سنناقش في المجلس الاستشاري إستراتيجة التعليم، أتمنى يكون كلامي دا ترضية كافية، وأنا بوعدكم أن السنة الجاية مش هتكون فكرة الثانوية العامة بهذا الشكل
السيسي خلال إفطار الأسرة المصرية 2016

قال الدكتور طارق شوقي، حينما كان مستشار السيسي لشؤون التعليم، إن حديث الرئيس حول النظام الحديث للثانوية العامة يقصد به نظامًا جديدًا للتعليم ليس به ثانوية عامة من الأساس، مشيرا إلى تطبيق النظام الجديد على الملتحقين بالتعليم الأساسي في سبتمبر 2017، وهي أول دفعة لن يطبق عليها نظام الثانوية العامة، بحيث يكتمل بعد 12 عاما، أي بعد وصول أول دفعة للمرحلة الثانوية.


تعليم متدني الجودة

يرى الخبراء أن أبرز مساوئ التعليم تكمن في تدني جودته، فالتقييم عن طريق امتحان آخر العام لا يحدد المستوى الحقيقي للطالب، خاصة في ظل تسريب الامتحانات، كما يجب إعادة هيكلة المنظومة من جديد؛ حتى يجد الطالب حافزًا للتعليم، وليس مجرد الحصول على شهادة.

ومما يزيد من مشاكل التعليم أن الغش الإلكتروني سيظل موجودا؛ لوجود ثغرات لا يمكن حصرها لتسريب الأسئلة، في ظل اتّباع الوزارة للنظم التقليدية في نقل الأوراق.

يضاف إلى ذلك أن التدريس بطريقة الحفظ والتلقين لا يجعل الطالب يهتم بالعلم إنما بحفظه دون فهم أو تطبيق، وغالبية ما يحفظه الطالب ينساه بعد انتهاء العام الدراسي.

كما أن كثافة الفصول التي وصلت في بعض المدارس إلى 140 طالبا في الفصل جعلت المصريين ينفقون نحو 17 مليار جنيه سنويا على الدروس الخصوصية، مما جعل التعليم فقيرًا بكل مفرداته: الطالب والمعلم وبيئة التعليم والمجتمع أيضا.


آلاف من الخريجين وأزمة بطالة

يؤكد الخبراء أن نظامنا التعليمي لا يمنح الطلاب التنافسية، وعلى سبيل المثال فإن عدم تعليم الطلاب اللغة الإنجليزية الصحيحة وضعهم في معزل عن التطور العالمي، وحرمهم من الاطلاع على العلوم، فضلا عن ضعف لغتهم الأم.

فلدينا أكثر من 2 مليون طالب في الصفوف الابتدائية لا يجيدون القراءة والكتابة، ومعظم الشباب لا يستطيعون قراءة الكتب التراثية؛ لتدني مستوى اللغة العربية لديهم والذي حرمهم من قراءة تاريخهم وحضارتهم.

كما أنه حرمهم في الأساس من مهارة القراءة، مما تسبب في انتشار الجدل بالمجتمع، وخاصة في الدين؛ فالغالبية العظمى لا تقرأ، وبالتالي يحصلون على المعرفة من أشخاص يقصّون حكايات، أما المعرفة الحقيقية فلا يطّلع عليها أحد، حتى تكون لديه القدرة على تمييز ما يسمعه.

والمشكلة الأكبر للتعليم تكمن في الناتج النهائي، فمستوى الطالب بعد الثانوية العامة غير مرضٍ، فضلا عن التعليم الفني الذي تدخله أسوأ مدخلات وبالتالي يُخرج أسوأ مخرجات؛ فطالب التعليم الفني هو الحاصل على أدنى الدرجات.

ويزداد الأمر سوءا بعد التخرج من الجامعة فيصبح لدينا آلاف الخريجين في العديد من المجالات، مما يكرس أزمة البطالة، ويلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل الدولة والمجتمع.


