التي أجبرت الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، على الفرار إلى روسيا.

بادئ الأمر، بسبب سياساته المناصرة للاتحاد الأوروبي والتزاماته تجاه أوروبا الشرقية، استخدم المنبر المدني تلك المجموعة من المصالح لدعم جميع أنواع الإصلاحات في جورجيا ومولدوفا. باختصار، اعتبر دور بولندا في أوروبا نموذجًا وتشجيعًا للجيران الشرقيين للاتحاد الأوروبي ليحذوا حذوه. وبالنسبة لوارسو، فقد رأت القوة المحتملة لأوروبا المتحدة، وأدركت الصعوبات التي تواجه بلدان ما بعد الاتحاد السوفيتي إثر محاولتها تحويل مجتمعاتها.

إلا أن التوترات المتعلقة بعملية التحول البولندية عادت لتطارد البلاد. بدأت تلك التوترات بمجرد مباشرة قائدَيْ حركة {تضامن} – نقابة العمال ذاتية الحكم المستقلة – السابقَيْْن، ليش فاليسا و تاديوس مازوفيتسكي، لمحادثاتٍ مع شيوعيي بولندا في عام 1989. كان ذلك حدثًا ثوريًا بحق بالنسبة لمجتمعٍ يشرع في تحولٍ دون معالم ترشده. وفتنت الطبيعة السلمية للعملية الجيران الشيوعيين لبولندا.

ولكن بمجرد إجراء انتخاباتٍ حرةٍ ومستقلةٍ في بولندا عام 1990، ظهر الاستقطاب ثنائي الجوانب، كالمتمثل اليوم في إعادة انتخاب حزب القانون والعدالة. فعلى أحد الجانبين تواجد معسكر النخب الحضرية العلمانية المتشددة والمصلحين الاقتصاديين بقيادة يزيك بالسيروفيتش. اعتقد هذا المعسكر أنه كلما أسرعت بولندا بتبني اقتصاد السوق، كلما تسارعت خسارة النخبة الشيوعية لقوتها. وعلى الجانب الآخر، تمركز من أرادوا إجراء تطهيرٍ للشيوعيين، ومن تشككوا في الوتيرة السريعة للإصلاحات الاقتصادية.

إلا أن الحدث الأكثر تغييرًا لبولندا كان حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي؛ فقد أتاح للشباب البولنديين الفرص التي حُجبت عن آبائهم. تنتشر جالية شتاتٍ بولندية كبيرة اليوم في أنحاء أوروبا، وبشكلٍ ما، افترض حزب المنبر المدني أنها غير معادية. وهو ما كان خطأه الأكبر؛ فقد فشل في الوصول إلى البولنديين العاديين.

منذ أعيد انتخاب حزب القانون والعدالة في أكتوبر 2015، سارعت المفوّضية الأوروبية إلى انتقاد خطط الحكومة لاختيار مدراء القنوات الإعلامية العامة لبولندا. وعلى الصعيد الداخلي، تعارض تكتلاتٌ داخلية سياسات الحزب.

يتوقف استقرار بولندا ومكانتها في أوروبا على مواقف المصوّتين، لقد انتخبوا الحزب عن علمٍ كاملٍ وواضحٍ بشأن أجندته السياسية. ومع عدم استفاقة المنبر المدني بعد من آثار هزيمته، ستحتاج بولندا إلى معارضةٍ قوية لإنقاذ المكاسب التي تحققت خلال العقد الماضي، وإن جرى خلاف ذلك، ستكون خسارة بولندا، الاتحاد الأوروبي، وأوروبا الشرقية هائلةً للغاية.

جودي ديمبسي، زميلة بارزة غير مقيمة بمؤسسة كارنيجي أوروبا، ومديرة تحرير قسم «أوروبا الإستراتيجية».

المصدر كارنيجي أوروبا