مع قرب الذكرى الثالثة لأحداث رابعة التي قتل فيها المئات يكثر الحديث عن المصالحة، وقبل الشروع في تحليل إمكانية المصالحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان، يجب العودة قليلاً لوضع الإخوان الإقليمي. كان الحال عشية 3 يوليو كما هو الحال الآن: حلف يمثله المملكة العربية السعودية والإمارات، ويضم إلي جواره مصر بقيادة الجيش، وحلف تمثله إيران وسوريا وحزب الله وشيعة العراق بما تضم من مليشيات مسلحة مختلفة، وحلف آخر يضم كل من قطر وتركيا وينضوي تحت لوائه الإخوان المسلمين

يرفض كل من حزب السعودية وإيران الإخوان. ويتفق الحلف التركي والسعودي في عدة ملفات منها ليبيا نسبياً والعراق وسوريا واليمن ويختلفان على مصر، فالسعودية تدعم السيسي بكل قوة وتركيا تعاديه بكل قوة.

وبالطبع الأحلاف لا تتسم بتماسك ميكانيكي ولكن هناك ديناميكية كبيرة في الحركة بين الأحلاف المختلفة، ويمكن القول أن هناك حلف تركي سعودي كبير، وهناك أيضاً، مؤخراً اتضح هذا بعد بيع جزيرتي تيران وصنافير، أن هناك حلف سعودي –إسرائيلي –مصري، وفي نفس الحلف ولكن مع عداء مع مصر يوجد الأتراك أيضاً.


الحلف التركي القطري

ولنبدأ بالحلف الذي يتموضع فيه الإخوان وهو التركي القطري. لم ينجح هذا الحلف في زعزعة نظام السيسي حتى الآن، ولم ينجح في فرض طوق دولي عليها، كما أن جهود الإعلام الإخواني في تركيا (قنوات مثل مكملين والشرق وقنوات أخرى) وقناة الجزيرة في قطر، لم تنجح في تقليب الرأي العام على السيسي والجيش المصري. إلي هذا الحد يمكن القول بأن جهود الحلف الإخواني حتى الآن باءت بالفشل.

بيانات الإخوان المسلمون في 2014 و2015 كانت بيانات انبطاح كامل للسعودية وتهليل للملك سلمان، وأفادت أقاويل مختلفة أن الملك سيدفع بالمصالحة

بقي دور السعودية وهو دور محوري في العلاقة مع الإخوان. بعد قدوم الملك سلمان إلي عرش المملكة، تفجرت الأقاويل وأوراق السياسات والتقارير الصحفية والبروبجاندا الإخوانية التي تشير وتأكد على أن ثمة انقلاب كبير سيحدث في العلاقات الإقليمية وعلاقة المملكة بقيادة سلمان مع مصر، وتحديداً أدعت أن الملك يشعر بالندم الشديد لدعم المملكة للسيسي والإطاحة بالإخوان المسلمين من الحكم. وأكدت هذه الأقاويل في عدة مراحل أن الملك سلمان يدفع تجاه مصالحة بين الإخوان والدولة المصرية، وتكوين حلف سني كبير في المنطقة وأن هذا الحلف يشترط وجود الإخوان به.

والحقيقة أن الوقت وواقع المنطقة والتفاعلات التي وقعت بها تؤكد تهافت هذا الحديث وأنه لم يكن مستنداً إلي شيء. المثير في الأمر أن بيانات الإخوان المسلمون في 2014 و2015 كانت بيانات إنبطاح كامل للسعودية وتهليل للملك سلمان. ودعم موقف مصر من كل من سوريا واليمن (رفض التدخل العسكري بشكل كبير في اليمن، ورفض أو الموقف المتذبذب من إسقاط بشار الأسد) هذا الحديث عن فراق بين الملك والمشير.