نظام تقييم يربط الطالب بسوق العمل

يؤكد الخبراء أن من أهم مظاهر التغيير ضرورة وضع نظام جديد لتقييم الطلاب، يقوم على نظام تعليمي حديث يتلافى جميع السلبيات، ويحرر الطلاب والمجتمع من الأعباء المادية والنفسية التي يكابدونها طوال مراحل التعليم، ولا يعتمد على الحفظ والتلقين.

وإنما يقيس قدرات وإمكانات الطالب من خلال وسائل حديثة، ويجب أن يتغير نظام التقويم، فلا يمكن ربط مستقبل الطالب بورقة امتحانية، بل يجب أن يكون خرّيج الثانوية -بعد دراسة 12 سنة- لديه منظومة قيم ومعارف، ومهارات أساسية يستطيع تطبيقها واقعيًا، ولا يجب أن تكون درجات الثانوية هي المؤهل الوحيد للجامعة؛ لأنه مقياس غير دقيق لمستوى الطالب، بل يجب عمل اختبارات لقياس الحد الأدنى للمعارف لدى الطالب عند التحاقه بالكلية.

كما يجب جعل التعليم الفني جاذبا، عن طريق ربطه بجامعة تكنولوجية يلتحق بها حملة الدبلومات الفنية، فضلا عن ضرورة التنسيق بين التعليم الفني والتدريب؛ لأن أساس التعليم الفني هو التدريب، وبالتوازي يتم عمل دراسات لسوق العمل لمعرفة التخصصات المطلوبة؛ من أجل أن تتوافق نواتج التعليم مع احتياجات المجتمع وسوق العمل للقضاء على البطالة.


طارق شوقي وتطوير منظومة التعليم

يؤكد طارق شوقي على أن نقل المناهج من دولة أخرى هو أسلوب خاطئ، ولكن يمكن أن نتعلم جوانب معينة منه؛ ففي سنغافورة مثلا هم بارعون في إعداد المعلم، و رؤية وزارة التعليم السنغافورية تُشكل 50% منها بناء الشخصية المواطنة والأخلاق، و30% موسيقى ورياضة وفنون، و20% للتحصيل، وفصول الأخلاق لديهم تتحدث عن الأخلاق بقصة خاصة تناسب أعمار الطلاب.

مضيفا: «ولكن يجب أن نعلم أن عدد المدارس في سنغافورة 360 مدرسة فقط، في حين أن محافظة الجيزة بها أكثر من 1000 مدرسة، فهم يصرفون على الـ 360 مدرسة أكثر مما ننفق على 50 ألف مدرسة».

تطوير المنظومة على طريقة «انسف حمامك القديم»

يرى الخبراء أنه إذا أردنا التطوير فعلينا أن نطور بيئة التعليم نفسها، وأن يصبح التعليم أولوية للدولة، بالإضافة إلى تهيئة المجتمع، وجهد إعلامي كبير، ويسبق كل ذلك وجود إستراتيجية للتعليم تعتمد على تطوير المناهج الدراسية، وربطها بكل ما هو جديد، مع تغيير محتوى الكتب وتطويره باستمرار.

فضلا عن كتابة المراجع حول موضوع الدرس، والفيديوهات التعليمية الخاصة به، والأنشطة المصاحبة له، مع تدريب المعلمين وتنمية مهاراتهم، ودفع الطالب لتطوير ذاته ومهاراته بدلا من الحفظ، والقضاء على الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى مواجهة الغش في الامتحانات والذي أدّى إلى القضاء على مبدأ تكافؤ الفرص.

مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر

قال الدكتور طارق شوقي إن المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي يبتكر نظامًا تعليميًا تحت مظلة «مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر»، لافتا إلى أنه ليس مجرد عنوان وإنما هدف يتم السعي لتحقيقه من خلال كل مشاريع المجلس التي عملت على 3 خطوات، وهي: إعداد الشباب ثم المعلمين، وكانت الخطوة الثالثة هي المحتوى العلمي أو ما يطلق عليه «بنك المعرفة المصري».

