قامت أمس مجموعة تسمي نفسها «لواء الثورة» باغتيال العميد أركان حرب عادل رجائي إسماعيل، قائد الفرقة التاسعة مدرعات، أثناء خروجه من بيته متوجهًا إلى عمله، في عملية تُعد هي الأكبر منذ اغتيال النائب العام الراحل هشام بركات، في يونيو/حزيران 2015، حيث يُعد العميد هو الرتبة الأكبر التي طالتها يد الإرهاب في عملية تصفية جسدية منذ 30 يونيو/حزيران 2015، والتي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي.


من هو العميد عادل رجائي؟

بالرغم من عدم شهرة الشهيد إعلاميًا قبل حادث اغتياله، إلا أنه كان يشغل واحدًا من أهم المناصب العسكرية في الجيش، حيث شغل رئاسة أركان ثم قيادة واحدة من أهم وأخطر الوحدات العسكرية في مصر، فالوحدة تم إنشاؤها في مارس من عام 1984 لتكون ضمن تشكيلات المنطقة المركزية العسكرية؛ ليوكل إليها مهام تأمين العاصمة أثناء الاضطرابات الكبرى.

فكانت أولى تلك المهام هي السيطرة على تمرد عشرات الآلاف من عساكر الأمن المركزي داخل معسكرات القاهرة والجيزة في فبراير/شباط عام 1986، وتظاهرهم احتجاجًا على سوء أوضاعهم وتسرب شائعات عن وجود قرار بمد سنوات الخدمة من ثلاث إلى خمس سنوات، وفق ما قاله اللواء توحيد توفيق قائد المنطقة المركزية في حواره مع أخبار اليوم.

كما أوكل للفرقة التي كانت من أوائل الوحدات التي تم تسليحها بسلاح غربي من بين وحدات الجيش، مهمة حماية المنشآت الحيوية وأقسام الشرطة في 28 يناير/كانون الثاني 2011 عقب انسحاب قوات الشرطة من الشارع؛ لتكون أول فرقة عسكرية من القوات المسلحة التي تخرج من الثكنات إلى الشوارع عقب ثورة 25 يناير.

ويقول أحد ضباط الفرقة لـ«إضاءات»، إن الفرقة يقع مكانها في منطقة دهشور بينما تتمركز قيادة الفرقة في سيناء أثناء مهام العمليات خلف موقع تمركز قيادة الجيش الثاني الميداني، وعادة ما يتم تكليف الفرقة بعمليات خارج مقرها؛ مثل تدخلها في عمليات الإنقاذ والإخلاء ونقل الضحايا عقب وقوع كارثة الزلزال الكبير في أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، و عملية إخلاء جزيرة القرصاية المتنازع عليها، و أحداثدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.

كما أنها الفرقة التي اختارها السيسي لعمل الشو الإعلامي الخاص بتسويق نفسه داخل مجتمع الفنانين والمشاهير، أثناء تفتيش حرب الفرقة خلال شهر مايو/أيار عام 2013.

كما أوضح عدد من المصادر الصحفية و المواقع المقربة من الأجهزة الأمنية أن الشهيد كان له دور بارز في عملية هدم الأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة.


مجموعة لواء الثورة: متى وكيف ظهرت؟

عقب عملية الاغتيال أعلنت جماعة تُسمى «لواء الثورة» عن تبنيها للعملية، وذلك من خلال تدوينة أطلقتها على حساب بموقع تويتر -تم حذفه- قالت فيه: «قامت مجموعة من مقاتلينا بتصفية المجرم عادل رجائي أحد قادة ميليشيات السيسي صباح السبت 22-10-2016 بعدة طلقات في الرأس واغتنام سلاحه».

برز اسم جماعة لواء الثورة لأول مرة بعد أن أعلنت على حساب يحمل اسمها بموقع تويتر تبنيها لعملية اقتحام كمين العجيزي بمدينة السادات بمحافظة المنوفية في 21 أغسطس/آب الماضي، ثم بثها مقطع فيديو يحمل تصويرًا للعملية. وقد حرصت الجماعة في إصداراتها الإعلامية على تبني خطاب «ثوري» لا تكفيري، حيث حملت مقدمة الفيديو السابق مشاهد مقتل الشهيدة شيماء الصباغ وفض اعتصام مجلس الوزراء، كما حمل عبارة «الأمة مصدر السلطات»، والذي يتعارض مع مبدأ الحاكمية الذي تتبناه الجماعات التكفيرية مثل «ولاية سيناء» التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.