وهناك هوس عام عند بعض الباحثين في العلاقات الدولية بقوة الإخوان الإقليمية والدولية. والحقيقة أن الباحث لا يقلل من شأن الإخوان إقليمياً ودولياً، ولكنه لا يرى لهم قوة حقيقية قادرة على إسقاط النظام في مصر من خلال أحلاف إقليمية، ولا يرى شأنهم الإقليمي بالقوة التي يراها بعض الباحثين، بل يذهب أن أغلب هذه الحجج هى من باب الاستهلاك الأكاديمي للغرب أو للاستهلاك الصحفي.

ولنقم بمسح سريع لقوة الإخوان إقليمياً في هذه اللحظة. سوريا: قوة الإخوان بها ضعيفة بل يمكن القول أنها تلاشت لصالح التنظيمات الجهادية التي تقاتل هناك سواء النصرة أو داعش أو الأكراد. اليمن، لا يبدو للإخوان دور قوي فيها حتى الآن، وإن كان هناك دور فهو إكساب الحرب السعودية الإماراتية شرعية سياسية. مصر التنظيم منقسم على نفسه ومهزوم إلي حد كبير جداً أمنياً وعسكرياً بالإضافة لما تعرض له من هزيمة سياسية واجتماعية وفكرية. تونس، التنظيم قوي ولكن لا يملك أي أدوات للتأثير على الوضع الإقليمي، وكذلك الحال في المغرب. العراق لا يوجد له قوة. الإمارات تم كسر التنظيم بها تماماً. وأخيراً في ليبيا التنظيم متعثر في حرب أهلية طاحنة وعدم استقرار سياسي وأمني كبير تمر به لبيا.

لم يعد لدى الإخوان ما يقدموه إقليمياً لأي قوى، لا مليشيات عسكرية تستطيع إحراز فارق ميداني، ولا قوى سياسية قادرة على تحريك الأمور

إذا تبقى قوة الإخوان في حلفهم مع قطر وتركيا وكما أشرت أسفرت جهود هذا الحلف في زعزعة النظام المصري إلي اللاشيء. فوضع تركيا إقليمياً قبل 30 يونيو 2013 غير وضعها بعد ذلك، ومن ثم فإن قوة الحلف الذي تعتمد عليه جماعة الإخوان أصيب في مقتل على المستوى الإقليمي.

يصف سياسي فرنسي الوضع التركي في المنطقة قبل 30 يونيو بأنه كان «غير مسبوق»، ويستكمل: «باتت تصريحات وزير الخاريجة التركي حينها أحمد داود أوغلو عن إمكانية عودة حلم الإمبراطورية العثمانية، بقيادة العثمانيون الجدد، باتت تأخذ موضع الإمكانية المطروحة بقوة. كانت منطقة الربيع العربي كلها تقريبًا قد وقعت في يد الإخوان المسلمين، وعبر هؤلاء وصلت تركيا إلى قمّة نفوذها، واكتسبت غطرسة غير مسبوقة؛ كأن تساعد رجال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا بشكل علني، تمرر لهم السلاح والمتطوعين الجدد، وتفتح لهم الحدود لتحقيق حرية الحركة، وتشكل منفذًا رئيسًا لبيع نفط داعش في السوق السوداء» .

والإخوان لم يعد لديهم ما يقدموه إقليمياً لأي قوى. فلنفترض أن السعودية أرادت الإخوان في هذا الحلف السني المزعوم، ماذا لدى الجماعة لتقدمه عملياً على الأرض؟ لا يوجد لدى الإخوان أي مليشيات عسكرية تستطيع إحراز فارق ميداني، ولا قوى سياسية قادرة على تحريك الأمور في الساحة الدولية والإقليمية ومركزهم الأهم في مصر ضرب بقوة في 2013.


عودة الإخوان من خلال عباءة الملك سلمان

يجب أن يظل الحديث عن قوة الإخوان إقليمياً مربوط ومرهون بقوة التنظيم الأم في مصر. إذا فقد التنظيم قوته في مصر، قل الثقل الإخواني إقليمياً. فلا يمكن لمجموعات من المهاجرين قسراً في تركيا وقطر أن تلعب دورا مركزيا في صراع شديد الدموية والعنف مثل الذي تشهده المنطقة الآن.