وأكد شوقي أن النظام الحالي للتعليم قد أُنهك، وهناك أفراد يعملون على نتاج نظام تعليمي لا يعتمد على الحفظ والتلقين، بل يعتمد على محتوى جديد وطريقة حديثة للتقييم، ويتم حاليا التحضير لمشروع شامل لتطوير المنظومة التعليمية.


تعليم جديد بدون ثانوية عامة

قال طارق شوقي إن استبدال الثانوية العامة بنظام مختلف سيتم في إطار نظام تعليمي جديد، يبدأ من البداية مع جيل جديد، ويتم تطبيقه بالتوازي مع تطوير النظام الحالي، الذي سيظل مستمرًا لمدة 12عامًا، قبل الانتقال للنظام الجديد بالكامل، لأن النظام الجديد لا يمكن تطبيقه على الطلاب بالمراحل الدراسية الحالية؛ حتى لا يظلمهم.

وأوضح شوقي أن نظام امتحانات الثانوية العامة سيتغير بالكامل، خاصة منظومة نقل الأسئلة من مكانها وحتى الوصول إلى يد الطالب، مؤكدا أن النظام الجديد سيحل أزمة الغش؛ لأنه سيلغي امتحان الثانوية العامة الذي يضع امتحانا واحدا لجميع الطلاب، الأمر الذي وضع قيمة اقتصادية للنجاح، وسوقا كبيرا لمافيا الدروس الخصوصية، واهتمام مبالغ من الأهالي بهذه المرحلة، وبالتالي لو تم إلغاؤها لن يتجه أحد إلى الغش، ولو تم تقييم الطالب على مدار 10 سنوات ليحدد أي كلية سيلتحق بها لن يكون هناك حاجة للثانوية العامة.

وأشار شوقي إلى أن النظام الجديد يُعنى بتطوير أداء المعلمين والارتقاء بهم، وزيادة قدراتهم على إيصال المعلومات وتطوير نظم الاختبارات وتقييم الطلاب، بالإضافة إلى تعديل النظام الاقتصادي للتعليم، وما ينفق عليه، وطريقة التقييم للمناهج.


تطبيق النظام الجديد

تستغرق عملية تطوير التعليم 12 سنة وهي سنوات التعليم الأساسي؛ فسيدخل الطلاب في الصف الأول الابتدائي في سبتمبر 2017 على هذا النظام، فيما يشبه فترة انتقالية ذات خطتين: أحداهما قصيرة المدى تتعلق بالمواد الإنسانية (التاريخ والجغرافيا واللغة العربية والدين) فسيتم تحسين المواد، وتقليل الحشو وتعديلها بشكل يتناسب مع الشخصية المصرية والهوية والانتماء وقبول الآخر.

وبالنسبة للعلوم والرياضيات سوف يتم ربطها ببنك المعرفة، ليطّلع الطلاب على كل جديد في العالم، والكتب سوف تتغير في كل مادة، وستتم كتابة المراجع المتوفرة حول موضوع الدرس والأفلام العلمية المتاحة، وبجانب ذلك هناك الخطة طويلة الأمد لإعادة صياغة التعليم المصري كله لبناء نظام جديد خلال الـ 12 عامًا القادمة.

ذكرت الموازنة العامة للدولة للعام المالي (2014/2015) أن الإنفاق على خدمات التعليم يبلغ حوالي 94,4 مليار جنيه، بنسبة 12% من إجمالي الإنفاق، ومانراه حاليا من نتائج التعليم المصري يثبت أن هذه المليارات تُهدر هباء، فهل تحافظ منظومة التعليم الجديدة عليها؟ هذا مانتمناه لكننا لا نتوقعه، فالكلام ليس جديدًا ولا مختلفًا، فضلا عن عدم وجود رؤية حقيقية أو إرادة من الدولة، أو خطة زمنية بإجراءات واقعية، أو خطوات محددة، إنما الاعتماد – فقط – على الكلمتين المبهرتين «تطوير» و«تغيير».