وعقب عملية الاغتيال نُشر بيان منسوب للجماعة على عدد من الصفحات والمواقع الإلكترونية، توضح بأن العملية جاءت للرد على مقتل القيادي الإخواني محمد كمال، والذي أعلنت وزارة الداخلية عن مقتله بعد عدة ساعات من الإعلان عن القبض عليه أوائل شهر أكتوبر الجاري، ويوضح أيضًا أنه قد تم اختيار الشهيد عادل رجائي لدوره في عمليات «التهجير القسري» لأهالي سيناء وما وصفوه بـ «عمليات الإبادة الجماعية» وهدم المنازل في رفح، ودوره في تأمين القاهرة خلال السنوات الماضية، كل ذلك يدعم فرضية أن الجماعة هي إحدى تشكيلات الجناح «الثوري» لجماعة الإخوان والذي تبنى العديد من العمليات النوعية عقب فض اعتصام رابعة العدوية.


هل يتخلص النظام من قياداته المعارضة؟

ولعل أبعد سيناريوهات عملية اغتيال العميد عن المنطق، ما يتم ترديده عقب كل عملية إرهابية، وهو أن النظام يتخلص من بعض قياداته المعارضين لسياسته، أو ما يُعرف بصراع الأجهزة، حيث أن الشهيد كان يقود وحدة عسكرية قتالية، ومنصبه تنفيذي بحت، وغير مرتبط بأي من الأجهزة الاستخباراتية، كما أنه كان متزوجًا من سامية زين العابدين نائب رئيس تحرير صحيفة المساء، والمراسلة العسكرية المُقربة من قيادة الجيش، والضيف الدائم على قناة صدى البلد المقربة من جهاز المخابرات، والتي لطالما تبنت وجهة نظر النظام في اتهام معارضيه والتحريض عليهم، والدفاع عن ألسنته الإعلامية أمثال أحمد موسى.

وقد حملت عملية اغتيال الشهيد رجائي عدة رسائل بالغة الخطورة، أولها أن الفصائل المسلحة التي تكونت عقب أحداث 30 يونيو قد تمكنت من تطوير أدائها بشكل كبير واحترافي، لينتقل من إحراق كبائن التليفون ومحولات الكهرباء إلى جمع معلومات غاية في الدقة والخطورة عن بعض قيادات الجيش غير المعروفين وتنفيذ عمليات احترافية تستهدفهم، وقدرتهم على التخفي والاختباء، حيث تأتي العملية بعد قرابة شهرين من عملية كمين العجيزي الذي لم يُعلن عن القبض على أي من منفذيه أو حتى معرفة أشخاصهم.

وبالرغم من الاختلاف الفكري الواضح بين تلك الفصائل والجماعات التكفيرية في سيناء وغيرها، إلا أن تطور الأداء والإخراج الاحترافي لفيديو العملية الأولى والمعلومات الخطيرة الخاصة بدور الشهيد في سيناء ترجح وجود اتصال بتلك الجماعات، وهو ما يزيد الأمر خطورة بنقل العمليات الإرهابية من سيناء إلى العاصمة.

كما أن استهداف قيادة عسكرية كبيرة يتشابك عملها بنسبة كبيرة مع العمليات المدنية مثل تأمين المنشآت الحيوية والانتشار داخل شوارع القاهرة، تزامنًا مع ارتفاع نسبة الغضب الشعبي بسبب القرارات الاقتصادية المؤلمة على أغلب فئات الشعب، والتي صاحبها دعوات للتظاهر، يوضح وجود اختراق كبير للمؤسسة الأمنية والاستخباراتية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انتشار واسع لمثل تلك العمليات، والتي ستتسبب في استفحال ظاهرة العنف المسلح، وشيوع ظاهرة المجموعات المسلحة غير المترابطة صعبة السيطرة والتعامل.