قلل التدخل الروسي في سوريا من حجم الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان، ووسع رقعة المناورة للنظام المصري الذي يرى الحفاظ على الدولة السورية

فمثلاً حينما نتحدث عن قوة إيران في المنطقة فنحن نتحدث عن مليشيات وقوى عسكرية شديدة الولاء والانضباط والكفاءة مثل حزب الله في لبنان وبدرجة أقل قوات التحالف الشعبي في العراق، وعلاقات بالحوثي في اليمن. ليس لدى الإخوان ثقل مثل هذا أو حتى قدر بسيط منه لتستطيع أن تقدم شيء في الحرب الإقليمية الدائرة حالياً. بالطبع المقارنة مجحفة، حيث أننا نقارن دولة بتنظيم سياسي، ولكن ما كنت أود الإشارة إليه هو الثقل الميداني. ولا يمكن القول أن حماس تمثل قوة عسكرية للإخوان في المنطقة، فالوضع الفلسطيني والصراع مع إسرائيل يفرض على حماس حسابات أخرى مختلفة بالكلية لا تسمح لها بالمناورة مع تنظيم الإخوان إقليمياً لصالح الجماعة.

وظن البعض أن التدخل الروسي في سوريا، سيدفع السعودية بعيداً عن مصر ويدعم إمكانية ضم الإخوان في حلفها السني الواسع المزعوم. إلا أن التدخل الروسي في حقيقة الأمر قلل من حجم الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان، ووسع رقعة المناورة للنظام المصري الذي يرى الحفاظ على الدولة السورية وضرورة تدمير داعش وجبهة النصرة وكل التنظيمات الجهادية، كما أضعف التدخل الروسي قوة الجماعات الإسلامية الجهادية في سوريا وأعطى نفس للنظام السوري وحلفه الإيراني لاستعادة بعض من زمام الأمور ميدانياً وسياسياً.

والأخطر أن التدخل الروسي دفع تركيا خطوتين إلي الخلف. ومؤخراً بدأت تركيا في أخذ خطوات جادة للتقارب مع روسيا وإعادة رسم بعض الملفات الإقليمية. إذا كل ما يتعلق بعودة الإخوان من خلال عباءة الملك سلمان لم يكن أكثر من تفكير بالتمني ورغبة أكثر منها حقائق ووقائع على الأرض قادرة على الدفع بالإخوان مرة أخرى كلاعب مركزي في مصر.


حديث المصالحة

ننطلق إلي المصالحة مرة أخرى. حديث المصالحة هو الآخر حديث مليء بالأقاويل والتمنيات أكثر من الوقائع والمبادرات. أولاً، يجب عزل الدور السعودي وإمكانية أن يضغط الملك سلمان على السيسي والدولة المصرية من أجل المصالحة من التحليل، أو على الأقل حتى لحظة كتابة هذه السطور وفي ظل والوضع الإقليمي الراهن.

فالنظام في مصر حتى الآن ليس مجبرا على التصالح تحت ضرورات إقليمية، بل أن الحلف السعودي –الإسرائيلي الجديد فتح له نافذة جديدة للأستمرار والعمل بحرية أكثر، كما أن إسرائيل والسعودية والإمارات تدافع عن السيسي دولياً وتقوم بممارسة ضغط صريح على النظام الأمريكي والاتحاد الأوروبي للأستمرار في القبول بالسيسي والنتائج التي ترتبت على الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.

تطورات الإرهاب في المنطقة ودخول السيسي في صفقات سلاح ضخمة مع فرنسا، وصفقات الطاقة مع ألمانيا، رسخت من وجوده وشرعيته أكثر

والأهم أن تطورات الإرهاب في المنطقة ودخول السيسي في صفقات سلاح ضخمة مع فرنسا، وصفقات الطاقة مع ألمانيا، رسخت من وجوده وشرعيته أكثر، وهو ما أتضح في 2016 بعد زيارة الرئيس الفرنسي أولاند للقاهرة، وقبلها حينما حضر بنفسه لافتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة بنفسه، وفي نفس أثناء الزيارة الفرنسية شهدت القاهرة زيارة أخرى لنائب المستشارة الألمانية.

والأمر كان صريحا للغاية وهو أنهم يدعمون السيسي ويتعاونون معه لدحر الإرهاب ودفع الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلي أن السيسي عبر المال الخليجي استطاع شراء رضاء ألمانيا وفرنسا مثلما أشرت. يقول نادال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية: «بالنسبة لنا فالنظام المصري حليف لنا. نحن بالطبع نبدي له ملاحظاتنا عن مشكلات حقوق الإنسان في مصر، لكننا في النهاية لا نرى الرئيس السيسي مثل بشار الأسد، ونرى النظام يحارب الإرهاب وعلينا الحفاظ عليه. باختصار لا نريد لمصر المصير الذي واجهته ليبيا وسوريا والعراق. مصر دولة كبيرة، وانهيارها سيؤدي لتدهور الوضع في الشرق الأوسط كله» .

فصفقة الطاقة مع شركة سيمنز هى الأكبر في تاريخها، كما أن صفقات الرافال والميسترال مع فرنسا أنعشت الصناعة العسكرية الفرنسية بعد ركود طويل لها، فمصر «وقعّت في العام الماضي عقودًا عسكرية مع فرنسا لتوريد سفينتي الميسترال العسكريتين وطائرات الرافال المقاتلة في صفقات بلغت قيمتها ٩٥٠ مليون يورو و٥.٦ مليار يورو، ما أشار بوضوح لأن الحكومة الفرنسية لها رهان استراتيجي على النظام المصري» .

وفي تقرير شديد الأهمية أعده عمر السعيد بعد زيارة مطولة للعاصمة الفرنسية باريس لموقع مدى مصر يقول المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية ورئيس دائرة الاتصال رومان نادال، لـ «مدى مصر» إن: «الأحداث تجعل الأولوية الآن لمحاربة الإرهاب ومحاصرة شبكات الجهاديين الأجانب في سوريا والذين قد يعودون إلى فرنسا. نحن تلقينا ضربة قوية لكننا لا نزال أقوياء. تحقيق ذلك يتطلب التعاون من كل الدول في أوروبا وشرق أوروبا والشرق الأوسط. بالطبع لنا ملاحظات على سياسات العديد من الدول، لكن مواجهة الإرهاب الآن تتطلب مجالًا واسعًا من التعاون والتنسيق في مجالات شتى».

وعن المرونة في معايير هذه السياسة، يضيف نادال: «نحن مثلا كنا مختلفين مع روسيا، وكنا نرى أنها تستهدف المعارضة المعتدلة في سوريا، لكن بعد الأحداث الأخيرة وإسقاط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، بات التعاون مع روسيا ضرورة أكبر، وبدأت القوات الروسية في تركيز هجماتها على مواقع داعش».


ما بين الوهم والحقيقة

وحتى لا نغرق في أوهام المصالحة وأروقتها، سأعزل عن التحليل كل التمنيات، كما سأستبعد منه كل المقولات التي من نوعية «مصادر مطلعة أكدت قرب المصالحة»، «مقربون من الملك سلمان يؤكدون انتهاء التفاوض حول عودة الإخوان» وما إلي ذلك.

المصالحة بين النظام المصري والإخوان هو أمر مرهون إما بأنفجار إقليمي كبير يجعل للإسلاميين اليد العليا في المنطقة، مثل أن تنتصر النصرة وداعش في سوريا والعراق، ويحكم الإخوان والإسلامين قبضتهم بالكلية على ليبيا، ويتفوق الحلف التركي القطري في انتصار مظفر إقليمياً. وهى أمور مستبعدة بهذا الشكل إلي حد بعيد.

أو أن يحدث انهيار كبير في الداخل المصري مصحوب بتصدعات كبرى في بنية السلطة، مثل إضطرابات اجتماعية واسعة وانقلابات داخل الدولة. وفي هذه الحالة يمكن للإخوان أن يجدوا أطراف داخل الدولة للتحالف معها مثل أجنحة داخل الجيش والأجهزة الأمنية. وعلى كل كان هذا أمنية الإخوان الكبرى بعد يوليو 2013 حيث كانوا يروجون لوجود انقلابات تارة من قبل الجيش الثاني وتارة من قبل الجيش الثالث وما إلي ذلك. وحتى الآن يبدو أن كل هذه الأمور مستبعدة ولا يوجد مؤشرات عليها. بالطبع الجيش ليس في حالة استقرار داخلي كاملة ويوجد بداخله بعض التقلبات، مثل اختراقات لبعض عناصر داعش في صفوفه مثلما اتضح من قضية اللنشات البحرية بدمياط، أو القضية المنظورة أمام القضاء العسكري والتي يحاسب فيها مجموعة من الضباط من رتب مختلفة بتهمة محاولة الانقلاب.

نجح السيسي في توحيد صفوف الجيش في المعركة ضد الإخوان والتنظيمات الجهادية بالرغم من عدم الاستقرار الداخلي الكامل للمؤسسة العسكرية

ولكن يظل النظام يبدي قدرة كبيرة على السيطرة على هذه الأمور ولا يبدو أنها ترقى لدرجة انشقاقات داخل جسد الجيش والأجهزة الأمنية، بل يبدو أن السيسي نجح في توحيدهم في معركته ومعركتهم أيضاً ضد الإخوان والتنظيمات الجهادية. وعلى الرغم من أن النظام يعاني من انهيار اقتصادي كبير، إلا أن هذا الأمر هو الآخر ليس بالضرورة مؤشر يدفع إلي المصالحة، فالمصالحة لن تقدم حلاً اقتصادياً، ولم يعد لدى الإخوان من القوة المادية على الأرض ما يجعل من التنظيم قوة إستقرار أو إضطراب، فاحتجاجاتهم أصبحت لا تذكر، وانقساماتهم الداخلية كبيرة، ولا يمثلوا مصدر حقيقي للتهديد الأمني.

الأمر الذي يمكن أن يدفع باتجاه مصالحة من نوعية أخرى، هو سقوط النظام الحالي في مصر، سواء جراء انقلاب داخلي أو قتل السيسي أو موته، أو سقوطه بسبب ضغط شعبي كبير. عندها يمكن خلق صياغة من المصالحة الاجتماعية والسياسية الكبيرة تكون قادرة على إعادة ترسيم دور الإخوان في الاجتماع المصري بشكل عام، وفي المجال السياسي بالتحديد.


هل يقبل الإخوان بالمصالحة؟

أما حديث الإخوان أنفسهم، بأجنحتهم المختلفة في الداخل والخارج، عن قبولهم للمصالحة بشروط محددة فهو حديث من موقف ضعف وتمنيات سياسية ترقى لدرجة الأوهام. فمثلاً يشترط الإخوان محاسبة السيسي وكافة قيادات الإنقلاب، والقصاص للشهداء، وعودة الرئيس مرسي، وإجراء انتخابات جديدة، والإفراج عن المسجونين. وهنا يجب أن نتسائل لماذا يقوم النظام بهذا الأمر؟ والإجابة أنه لا يوجد عامل واحد قادر على دفع النظام لفعل هذه الأمور ضد نفسه في ظل القيادة الحالية.

يتبقى أمر واحد، وهو الأمر الذي تلمح له بعض قيادات الدولة من حين لآخر مثل حديث وزير الشؤون القانونية محمد العجاتي لليوم السابع في يونيو 2016 والذي أشار فيه لإمكانية التصالح مع الإخوان الذين لم تلوث أيديهم بالدماء . وهو ما فجر ردود فعل واسعة محلياً ودولياً ونال الرجل قدرا كبيرا من الهجوم عليه في الداخل ومن أعضاء بالبرلمان المصري. ليس المهم هنا هو حقيقة وجود مصالحة أم لا، ولكن الأهم ما هى الشروط البنيوية التي تضعها الدولة لعمل مصالحة.

الأمر أغلب الظن يرتبط بالإزعان الكامل. ففي حالة تحقيق هذا الأمر من قبل التنظيم يمكن للدولة القبول مرة أخرى بعودة جزئية له، وبعدها يتم تفصيل شكل هذه العودة وآلياتها، البعض يتحدث عن عزلهم عن أي مناصب سياسية لعشرة سنوات، البعض يطالب باعتذار رسمي للشعب والدولة المصرية، وكل هذه الأمور تفاصيل لا يمكن معرفة حقيقيتها الآن، ولكنها قابلة للصياغة في حالة ارتضى الإخوان الإزعان الكامل للدولة والإقرار بـ 30 يونيو و3 يوليو وكل النتائج التي ترتبت عليهم بما فيها السيسي كرئيس للجمهورية.

ويبدو أن القيادات التاريخية للجماعة بقيادة محمود عزت ومحمود حسين، أقرب لإيجاد صيغة ما من التصالح مع الدولة. حتى الآن لا يوجد حديث مباشر عن ذلك، ولكن التوجه العام لهذه القيادات يدعو بوضوح إلي التهدئة ووقف التصعيد العنيف ضد النظام، كما تؤكد قيادات عدة داخل الجماعة وصحفيين وتقارير ميل هذا الجناح لإيجاد تسوية ما.

ولكن إذا نجحت القيادات التاريخية في إيجاد صيغة ما من التصالح مع النظام القائم، لا شك أن هذا الأمر سيدفع إلي انقسامات وانفجارات جديدة داخل الجماعة، والأقرب أن الشباب لن توافق على هذا الأمر، وهو ما يمكن أن يعني انشقاق دفعات كبيرة منهم خارج التنظيم. فالدماء مازلت تنخر في صدور شباب الجماعة، وقطاع لا بأس به منهم فقد ثقته فيما يسمى بالقيادة التاريخية، وهناك حالة مراجعة كبيرة في صفوف هؤلاء الشباب تجاه إدراة هذه القيادة لسنوات الثورة وسنة الحكم. وعلى الرغم من وجود بعض الحلول القانونية والشرعية لتجاوز أزمة الدماء مثل القبول بالدية والتعويضات المعنوية والرمزية للقتلى وأهاليهم والمصابين، إلا أن الأمر لن يمر دون تفجر حقيقي في صفوف الجماعة التي تعاني انقسام وتشظي تنظيمي كبير.


موقف القوى الثورية والسياسية الأخرى

هناك توجه لبعض قيادات الإخوان يدعو بوضوح إلي التهدئة ووقف التصعيد العنيف ضد النظام، وتؤكد تقارير مختلفة ميل هذا الجناح لإيجاد تسوية ما

يتبقى سؤال المصالحة الاجتماعية وبين الإخوان والقوى الثورية والسياسية الأخرى. لا شك أن موجة العداء الفاشي للإخوان على المستوى الاجتماعي قد هدأت حدتها، والشيطنة الإعلامية لم تعد بنفس قوتها. وهو ما يتيح الفرصة مرة أخرى لمحاولة إعادة إدماج الإخوان اجتماعياً مرة أخرى. ولكن هذا الأمر يتوقف بالكلية عند أعتاب التنظيم. فهل ستطرح الجماعة خطابا جديدا يستطيع إقناع الجماهير مرة أخرى بعودتهم؟ وهل سيتم تفكيك الخطاب الذي تفشى في الجماعة مع 30 يونيو حول الشعب والمجتمع المصري والذي نعته بالشعب الديوث وعبيد البيادة؟ كما أن قطاع واسع من الجماعة ومن على يمينهم قد توعدوا الشعب المصري نفسه وليس فقط السلطة والدولة.

وبالتالي فالمصالحة الاجتماعية هى عملية واسعة من التحول تطلب طبقاً لأدبيات تحويل النزاع والصراع العمل على ثلاثة مستويات:

1-المستوى البنيوي (وهنا المقصود به الوضع القانوني، طبيعة التنظيم وهياكله، وضعه في البنية الاقتصادية والسياسية، والدور والمساحة اللتان سترسمان ملامح وأفق حركته كفاعل سياسي واجتماعي).

2-مستوى الممارسات.

3- مستوى العلاقة أو العلائقية relational (كيف ستعيد الجماعة بناء علاقتها بالمجتمع في المستويات اليومية والحياتية وعلى أي أسس وخطاب).

مع حلول ذكرى 30 يونيو من هذا العام، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة تطهرية وحالة من التبرؤ السياسي والأخلاقي من المشاركة في الحدث

بينما سيكون الوضع أكثر سهولة مع القوى الثورية والسياسية، على الأقل على المستوى البنيوي. فمع حلول ذكرى 30 يونيو من هذا العام، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة تطهرية وحالة من التبرؤ السياسي والأخلاقي من المشاركة في الحدث. وهو ما يمكن اعتباره إمكانية لخلق بوابة للتواصل والتصالح، أياً كان تصورنا أو تحليلنا لهذه الموجة من التطهر.

ولو رجعنا لمرحلة ما بعد فض اعتصام رابعة سنجد بعض القوى الثورية أو تحديداً قطاعات منها رأت ضرورة التنسيق مرة أخرى مع الإخوان كقوى سياسية لإزاحة العسكر، ولعل أبرز مثال على ذلك بيان الإشتراكيين الثوريين في 2015. كما أن قطاع من هذه القوى يرى بأن الإخوان لم يجرموا في حق المجتمع المصري مثلما أجرم نظام مبارك والحكم العسكري. سيتبقى قطاعات كبيرة أيضاً من القوى السياسية رافضة للإخوان. إلا أن رفضها من عدمه لن يكون رقم فارق في المعادلة.

وسنرجع مرة أخرى للخطوط القديمة التي حكمت علاقة الإخوان بقطاع من السياسين والمثقفين وهى حالة من عدم الثقة وعدم الارتياح والصراع الإيديولوجي. ولكن الأكيد أن علاقة الإخوان بالقوى السياسية الغير إسلامية بشكل عام لن تكون كما كانت قبل الثورة. فالإخوان على مدار عقدين على الأقل نجحوا في كسب ود قطاع لا بأس به من السياسين وتموضعوا في الحياة السياسية كقوى وطنية تسعى لشكل من أشكال الديمقراطية وقابلة للتشارك ولبناء ما يسمى بالإجماع الوطني على عدة قضايا، كما طرحت نفسها عالمياً كممثل للإسلام الوسطي القادر على التعامل مع الحداثة والمدنية.

الآن هناك عدم ثقة وصراع عنيف وقع بينهم على اختلاف وتباين هذه القوى، كما أن الجماعة تحمل هذه القوى مسؤولية ما حدث لهم. وهو ما سيحتاج سنوات وعمل شاق لتحويل هذه العوالق بينهم ورسم أفق جديد للصراع والتحالف والتنسيق السياسي، أي ما يعني إعادة بناء الحقل السياسي مرة أخرى، بالإضافة إلي تأسيس وخلق جديد للمجال العام وشروطه.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. عمر السعيد، 30 يونيو بعد 3 سنوات: نقطة تحول في الدبلوماسية المصرية، (القاهرة: مدى مصر)، 30 يونيو 2016
  2. عمر السعيد، لهذا اختارت فرنسا النظام المصري حليفا لها، 24 ديسمبر 2015
  3. عمر السعيد، مصر وفرنسا: سياسة واقتصاد وبعض حقوق الإنسان، (القاهرة: مدى مصر) 17 أبريل 2016
  4. اختارت فرنسا النظام المصري حليفا لها، 24 ديسمبر 2015
  5. محمد مجدي السيسي، مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية لـ«اليوم السابع»: